كلمة تأبين د. عمر نور الدائم

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الحبيب الإمام في تأبين د. عمر نور الدائم

القيت في تأبين الفقيدين ببيت المهدي

28 أكتوبر 2003م

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز.

ودعنا إلى رحاب الله عمر الذي كان حادياً لا يفتر لمطالب الهمة العالية كما كان بلسما شافيا في الملمات بالفأل الحسن والأمل الفسيح تجسيداً للوعد الرحماني (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).

كان ملماً بثقافة العصر إلماماً عميقاً إلماماً لم يجرفه عن أصالته مسلماً عربياً بدوياً ريفياً متسامحاً مع ثقافات الآخرين سمح المعاملات، ابن للكبير وأخاً للنجد وأباً للصغير فؤولاً لما قال الكرام فعول كان نوراً دائماً يهب الضياء ولا يغيب.

كان لفقيدنا سجل سياسي فريد.

  • لبى نداء تجديد الحياة السياسية في أكتوبر 1964م فأقام مع زملائه حزباً لم يرهن مستقبله وفاءاً لماضيه بل وفق بين واجبات الوفاء وتطلعات المستقبل.
  • وكان وهو يحتل موقعاً قيادياً مركزياً في حزبه لا يصرف نظره عن الأقاليم وهمومها ودورها في السياسة المركزية.
  • وكان من أكثر الناس إدراكاً للأثر الاجتماعي في السياسة في السودان، فأعطى الاجتماعيات دوراً مركزياً.
  • وكان مدركاً أن السياسة الديمقراطية تعني فيما تعني الاعتدال لتأليف الرأي والرأي الآخر. كان توفيقياً.
  • رماه بعض الغافلين بالطاعة العمياء ولكنه كان من أكثر الناس صراحة في الرأي ومناصحة للآخرين حتى صار ضميراً للجماعة في الحزب وبوصلة لتوجهاته.
  • وأسس كثيراً من علاقات حزبه الخارجية بصورة نموذجياً فهو الذي أسس علاقاتنا بالجماهيرية اللبيبة بصورة عميقة ولكنها حافظت دائماً على المرجعية المستقلة وعلى الإطار القومي وكذلك فعل بعلاقاتنا مع الجارة إريتريا وفي هاتين الجارتين وغيرهما كون علاقات طيبة واكتسب احتراماً شديداً.
  • وكان وهو السياسي الحزبي يدرك أن أحزابنا ينبغي أن لا تقفز فوق الواقع الاجتماعي فرعى رعاية خاصة التوازن الأنصاري والتوازن القبلي، إن التوازن من شروط الديمقراطية. وكان عطاؤه الوطني ثرياً أقول فيه:
  • كثير من المثقفين دخلوا العمل السياسي من باب الحزبية الشمولية، أو العصبية الاثنية، أو الوظيفية عند الحاكم بأمره، لكن فقيدنا ضرب المثل لدخول السياسة من باب الحزبية الديمقراطية الشعبية والمساءلة.
  • وكثير من الساسة اعتبروا السياسة لا تنجح إلا على حساب الأخلاق فضرب مثل السياسي الأخلاقي.
  • وكثير من الساسة جردوها من البعد الفكري والثقافي ولكن فقيدنا كان واسع الإطلاع يلاحق المؤلفات ويطالعها. كنا نختلف كثيراً في أمر الإمامة فيدعوا لها وأمانع وكانت حجته القوية يا فلان نحن محكوم علينا بفكر تقليدي يلغي دورنا في الحاضر والمستقبل وأنت صاحب رؤى لا غنا عنها لدفع استحقاقات الماضي والحاضر والمستقبل ومهما كانت تقديراتك فإن الإمامة تضمن لهذه الصحوة سنداً عريضاً. فأقول له ولكن بقدر ما تفعل ذلك مع قوم فإنها تصد قوم آخرين فكان يقول لي: هؤلاء الآخرون إن كانوا موضوعيين فسوف يدركون قيمة هذا النهج ولكن أخطر ما قد يصيبنا بالخسران أن يعلب كيان ككيان الأنصار أو أن تحتله قيادة ترحل به إلى الماضي أو ترهنه للغيبيات.
  • وكان يقول نعم للإسلام ولكن بعض مناهج الإسلاميين ضحت بالحرية أو ضحت بمطالب العصر وإخلاصنا لديننا يوجب أن نصحح هذه المناهج. فلا إسلام بالإكراه ولا إسلام بلا حرية.
  • والساسة في العالم الثالث اكتسبوا صفة صارت قرينة بالسياسة في الدول النامية: الذمة الواسعة واليد الخفية حتى أن كثيراً من مفكري العالم وصفوها بأنها كبتوقراطية- اشتقاق من السرقة كحالة مرضية. كان فقيدنا شفاف النهج عفيف اليد عنوان للأمانة في السياسة.
  • وكان حريصاً على تفاهم مستمر مع الجنوبي والآخر الثقافي في السودان. اقترحت عليه في عام 1993م حل مسألة الدين والسياسة على أساس المواطنة مرجعية للحقوق الدستورية فتبناها في مؤتمر نيروبي في أبريل 1993م وأجمع عليها الآخرون ونبهناه بأن الصدود الجنوبي بسبب السياسات الطاردة التي مورست أخيراً جعل الاستجابة لتقرير المصير ضرورة ولكن ينبغي أن يرتبط ذلك بأنه إذا أمكن إزالة هذه المطالب تعطى أولوية للوحدة. وعلى هذا الأساس استطاع التوصل لاتفاق شقدوم في ديسمبر 1994م الذي كان ممهداً لقرارات أسمرا في يونيو 1995م، وهو الذي سماها قرارات القضايا المصيرية.

