قراءة مبصرة للحادي عشر من أيلول.. 2001 ـ 2005م

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة مبصرة للحادي عشر من أيلول.. 2001 ـ 2005م

18 سبتمبر 2005م

 

«لقد كان في قَصَصِهِم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يُفتَرى». سورة يوسف، الآية 111.

من لا يتعظ بالماضي سوف يكرر أخطاءه. نعم هجمات الحادي عشر من أيلول توافرت لها إرادة مخططة وجماعة منفذة، ولكن لا الإرادة المخططة ولا الجماعة المنفذة منفصلتان عن مقدمات كونت الظروف الموضوعية الممهدة وبلورت الإرادة الفاعلة. إن لكل شيء سببا.

هنالك عوامل داخلية أفرزت الغلو في العالم الإسلامي وجندت أنصاره له هي:

أولا: الحكم المحتكر للسلطة لفرد أو فئة، يمنع المشاركة ويحرم غالبية الناس من الأمر العام، فيدفع كثيرين للتفكير في مصيرهم بأساليب منفردة منفلتة.

ثانيا: يصحب ذلك وضع اجتماعي يميز القلة على حساب الأكثرية.

ثالثا: يصحب الحرمان السياسي والاقتصادي غبن يضاعفه الشعور بأن الوطن نفسه محكوم بإرادة أجنبية.

رابعا: هذه المظالم الوضعية تجد لدى كثيرين معنىً دينيا لشيوع فهم للدين يقوم على أن الحاكمية لله، بمعنى أن الله أوجب نظاما سياسيا معينا وأحكاما محددة، فمن تقاعس عن تطبيقها خالف إرادة الله وكفر بدينه، ونفس هذا الفهم للدين يؤسس العلاقة مع الآخر المحلي على الإقصاء والعداء وإيجاب خضوع ذلك الآخر لإرادة المسلمين.

وللغلو أسباب خارجية غالبيتها أمريكية ساهمت في صنع الغلو وشحذه أهمها:

أولا: دعم الاستبداد الداخلي بكل الوسائل.

ثانيا: دعم العدوان الإقليمي، لا سيما الإسرائيلي.

ثالثا: التعامل مع النفط كسلعة موجبة للتبعية لمصالح أجنبية.

رابعا: بروز دور الولايات المتحدة كشرطي مدافع عن الواقع الدولي بكل معطياته.

أما الدور الأمريكي في الغلو المنطلق من أفغانستان فهو دور مباشر حيثياته:

* منذ عهد الرئيس رونالد ريجان اتبعت الولايات المتحدة سياسة متشددة ضد «إمبراطورية الشر»، أي الاتحاد السوفيتي (السابق)، مما أدى إلى دعم المقاومة الإسلامية بصورة انتهازية.

* الجهاد الأفغاني نجح في طرد السوفيت من بلاده ولكن فصائله عجزت عن إدارة البلاد مما خلق فراغا ملأه الطالبانيون.

* طالبان جماعة شعبوية مكونة خارج رحم الحركات الإسلامية المعروفة ـ جماعة قوية العزيمة والحماسة قليلة المعرفة والخبرة.

* طالبان وجدت دعما كبيرا باكستانيا ونوعا من القبول الأمريكى أولا لأنها تمثل ترياقا مضادا لإيران، وثانيا لأنها حققت استقرارا مطلوبا لتشييد أنابيب نفط بحر قزوين.

* أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وتحالف طالبان مع القاعدة قادا إلى الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001.

هذا الغزو الأمريكي نجح عسكريا ولكنه لم يمنع تحول الصدام إلى حرب غير تقليدية بلا نهاية ، تمددت في أفغانستان وشمال باكستان ثم تمددت بعد عام 2003 في العراق.

قال مدير الاستخبارات الأمريكية في جلسة استماع للجنة الأمن في الكونجرس الأمريكي في فبراير 2004 «إننا قد حققنا نجاحا تكتيكيا ضد القاعدة ولكنها تكسب الحرب الاستراتيجية لسببين:

الأول: أن زيادة الكراهية في المنطقة لسياسات الولايات المتحدة أعطتها فرصة لتجنيد أعداد كبيرة، والثاني: لأن وسائل الاتصالات الحديثة أعطتها فرصا كبيرة للاتصال والتدريب.

