كلمة عيد الميلاده 25/12/2003م

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة عيد الميلاده

25/12/2003م

الحمد الله والصلاة والسلام علي  رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه،

أخواني وأخواتي ، أبنائي وبناتي، أحبابي،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الحقيقة كان ينبغي أن أضيف أحفادي وحفيداتي للدور البارز الذي لعبوه، لاسيما أننا في عام حقوق الطفل، وفي عالم اليوم أصبح لكل من القطاعات التي كانت مستضعفة  صوت بارز وحقوق موثقة ومطالب معلومة، فالإنسان المتحضر في كل مكان هو من يبرز حقوق كل الذين اضطهدوا في ا لماضي بل صار مقياس الحضارة هو كيفية معاملة المستضعفين، فالأكثر حضارة و تقدما هم الأفضل معاملة لمستضعفيهم.

أنا شاكر ومقدر جدا لأبنائي وبناتي في مكتبي الخاص على أنهم يحيون هذه المناسبة ويمنحوني فرصة لتأملات معكم وبكم أرجو أن تكون مفيدة.

والحقيقة أنني لا أستطيع أن أتحدث اليوم عن أية تأملات أو آراء أو أفكار ما لم أذكر القمرين

النيرين1 الذين كانا يضيئان معنا كل هذه المناسبات،

إن المحاصي ينكر نفسه           ***      إذا جرت عاريات من الكماة الخيول

ولذلك سوف أتحدث عنهما كمدخل لموضوعات أراها هامة.

عمر لم يكن زميلا وصديقا بل كان فوق هذا كله خليلا، وكانت العلاقة به دائما تطور  جانبا مهضوما في حياة الناس وعلاقاتهم، وهو الجانب الغيبي وفي حديثي عن هذا الجانب أود أن أذكر بعض المحطات الهامة:

عندما خرجت من السودان عام 1973م وقابلت الأخ المرحوم الشريف حسين الهندي  في الخارج قال لي : أنا لولا عمر كنت قد  مت  من زمان، فقلت له لماذا فقال لي لأنه ينور ويحسن لي كل حدث، فكان لي نوعا من المخدر ” يقصد المخدر الروحي” الذي يجعلني دائما وأنا في أشقى الحالات أسعد بتفاؤله وما يقدمه لي من تفسيرات، هذا جانب و سوف أتحدث بصورة أكمل عن جوانب أخرى ومحطات أخرى في يوم تأبينه بإذن الله. لقد كنت وعمر رحمه الله متزاملين أمام نكبات كثيرة عرفها السودان، والنكبة الكبيرة التي أود أن اذكرها هنا، هي انتفاضة يوليو وما حدث فيها من مآسي، وبعدها جاءت المصالحة وكنا في ظروف  صعبة جدا  إذ أخفقت الوسائل التي اتخذناها، فكان لابد أن نسلك طريقا جديدا هو طريق المصالحة الذي كان يحتاج إلى بعض الجرأة، وكنا نتناقش في الوعد الذي قطعه جعفر نميري عبر الوسطاء وإلى أي مدى نثق به واحترنا في هذه المسألة، فنصحني عمر رحمه الله بالاستخارة، وبعد الاستخارة رأيت رؤيتين متتاليتين الأولى:أننا بصفة شخصية سنكون سالمين، فكان هناك اللقاء في السودان، وهذا رأيت بشأنه أنني ألبس حذاء أخضر ” ممهول”  أي واسع فأنا في رؤاي أرى الضيق في حذاء ضيق والعكس،

وفيما يتعلق بالمصالحة نفسها فإنها سوف تتم ولكنها ستكون مولودا مشوها جدا وناقصا، فكان هذا نوع من الأذن الغيبي في إطار المصالحة،ثم تتالت الأيام وسجنا أنا وهو وآخرون ففي معارضة قوانين سبتمبر التي عارضناها باعتبارها تشويها للإسلام وفي أثناء السجن وبينما كنا نتساءل عن مآل هذا الأمر و نهايته  روى لي قصة: قبل  مايو كان لي زميل اسمه د. مفرح ، هذا الشخص رأى في رؤية قبل مايو فيها جعفر نميري موجود في “برميل ” يريد الخروج منه ولكن تأتي مجموعة من الضباط فتقفل عليه البرميل، وهذا كان قبل الانقلاب وظللت أتداول مع عمر حول هذه القصة ومتى سوف يقفل البرميل وفي ذلك الوقت كنا في سجن مايو وشقائها.

