منشور العقيدة والسياسة من السيد الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى رجال ونساء الأمة والأنصار

العقيدة والسياسة

بقلم السيد الصادق المهدي

 

عقيدة الإمام  المهدي هي إحياء الكتاب والسنة وفتح باب الاجتهاد وإحياء علوم الدين لإصلاح حال المسلمين في هذا الزمان المتأخر وقد قال الإمام المهدي: أنى عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيم وقال: أنا متبع ولست مبتدعا وقال: ما جاءكم منسوبا إلي إن وجدتموه مخالفا للكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط.

لقد بعث الإمام المهدي دين الإسلام بعد أن قعد به الناس وفتح باب الاجتهاد ورفع راية الجهاد بعد أن خيم علي المسلمين الإذلال، فأعاد لهم بالجهاد والاجتهاد والعزة والكرامة والسيادة علي ديارهم وجعل ولاية الأمر علي المسلمين بالكفاءة والمعرفة والإخلاص فجردها من قيود الرحم واطلقها في آفاق الروح الواسعة وأشاعها لكل من أسعفه عمله وصدقه عملا بقوله تعالي” إن أكرمكم عند الله اتقاكم” وقد خلف الإمام المهدي الخليفة عبد الله خليفة المهدي فسار في دربه ورفع اللواء حتى أحاطت به جيوش الدخيل فمات شهيدا.

كان من أهم أهداف الحكم الأجنبي أن يميت روح الجهاد التي غرسها الإمام المهدي في أهل السودان وأن يعيد الدين إلي حالته التي كان عليها قبل دعوة الإمام المهدي.

ومن أنقاض المهدية قام السيد الإمام عبد الرحمن الصادق. الإمام عبد الرحمن لم يرث مقامه وإنما حقق مكانته باجتهاده ولم ينل مقام الإمامة إلا بعد أن ارتقي إلي مستواها من حيث العلم والعمل فحقق الله له مكانة روحية سامية كان بموجبها خاتم التناسل الروحي. قال الإمام عبد الرحمن الصادق في هذا الأمر الحديث الذي نشرناه في مذكراته وجاء فيه أن الحكمة في مهدية المهدي وخلافته للمصطفي صلي الله عليه وسلم والغرض منها تجديد ذلك العهد بذاته واعادة الدين بعد أندارسه في الوضع الذي قام فيه أوانه.

وإنا نأخذ هذا النور منه يسري به من كان زماننا من بعدنا وسنقطع هذا المدد إلا ممن أخذه عنا وإننا علي صعوبة حالة زماننا ومشاعلنا بأغراضه لأن متبعة من ذلك الفيض النبوي، فمعني هذا الإمام المجدد الجامع لسر الولاية والشريعة أن يختم به التناسل الروحي أي لا يبقي هذا النور بعده ألا لمن أخذه عنه كما قال صلي الله وسلم: كل حسب ونسب ينقطع ألا حسبي ونسبي فحسبه ونسبه الذي يشير إليه هنا هو حسب ونسب بنوته الروحية أي فانه يختم برجل من صلب المهدي ذلك الرجل هو الإمام عبد الرحمن الصادق.

لقد كان نهج الإمام عبد الرحمن الصادق واضحا في كل أمر فقد بعث دعوة الإمام المهدي وعدلها حسب ظروف الأزمنة مع سالمة العبادات واتباع الأثر وكان ساعيا حسب أسلوب العصر أن يتخذ الناس بالرضى والإقناع نظام حكم إسلامي وأخذا البيعة من الأنصار وسماها بيعة الرضا أي أنها تقوم علي أساس الاختيار لا الإكراه واقام تنظيما للأنصار حدد واجباته في نشرة لوكلائه أوضحت أن واجبات الوكيل هي الاتصال المباشر  بالإمام وتكوين الشباب وتوزيع الإعلام عليهم وتشييد المساجد وخلاوي القران ومصالح الأنصار ويقوم هذا التنظيم للأنصار أصحاب البيعة واقام تنظيما سياسيا يربه حال الزمان وفتح بابه للأنصار وغير الأنصار من المواطنين ليعمل وفق تنظيمات هذا الزمان فيرتكز علي لجان وقيادة منتخبة ويتعامل بأسلوب حرية الاختيار والشورى لا أسلوب الأمر والنهي.

وعندما التبس علي بعض الناس موقف الإمام من قرارات الحزب واتجاهاته اصدر منشورا بتاريخ 20/9/1950م جاء فيه “1”: حيث أن أحداثا خلطت بين توجيهاتي لحزب الأمة في قراراته وأعماله كحزب سياسي وعلاقته بالأنصار إلا فيما يتصل بالتأييد الشعبي للمبدأ “2” تفصل ميزانية الحزب من الدائرة وتحدد أعماله السياسية منفردا عن وكالات الأنصار في المراكز الخارجية “3” تلغي المذكرة الأخيرة التي تخول لي حق الرفض في قرارات الحزب.