هذا العطاء السياسي، والوطني، كان مصحوباً بمودة ومحبة وروح دعابة لا تنقطع.

كان لي الصديق الصدوق الذي صدقني وصدَقَني.

إن أخاك  الصدق من كان معك   

ومن يضير نفسه لينفعك

ومن إذا أبصر أمراً أفظعك

شتت شمله ليجمعك

وكان متجرداً لم تحتل الماديات مساحة من قلبه، بل كانت في يده كرماً فياضاً.

وكان إخلاصه فيما يقول ويفعل جواز مرور له ليقول ما يقول لأن الإخلاص يفتح القلوب.

إنك لن تسع الناس بأموالك ولكن بأخلاقك

سلام عليك يا  عمر في الخالدين

سلام عليك يا حبيبي يوم ولدت ويوم ممت ويوم تبعث حيا.

وضاعف الله لنا البلاء فيك يا حبيب عبد الله

كان سيدنا عبد الله اسحق ابن الإمام عبد الرحمن الروحي بامتياز قرأ له القرآن والراتب وأمه في الصلوات في كثير من الأحيان وأمه والأئمة من بعده في صلاة القيام بجزء من القرآن في الليلة وكان قراءته للقرآن روحانية خلطت معاني القرآن بلحمه ودمه وعظمه حتى استقرت في سويداء قلبه.

ما در  در الدافنين فإنهم

                                        هالوا عليك من التراب وأسرفوا

أو ما دروا أن المكارم في الثرى

                                        أو ما دروا دفنوا بأنك مصحف.

كان سيدنا عبد الله اسحق دوراً هاماً في كيان الأنصار.

  • كان الخيط المستمر من الإمام عبد الرحمن وخليفتيه حتى يومنا هذا.
  • كان حصنا مرجعياً صد عن الكيان العدوانيات حيثما ما جهر بها من حدثته نفسه بالسوء عليك.
  • كان في الكيان نموذجاً للقرآني الذي لم يبعده تأهيله عن السعي للرزق، فبعض أهل القرآن يحيط بهم التواكل.
  • وكان قدوة للقرآن المتواضع، فبعض أهل القرآن يجعلونه سبباً للمباهات.
  • وكان في كياننا حلقة وصل قوية بين المركز والأقاليم.
  • وكان يشع إخلاصاً فلا يملك محدثه إلا التسليم بحجته، فالإخلاص مفتاح القلوب.
  • وكان مكتبة حية لتوثيق تراث الأنصار ما التمسناها إلا وجدنا عنده كنوزها.

وكان لفقيدنا عطاؤه الإسلامي العام لأنه:

  • كان تقليدي التعليم ولكنه كان من أكثر الناس استصحاباً للجديد إذ كثير من التقليديين يفرون من الجديد فرارك من الأجرب.
  • وكثير من الروحانيين الذين يهتمون بالجانب الصوفي من الإسلام يهمشون الحاجة للعامة ولا يهتمون بالواجبات الاجتماعية ولكنه كان روحانيا عاملاً وكثير الاهتمام بالأمور الاجتماعية.
  • وكان فقيدنا مثلاً للمظهر الأغبر والجوهر الأنور ما رأيته إلا شب في خاطري الأثر: رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.
  • لم يعب صوته أبداً في حوار ولم أسمع أبداً شخصاً تظلم منه. كان نموذجاً للموطئين أكتافاً الذين يألفون ويؤلفون.
  • كان متساهلاً في معاملاته مع الناس إلا في حالات معلومة مؤرخة اتخذ مواقف حازمة لم تأخذه في الله لومة لائم.
  • كان تجسيداً للوحي وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
  • كان نموذجاً لثمرة المسيد السوداني بكل ما تحمل من كفاءة وإخلاص وأصالة وبساطة.

ومع اختلاف مشاربنا عددت  صديقاً حميماً مخاطه بي عنقود محبة هندسها الإمام المهدي فأنقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك صلى الله عليه وسلم لأجلك.

وكان عنده من مزامير داود صوتا ندياً في تلاوته وفي مدائحه التي يهتز لها السامعون.

وكان مثلاً حياً لمجتمع الجزيرة أبا في أيام أزهاره. المجتمع الرباني التكافلي الذي جمع قبائل السودان في بوتقة غلب فيها الإخاء عصبيات القبائل.

تحدثت كثيراً مع أحبابي في الكيان أن نطلق عليه لقبا يناسب دوره