وبعد ذلك رأيت رؤية يقول لي فيها أحد: رؤية مفرح سوف تتحقق  في اليوم الفلاني وخرجنا من السجن على أساس أن هذا هو الوعد القادم.

ثم تزاملنا في سجن الإنقاذ وكنا كذلك نتبادل القصص حول ما سيحدث، وقد رأيت رؤية – لا أود أن احكيها الآن- كنت قد رويتها لعمر وللأخ احمد عبد الرحمن الذي كان معنا في السجن، والرؤية تنصب على أن العناصر المكونة لهذا النظام سوف تختلف، فقال لي الأخ أحمد عبد الرحمن أن الاختلاف يحدث بين ” ناس الدنيا” ولكن نحن لا تحدث بيننا اختلافات، ما أود أن أقوله أن في علاقتي بعمر كان يوجد هذا  الجانب الغيبي ودائما كانت له فيه مساهمة.

قد كان أهم بلسم لمعالجة مشاكلنا- إذ كنا دائما ما نمر بظروف صعبة جدا ومطبات فكان دائما يقول لي ( حتفكنا بركات المهدية) وعندما يأتي الفرج  يقول لي ألم أقل لك؟ فكان هو بحق يمسك بهذا( الدرب) الروحي الذي كان مهما جدا في ظروف الشقاءات الكثيرة  التي كنا نواجهها باستمرار.

وكل امرئ من البشر يواجه ظروفا صعبة، فلو عاش على حسابات العقل فقط لهلك، قال أحد فلاسفة اليونان إنني لو أردت أن أقيم الحياة بحسابات عقلية لوجدت فيها النكبات والخيانات والغدر ولتوصلت إلى نتيجة أن الإنسان من الأفضل له أن ينتحر ولكن هنالك أمران يمنحان الإنسان الأمل في مخرج هما : الإيمان والحب ولذلك نرى أن الناس  كلما طغت على حياتهم المادية و العقلانية تفشت فيهم الأمراض العقلية و أسرفوا  في المخدرات والخمور،

وقد تحدثت مع أصدقاء غربيين إنجليز وأمريكان بشأن أسباب الزيادة الملحوظة في الأمراض النفسية والعقلية والمخدرات في مجتمعاتهم وقلت لهم أنني أعتقد أن السبب ليس السفاهة بل  لأنهم يستخدمون الخمر والمخدرات  ليحدثوا التوازن المفقود في حياتهم، فمن يشاهد أفلاما أمريكية أو إنجليزية يلاحظ أن رد الفعل على أي حدث مفاجئ سواء كان سارا أو محزنا هو تناول زجاجة الخمر فأصبحت هذه الزجاجة جزءاً لا يتجزأ من وزنة الحياة نتيجة لانحسار الإيمان والحب فأصبحوا يستعيضوا عن هذا بذاك.

فالحياة  بوجهها الحقيقي الموضوعي المادي  المجرد كالحة جدا ولا تطاق، الإيمان والحب وحدهما يجعلان قبولها ممكن، وانحسارهما يدفع  إلى التعويض عنهما بالخمور والمخدرات.

