نداء فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

نداء فلسطين

 السيد/ ……………………………..

                                        المحترم

 

لا شك أنكم تتابعون تصاعد الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة إثر تفجر الانتفاضة الأخيرة، وما أدى له ذلك من مبادرات سلام عربية، وصلف ومجازر صهيونية تتزامن مع الصمود الفلسطيني، لتجعل الوصول لرؤية استراتيجية متقاربة بين جميع القوى العربية لمسألة السلام، هو السبيل الوحيد المتبقي لقيادة خط عربي جديد يؤدي إلى فعل صائب، يتجنب العودة للحوار العقيم، كما يتجنب الدخول في مشروعات راديكالية لا تغني ولا تسمن من جوع.

إن حزب الأمة بصفته كأكبر كيان شعبي في أحد أكثر الشعوب العربية اهتماما بالقضية الفلسطينية ومناصرة لها، يبادر بمخاطبتكم مقدما رؤيته، ومقترحا مداولة الرأي والرأي الآخر بين كافة الكيانات العربية وصولا للرؤية الاستراتيجية العربية الموحدة المنشودة:

مشروعات السلام العربية الإسرائيلية في الميزان

حرب الخليج الأولى (1980- 1988 ) أحدثت شرخا في العلاقات العربية الإيرانية. وحرب الخليج الثانية (1990- 1991 ) أحدثت شرخا في العلاقات العربية- العربية. ونهاية الحرب الباردة لصالح المعسكر الغربي (1991) أخرجت الاتحاد السوفيتي النصير الدولي للقضية العربية من المعادلة الدولية. وعمدت الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لإسرائيل قطبا دوليا مهيمنا.

كان غياب توازن القوى الدولي بسقوط الاتحاد السوفيتي على حساب العرب مثلما أدى زوال الاتحاد السوفيتي لفتح طريق المصالح الغربية إلى نفط بحر قزوين، ومن ثم النيل من وزن النفط العربي استراتيجيا. كما أن توتر العلاقات العربية التركية سيما مع سوريا ساهم في توثيق علاقات تركيا بإسرائيل على حساب الأمن القومي العربي.

هذه العوامل بالإضافة لنتائج المواجهات العسكرية التي تمت بين العرب وإسرائيل أدت إلى توازن قوى عربي إسرائيلي لصالح إسرائيل. توازن قوى فرض نفسه على مشروعات السلام وجعلها غالبا في صالح إسرائيل.

كانت اتفاقية أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية (13 سبتمبر 1993م) حلقة من حلقات هذه التسويات التي فرضها توازن القوى ولكن استقبالها في الأوساط الشعبية كان سلبيا. سلبية عبر عنها نزار قباني بقوله:

جوعوا أطفالنا خمسين عاما،

ورموا في آخر الصوم إلينا بصلة !!

هذه المشاعر حركت قواعد شعبية عربية وإسلامية في اتجاه الرفض، ونفس العوامل طمّعت اليمين الإسرائيلي في اتجاه حرمان الفلسطينيين حتى من “البصلة”.

انتفاضة الأقصى

كانت زيارة آرييل شارون للأقصى في سبتمبر 2000م صورة من هذا الزهو بالتفوق ففجرت حلقة جديدة من حلقات المقاومة الفلسطينية: انتفاضة الأقصى التي اندلعت في يوم 29 سبتمبر، وأشعلت روحا فدائية جديدة: الشهادة الانتحارية.

ثم انتخب شارون (2001م) رئيسا للوزراء، ليبسط ساعدا قمعيا قويا ضد الانتفاضة فمارس ضدها دمويته المعهودة مستخدما كل أساليب النازية ومستبيحا كل حرمات الإنسان الفلسطيني. وبقدر ما واجهت المقاومة هذا العدوان بالتضحية الفدائية شدت إليها إعجاب ثم تأييد الشارع العربي والإسلامي المحبط أصلا لأسباب كثيرة فأعادت إليه هذه البطولات الروح فجعل المقاومة محط أمنياته ورمز تطلعاته.

أحداث 11 سبتمبر وحرب أفغانستان:

عندما وقعت أحداث 11/ 9 / 2001م المأسوية، كان عمر انتفاضة الأقصى عام من الزمان. الرسميون العرب والمسلمون وكذلك أغلبية المفكرين والمثقفين أدانوا الحدث وحزنوا للأرواح البريئة التي راحت ضحيته، وكثير من الحركيين نفوا أن تكون يد مسلمة هي التي صنعت الحدث. وآخرون اعتبروه جزاءا وفاقا لأمريكا على سياساتها الظالمة. عامة الناس في الشارع العربي الإسلامي اعتبروا الحدث بطولة واعتبروا أمريكا مستحقة لعقاب إلهي.

وفي 7 أكتوبر 2001م اندلعت حرب أفغانستان، كثير منا اعتبرها دفاعا مشروعا عن النفس. ولكن قسوة القصف، وإصابة الأهداف المدنية، ومعاملة الأسرى، وغيرها من العوامل الجالبة للعطف أثارت احتجاجا واسعا على أسلوب الحرب في الشارع العربي والإسلامي. بل حتى داخل أمريكا وأوروبا.

التحرك الأمريكي ضد الارهاب وأثره

كان التحرك الأمريكي ضد الإرهاب واسعا أدخل في تعريف الإرهاب بعض الدول المتحدية للنظام الدولي الأحادي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأدخل في تعريف الإرهاب حركات تحرير مثل حركة التحرير الفلسطينية. هذا التعريف للإرهاب تطابق مع رأي القيادة الإسرائيلية واتفق عليه في لقاء الرئيس بوش والرئيس الإسرائيلي في فبراير 2002م.

كان برنامج شارون الأمني واضحا ولكنه اكتسب بعدا جديدا لتصفية المقاومة الفلسطينية تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب، إن شارون سوف يركز على توسيع مفهوم الإرهاب لاستهداف حركة التحرير والدول المعادية ويحرص على دعم حركات المقاومة داخل الدول العربية إن وجدت مثلما هو الحال في السودان مثلا.

لقد اشتدت إجراءاته القمعية واشتدت في المقابل المقاومة واتسع تأييدها في الشارع العربي، الإسلامي، والمسيحي، بل الدولي.

تباينات خلقتها المواجهة

هذه المواجهة خلقت استقطابا حادا كشف تباينا واضحا:

  • بين الموقف العربي والموقف الأمريكي.
  • بين الموقف الرسمي في البلدان العربية والإسلامية والموقف الشعبي.
  • بين الموقف الأمريكي والأوروبي.

هذا الاستقطاب والتباين في المواقف من شأنه أن يتسع ويودي بالاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط والدولي في العالم ويخلق واقعا جديدا.

فما العمل؟

كثير من القوى صاحبة المصلحة في الأوضاع بشكلها الراهن تسعى بكل الوسائل لاحتواء المواجهات والعودة لما كان عليه الحال قبل اندلاع الانتفاضة واستئناف المفاوضات كما كانت.

في المقابل اندفعت تيارات قومية وإسلامية نحو الأجندة الراديكالية تطالب وتقوم بإجراءات من شأنها أن تؤدي لمواجهة عسكرية شاملة. عملية السلام القديمة عقيمة ولن تحقق سلاما مستداما. والأجندة الراديكالية تدفعها الأماني أكثر من الحقائق. فيما يلي معالم خيار ثالث يرجى أن يكون مدخل لنظام عربي جديد:

أولا: التحرك السريع لتحقيق أعلى درجات التضامن والتوافق العربي وإزالة كل الخلافات البينية العالقة.

ثانيا: تجديد العزم واتخاذ آليات فعالة لتصفية كل الأزمات الداخلية في البلدان العربية وتحقيق تصالحا بين الحكومات والشعوب على أساس الكرامة والحرية وحقوق الإنسان.

ثالثا: إزالة أسباب التناقض العربي- الإيراني. وتحقيق أعلى درجة من التعاون التركي- العربي.

رابعا: الانفتاح نحو أوروبا وآسيا لاسيما الصين وأفريقيا بأقوى صورة ممكنة والاهتمام بمخاطبة الرأي العام الأمريكي ومراكز صنع القرار فيه.

خامسا: تأكيد مشروعية مقاومة الاحتلال.

سادسا: كفالة حرية التعبير الفكري والسياسي والمدني لدعم المقاومة وتجنب التلويح العسكري ومعسكرات التطوع وغيرها من الإشارات المماثلة.

سابعا: الاتفاق على أن السلام العادل هو الذي يطبق كافة القرارات الدولية العالقة بإشراف دولي حازم.

ثامنا: الاستعداد العسكري للدفاع عن النفس والاتفاق على الدفاع العربي المشترك والتخلي عن أية حماية أجنبية والعمل على إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.

تاسعا: وضع الأسرة الدولية أمام مسئوليتها فهي التي قررت قيام إسرائيل وهي مسئولة مسئولية مباشرة عن علاج نتيجة ذلك القرار وفرض سلام عادل.

عاشرا: اتخاذ موقف موحد من الدول التي تصر على دعم العدوان الإسرائيلي وتحديد إجراءات سياسية، واقتصادية، وتجارية، محددة لحملها على تأييد تنفيذ القرارات الدولية العالقة.

هذه النقاط العشرة ينبغي أن تكون أساسا لنظام عربي جديد وأن تحظى بدعم قوى الانتفاضة لها باعتبارها أهدافا سياسية لها.

إن عملية السلام القديمة عقيمة، كما أن الأهداف الراديكالية سوف تسبب انقساما بين أصحاب الشأن الفلسطيني والعربي والإسلامي وتعزل القضية دوليا وتتعلق بالمستحيلات.

هذا هو الخيار المحسوب والممكن والذي يناسب تضحيات المقاومة وعدالة القضية.

إن ترك الأمور ملتهبة بدوافع النزاع والاستقطاب سوف يفجر الأوضاع قطريا وإقليميا ودوليا ويأتي بنتائج غير محسوبة فيها كثير من النار وقليل من النور.

ختام

إنني أخاطبكم بهذا الخطاب مدركا حجم الأهمية التي تولونها للمسألة، راجيا أن يثمر جهدي هذا ولو بعض التقدم نحو تكوين رؤية استراتيجية توحد جميع القوى العربية والإسلامية والعالمية يقظة الضمير المحبة للسلام.

 

والسلام

 

أخوكم

الصادق المهدي

رئيس حزب الأمة

15 أبريل 2002م