مستقبل السودان .. بقلم: الإمام الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

منتدى الصحافة والسياسة

25 سبتمبر 2013م

النهج الذي اختاره انقلاب 30 يونيو 1989م، وأدى للنتائج الكارثية الحالية، هو الانفراد والعناد، ومهما اختلفت الظروف خشونة ونعومة صحب الوصفان سياسات النظام. البرنامج الثلاثي الذي قرره النظام في 2011م لاحتواء آثار انفصال الجنوب جاء متأخراً، فقد كان الانفصال مرجحاً ما أوجب الاستعداد له، فتأخر الاستعداد وأتت الآثار الاقتصادية كالصدمة. هذا البرنامج قرر إجراءات معينة، تتعلق بزيادة الانتاج في 8 سلع وفي خفض المصروفات بتوالي السنين: 25% ثم 20% ثم 20%، ورفع الدفع عن المحروقات بالتدرج.

خفض الإنفاق هو ما فشل فيه حتى الآن تماماً، ففي عام 2012 كان المقرر خفض الإنفاق بنسبة 25%، ولكنه زاد 11%، وعام 2013 كان المقرر خفض الانفاق بنسبة 20% ولكنه حتى الآن زاد بنسبة 37% حسب تصريح السيد وكيل وزارة المالية.

سياسات النظام لم تستطع زيادة الإنتاج المنشودة، ولا خفض المصروفات المطلوبة بل زادت، ونُفّذ ما يتعلق برفع الدعم.

لتنفيذ المرحلة الثانية من قرار رفع الدعم على المحروقات زادت الحكومة جالون البنزين من 12.5 الى 21 جنيها بزيادة 68%، وزادت جالون الجازولين من 8.5 الى 14 جنيها بزيادة 65%، الحكومة اجتهدت في توصيل وجهة نظرها للقوى السياسية لكنها لم تعر أي اهتمام بالرؤى المختلفة التي تسلمتها مكتوبة من القوى السياسية وأولها حزب الأمة القومي. ومضت في تنفيذ الزيادات المذكورة باعتبارها خيار أوحد للإصلاح الاقصادي.

هذه الزيادات ستؤدي لزيادة كل الأسعار (المواصلات- المأكل – المشرب- العلاج- الكساء- السكن..الخ). وستقع عموديا على راس الفقراء وذوي الدخل المحدود فتصبح أحوالهم المعيشية جحيماً لا يطاق. ولن يسعفهم ما تقوله الحكومة بأن جزء من عائد رفع الدعم سيصرف على دعم الأسر الفقيرة، وتقوية الشبكات الاجتماعية، لأن هناك التزامات اكثر الحاحا من وجهة نكر الحكومة كما ان الكلام نفسه قيل عندما فرضت الزيادة على المحروقات في يونيو 2012م، فلم يترجم الوعد الى واقع ملموس. وقبيل تنفيذ رفع الدعم في يوم 15/9/2013م شرعت الحكومة في برنامج علاقات عامة لشرح سياساتها المالية، وللاستماع لرأي القوى السياسية. كل من دخل طرفا في هذه المشاورات استمع باهتمام لما شرحه وزير المالية ومحافظ بنك السودان. ومع تفاوت تعبيراتهم قالوا لهم نعم النظام المالي مختل والتوازن المالي الداخلي والخارجي مفقود، ولكن الحل ليس في إجراء جزئي بل في إجراء شامل لأن الإجراء الجزئي في غياب الاصلاح الشامل المطلوب إنما يحمل المواطن المرهق اصلا اعباء اخطاء سياسات الحكومة.

بنود الصرف الأولى بالخفض هي:

  •  الصرف الحربي الذي لاحت فرصة لوقفه في حروب دارفور في مايو 2006م واهدرت، وفي حروب جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق في يوليو 2011م وأهدرت بسبب العناد والانفراد.
  •  والصرف السيادي الإداري فلا مبرر أن يكون للبلاد 18 حكومة ولائية، بل ست حكومات ولائية تكون تحتها وحدات أصغر مراعاة لمزيد من اللا مركزية كما اقترحنا في مشروع النظام الجديد.
  •  والصرف السياسي الذي يهدر من المال العام على المؤتمر العام وأنشطته.
  •  ضبط الإدارة المالية بتحقيق ولاية وزارة المالية على المال العام ومنع التجنيب.
  •  لجم الفساد الذي يهدر المال العام.