هناك من يقول أن في الإيمان خروق عقلية وكذلك الحب يمكن أن يتخلله بعض الوهم، ولكن حتى إن صح ذلك فإن لكل منها دور بيوليجي في حياة الإنسان، فلابد منهما، ويوجد حديث نبوي يجمعهما معا “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا” رواه مسلم فهذا الحديث يصف  هذا البلسم النفسي الغيبي رأسيا ( علاقة الإيمان مع الله) وأفقيا ( علاقة مع الناس )، فالإيمان والحب بلسم لا يستطيع الإنسان بدونه مواءمة الحياة فإن فقد هذا البلسم لجأ إلى الخمر والمخدرات وإذا لم يجدها أو وجدها ولم تجدي فسوف ينفجر ويفقد عقله ويصاب بالأمراض النفسية العقلية لعدم مقدرته على تحمل الحياة بوجهها الكالح، فالبعد الغيبي مهم جدا  في حياة الإنسان وليس ضروريا أن يكون الإنسان درويشا أو حتى متدينا لكي يدرك هذا البعد، فهو موجود في حياة كل إنسان يشهد بذلك وجود ما يسمى (بالاستشعار عن طريق غير الحواس):

الألمعي الذي يربك الرأي كان قد رأي وقد سمع. الأخ عمر رحمه الله في هذا الجانب كان ركيزة مهمة لي في الحياة.

المدهش أن ” الفكي” عبد الله اسحق “الفقيد البركة” مثلما قالت بنتي رندة – كان له دور غير مرئي فعندما تراه أشعث أغبر تحسبه لا يملك شيئا ولكنني دائما كنت أقول انه كالرمانة ظاهرها “أغبش وباطنها رائع جدا، فهو “أغبش” المظهر عامر الدواخل، وكنا دائما نتحدث عن أن الإمام عبد الرحمن لم يظلم من الناحية السياسية فقط ، صحيح أنه ظلم في هذه الناحية ولكنه بمرور الزمن أنصف، فالأستاذ حسن أحمد إبراهيم قال لي وقد كتب ذلك في مقدمة كتابه عن الإمام عبد الرحمن (أنا قادم من المتمة والسيد عبد الرحمن كان يمثل لنا عنوان الخيانة إذ أنه باع مصالح الوطن بمصالحه مع الإنجليز، عندما بدأت أحقق في سيرة الإمام عبد الرحمن وابحث  في الوثائق كان هدفي أن اثبت هذه الفكرة  ولكنني كلما بحثت يثبت لي العكس، وفي النهاية توصلت لنتيجة أن هذا الرجل هو أهم شخصية سودانية في القرن العشرين). وهذا ظلم في سيرته عموما، ولكن هناك نوع من الظلم الذي تعرضت له سيرة الإمام عبد الرحمن وهو إسقاط بعض التفاصيل المهمة في حياته إذ أن هناك إسقاط تام للجانب الروحي، أي دوره كإمام دين، ولذلك أنا في مساهمتي في الاحتفال بعيده المئوي الذي تبنته اللجنة القومية واحتضنه العميد الراحل يوسف بدري قدمت محاضرة بعنوان عبد الرحمن الصادق إمام الدين وفي الجانب الروحي تعاون معي الفكي عبد الله إسحاق تعاونا كاملا وكل المفردات والحقائق التي أثبتها في هذا الجانب جاءت منه هو إذ أنه كان بحق الابن الروحي للإمام عبد الرحمن. وكان هذا الفقد عظيما، ولكن الموت أمر حتمي.والأفضل أن يموت الإنسان ومثله الأعلى قائم، للسودانيين مثل يقولونه دائما: من القوة للقوة ، ومن الركاب للتراب، إن هذه السيرة سوف تستنسخ حتى تكون مثلا تربويا وبقدر ما تكون الخسارة كبيرة تكون الرغبة في تعويضها كبيرة فالفعل ورد الفعل متساويان وهذا ليس على الصعيد الفيزيائي فقط بل حتى على الصعيد النفسي ولذلك فإننا بقدر تأثرنا الكبير بفقد الفكي عبد الله اسحق ود. عمر نور الدائم ستكون رغبتنا في تعويض هذه الخسارة كبيرة وذلك بأن نجعل من شخصيتيهما أساسا.

