كلمة الإمام الصادق المهدي في افطار بخاري الجعلي بعنوان- العلاقات السودانية المصرية

سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إفطار القطب الاتحادي

الدكتور بخاري الجعلي

العلاقة بين مصر والسودان في ظل التطورات في مصر

كلمة الإمام الصادق المهدي

الثلاثاء 19 رمضان 1433هـ

الموافق 7 اغسطس 2012م

أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي

السلام عليكم ورحمة الله

وأشكر الأخ بخاري على دعوتنا هذه وهي عادته، إذ ما ذهبنا لقطر حينما كان هناك إلا و عمل مناسبة كهذه، يدعو كل الناس لعشاء وأيضا يفتح باب نقاش، وأعتقد أن هذا تقليد حميد جدا لأنه فيه الوصال الاجتماعي والفكري وهو مهم. فهو مشكور على هذه الدعوة ومشكور أيضا على اختيار الموضوع.

العلاقة بيننا وبين أهلنا في مصر مصيرية، وفي مقدمة قصيرة أقول:

هي كانت مهمة في التاريخ القديم والتاريخ الحديث والآن لها دور متجدد على ضوء التطورات الآتية:

– هناك نظام في السودن وفي مصر يقال وينسب على أنهما من رحم أخواني واحد.

– كذلك انشطار السودان لدولتين احداهن الآن تحالف عدو مشترك: اسرائيل.

– وكذلك هنا معالم تداعيات الفجر الجديد، وانا أسميه الفجر الجديد وليس الربيع العربي فكلمة ربيع هذه مقتبسة في رأي بصورة غير دقيقة.

سأقول كلامي عبر أربع نقاط:

النقطة الأولى: قراءة متجددة لتاريخ العلاقة بيننا وبين أهلنا في مصر وأضعها فيما أسميه جدلية الوحدة والافتراق. النقاط التي أصور بها هذه الجدلية هي

أولا: كثير من علماء الآثار كبروف هيكوك وبروف هيرمان بيل وشارلس بونيه وآخرين في الحفريات التي أجروها أحدثوا ما يمكن أن يسمى ثورة في علم الآثار لأنه كان يقال في الماضي ما معناه أنه لا تاريخ جنوب مصر والتاريخ كله ينتهي في جنوب مصر ولكنهم جاءوا بكلام مختلف مفاده أن الحضارة أصلا نشأت في السودان وانتقلت إلى مصر فحضارة النيل حقيقة حسب كامهم هي منتج سوداني مشى شمالا.

ثانيا: أن حضارة وادي النيل التي نشأت جنوبا وهاجرت شمالا ازدهرت في مصر وتطورت في ازدهارها في مصر ثم انتقلت للسودان كأنها عملية (two way traffic ) أي أنها مشت وجاءت.

ثالثا: في هذا الإطار قامت وحدة بين البلدين في ذلك الوقت على أساس ندي، وعدد من الأسر الفرعونية كانت سودانية وعلى هذا الأساس كانت العلاقة وحدودية لكنها كذلك ندية، بعدها حصل افتراق والسودان مشى في خط نظام ودولة وحضارة ودين ولغة مستقلة: الحضارة المروية، بينما مصر تعرضت في كل هذه الفترة للغزاة ، وكل الغزاة من فرس، وهكسوس، وحتى الفتح العربي كلهم حاولوا فتح السودان لكن استحال لهم ذلك فوقفوا عند حدود مصر فصارت لدينا الحضارة السودانية المروية الكوشية التي استمرت ألف عام، والحضارات المصرية التي خضعت في تلك الفترة للغزاة الأجانب.

