نحن الصغار نريد سوداناً خالياً من الألغام

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مدرسة إسماعيل الولي لمـــرحلة الأساس بأم درمان

بالاشتراك مع المركز القومي لمكافحة الألغام

والمركر القومي للمناهج والبحث التربوي- بخت الرضا

حفل ختام العام الدراسي المقام

تحت: شعار نحن الصغار نريد سوداناً خالياً من الألغام

كلمة: الإمام الصادق المهدي

20/1/2013م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، أحفادي وحفيداتي

السلام عليكم ورحمة الله،،

عندما دعتني مديرة المدرسة الأستاذة نفيسة لأشترك معكم في هذه المناسبة ما كانت عندي فرصة لأقول لا لأربعة أسباب:

السبب الأول: أن هذه مناسبة تخص الأطفال، وأنا اعتقد أن من لا يرحم الأطفال لا يُرحم، ولذلك ففي مناسبات كثيرة دُعيت لمدارس أطفال أخاطبهم بهذا الشعور معهم.

السبب الثاني: أن الموضوع متعلق بالأمن القومي وأمن المواطن، بالنسبة للألغام وخطرها.

السبب الثالث: أننا في السودان الآن نستشرف تطوراً في اتجاه السلام ولا بد إذن من التركيز على هذا المعنى.

والسبب الرابع والأخير: أن المدرسة باسم السيد إسماعيل الولي، السيد إسماعيل الولي من زعماء الدين المعروفين، ومن ذريته السيد المكي من الزعماء الدينيين المهمين الذين وضعوا يدهم على يد المهدي وكانوا من أقوى السند للثورة. أمثال الشيخ الشريف محمد الأمين الهندي، والشيخ العبيد ود بدر، والشيخ القرشي ود الزين هؤلاء كانوا من أعلام السودان الذين زكّوا المهدي أو المهدية فزكت بهم، لذلك لم يكن من الممكن أقول لا مهما كانت الظروف. وطبعاً الأستاذة حينما دعتني مؤكد لم يكن ذلك لأتكلم كخبير ألغام، بل لأضع هذا الموضوع في إطاره الواسع إن شاء الله، ولذلك سوف أتكلم في هذا الموضوع في خمس شعب: الشعبة الأولى تتعلق بكرامة الأطفال، والثانية تتعلق بوحشية الألغام، والثالثة تتعلق بأن الحرب هي السبب، والرابعة عن مآسي الطفولة إزاء الحرب. والأخيرة حول التعبئة القومية المطلوبة داخل السودان وفي إقليم السودان وعالمياً لمحاربة الألغام ونصرة السلام.

الشعبة الأولى: كرامة الأطفال

الطفولة كما تعلمون هي مشتل الإنسانية، وحقوق الأطفال أكثر من واجباتهم لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ” ومنهم “الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ” [1]، لذلك مطلوب نحوهم هذه الرحمة. سأتكلم عن عشرة حقوق لهم نحن الآباء والجدود واجبنا نعاملهم بها لأن هذا واجبنا، ليس الواجب الذي قالته معاهدة الطفل، لا بل هذه أشياء جاءت من ديننا ذاته:

أولا: العش الذي ينشأ فيه الطفل لازم يكون مبارك: عش الزوجية (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [2] هذا السكون هو المودة والمحبة والرحمة .

ثانيا: لازم نسميهم أسماء طيبة ولا نسميهم أسماء قبيحة، لأنها الأسماء التي يدعى بها الناس يوم القيامة يدعونهم بأسمائهم، فلا نسمي البنات أسماء المأكولات: موزة، تفاحة، برتقالة، بل نسميهن أسماء الخصائل والفضائل، كذلك الأولاد لا نسميهم أسماء الكواسر: أسد، فهد، نمر، دابي، بل نسميهم أسماء فاضلة لأنك حينما تسميه صقراً أو نمراً فهذا الأسم يـ”يهد فيه”، لذلك لا نسميهم مثل هذه الأسماء.