  • وهناك عزاء آخر، ففي العام الفائت هذا تأملت أمرين في السودان وخارج السودان، وهما :

أولا: أن ما أسميناه بالاجندة الوطنية اصبح الآن اجندة قومية. فما سعينا له وبشرنا به ودافعنا عنه لم يعد الآن خلاف حوله، وقد عبر لي الدكتور جون قرنق في آخر  اتصال هاتفي له بي عن هذا المعنى.

وعلى الصعيد الخارجي هناك شبه إجماع على ضرورة إزالة النظم الحالية وتأسيس التحول الديمقراطي ففي كل مكان أذهب إليه أجد أن هناك اقتناع بضرورة أن نضع أيدينا في أيدي بعض ونتعاون على هزيمة نوعين من الأجندة: أجندة أهل الكهوف (طالبان وأخواتها) و أجندة أهل البروج (الأجندة الأمريكية وما تريد أن تفرض في المنطقة) ولابد أن ينتظم عمل عربي إسلامي أفريقي دولي من أجل عمل استراتيجية موحدة لإزالة النظم الاستبدادية في المنطقة وأن تقوم العلاقات بين البشر على أساس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. فالعزاء أن ما كنا نسعى له ونتطلع له في السودان صار أجندة قومية . وما نتطلع له في العوالم التي نتصل بها أفريقية وعربية وإسلامية صار تطلعا عالميا.

المدهش أن هناك اقتناع عام في كل هذه المناطق أن التغيير والتحول ضرورة فلا أحد يدافع عن الواقع الحالي والسؤال عن كيفية التغيير والزمان المناسب له ولكن الواقع الحالي ((ملجن))*. وهذا اقتناع عام ، وما ورد في تقرير الـUNDP (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) عن التنمية البشرية في العالم العربي لعام 2002و2003م يؤكد هذه المعاني، فالأفكار التي كنا ننادي بها من موقع أقلية أصبحت الآن خطابا عاما ومقبولا وهذه في حد ذاتها خطوة إلى الأمام فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة .

من الموضوعات التي كنت أود الحديث عنها أيضاً ما فعله رئيس الجمهورية في فرنسا إذ أنه سعى لتشريع قانون يحظر الحجاب. وأهمية هذا الموضوع تنبع من أننا كمسلمين بحاجة لمناقشة مفهوم الحجاب، كلمة حجاب هذه وردت في القرآن الكريم سبعة مرات وفي كل مرة لم يكن لمعناها علاقة بلباس المرأة . كلمة حجاب في القرآن تعني الحاجز، بالنسبة لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم((إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب)) وهذا لا دخل له باللبس. وكذلك وردت هذه الكلمة في الكلام عن علاقة الله بالبشر (( إلا وحيا أو من وراء حجاب)). وهكذا….

ولكن هناك حديث عن الأزياء في قوله تعالي:(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) والمعني المقصود في هذه الآية أن يكون اللبس ساترا،

والآية الثانية: في موضوع الزي (( أن يضربن بخمرهن على جيوبهن)) أي ستر منطقة الصدر وهذا مفهوم ففي جسم الإنسان أجزاء تعتبر عورة (irotic area ).

والآية الثالثة: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) إلا ما ظهر منها أي في الوجه واليد ويمكن أن نخلص من ذلك إلى أن الزي الشرعي هو الزي الساتر ولا أساس للحجاب الذي يعني عدم خروج المرأة من بيتها أو أن تكون منقبة، وفي القرآن أمر بغض البصر وهذا يعنى أن هناك أشياء مرئية وإلا فما معنى غض البصر عن دهمة إننا نحتاج إلى وعى ثقافي أو ثورة ثقافية أو صحوة ثقافية فيما يتعلق بموضوع الحجاب فنطرد هذه الكلمة من لغتنا، كما اقترحت في موضوع ختان المرأة أن لا نسميه (طهارة) بل تشويه.

نأتي إلى موضوع فرنسا لماذا فعلوا ذلك، فقضية الهجرة إلى أوروبا قضية مهمة جدا، الآن زيادة السكان في الغرب إما صفر في المائة أو سالبة، لأن حياتهم فيها تحديد طوعي للنسل فعدد السكان عندهم أصبح ثابتاً وفي الوقت ذاته تتزايد حوجتهم للأيدي العاملة.وتبعا لذلك

تغيرت القيم، ففي أمريكا مثلا كانوا يتطلعون إلى ما يسمي با(WASP)(White Anglo sac son protestant).

والآن يتحدثون عن أن أمريكا هى الدنيا وعليها أن تستقطب الدنيا وأن تكون تركيبتها السكانية كقوس قزح وأن في ذلك مصدر قوة لها فأصبحت أمريكا الآن هى أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أي أصبحت أمريكا مصغر الدنيا وهذا التنوع منحها قوة فكرية ومعنوية واقتصادية فبدلا من السعي للصفاء العرقي أصبح هناك سعي للتنوع رغبة في زيادة القدرات أو لضرورة اقتصادية.

سياسة فرنسا تجاه الآخر هى سياسة الإدماج وقد اتبعوها في كل مكان، ولكن المسلمين بصحوتهم تتطلعوا للتميز فأصبح هناك انزعاج كبير جدا من الذين يحافظون على هويتهم الثقافية فسادت فكرة أن يمنع التعبير عن هذه الهوية الثقافية لأن الأجيال القديمة كانت أقرب إلى الاندماج أما الأجيال الجديدة من الأولاد والبنات والأحفاد أصبحوا يتطلعون لهذا (التميز  الثقافي).

العقلاء في أوروبا أدركوا أن الاعتراف بالهوية الثقافية هو الأفضل لأن الإنسان عندما تسحق هويته لا يكون مفيدا لأن ذاتيته تكون معدمة.والشواهد على ذلك كثيرة، فمثلا لا يوجد إنسان استئصل من جذوره كالزنجي الأمريكي حيث اقتلع من أسرته ومن دينه وقارته وثقافته ولكنه عندما نال الحرية بدأ يفكر في جذوره لتكون له كرامة، إذا نجحت فرنسا في أن تستأصل الشعور بالهوية الثقافية في جيل فإن الجيل الجديد سوف يحتج ويصر على هويته، فالصحيح هو أن تراعى الحقوق الثقافية كجزء من حقوق الإنسان والآن فرنسا اتخذت موقفا متخلفا بأن وقفت في وجه هذا التطور وضد هذا الحق المهم من حقوق الإنسان. إننا نعترف أن ممارسات بعض المسلمين مسيئة ومزعجة لأنها منكفئة، ولكن لا بد من الاعتراف بالتنوع الثقافي واحترامه وتقديره.

  • النقطة الثانية التي أود الحديث عنها هي موضوع العمر. إن كل واحد منا سوف يفنى في زمن ما. ولكن الناس لا يقعون في هذا الفناء بدرجات متماثلة بمعنى أنه يمكن أن يجدد الإنسان نفسه إلى أن يفقد القدرة على التجديد فإن فقدها فهذا يعني فقدان القدرة على التعاطي مع الحياة، ويمكن أن يكون للإنسان المقدرة على التعاطي مع الحياة رغم تقدم سنه ويمكن أن يفقد هذه القدرة وهو في عز الصبا، فللإنسان ثلاثة أنواع من العمر:
  • عمر إحصائي: وهو الذي يبدأ بتاريخ الميلاد وينتهي بتاريخ الوفاة.
  • عمر بيولوجي فسيولوجي: وتحدده حالة الإنسان الصحية.
  • عمر نفسي: تحدده حالة الإنسان المعنوية ففي المؤتمر الأخير* قال لي الأخ على هاشمي كيف أن هناك شباب شائخ وهناك شيوخ شباب وتحدثنا في ذلك فاستشهد لي ببيت الشعر التالي:

وكم ميت بالوهم في شرخ الصبا               ولربما قتل الجبان خيال

وكنت دائما أتحدث مع العميد يوسف بدري رحمه الله وقد كان مع أنه من دفعة والدي رحمه الله كان صديقا لي، إذ أنه كان يستطيع كسر حاجز العمر فيمكن أن يصادق طفلا وشابا وشيخا، فقلت له أريد منك أن تعلق هذه الأبيات للمتنبي لأنها تنطبق على حالتك:

وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه     ولو إنما في الوجه منه حراب

لها ظفر إن كل ظفر أعده وناب                وإن لم يبق في الفم نـــاب

يغير منى الدهر ما شاء غيرها                  وأبلغ أقصى العمر وهى كعاب

وفي نفس هذا المعني هناك بيتان رائعان يمكن الاستشهاد بهما على أن الإنسان يمكن أن يكون شابا وحكيما ويمكن أن يكون شيخا وشابا وليس بالضرورة أن العمر الإحصائي هذا يعكس حقيقة الإنسان، فقال المتنبي:

ليت الحوادث باعتني التي أخذت                         بحلمي الذي أعطت تجــريبي

ليس الحداثة عن حلم بما نعـه                       قد يوجد الحلم في الشبان والشيب

وهذا يرد على من يقولون أن الشباب لا ينبغي أن يعطى مسئولية

سنـي بروحي لا بعـد سنينــي ولأ سخرن غدا من التسعين

عمري إلى السبعين يركض مسرعا  والروح باقية على العشرين

الإنسان لا تتحدد قيمته بعمره عندما تريد أن تشتري الضحية تسأل عن عمر الخروف وفي الزكاة يتحدد النصاب حسب عمر البهيمة فمثلا هناك بنت لبون وغير ذلك لأن البهائم تتحدد قيمتها بسنها، أما الإنسان فليس كذلك أبدا. في الأدب العربي كان هنالك رجل يريد تسويق نفسه لسيدة وهى لا تريده لأنه كبير في السن. فكتب لها هذا البيت كاستئناف:

أعز هل لك في شيخ فتى أبدا                    وقد يكون شباب غير فتيان

ولكن قد يكون لعزة مقاييس أخري ثانية ولكن على كل حال هذه مرافعة جيده.

هذا الإنسان مدهش جدا إذ لديه القدرة على الإفلات من أي قالب تضعه فيه لأن فيه جانب ذاتي. فقال كريس أوجستين أحد أعمدة الفكر المسيحي ، والفكر المسيحي هو فكر شرقي ولكن المسيحية تأثرت بالحضارة والثقافة اليونانية فامتزجت بهما، القديس أوجستين قال: كل الطبيعة من جماد ونباتوحيوان خاضعة لقوانين إلا الإنسان لأن فيه قبس وكامل ذاتي لا يمكن أن يخضع كلية لهذه القوانين at name in the untvese  قبس وعامل لا يمكن أن يخضع.

The onty creatcher who is not at hame in The univece is man and this why there is hape (for them) .

لأن لديه هذا العنصر الذي يجعله دائما يأتي بالجديد والغريب والمدهش،ولذلك فمن الصعب جدا أن تضع قوانين تحكم السودان الإنسان. سنه كذا يعني سلوكه كذا، لأن فيه جانب غير خاضع لهذه القوانين والسنن الراتبة.

اختم بأن أقول بالنسبة لنا كبشر لا بد أن ندرك أن أية دعوة لا يمكن أن تبقي إلا إذا كانت لديها القدرة على تجديد نفسها وإلا سوف تتيبس وتموت، للأسف الشديد كثير من الدعوات الدينية تعلب المجتمع في مرحلة تاريخية معينة  وتقول هذا هو الدين، وهذا يقتل الدين ويدفع الناس للخروج منه، وحتى في العلاقات الخاصة نجد أن عنصر التجديد مهم، يعنى فأكثر ما يضر بالعلاقة بين الناس غياب عنصر التجديد، من أهم أبيات الغزل في هذا المعني.