بعد ذلك جاءت الفترة التي كون فيها السودان وفي مصر علاقة نستطيع نقول إنها متصلة ثقافيا عن طريق الكنيسة فدويلات السودان المسيحية كانت أورثذوكسية قبطية، بعدها جاءت مرحلة السودان الإسلامي عبر دويلات إسلامية لكنها كلها كانت مستقلة، بعدها جاءت فترة الاحتلال العثماني الذي احتل مصر أولا ثم السودان وهي الفترة التي فيها تمت وحدة لكن بنفوذ الطبقة الحاكمة التي كانت أصلا تركية وإن كان محمد علي استقل عن الباب العالي. المهدية ليست كما يعتقد بعض الناس أنها كانت للانعزال عن مصر، بل كانت المهدية للاتصال بمصر ولكن بصيغة جديدة، والفكرة أنها تكون وحدة على أساس جديد وإسلامي وبديل لما كان قائم، لم تتحقق ولكن كما قال يونان لبيب رزق، وكنا عملنا احتفال في القاهرة بـيوم 26 يناير أي بتحرير الخرطوم وفي ذلك الوقت فهو حضر المناسبة وكنت في كلامي قلت: صدق أو لا تصدق احتفال بـ26 يناير في القاهرة! فهو قال أصدق لأننا نحن في مصر في ذلك الوقت كلنا كنا نشعر بأن الحكم القائم أجنبي والمصري كان غريب في بلده، والتياران اللذان كانا يسيطران على الشارع المصري في ذلك الوقت هما التيار الوطني العرابي، والتيار الإسلامي الذي كان يقوده جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وهذان التياران الشعبيان كانا مستعدين أن يستقبلا المهدية باعتبارها حركة تحرير، وفعلا هذا كان موثقا في رسالة أحمد العوام العرابي، ومجلة العروة الوثقى التي كان يصدرها جمال الدين ومحمد عبده.

ثم جاء الاحتلال الثنائي واختلفت رؤى المصير بالنسبة للسودانين بين تيار استقلالي وتيار اتحادي. القراءة الصحيحة للتيار الاستقلالي في رأيي بينها الإمام عبد الرحمن في مذكراته وقال: نحن لسنا ضد أننا نحن ومصر مصيرنا واحد وثقافتنا واحدة والجوار وهكذا، ولكننا ضد عبارة السيادة المصيرية على السودان، ولذلك المسألة ضد فكرة سياسية وليس ضد المصير الوطني وقال: نحن نأخذ حقنا وبعدها نتفق مع أخواننا في مصر على علاقات تقوم على أساس المصالح، ولكن لا يكون أننا ليس لدينا أمر في يدنا أمر والأمر مفروض علينا بموجب السيادة، وهذا طبعا خطأ الطبقة الحاكمة في مصر في ذلك الوقت وكانوا يجارون الانجليز فالانجليز يقولون السيادة عندنا فهم يقولون إن السيادة عندنا بموجب حق الفتح، وهذا ما كانت الحركة الاستقلالية منطلقة ضده.

والحركة الاتحادية كانت اتحادية حقيقة فلماذا فكرت أن تغير؟ أيضا كان ذلك لأسباب سياسية فالسودان كان يحكم ديمقراطيا وكان لديه إحساس بأنه بلد ديمقراطي، بينما ضباط الثورة المصرية كانوا يفكرون أن لديهم هيمنة على الوضع في السودان ولا شك أن ردة الفعل كانت أن الاتجاه للاستقلال غلب باعتبار أن نحن عندنا ديمقراطية ولا يمكن نضيع حقوقنا لسيطرة اجنبية أو سيطرة انقلابية أو استبدادية، المهم أنها كانت ردة فعل من السيطرة الانقلابية، وطبعا دخل في هذا أن نجيب الذي كان متبنيا لفكرة الديمقراطية أطيح به. هذه القضايا كلها أدت إلى تبني التيار الاتحادي للاستقلال. إذن نقول: التوجه الاستقلالي في السودان كان نتيجة لظروف سياسية وليس لرفض مصيري للعلاقة بين البلدين.

والنتيجة أن القراءة الصحيحة في رأيي هي أن جدلية الوحدة والافتراق ارتكزت على عوامل سياسية وراء الافتراق.

النقطة الثانية:

هناك سبعة عوامل في رأيي تدفع نحو علاقة خاصة تضيق تكاملا أو تتسع وحدة بين السودان ومصر:

• العامل الجيوسياسي: لا شك هناك عامل جيوساسي: وادي النيل، الجوارإلى آخر هذه المعاني الجيوسياسية.

• العامل الثقافي: الإسلام، العروبة إلى آخره.

• العامل الاقتصادي.

• العامل الأمني: لا شك هم ونحن ظهر لبعض فيما يتعلق بالملف الأمني.

• العامل السياسي: لا شك أن كثيرا من الحركات السياسية في السودان أصولها مصرية هذه حقيقة لا شك في ذلك وهذا معناه أن هناك تواصل سياسي كبير ونقول في نهاية المطاف جزء كبير جدا جدا من الحركات السياسية السودانية أصولها مصرية.

• التفاعل الاستراتيجي: نحن ومصر في القارة الأفريقية نمثل شمال أفريقيا وهذا يفرض عامل إستراتيجي في التعامل ما بين افريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوب الصحراء.

• عامل تداعيات الفجر الجديد: وهذا آخر العوامل التي سأتكلم عنها وأعتقد أن هذا الفجر الجديد الذي أدى إلى ثورات عربية ضد النظم الاستبدادية أظهر حقيقة وجود شعب عربي واحد وأشواقه مشتركة ضد الاسبتداد والدكتاتورية ومع الديمقراطية وأكثر من ذلك إن هذا الشعب العربي الواحد في تقديري سوف يفرض نوعا من الوحدة على العرب لأنهم سوف يدركون حقيقة أنه ليس لديهم مستقبل إلا في إطار وحدوي، والبلدان العربية الفقيرة ولكنها كثيرة السكان في المشرق وفي المغرب العربي وفي وادي النيل، وهناك في الخليج بلدان غنية ولكنها قليلة السكان، هذا الوضع لا يمكن أن يستمر كذلك لا بد من عنصر التزام واتفاق لان هذه البلدان الغنية التي أموالها الآن حقيقة ضائعة في الاستثمارات الاجنبية، في 2008 فقدت الصناديق السيادية العربية والرصائد العربية والاستثمارات العربية في البورصات الاجنبية 3 تلريون دولار لما حدث لها من أزمة عالمية. والآن ومستقبلا لا شك إن البلدان الفقيرة كثيفة السكان ليس لها أي طريقة أو مجال لها أن تطلع من الفقر إلا بحقنة قوية جدا من استثمارات عربية، هذه الحقنة تحتاج طبعا لإرادة سياسية ووعي سياسي لكن ضرورية.

في الماضي حينما شعرت أمريكا بعد الحرب الأطلسية الثانية أن أوربا كسرتها الحرب وممكن تتجه نحو الاتحاد السوفيتي صرفت تريليون دولار لإنعاش أوربا، نفس الشيء ألمانيا الغربية صرفت حوالي تريليون دولار لمساعدة ألمانيا الشرقية، كذلك الاتحاد الأوربي صرف زيادة من تريليون دولار ليجعل الدول الفقيرة في شرق وجنوب أوربا تلحق بالاتحاد الأوربي. لا بد من وعي من هذا النوع ومستوى تريليونات وإلا فإن الفقر في البلدان كثيفة السكان والتي فيها الآن أغلبية شباب وعطالة فوق 30% ستتحول إلى ثورات جياع وإلى مسائل خطيرة جدا في المنطقة. إذن أظهر لفجر العربي الجديد نوعا من الوحدة الثقافية والتطلع المشترك وما حدث الآن في هذه البلدان سوف يعبر الحدود كلها لتطلعات مشتركة، وهذا في تقديري حتمي وإذا وجدت قيادات واعية ورشيدة يمكن ترجمة هذا في إطار علاقات جديدة وحدوية بين هذه البلدان وإلا سوف تكون هناك مخاطر كبيرة جداً.

النقطة الثالثة: لا سيما في إطار ما حدث مع الفجر العربي الجديد من تفكيك للنظام الشرق أوسطي وهو مشترك ونظام واحد سمه ما تشاء ولكنه نظام فاشستي عبارة عن جهات حاكمة تفرض إرادتها على الآخرين، وأمن لا يراعي إلاً ولا ذمة، واقتصاد محابٍ لطبقة معينة، وإعلام مضلل. النظام الشرق أوسطي هذا في تقديري إلى نهاية ولا بد أن يزول أيا كانت الشعارات التي يرفعها. الثقافة، والوعي والعولمة، والطبقة الجديدة من المثقفين والعلاقة مع الغرب وكل هذه المعاني سوف تترجم إلى ثورة ضد النظام شرق الأوسطي. ومن المؤكد أنه حينما يزول هذا النظام شرق الأوسطي وقد بدأ زواله في بعض المناطق، سوف تسترد الشعوب حريتها وبموجب حريتها سوف تعبر عن أشواق إسلامية، مع أن الثورة ذاتها ليست إسلامية وهي ثورة حرية لكن الشعوب الحرة تعبر عن أشواقها تعبيرا إسلاميا. القوى التي شكلت رأس الرمح في التحرير حقيقة تنتمي لتمرد مدني هو جزء من ثقافة العولمة بما فيها من تعلق بمنظومة حقوق الإنسان على كل المستويات، ووسائل التواصل الحديث الفيس بوك، وتويتر، والاسكايب كل هذه الأشياء تمثل ثقافة العولمة، وهي مع الملة الجديدة: منظومة حقوق الإنسان؛ يشكلان رأس الرمح للتغيير.

النظام الفاشستي في كل هذه البلدان استطاع تفكيك منظمات المعارضة المدنية كلها أو إضعافها بشكل كبيرجدا، من أحزاب سياسية ونقابات باختراق لها واضعاف لها كما في إيران حيث استطاع النظام الشاهنشاهي أن يضرب الأحزاب السياسية المدنية ويضرب النقابات ولكن تخندقت المعارضة في قم والمساجد والحسينيات، نفس الشيء هنا المعارضة الدينية تخندقت في أنشطة دينية: المساجد وحركات مختلفة صعب أن يطالها الأمن ولذلك صار عندها بيات شتوي ووجود رغم الحركات الفتاكة التي يقوم بها الأمن. فتحت الثورة طريق للحرية وبعد أن جاءت الحرية وسقط النظام حصل اضطراب شديد جدا خصوصا في مصر، ولم يكن هناك أي برنامج للثوار ولا قيادة للثوار، وأسرعوا جدا بالانتخابات حتى قبل أن يكتبوا دستورا وكان الإسلاميون أكثر تنظيما وبفعل علاقات خليجية أكثر تمويلا، وكل التيارات الإسلامية الموجودة سواء كانت أخوانية أو سلفية حقيقة كانت أكثر تنظيما ومخندقة في قنوات دينية وبالإضافة إلى ذلك ممولة أكثر بعلاقات إما فردية أو عن طريق الدول الخليجية، ولا شك دخل في الانتخابات في دول الربيع العربي أموال كثيرة جدا من دول الخليج سواء كانت عن طريق منظمات مشتركة أو افراد متعاطفين أو دول. أخواننا الذين يمثلون الحركات الإسلامية الآن في مصر حققوا انتصارا كبيرا جدا لكنه أكبر من قدراتهم السياسية وأكبر من اجتهادهم السياسي لذلك ظهر كثير جدا من التخبط في تعاملهم مع القضايا. هناك تخبط شديد جدا عند الإخوان ولكن هناك تخبط أكثر منه عند السلفيين، ودخلوا في حاجات خزعبلية جدا صار لديهم نفوذ سياسي شعبي كبير ليس مصحوبا بنفس المستوى من البرمجة والقيادة.

المجتمع المصري أصلا منقسم إلى قسمين وأي شك في ذلك في رأي ينبغي زواله، هناك قسم ينظر عبر البحر الأبيض للغرب وأشواقه حقيقة في اتجاه مدني مستمد من هذه الثقافة، وقسم عبر البحر الأحمر ينظر شرقا للحرمين أو المسألة الإسلامية؛ فغربا نحو الغرب وشرقا نحو الحرمين، الأول: أي الاتجاه نحو الغرب أقوى عقلا ولكنه أضعف ميلا لوجدان الأمة والثاني: أقوى عاطفة ولكنه أضعف ميلا نحو حضارة العصر. الجماعة الذين في العقل خارج وجدان الأمة، والذين في القلب خارج مسيرة أو تيار التاريخ.

الموقف في مصر الآن استقطاب حاد جدا وشيطنة متبادلة. هناك محاولة من الأزهر أن يعمل حلا لهذه المعادلة ولكن هذا ليس له أثر في القواعد الشعبية فهي مستقطبة جدا، وكثير من الحادبين يواجهون محاولة تخطي هذا الاستقطاب الحاد، الإسلاميون عموما يواجهون تحدي استصحاب المدنية والعقلانية والتعددية، الشق الآخر وهم المدنيون عموما واللبراليين والديمقراطيين يسمون نفسهم بأسماء مختلفة يواجهون تحدي الاقتراب من وجدان الأمة وتحدي تجاوز التشظي هم الآن يعانون من قلة التوغل الشعبي ومن قلة التنظيم.

هذه المواجهة توقعها كثير من الناس ولكنها الآن وقعت، مبارك كان يقول إما نحن أو الإخوان. وكان جاءني عام 1998م السيد حسب الله كفراوي وكان وزيرا في كل الوزارات في العهود الثلاثة في مصر وهو مفكر، قال لي: يا فلان انتم الآن مشغولون بحل مشكلة الجنوب وأهم من هذا ما يحصل في مصر، ففي مصر إما مواجهة صفرية بين تيارين الديني والمدني إذا تصادم هذان التياران فسوف تضطرب مصر جدا، ويا فلان أنا أود أن اقترح عليك وأقول لك تعال اعمل حزبا في مصر ونوحد مصر والسودان لأن أفكاركم التي تقولون بها هذه تساعدنا نطلع من مضيق المواجهة الحتمية فقال لي: يمكن ان تفتكر أن هذا كلام زول مجنون لكني أقول لك هذا الكلام لأني أنا أرى الخطر القادم إلينا من الصدام الذي سوف يحدث بين هذين التيارين. وطبعا اتخذ هذا الصدام منظرا في مصر في الصراع بين شفيق ومرسي، الناس الذين استقطبوا ما كانوا إلا أنهم يمثلون حركات اجتماعية تواجه بعضها البعض.

المطلوب في مصر: لم الشمل بين الشطرين في مصر وهناك ناس كثيرون يفكرون في هذا الكلام ولكن ليست هناك استجابة كاملة في مصر بعد وإذا لم يوجد ذلك ستكون هناك مشكلة، مصر للأسف إما أن تجد سبيلا عن طريق صحوة إخوانية، أو تحركات في التيارات المختلفة، للم الشمل وإزالة التناقض هذا أو سوف يحصل في مصر إما نكسة استبدادية أو فوضى للأسف.

نأتي للسودان، النظام في السودان يعتبر نفسه توأم لنظام مصر لأنهم قادمين من رحم واحد، والعلة في هذا أن المشروع المصري إذا بدأ مؤاخيا للنظام السوداني في هذا خطورة كبيرة جدا على مستقبل النظام المصري نفسه لأنه معناها التخلي عن التطلعات الديمقراطية التي يريد أن يثبتها ويؤكدها، ومعناها قفل الباب أمام العلاقة مع دولة الجنوب، لأنه إذا كان الموقف المصري تطابق مع الموقف السوداني، والموقف السوداني لغاية الآن مع الجنوب قائم على أساس علاقات صفرية، وهنا المصريون عندهم مصلحة كبيرة جدا في علاقة خاصة مع الجنوب لأن مياه النيل لا توجد طريقة لزيادتها إلا عبر النيل الأبيض. كذلك إذا حصل هذا سوف يعزز الاستقطاب داخل حوض النيل وهذا خطر جدا على مصر وعلى السودان. وكذلك سوف يصير للنظام المصري أيضا استعداء للنظام الدولي باعتبار أن النظام السوداني مركبة فيه أشياء اتهامية كبيرة جدا خطير جدا التماهي معاها، هل مصر سوف تنضم للمحكمة الجنائية أم لا تنضم إلى آخر هذه المعاني، وهذا ثمن باهظ جدا. الاقرب احتمالا أن يحاول النظام المصري أن يساعد في ضغط على تبييض النظام في السودان أي رافع إصلاح أنا اعتقد أن النظام في مصر بدلا عن المشي في تعزيز موقف الأخوان في الخرطوم حسب ما يريدونه ولأنه إذا مشي في هذا الخط سوف يسود مصيره هو، فإنه ممكن أن يلعب دور آخر وهو الضغط في اتجاه الإصلاح يعمل laundering أو تبييض للنظام السوداني ليكون ممكن التآخي معه.

أما في السودان ففي تقديرنا هذا كله داخل في المعادلة في العلاقة مع مصر بصفة خاصة أن الإصلاح في السودان ممكن يأخذ طابع الخروج من المستنقع الذي هو فيه، بمرجعية إسلامية ولكن تحقق تحولا ديمقراطيا، وتحقق توازنا يوقف الحروب، ونحو خريطة طريق نحن نعتقد أن خريطة الطريق هذه نحن رسمناها في الكتيب الذي صدر الآن وهو “مشروع سلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل” وفي تقديرنا إذا مشينا في هذا والمصريين استطاعوا القيام بلم شملهم فهذا يفتح الطريق لعلاقة وثيقة جدا وحدوية بين البلدين مع وجود العوامل التي ذكرناها.

إذا استطاع البلدان في تقديرنا العبور فالطريق سالك للاتحاد بأي مسمى يكون، يكون نواة لبناء الوطن في البلدين وعطاء في المجالات العربية والأفريقية والإسلامية والدولية لأن في كل هذه المجالات المسرح معد لعمل كبير جدا، في المسألة العربية المسرح معد لتوحد أكبر أفريقيا المسرح معد لعلاقة أوسع عربية أفريقية، إسلاميا: الخروج بمشروع إسلامي وعصري، دوليا: أن يكون لهذه المنطقة وزن حسب وزنها التاريخي.

هذه هي جائزة العبور، إذا استطعنا نحن في مصر أن نعبر بحيث أن نلم الشمل بين الدفتين الموجودتين بصورة تنقذ الوضع في مصر بحيث أن تكون هناك الديمقراطية والتنمية إلى آخر هذه المعاني بمرجعية إسلامية إذا أخفق هذا للأسف سيكون في نكسة استبداد أو فوضى.

ونحن في السودان إما أن نعمل ذلك أو أن السودان مبشر للأسف بتمزق وتدويل فإما أن نعمل مشروعنا هذا وهو مشروع خلاص وطني يعالج قضية الديمقراطية والتحول الديمقراطي و السلام ويبعد الحروب.

إذا اخفق البلدان في مصر تحدث الفوضى أو الاستبداد، في السودان التمزق والتدويل وفي الحالين فتح المجال لهيمنة دولية فمنطقتنا هذه منطقة مهمة ولا يمكن يسمح لها تعمل زي ما عايزة فإذا كان نحن فشلنا في مصر وفي السودان في أننا نلم هذا الشعث، فسنجد أنفسنا حتما مواجهين هيمنة دولية تفرض علينا وكما هو معروف ابتداء من بداية حركات الربيع العربي صار العامل الدولي كبير جدا. لعب دورا خطيرا جدا في ليبيا ويلعب الآن دورا مهم جدا في سوريا وقبل ذلك لعب دولاا كبيرا جدا أصلا في العراق، وليس من الضروري أن هذه الأدوار ناجحة ولكن على أي حال هي أدوار مهمة جدا.

منطقتنا هذه مهمة جدا وفي الصراع القائم والذي طرف فيه إسرائيل هي منطقة حيوية ولذلك إذا نحن لم نلم شملنا مصريا وسودانيا وثنائيا سوف نجد نفسنا حتما أمام قوانين وقواعد للعبة تحددها الأسرة الدولية, وأعتقد أن الأسرة الدولية أنها الآن طغت “شمت صناحها” باعتبار أنها بدأت تشعر بأن لديها قدرات تستطيع تفرض قوانين اللعبة في المنطقة، وهذا ما جعلهم فعلا عملوا أعمال جسورة جدا فيما حدث في ليبيا ويمكن أن يحدث في المستقبل.

على كل حال أنا رؤيتي ببساطة شديدة واستجابة لطلب الحبيب الدكتور بخاري أن هناك فرصة عظيمة جدا لعلاقة تاريخية بين السودان ومصر في إطار هذه المفاهيم ولكن كذلك هناك استحقاقات لهذا خطيرة جدا إذا لم نستطع أن ندفعها في السودان وفي مصر للأسف الويل والثبور وعظائم الأمور.