لقد كان الإمام عبد الرحمن الصادق هو صاحب الكلمة الاخيرة في تبيان عقيدة الإمام المهدي عليه السلام  في هذا العصر وقد أوضح جوانب العقيدة وأوضح كذلك  النظام الذي تسير عليه السياسة وفيما يتعلق بأمر الخلافة بعد وفاته قدم السيد الصديق وقال انه قدمه لأهليته لا لنبوته. تولي الإمام الصديق خلافة الإمام عبد الرحمن الصادق وسار في دربه حتى كتب الله له الوفاة. فنظر في أمر الخلافة وفي أحوال هذا الزمان فأوصى  بان يكون الأمر شوري بين الأنصار والي حين يتم الاختيار للإمام عن طريق الشورى يقوم مجلس خماسي يدير الشئون العامة برئاسة طيب الذكر السيد عبد الله الفاضل المهدي. لقد رأي ذلك المجلس أن الشورى في ظل حكم استبدادي غير ممكنة فقدم أحد أعضائه ليكون إماما فسار الأمر حتى شعر أعضاء مجلس الوصاية الآخرون وهم: السادة عبد الله الفاضل  المهدي ويحي المهدي والصادق المهدي وأحمد المهدي بأن أحوالنا لا تسير علي ما يرام وان تقصيرا كبيرا قد حدث في أوساطنا فكتبوا مذكرة بتاريخ 6/10/1964م أوضحوا فيها جماعهم علي رفع مقام الإمامة عن ويلات النزاع في الرأي والاحتكاكات في الاختصاص الذي يجلبه العمل في المحيط السياسي والاجتماعي وأن يكون بعيدا عن هذه المجالات فلا يكون له مساس بها ولا بتنظيماتها وأن يكون الإمام قائما بمسئوليات البيعة وما يتبعها من مراسيم ترمز لوحدة كياننا علي أن تتولي المسئوليات العامة هيئة قوامها أبناء المهدي والأنصار  ومن يؤيد مبادئهم من المواطنين وأن تكون لها أهدافها وبرامجها وتنظيماتها الخاصة وأن يلتزم الإمام بتأييد هذه الهيئة تأييدا مطلقا ورعايتها في نظر الأنصار والمواطنين.

إن عقيدة الإمام المهدي هي إحياء الكتاب والسنة والجهاد في سبيل الله وجددها الإمام عبد الرحمن الصادق لتكون إحياء الكتاب والسنة.. ومراعاة العصر الحديث وقبول أساليبه ونظمه السليمة وعن طريق هذا التجديد يمكن الوصول لتطبيق الإسلام عن طريق التربية والإقناع وعن طريق الدستور الذي يقره مجلس منتخب ويمكن أن يكون ولي الأمر الحاكم المسئول الشخص الذي تتوفر فيه الأهلية لذلك وينتخبه الشعب وان يعيش  هذا الوضع جانبا إلي جنب مع كيان الأنصار القائم بالمهام التي أوضحناها سابقا.

إن العقيدة التي نستمد منها كياننا هي عقيدة الكتاب والسنة وإن الدعوة التي بعثتها فينا هي دعوة الإمام المهدي عليه السلام وان السبيل الذي أعاد دعوة الإمام المهدي مع مراعاة ظروف هذا الزمان وأساليبه الاخيرة في كل ما يتعلق بكياننا وهو الذي فتح باب العمل السياسي ليضم في تنظيم واحد الأنصار وغير الأنصار من المواطنين وقبل نظام الشورى والنيابة والديمقراطية أساسا لتصريف الشئون السياسية وولاية الأمر والحكم. وان الأمر بعد الإمام عبد الرحمن قد آل إلي خليفة عينه في حياته فكان إماما بموجب ذلك التعيين ثم رد الإمام الصديق الأمر لعامة الأنصار في شئون القيادة الدينية والسياسية ليتخذوا ولي أمر في شئونهم المختلفة حسب الكفاءة والأهلية وهذا الوضع هو الذي يلائم الزمان الذي نعيش فيه الآن ولا بد من تحديد المسئوليات علي ضوء هذه المبادئ عملا بقوله صلي الله عليه وسلم: اذا كنتم ثلاثة فولوا أحدكم .. أن ولاية الأمر لشئون الأنصار قد آلت إلي الأنصار وقدم إليهم مجلس الوصاية إماما فبايعوه وهم أصحاب حق وأهل شوري ليسوا مملوكين لاحد فان وجدوا فيه مسلكا صالحا ساندوه.. وان لم يجدوا ذلك راجعوه وقوموه.

وولاية الأمر لشئون السودان أصبحت في يد أهل السودان. فهم يختارون لها من توفرت فيه الأهلية ومالت إليه الأغلبية.

والجهاز الذي نعمل به في السياسة هو حزب الأمة المنبثق من هذا التراث الملتزم ببرنامج إسلامي في أهدافه والمتعامل في أمور الولاية والعزل بأسلوب النيابة والشورى والديمقراطية ورأي الجماعة الذي هو رأي الأغلبية فيما يشكل علي الناس من أمور.

إن بعض الناس يحاولون تشويه عقيدتنا بادعاء مراكز روحية لا وجود لها بعد الإمام الخاتم عبد الرحمن الصادق أو ادعاء مراكز وراثية لا نعرف لها أصلا في تراثنا أو بمحاولة التسلط علي الناس وتخويفهم ولا مجال للتخويف فان بيعة الإمام عبد الرحمن الصادق كما سماها: بيعة الرضى القائم علي عدم الإكراه والأسلوب السياسي الذي أيده هو أسلوب الشورى والحرية.

هذا هو بيان مسلكنا في العقيدة والسياسة.

الصادق الصديق المهدي

29 ربيع أول 1387هـ

7 يوليو 1967م