من أدبيات انتفاضة الشعب الثانية: خطبة الجمعة في 5 أبريل 1985م/ 15 رجب 1405هـ -بمسجد بودنوباوي

بسم الله الرحمن الرحيم

مكتب السيد الصادق المهدي

من أدبيات انتفاضة الشعب الثانية: خطبة الجمعة التي ألقاها السيد الصادق المهدي

في 5 أبريل 1985م/ 15 رجب 1405هـ

بمسجد الهجرة بودنوباوي- أم درمان

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يمهل ولا يهمل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وبعد-

قال تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[1]

أيها الأحباب في الدين والوطن

هذا النظام الذي يحكم السودان الآن جثم على صدر الوطن ستة عشر عاما عجافا ظلم فيها الناس وكذب عليهم، وأفسد الحياة الخاصة والعامة وسلط على الشعب سياط البطش والاستبداد داخليا وجر على الوطن عار التبعية الأجنبية مهدرا السيادة الوطنية، وأثناء هذه الفترة ظل النظام يوهم الشعب بشعارات جوفاء كالتنمية والحكم الإقليمي، حتى إذا انكشفت الشعارات وبطل مفعولها تلفت محتارا وختم حيرته برفع شعار الإسلام.

لم يطبق النظام من الإسلام إلا الجلد والقطع والصلب وترويع المواطنين. فعل ما فعل باسم الإسلام مع أن دين الله هو الرحمة والعدل والتعاون.. إن العقوبات في الإسلام إجراءات رادعة مقصود بها حماية النظام الإسلامي الاجتماعي الذي يقوم سياسيا على الشورى، واقتصاديا على التكافل، واجتماعيا على الإخاء. والعقوبة في الشريعة واحدة من ست وسائل لمحاربة الجريمة هي: الإيمان- والتربية- والرأي العام- والعفو- وإزالة الضرورة، ثم العقوبة.

إن النظام المايوي لم يوظف العقوبات الإسلامية في حماية نظام اجتماعي إسلامي، ولم يوظفها ضمن وسائل أخرى لمحاربة الجريمة بل طبقها مبتورة ووظفها في حماية نظام مستبد ونظام اقتصادي مستغل، ونظام اجتماعي قائم على المحسوبية. إن تجربة هذا النظام “الإسلامية” تشويه للإسلام وتنفير منه، ونهج مبتور يدخل في وعيد قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[2]

أيها الأحباب في الدين والوطن:

قد نبهنا من هذا المنبر ومنابر أخرى للأخطاء، وكم قاومنا وكم انتفض أهلنا في الجزيرة أبا وفي ودنوباوي وفي شعبان وفي يوليو، وكم تكررت المحاولات العسكرية للإصلاح والتصحيح، وكم وقعت الإضرابات والاعتصامات والانتفاضات في كردفان ودارفور وعطبرة وغيرها، ولكن تلك التحركات لم تفلح في اقتلاع النظام ولا في إصلاحه، بل استمر كما هو مع مزيد من القهر واستخفاف بالناس وبترويج لمقولة أن الشعب السوداني استكان ورضي بالهوان و” لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ”.

وها هو شعب السودان أطفالا ونساء، شيبا وشبابا يفجر ثورة رجب المجيدة مقدما البرهان مرة أخرى على حيويته وإقدامه. ولقد أسفرت شعاعات الصبح  واتحدت كلمة الشعب. وكل واحد منا وواحدة مطالب بالمشاركة في إنقاذ الوطن وفي مولد السودان الجديد. القاعدون عن هذا الزحف المقدس قاعدون عن نداء الوطن متخلفون عن مسيرة التاريخ. قال (ص): من لم يهتم لأمر المسلمين ليس منهم، أو كما قال.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية

 

الحمد لله قال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..الآية)[3] والصلاة والسلام على سيدنا محمد قال: إن المنبت لا أرضا قطع ولا ماء أبقى.

في يوم الثلاثاء الخامس من رجب ثار طلبة جامعة أم درمان الإسلامية بقيادة اتحادهم يعبرون عن ضمير أمتهم في رفض نظام الظلم والمطالبة بالحرية والكرامة، ثم تلى ذلك مواكب، ثم جاء موكب مدني العظيم الذي انتظم القوى المهنية والفئوية في موقف واحد عبرت عنه مذكرة قوية تدين النظام الظالم وتطالب بإقامة نظام ديمقراطي بأسلوب سلمي. ثم جاء موكب الأربعاء الثالث عشر من رجب الذي نظمه المهنيون السودانيون، فانتظم القوى السياسية والشعبية، والذي أفضى إلى إعلان ميثاق قومي لتجمع القوى الشعبية لإنقاذ الوطن. الميثاق الذي أعلن الإضراب السياسي حتى نهاية سلطة الفرد، وحدد النظام البديل الذي يطالب به شعبنا. ومنذ الأربعاء تعاقبت الأحياء في أنحاء العاصمة المختلفة، وسيقوم غدا موكب آخر في الخرطوم ليعلم الجميع أن الشعب السوداني قد اتحد وأن مطالبه قد تحددت وأنه عازم على انتزاع حريته وكرامته بإذن الله.

إن ثورة الشعب أيها الأحباب في رجب ماضية في سبيلها بعون الله وتوفيقه وعلينا جميعا تفادي المزالق – فلا نخرّب ولا نسمح لأحد أن يمزق وحدة الشعب لأغراض شخصية أو حزبية- لقد صارت حرية بلادنا قاب قوسين أو أدنى، فلنمض إلى سبيلنا حتى التحرير ثم إنقاذ الوطن، حريصين على نفي التشوهات التي لحقت بالإسلام وعلى حل مشكلة الجنوب حلا سلميا عادلا وعلى توفير المعايش لأهل السودان وعلى إنقاذ الاقتصاد السوداني وتنميته وعلى إدارة شئون البلاد في نظام الحرية والديمقراطية.

لقد لجأ أيها الأحباب النظام كعادته لنكران الحقائق، وسيلجأ إلى القهر عن طريق إعلان حالة الطوارئ لاستخدام القوات المسلحة في مهام الحفاظ على السلطة. لقد زج النظام بالقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في الدفاع عن حماقاته السياسية واستبداده. هذه القوات من أبناء الشعب المظلوم الضائع قد آن لها أن تنفض يدها لكي لا تسخر في مصالح النظام وشهواته الانتقامية، إذ يريد أن يقبض الناس كالأرانب، وأن يقتلهم كالعقارب.. آن الأوان ليثور الشعب والجيش وسائر القوات النظامية في حركة إنقاذ للإسلام وللسودان.

اللهم احفظ السودان والسودانيين، اللهم اخذل الظلمة المعتدين، اللهم ارفع بأهل السودان في ظل الحرية راية الدين، اللهم وفقنا لمسح دموع المستضعفين، اللهم ارحم شهداءنا، وادعم في طريق الحق خطانا. آمين

 

[1]  سورة يوسف الآية 110.

[2]  سورة البقرة الآية 85.

[3]  سورة آل عمران الآية  103.