ثالثاً: كذلك لهم حق الرضاعة عامين.

رابعاً: المساواة، فلا يقول الشخص رزقت بنتاً “يخسي” (أي بئس) أو رزقت كذا “يخسي”، هذا غلط لأنه مثلما قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [3] لا، هذا غلط. البنت والولد كلاهما عنده دوره وحوبته ومكانته لا نميز بينهما ولا نفرق بينهما، ونقول لهم كل واحد وواحدة يجتهد:

قيمَـةُ الإِنْسَـانِ مَـا يُحْسِـنُـهُ أَكْـثَـرَ الإِنْـسَـانُ مِنْـهُ أَمْ أَقَـلْ

البنت والولد كلاهما عنده حوبته أبدا ما نميز بينهما.

خامساً: التربية الأخلاقية: الأخلاق كالصدق، والوفاء، والأمانة، نعلمهم إياها ويكون التأديب بالوسائل المختلفة ولكن لا نقسو، والقسوة تكون “الشر ضرس وراني”، والكي آخر العلاج، لكن لازم قبل ذلك من الرفق “مَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ” [4].

سادساً: التعليم الديني والمدني، ولا نهينهم: “أكل تأكل السم”، ولا ندعو عليهم أصلاً، ونخاطبهم دائما بلغة فيها تكريم واحترام، ودائما نحترم عقلهم. وحينما تسأل البنت أمها أو يسأل الولد أمه: ما الذي في بطنك، أو من أين جئنا؟ لا يقولون لهم وجدناكم في الجامع، فلا يحاولوا أن يغشوهم بل يقولون لهم حقيقة الأمر، فهذه المسألة ليست عيباً بل مسألة طبيعة لكل الناس، ينبغي أن يصارحوهم ولا يضحكوا عليهم لأن الأطفال الآن صاروا واعين والآن لو شاهدتم هذه التمثيلية ورأيتم الطريقة التي يؤدونها بها لأدركتم أن هؤلاء ناس واعون، فكيف نحاول نغشهم ونقول لهم “لقيناكم في الجامع” أو “جابوكم لينا هدية” هذا لعب.

سابعاً: كذلك ضروري جداً ألا نعتدي على بدنهم. ختان البنات عدوان على النساء لا بد ألا نعتدي على بدنهم، ولا نعتدي عليهم اجتماعياً فنزوج الطفل. لا يمكن تزويج طفل. الطفولة عندها حرمة، لا بد نحترم حرمة الطفولة (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ) [5]. النكاح مبلغ وليس أمراً يتم في أي زمن، فيجب ألا نعتدي عليهم بهذا.

ثامناً: مهم جداً أن نعطيهم فرصة للعب. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاعب أطفاله: “عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَرْبَعٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَهُوَ يَحْبُو بِهِمَا، وَهُوَ يَقُولُ: “نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا وَنِعْمَ الْعَدْلانِ أَنْتُمَا” [6] وهما راكبين فوق ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويلاعبهما وهذا كله مهم جداً.

هذه هي حقوق الأطفال التي يجب أن نعاملهم بها، والآن هناك معاهدة دولية لحقوق الأطفال، لكن ثقافتنا وتراثنا وحضارتنا سبقتها فهي لم تأتنا من الخارج بل هي مزروعة في ثقافتنا.

الشعبة الثانية: خطورة الألغام على الأطفال:

طفل الإنسان أضعف من أي طفل. البقرة، مثلاً، تلد الجنى يقوم ويتحرك فوراً، وكذلك كل البهائم. طفل الإنسان يولد ضعيفاً جداً، لذلك لازم له الرعاية والوقاية، وهذا يجعلنا نتكلم عن أسلحة الدمار الشامل، وقد سميت أسلحة الدمار الشامل لأنها تقتل بدون فرز، وهذه بالتأكيد سيئة جداً، ونحن في الإسلام لدينا الحرب ليست حرباً بدون حدود، بل للحرب دائماً أخلاق، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للجيوش وهي ذاهبة للحرب: “انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّه، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا صَغِيراً، وَلَا امْرَأَة، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين” [7].

