رسالة من السيد الصادق المهدي

سم الله الرحمن الرحيم

 

إلـى حضـــرة السيـد المحتـرم

               

                السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أما بعد أني اخاطبكم في أمر عام يخص الإسلام والسودان ويخص المعاملات بيننا كأبناء وطن واحد يجبرهم دينهم ووطنهم أن يراعوا العهود والمواثيق ويجتنبوا الخيانة. أننا كنا ولا زلنا نقول أن زعماء العشائر والقبائل في السودان ينالون مراكزهم برضاء أهلهم والزعامة الحقة هي التي تأتي من ثقة القبيلة وأن نظام الإدارة الأهلية يحتاج إلى الإصلاح الذي يحقق العدالة ويعتمد على ثقة القبيلة. أنني أخاطبك كرئيس لأهلك وقبيلتك يهمك اسعادهم ونشر السلام في أرضهم وسيادة العدالة في دولتهم.

أن جماعة من السياسيين قد أدخلت بلادنا الآن في محنة كبيرة وقد كانت هذه الجماعة مؤتمنة على دستور البلاد وعلى تصريف العدالة وفق نصوص الدستور فخانت الأمانة وخرقت الدستور في خمس مواضع هي المواد: 53،17،45،47،55، فعلوا ذلك مع أن كل واحد منهم لم يحتل مركز سواء كان نائبا أو وزيرا أو عضوا في مجلس السيادة إلا بعد أن أقسم الله العظيم وعلى كتاب الله أن يناصر دستور السودان المؤقت المعدل لعام 1964.

(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون). لقد خرقوا الدستور مع أنهم أقسموا بالله العظيم وعلى كتاب الله أن يناصروه لقد فعلوا هذه الفعلة الشنيعة في الوقت الذي كان فريق منهم منتدبا يجلس مع فريق منا منتدب يبحثون الموقف السياسي فتوصلوا إلى اتفاق كامل شامل حول كل النقاط المختلف عليها ولم يبق أمامهم إلا عقد اجتماع موسع لقادة الأحزاب المعنية للتوقيع على الاتفاق. ثم اتضح أن جلسات المفاوضات والاتفاق كانت عملا مدبرا لذر الرماد في العيون وللخداع وقد قصدوا من ذلك تضليلنا ليتمكنوا من تنفيذ خطتهم فغدروا بنا غدرا لا يليق بإنسان ولا بمسلم ولا بسوداني.

(الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة)

لقد خرقوا الدستور وحنثوا بالقسم وغدروا بنا وقد خسر السودان من ذلك الخسائر الآتية:-

أولا: كانت الجمعية التأسيسية تناقش مشروع الدستور الدائم فأجازته في القراءة الأولى والقراءة الثانية ودخلت مرحلة اللجنة التي هي آخر المراحل الرئيسية في إصدار دستور البلاد الدائم، وكان مشروع الدستور المعروض أمام الجمعية يحقق دستورا إسلاميا يراعي الحفاظ على ما هو طيب وحسن من الحياة العصرية ويرعى حقوق الأقليات الدينية، وكان مشروع الدستور أيضا مشتملا على مشروع صلح ووفاق مع العناصر السودانية التي كانت تطالب بحق تقرير المصير أو تنال النظام الفدرالي فصالحناها واقنعناها بضرورة وحدة التراب السوداني مع مراعاة اللامركزية في حكم أقاليم السودان هذا المشروع قد ضاع الآن لإشباع أطماع بعض السياسيين في الحكم دون سند شرعي.

ثانيا: كان الدستور المؤقت المعدل لعام 1964م يتيح مجال الاختلاف في الرأي في إطار الجمعية التأسيسية ثم ينفذ رأي الإغلبية ويرضي به الجميع. أما الآن فإن خرق الدستور وحل الجمعية يفتحان الباب للمقامرين والمتآمرين ليتصرف كل حسب هواه مما يفتح باب الفتنة في السودان.

ثالثا: أن انتخاب جمعية تأسسية من جديد سوف يؤدي – إذا حدث- إلى تعطيل التطور الدستوري في البلاد لمدة عامين لأن الجمعية القادمة سوف تعود للعمل من البداية وفي هذا ضياع لوقت الناس وتبديد لأموالهم. وإذا سمحنا بالغدر والخيانة في الحياة السياسية هذه المرة فما الضمان لأي جمعية تأسيسية قادمة أن تترك لتؤدي واجبها حتى نهايته؟ وما الضمان لنفاذ أي دستور قادم؟ أن الباب سيكون مفتوحا لكل من بيده الأمر أن يحل الجمعية ويخرق الدستور إذا لم توافق الأمور هواه أو انقلبت التيارات ضد مصحلته الحزبية. لهذا كل فأننا قد رفضنا أن ننصاع لخرق الدستور ولن نقبل الغدر وواجهنا الموقف مستعدين لكل تطوراته وهدفنا هو نقض كل هذه الإجراءات غير الشرعية لأنها غير دستورية والتي قام بها الساسة الذين جلسوا في مجلس السيادة ومجلس الوزراء. فإذا أصروا واستكبروا استكبارا فسنواجههم معتمدين على الله ليحق الحق ويبطل الباطل.

أننا نكتب لك هذا في بلاد استخف كبارها بأمرها فوجب على أهلها أن يهبوا لحماية حرماتها فلا يروا الكبير كبيرا إلا بالحق الذي يقف عند حدوده ولا يروا الصغير صغيرا إلا بالباطل الذي يتردى فيه. وهدفنا أن ننقل إليك الحقائق وأن نخاطب فيك الغيرة على الإسلام والسودان لتتضافر جهود عمار السودان وركائز الإسلام في السودان لانفاذ مشروع الدستور الدائم ولحماية الدستور المؤقت الذي ينظم الحكم في السودان من عدوان المعتدين.

أن الظرف حاسم والأمر خطير وكل نفس بما كسبت رهينة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

مرسله

 

                                       الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي