كلمة الإمام الصادق المهدي في زواج فيحاء محمد علي

الإمام الصادق المهدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

صالة الخليل بأم درمان ظهر الأربعاء الموافق 21 اغسطس 2013م

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ،،

بنتي فيحاء وابني سنهوري ، أخواني وأخواتي، ابنائي وبناتي

السلام عليكم ورحمة الله

الصوت الجميل هبة من المواهب، والله سبحانه وتعالى وزع هذه المواهب بين الناس، فمن أعطاه صوتاً جميلاً فقد وهبه هبة. ومن نعم الله أن الموهوبين ينفقون مما رزقهم الله (الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [1]. والرزق ليس فقط المسائل المادية، كذلك الرزق المسائل المعنوية. وبنتنا فيحاء رزقت هذا الصوت الجميل، وهي تنفق هذا الشيء الذي رزقته بصورة خلق لها نجومية وشعبية ومحبة لدى كثير من الناس.

ونحن إذ نحتفل اليوم بزواجها من الابن سنهوري نشهد لها بأنها قدمت هذا الممتع والمطرب من المدائح.

كثير من الناس يتكلمون عن أن الغناء عامة، والموسيقى عامة، مسائل محرمة وهذا غير صحيح: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [2] هذه من زينة الله التي أخرج لعباده.

هناك متزمتون يربطون ما بين الدين ونفي الحياة، يريدون الدين كأنما هو فقط شخص منتظر آخرته: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [3]. إن ديننا يجمع بين الميزتين الحياة في الدنيا وإن شاء الله نعيم في الآخرة. ولكن أناساً متزمتين يريدون أن يفصلوا ما بين الدين والحياة:

الدين ليس تجهماً وعبوسا والدين ليس مظاهراً وطقوسا

الدين إيمان وفيض سماحة فاسعد واسعد لا تكن منحوسا

الدين في السودان الأصيل حمل رايته المتصوفون، والتصوف فيه أعلى درجة من التسامح، والتسامح الموجود في الأخلاق السودانية ناشئ من هذه الصلة بالتصوف، فالتسامح في السودان أصله من التصوف، وكذلك التواضع في السودان. فالتواضع والتسامح هما من خصال السودانيين الحميدة آتيان من التصوف، لذلك الدين الأصيل في السودان حقيقة صوفي. والمهدية عندما أتت لم تأتي لتلغي الصوفية بل جاءت لتكمل حلقاتها بالجهاد، ولذلك الأصالة في الإسلام في السودان أصالة صوفية.

قالوا عن طريق كثير من المقولات بتحريم الغناء باعتبار أنه من لهو الحديث. هذا ليس صحيحاً القرطبي قال الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [4] هذه آية نزلت في النضر بن الحارث لأنه كان يشتري القينات ويسخرهن في أنهن يهجين الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل الأحاديث التي قيلت ضد الموسيقى وهذه الممارسات ضعفها ورفضها ابن حزم وهو من ائمة الدين الإسلامي. ولا شك أن الأناشيد والمدائح خصوصا التي تذكر وتشيد بمكارم الأخلاق، هي مسائل مهمة جداً، والاهتمام بها جزء من مقاصد الدين.

حينما، لما نزلت الآية (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) [5] مشوا الشعراء على رأسهم حسان بن ثابت رضي الله عنه، وقالوا له هلكنا يا رسول الله قال لهم لا الآية فيها استثناء (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [6] بل الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو نفسه في المعارك يستخدم أبيات للحماسة:

أَنَا النَّبيُّ لا كذِبْ أَنا ابْنُ عبـدِ المُطَّلِـبْ

وهكذا، ولما جاءه كعب بن زهير يمدحه حيث مدحه بقصيدة جميلة جداً:

بـانَتْ سُـعادُ فَـقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ مُـتَـيَّمٌ إثْـرَها لـم يُـفَدْ مَـكْبولُ

الرسول صلى الله عليه وسلم أشاد بها وأعطاه بردته.

لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لحسان: “اللَّهُمَّ أَيّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ” [7]، لأنه يناضل عن المسلمين. والإمام المهدي عليه السلام كتب خطاباً للشيخ أحمد ود سعد وقال له كلام ما معناه استمر في مديحه وإنما يقول هو أقوى أثراً على الأعداء من السلاح [8].

لذلك نعتقد أن النجومية التي استحقتها بنتنا فيحاء هي نجومية في عمل فيه هذه المعاني، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقها إلى مزيد الإبداع في هذا المجال لأنها لا تقف عند حد لون واحد من هذه الأناشيد، وإنما حريصة على أن تنوع وتزيد وتبدع في عملها، وهذا كله يجد عند الجمهور السوداني تجاوباً كبيراً.

الزواج ثقافة وأنا منزعج جداً أن ثقافتنا في الزواج في السودان الآن غزتها ممارسات غير سودانية في جوانب كثيرة: في الملابس، وفي أنواع الزينة، وفي التجميل، وأنا منزعج جداً من هذا الغزو، وأرجو من بناتنا أن يتخلصن منه، وكنت قلت في محاضرة في باريس حضرها كثير من الفرنسين قلت لهم إن وسائل الزينة عندنا صديقة للبيئة، ووسائل الزينة عندكم عدوة للبيئة، فهم يطلون الجسد ببوهية ويلونوه بألوان تقفل المسام، بينما لدينا الدخان والدلكة تفتح المسام، ونستعمل أشياء طبيعية (الحناء). فهم يستعملون أشياء عدوة للبيئة بينما ممارساتنا صديقة للبيئة، قال لي بعضهم نريدك أن تكتب لنا مقالة في صحف أو مجالات الموضة، فقلت لهم هذا هو حد حديثي، ولا أستطيع كتابة مقال في مجلات الموضة عن الفرق ما بين المكياج عندنا وعندهم والفرق بينهما من زينة صديقة للبيئة وزينة عدوة للبية.

وحتى ملابسنا، يرى البعض أني أحاول أن أنوّع في الزي السوداني، وهذا ليس استنكاراً له بل تطويراً له، فنحن نجد السوداني منا حينما يلبس بدلة يتأنق جداً بالمنديل والكرفتة ويطقمها كذلك مع جزمته ومع قميصه، ولكن حينما يلبس جلابية يلبسها (أي كلام)، الجلابية لا يعتني بها ولا بالنعال معها ولا بالعمة ولا الشال معها، وكثير من الناس العمائم يحملونها كخرقة (دلقان) ويضعونها على رأسهم، هذه العمائم تيجان وليست دلقان، ومفروض أن تعامل كتيجان لا كدلقان، كثيرون يعاملونها كدلقان ولكنا نهتم بها كتيجان، ولذلك فإني مهتم بتطوير الزي السوداني في جوانب كثيرة، وبالتلوين فيه والتنوع فيه لكي يجذب الشباب ويجعلهم يهتمون بألا يكون لباسهم واحد ورتيب بل يكون متنوعاً، فهم حينما يلبسون البدل يتنوعون وحينما يلبسون السوداني الوطني لا يتنوعون وهذا غير صحيح. المرأة السودانية في هذه النقطة أبدعت لأنها صارت فعلاً تنوع في ملابسها وتنسقها، لذلك أقول إني لم أر يوماً في مناسبة اجتماعية سيدتين لابستين نفس الثوب، حتى تساءلت كيف يعملن هذا التنوع وكيف يعرفن أنه هذا التوب لا يوجد آخر مثله، وانتم الآن فتشوا إذا وجدتم واحدة مع الأخرى لابسات ثوب نوع واحد يكون غريب.

وكذلك البنات السودانيات مع الحفاظ على الاحتشام في زيهم يتحولن في مناسباتهم المختلفة للوحات تشكيلية من حيث اللون الذي يلبسنه والتطقيم وقبيل كنت أقول ذلك لأحدهم جالس قربي انظر لبناتنا كيف كل واحدة شكلت لوحة تشكيلية وهذا شيء جميل. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم ، وفي الدار ركوة فيها ماء ، فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته، فقلت: يا رسول الله ، وأنت تفعل هذا؟ (أي حتى أنت تتقيف يا رسول الله) قال لها: “إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليهيىء من نفسه فإن الله يحب الجمال”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ” قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ” [9]. وقال عمر (رض): “تصنعوا لنساءكم فإنهن يحببن منكم ما تحبونه منهن”. فلا تكن أنت وسخاً ومقطب الوجه (مادي قدومك) ولا تقوم بأية محاولة لتكون نظيفاً وظريفاً بينما هي تعمل كل هذه المجهودات، أنت أيضا اعمل مجهودك لتكون نظيفاً وظريفاً.

اعتقد أن الزي السوداني جميل جدا وهناك شاعرة اسمها خالدة عملت فيه (أي الجلابية) أرجوزة جميلة جدا:

هي الزي الغالب وأجمل

فيها المعنى الكامل وأكمل

تحكي حكاية شعب مؤصل

انا اعتقد اننا ينبغي أن نحفظ هذه المعاني ونحتفظ بها في هذه المناسبات.

وأقول في الختام أبارك لبنتنا فيحاء وابننا سنهوري، وطبعا بنتنا وابننا هذه حقيقة، لأن البنوة عندنا ليست بالرحم فقط، البنوة بالمعنى مثلما في كلام القرآن، ربنا قال: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) [10] وكانت البنوة عند الإمام المهدي قائمة على هذا الأساس بنوة الروح، البنوة المعنوية في هذا الإطار حقيقة، نحن جميعاً أسرة، وأنا أقدر وأشكر جداً للذين لبوا دعوة هذا العرس أرجو أنهم جميعاً من الصوفية والطرق الصوفية أن يقبلوا تهانينا وشكرنا على تلبيتهم هذه الدعوة .

 

والسلام عليكم ورحمة الله.