للحرب ضوابط، ولا يمكن أن تكون الحرب قتلاً عشوائياَ، لذلك صارت هناك اتفاقيات جنيف الأربع لرعاية حقوق الناس في الحرب وبرتوكولاتها، وتحريم أسلحة الدمار الشامل، ومن أهمها موضوع الألغام. وهناك معاهدة الآن ضد الألغام الأرضية، وهذه المعاهدة مهمة جداً، وفيها بنود لا بد أن نفهمها ونتابعها:

1. ضروري جداً أن تنضم الدول التي لم تنضم لهذه الاتفاقية.

2. ضروري جداً أن تنضم الفصائل المسلحة في كل مكان.

3. ضروري جداً أن تدمر المخزونات من الألغام.

4. ضروري جداً أن تحرم في العالم كله المصانع التي تصنع الألغام. لا بد من أن يكون هناك تحريم لهذه الأشياء التي تفرخ هذه المصائب، لذلك لازم يكون هناك تحريم أساسي صناعي لأي إنسان يعمل أو يصنع الألغام.

5. كذلك يجب أن تكون هناك إدانة لكل من يستخدم هذه الألغام وهذا يدخل فوراً في جرائم الحرب، ولكن اتفاقية روما التي نصت على المحكمة الجنائية الدولية ليس فيها كلام عن الألغام، ويجب أن تدخل فيها الألغام، ومن يستعمل الألغام يمشي للمحكمة الجنائية الدولية يحاكم باعتباره مجرم حرب ومجرم ضد الإنسانية .

6. لازم نعمل نفير عالمي لتطهير المناطق الملغومة. هناك مناطق كثيرة جداً ملغومة منذ الحرب العالمية الأولى والثانية موجودة، وهذا لا بد من أن الناس يسلطوا عليه تعبئة لتطهير البلاد كلها من هذه الألغام، وتعبئة عامة لصالح العمل ضد هذه الألغام.

7. ولازم يكون لدينا صندوق قومي وصندوق دولي لمساعدة ضحايا الألغام بكل الوسائل الممكنة لأن هؤلاء الناس يفقدون قدراتهم أن ينتجوا ويعملوا ولا بد أن نعمل على أن يكون هناك عمل جيد، ومتابعة حتى نأخذ بيد الضحايا ونساعدهم.

8. كذلك لا بد من عمل تدريب كبير جداً. لقد شاهدنا الآن أطفالنا هؤلاء وهم يشرحون كيفية التصرف، وماذا تعمل إذا رأيت جسماً غريباً، فلا بد أن تكون هناك عملية تدريب واسعة للتعامل مع الألغام، وتدريب لمحاربة هذه الالغام وهذا مهم جداً.

9. كذلك لا بد أن ندعم الأبحاث. فهناك الآن أبحاث وكذلك الجراحة في تطور فيما يتعلق بزراعة الأطراف لمساعدة الذين فقدوا أجزاء منهم بالألغام من زراعة يد أو رجل.

الشعبة الثالثة: الحرب هي السبب:

الألغام ليس سبباً بل هي عرض للحرب، ولذلك لا بد أن نعمل لكي نبث ثقافة السلام.

بالنسبة لنا كمسلمين السلام حق من حقوق الإنسان. الله ذاته اسمه السلام ونحن في الإسلام عندنا التحية السلام، ونحن مأمورون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [8]، فالسلام واجب ديني في الإسلام، وليس صحيحاً كلام الناس الذين يقولون من اختلف معك في الدين اقتلوه، فهذا غلط، نحن في الإسلام القتال لدينا مربوط فقط بالعدوان.

والمؤسف أن الأطفال في الحروب يصابون بأشياء كثيرة جداً: التجنيد في الحروب وهذا فيه عدوان على الأطفال، والإصابات وتشريد واغتصاب، وفي معسكرات النازحين واللاجئين الحرمان من الخدمات والاحتياجات في الصحة والتعليم والغذاء والكساء هذه كلها أشياء محتاجون لها.