أهي شئ لا تمله العين                   أم لها في كل ساعة تجديد

الشيء الثابت مهما كان جميلا (سماحة جمال الطبع) يكون مملا توقع زوالا إذا قبل ثم.

وهذا من باب أولي ينطبق على كل الدعوات العامة وللأخوة الذين يقولون أحزاب تقليدية يجب أن نحدد المعيار هل لها القدرة على التجديد أم لا؟

يمكن أن يكون الحزب آخر صيحة من موسكو أو أمريكا ومع ذلك يموت لعدم قدرته على التجديد فهذه القدرة هي المعيار الأفضل للتمييز في إطار العلاقات أقول أن الإنسان عندما يطالب بأي كلام كمساهمة إذا جاء واجز وعمل خطوات تنظيم يكون كلامه سخيف ولكن الكلام الجديد هو الذي يخلق جاذبية جديدة وليس فقط يجيز القديم وهذا ما فعلناه للدعوة دعوة الإمام المهدي. مهما حقت إذا كنفى الناس (يفضعوا الجره)

دع عنك نهبا صيح في حجراته                  وهات حديثا ما حديث واحد

وهذا يجد مشروعية في مقولة المهدي نفسه لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال. والغريب أن هناك حديث يفهمه كثير من الناس خطا (بدأ الدين غربيا وسيعود غربيا كما بدأ) غربيا هنا بمعني مدهشا وليس غربيا على الفهم.

الآن أنا أقرأ في كتب أحضرها لي أبني صديق عن زغلول النجار عن الحقائق والمعجزات العلمية في القرآن وفعلا هو عالم جولوجيا ويحاول أن يتحدث عن الظواهر الكونية وكيف أن هذه كانت غائبة، ويقول الناس أن مالم يفهمه السلف لا نفهمه نحن، وهذه نظرة عمياء للسلفية لأن النظرة الصحيحة للسلفية القبول بفكرة التجديد من أمثلة (إذا علا ماء الرجل)

في القرآن نص بنسب الذكورة والأنوثة لماء الرجل، خلق الزوجين الذكر والأنثي من نطفة إذا تمنى) أي أن النطفه . هذا المعنى لم يكن مفهوم سابقا. والآن كم من امرأة طلقت لأنها لا تنج ذكور دونما ذنب وكان العرب قديما يقولون فلانة مذكارة أي تنجب ذكور وإن طلقت تتزوج بسرعة. كثير من التفاسير تقول إذا علا ماء الرجل في الثقافة للأسف الشديد هنالك نوع من الشوفينية الذكورية، يروى أن أعرابيا كانت كل ذريته من الإناث كلما تزوج ينجب أنثي فهجا إحداهن بقوله:

كنت أبقيها ذكرا                 فشفها الرحمن شفا منكرا

وهذه ليست ثقافتنا نحن فقط بل هى ثقافة عامة قديمة وحديثا، فالشوفينية الذكورية المنسوبة للإسلام آتية أصلا من الإسرائيليات، فأراض بعض المعشرين أن يبعث هذه الشوفينية في الإسلام فيقولون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( دفن البنات من المكرمات) وأنا وجدت بيتا من الشعر يجلي هذه الشوفينية التي لا علاقة لها بالإسلام بل هى امتداد للعصر الجاهلي:

لكل أبي بنت يرجى بقاءها              ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهر

بيت يضمها أو بعل يصونها            أو قبر يواديها وخيره القبر

في الإسلام ما يناقض كل ذلك إذا كنا ممن يتفكرون ( الجنة تحت أقدام الأمهات)

 

 

(1 ) يقصد بهذا الوصف الدكتور عمر نور الدائم وسيدنا عبد الله أسحق رحمهما الله. الذين رحلا معا في حادث مروري في نوفمبر 2003م.

*  ميئوس منه

*  المؤتمر العام لحزب الأمة في أبريل 2003م