وفي يوم الجمعة الماضية عندما بدا أنهم اجتمعوا ولكن صرفوا النظر عن أية استجابة التقيت دكتور مصطفى عثمان في مناسبة زواج ابنه، وقلت له قل للأخ الرئيس فيما يتعلق بقرار المحروقات اقتدوا بما فعلنا في ديسمبر 1988م. عندما رفض كثيرون إجراءات مالية مررتها الحكومة جمدنا الإجراءات ودعونا للقاء قومي وناقشنا الميزانية واتفق الجميع على الإجراءات المالية المطلوبة، ونفذ الاتفاق. ووجدت الميزانية تأييدا برلمانيا وشعبيا كبيرا. والآن جمدوا اجراءاتكم واعقدوا ملتقى قوميا واعرضوا موقفكم والتزموا بما يقرره المجتمعون.

إن الحكومة تعلم أن هذا الإجراء مرفوض تعارضه القاعدة الشعبية الأكبر في السودان. نحن نعارضه ونلتزم بوسائل مدنية خالية من العنف كما يعارضه آخرون. نداؤنا أن نلتزم بالمعارضة السلمية، وللسطات أن تلتزم حرية الرأي المعارض، ولكل أجهزة الأمن أن تتجنب العنف في وجه التعبير السلمي المدني.

النظام الحالي مجبول على العناد، والانفراد، وهناك دلائل مستمرة على ذلك:

  •  في عام 2006م وقبل الذهاب لأبوجا لمقابلة حركة تحرير السودان جاءني السيد مجذوب الخليفة رحمه الله وقال لي إنه يقود وفد الحكومة للمفاوضات وطلب نصيحتي وقلت له يا أخي لو أننا نتعامل معكم بمنطق السياسة لكان خيارنا أن تفشلوا في هذا الاجتماع، ولكننا نتعامل بمنطق الوطن وأنصحك بالآتي: فيما يتعلق بأمور أربعة وهي:

o المشاركة في رئاسة الدولة

o والإقليم واحد أو ثلاثة.

o وإدارة الحواكير.

o وحدود إقليم دارفور مع أقاليم السودان الأخرى

ردوا الحال لدارفور على ما كان عليه في عام 1989م.

  •  فيما يتعلق بمعسكرات النازحين واللاجئين اعرضوا عليها التعويض الفردي والجماعي والعودة الآمنة لمواطنهم الأصلية.
  •  فيما يتعلق بمبدأ قسمة السلطة والثروة يكون لدارفور نصيب بنسبة قسمة السكان.

وهذه الحقوق تثبت في الدستور. قال لي هذه النصيحة غير مقبولة لأنها تتعارض مع ثوابت “الإنقاذ” (تجزئة إقليم دارفور) ومع سقوف اتفاقية السلام، كانت فرصة ضاعت بسبب العناد والانفراد.

  •  وبعد انفصال الجنوب لاحت نذر الحرب بسبب عدم تنفيذ بروتكولي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتوصل مفاوضان هما د نافع والسيد مالك لاتفاق معقول ولكن النظام رفضه فاندلعت الحرب التي ما زالت مستمرة.
  •  والحروب الراهنة في داروفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق أكثر بنود الصرف في الميزانية.

بالانفراد والعناد النظام مصمم على الاندفاع بالبلاد للتشظي والتدويل. ولا يخلص السودان إلا نظام جديد كما أوضحنا في مشروعنا لنظام جديد.