الشعبة الرابعة: مآسي الطفولة:

أطفالنا اليوم يعانون كثير من المشاكل، في مروري على الأجزاء المختلفة في العالم شاهدت كثيراً من معاناة أطفالنا في الغربة، صحيح هم في حالة جيدة من ناحية المأكل والملبس لكنهم يعانون غربة ثقافية وهذه مشكلة، كذلك النازحون واللاجئون في المعسكرات كلهم يعانون كثيراً جدا جداً. ولا شك أن الاطفال يعانون معاناة كبيرة من العنف، وكما نشاهد الآن اغتصاب الأطفال وقتلهم صار أمراً معتاداً وهذا سيء جداً ولا بد من عمل مؤكد ضده، والحروب التي لا تكاد تنتهي يجب أن تقف لأنه إذا لم تقف الحرب لن نستطيع أن نوقف كل هذه المعاناة.

الشعبة الخامسة: التعبئة من أجل وقف الحرب:

في النهاية أريد أن أقول هذه المناسبة مناسبة كبيرة لذلك لا أريدها أن تكون بيضة ديك، وهذا مثل يقال عن الشيء الذي يحدث لمرة واحدة فيقولون إن الديك يبيض مرة واحدة. ينبغي ألا تكون مناسبة معزولة بل تكون ضمن مشروع أكبر.

كيف يكون ذلك؟

اولاً: لازم نفكر من منطلق هذه المدرسة الرائدة في ميثاق لا للألغام. ميثاق يوضع ويكون واضح المعالم. هذا الميثاق يشتمل على معنى: لا للألغام، لا للحروب، نعم للسلام. ونعمل لكي نسوقه لمدارس الأطفال كلها، لكي يكون هناك دعم جماهيري من الأطفال لعبارة: لا للألغام، لا للحروب. وهذا لا يقف عندنا هنا في السودان بل نتبناه ويتبنوه لكي يمتد في مدارس الجنوب لأنهم جيراننا، الذين كانت بيننا وبينهم هذه الحروب، ونحن نريد أن نعبئ اطفالهم أيضا معنا في الموقف المتعلق بلا للألغام ولا للحروب. ولا بد أن نعمل ذلك بصورة كبيرة لأن ما يصيبنا يصيبهم، وما يصيبهم يصيبنا، ويجب أن نعمل في ذلك بصورة مكبرة. نكتب ميثاق: لا للألغام، لا للحروب، نعم للسلام، ونجعل مدارس الأطفال كلها تتبناه وأساتذتنا وأستاذاتنا، وتلاميذنا وتلميذاتنا يتبنوه وكل الناس على أساس أن تكون هناك موجة كبيرة وقوية في المنطقة لصالح كلمة لا للالغام لا للحرب نعم للسلام.

هذا موضوع مهم جداً يجب أن نمشي فيه ولا يقف عند ذلك هذا الحد بل وأستاذة الجامعات وائمة المساجد. وللأسف منهم من “بلع حراساته” لا داعي لهم ولكن منهم آخرون راشدون نخاطبهم. “البالع حراسته” هذا مثل سوداني، فالطفل كانوا يلبسونه “حراسة” والشخص الذي يتعامل بـ”طرطشة” أي بدون رشد يوصف بأنه بلع حراساته. هؤلاء البالعين حراساتهم لا داعي لهم لكننا نخاطب الراشدين. كذلك نعبئ قساوسة الدين المسيحي ونخاطبهم لكي يكون هناك تيار قوي جدا يمشي في هذا الخط.

 

أنا شاكر ومقدر جدا دعوتي لكي أخاطبكم وأشارككم في هذه الأفكار، ولكن يجب ألا تقف عند حد هذا الاحتفال، بل تنطلق من هذا الاجتماع لما بعده.

 

والسلام عليكم ورحمة الله