إن الأحداث منذ ذلك الوقت اتجهت نحو استقطاب حاد ميادينه العالم كله، ولا سيما أفغانستان والعراق.

التعامل مع هذا الاستقطاب كحالة أمنية وعسكرية فحسب لا يجدي، ولا بد للقضاء على العوامل التي ترفده من تحقيق أجندتين، إحداهما داخلية والأخرى خارجية.

الأجندة الداخلية:

أولا: إجراء إصلاح سياسي يحقق الحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة والشفافية وسيادة حكم القانون.

ثانيا: إجراء إصلاح اقتصادي اجتماعي يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية علي نطاق واسع.

ثالثا: صحوة ثقافية يرفدها إصلاح ديني يؤكد أن الله لم ينزل نظام حكم محدد، بل أوجب مبادئ سياسية عامة تطبقها الأمة باجتهادها، وأن في الإسلام أحكاما تطبقها الأمة مراعية الحكمة، ومقاصد الشريعة، والعقل، والمصلحة، والسياسة الشرعية. «وَالَّذِين إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا». ويؤكد أن العلاقة مع الآخر المّلي والدولي تقوم على قوله تعالي: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، سورة الممتحنة الآية 8. على خلاف الفهم المنكفئ للدين الذي لا يقبل هذه الاجتهادات الرحبة ويعتبر آية السيف ناسخة لكل آيات التسامح قاطعة في أمر الولاء والبراء.

رابعا: كفالة الحريات العامة لينمو وينضج مجتمع مدني لا يسمح لقلة متحمسة أن تختطف إرادته.

الأجندة الدولية:

أولا: التخلي الأمريكى الحقيقي عن دعم الاستبداد، لا التخلي التكتيكي الذي نشاهده.

ثانيا: التخلي الحقيقي عن دعم العدوان الإسرائيلي وكل عدوان مماثل، والعمل الفاعل لرد الحق الفلسطيني لأهله مثلما ساهم المجتمع الدولي في مصادرته.

ثالثا: التعامل مع ملف النفط على أساس أن ملاك النفط راشدون ويمكنهم الوصول مع مستهلكيه إلى معادلة تحقق المصلحة المشتركة من دون وصاية.

رابعا: مع بداية الألفية الثالثة، خطا الوعي الإنسانى خطوات واسعة نحو مفهوم أوسع للأمن الدولي، ونادى بقيام شراكه حقيقية بين أثرياء العالم وفقرائه.

هذه المفاهيم لخصتها أهداف الألفية المعلنة عام 2000 م. ولكنها منذ إعلانها ظلت معلقة في الهواء بلا تقدم ولا متابعة!! المركز القيادي العالمي للولايات المتحدة يفرض عليها قيادة الالتزام بهذه الأهداف السامية ـ ولكن الولايات المتحدة وآخرين من الدول القوية الغنية ما زالوا يقولون ما لا يفعلون.

فحجم ما تدفع أمريكا من دعم تنموي لم يبلغ ما التزمت به من قبل 35 عاما، أي أن يكون بنسبة 0.7% من دخلها القومي، ومن مقتضيات الجدية أن تلتزم المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأهداف الألفية، ولكن في هذا الصدد فإن تعيين السيد بول وولفتز رئيسا للبنك الدولي لا يدل على الجدية، لأنه عديم الخبرة التنموية، بل خبرته في الاتجاه المعاكس.

قادة الرأي والعمل في العالم الإسلامي ينبغي أن يشمروا عن ساعد الجد لتحقيق الأجندة الداخلية. وقادة الرأى والعمل في أمريكا والبلدان الغنية الأخرى ينبغي أن يقيدوا أحزمتهم لتحقيق الأجندة الدولية، وبالعدم فإن المجال سوف يخلو لغلاة الشرق والغرب فيحل على العالم الوبال.. إنك لا تجني من الشوك العنب!.