2) تكونت الجبهة الثورية السودانية من اتحاد الفصائل التي ترفع السلاح ضد النظام ورفعت سقف أهدافها أن تعمل على الإطاحة بنظام الخرطوم بالقوة. هذه الجبهة يمكن لنشاطها أن يكون رافعا للتغيير بل يمكن أن تكون رافدا للتغيير متحالفة مع قوى المطالبة بالنظام الجديد إذا هي تخلت عن العنف وعن الاستنصار بالخارج، ولكن إذا هي حققت هدفها بالقوة كما أعلنت فإن النظام الذي تستطيع إقامته سوف يكون إقصائيا لأن تكوينها تكوين انتقائي ووسائلها التي تعتمد عليها عسكرية والنظام الذي سوف تقميه سوف يواجه برفض عريض ومزيد من الحرب الأهلية.

3) هنالك قوى شبابية نشطة وتستخدم وسائل مجدية في التعبئة والتحرك وسوف تساهم في مواجهة النظام بأساليب مدنية، ولكن في غياب مشروع متفق عليه لبناء النظام الجديد حتى إذا افلحت فيما تريد فإن غياب مشروع محدد للنظام الجديد سوف يجعلها تعيد تجربة شباب الربيع العربي.

4) التحركات العسكرية المحتملة إن نجحت دون الالتزام ببرنامج ديمقراطي قومي لنظام جديد سوف تكون نظاما ديكتاتوريا يعود بالبلاد للمواجهات.

5) الحركات الإصصلاحية داخل الحزب الحاكم وداخل النظام استجابات مخلصة للمطالب الشعبية وينبغي التعامل الإيجابي معها ولكن عليها ألا تفكر في إصلاح انتقائي، مثل شعار وحدة الإسلاميين أو شعار الإصلاح الداخلي بل تتجاوز ذلك فالإسلام ليس حكرا على المؤتمرين وقضية الإصلاح في السودان لم تعد تحقق في إطار حزب واحد بل في إطار قومي.

6) نتيجة لكل ما تقدم فإننا نعتقد أن خلاص الوطن في نظام جديد حدد مشروعنا معالمه ومعالم دستوره، ومعالم السلام العادل الشامل الذي سوف يحققه كما حدد وسائل مأمونة لتحقيقه هي:

  •  التعبئة وتذكرة التحرير والاعتصامات في الطريق لإضراب عام.
  •  وإذا تجاوب النظام لعقد مؤتمر قومي دستوري والاقتداء بما حدث في جنوب أفريقيا 1992م فيضع هذا المؤتمر خريطة الطريق لنظام حكم انتقالي يعقبه النظام المنشود المستمد من الدستور المتفق عليه. هذا هو تصورنا لمستقبل السودان الذي ينعم بسلام عادل شامل وتحول ديمقراطي كامل ويمثل قدوة للشعوب الأخرى.

ونناشد الكافة بالاتفاق على مشروع النظام الجديد وعلى وسائل تحقيقه.

هذا النهج يرجى أن يجمع عليه أهل السودان.

وقد راجعت الأسرة الدولية مواقفها السابقة ومحاولاتها فرص حلول ثنائية من الخارج، وصارت تعلن تأييدها لحل شامل لا جزئي، وقومي لا ثنائي، وسلمي لا يلجأ للعنف. الدليل على هذا التحول الإيجابي مذكرة الاتحاد الأوربي في يوليو 2013م، ومذكرة مجلس السلام الأمريكي في أغسطس 2013م.

أما فيما يتعلق بالموقف من الإجراءات المالية الأخيرة، فقد قرر حزب الأمة في اجتماع المكتب السياسي أمس أن تكتب مذكرة رفضها وضمها إلى أسباب أخرى تؤكد فشل هذا النظام، للدعوة والعمل لنظام جديد، فصله مشروعنا. هذه المذكرة تسلم للمسئولين مركزيا وولائيا في مواكب حاشدة سلمية.

ونحن نناشد:

  •  كافة القوى السياسية والمدنية والنقابية تأييد هذه المذكرة والمشاركة في هذه المواكب السلمية.
  •  نلتزم بسلمية هذه المواكب والامتناع عن أية أعمال تخريبية.
  •  نناشد الأجهزة الأمنية قاطبة احترام حق الشعب في التعبير السلمي عن مطالبه، والامتناع عن القمع والعنف.

وشكرا جزيلا،،