ندوة: أبعاد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (نظرة استراتيجية)

بسم الله الرحمن الرحيم

جامعة إفريقيـــــــا العالمــيــــــــــــــــة

بالتعاون مع

منظمـــــــة الدعـــــــوة الإسلاميــــــــة

ندوة: أبعاد أحداث  الحادي عشر من سبتمبر (نظرة استراتيجية)

قاعة الشارقة- الخرطوم- 3 نوفمبر 2002م

 

مكامن العجز الذاتية في المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية

الصادق المهدي

 

 

مقدمة

ما بين نفق الرعب الذي حفره الغلو الديني وقفص الاتهام الذي نصبته الهيمنة الدولية للأمة وبين مكامن العجز الذاتية في المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية صلة سببية قوية فيما يلي أفصل هذه الصلة وأحلل دواعيها واقترح ما ينبغي عمله لعلاج العجز والخروج من النفق ودفع الاتهام.

الحادي عشر من سبتمبر

الحادي عشر من سبتمبر 2001 لم يكن حدثاً يتيماً. بل كان الثمرة المرة لبذور متناثرة في الجسم السياسي والدولي القائم. إن في ثقافتنا الإسلامية اجتهادا إقصائيا يرى أن من ليس معنا فهو عدونا، وفي واقعنا السياسي تناقض بين الحكومات وشعوبها وصل درجة الأزمة، وفي العلاقات الدولية الحالية هيمنة أمريكية زادت حدتها وأحاديتها بعد الحرب  الباردة، هيمنة أثارت تجاوزاتها ردود فعل غاضبة، وفي الجسم السياسي شباب يشعر أنه مهمش في أوطانه، أعطته تجربة المقاومة للغزو السوفيتي في أفغانستان فرصة لإثبات جدواه، ولاكتساب مهارات جديدة، ثم انتهت التجربة ليعود لتهميشه القديم ويعاني مع جيله إحباطاً متراكماً نشرته الإخفاقات والهزائم: هذه العوامل تفاعلت في نفوس أشخاص وجماعات خططت ونفذت الحدث القارعة.

أهم نتائج هذا الحدث الفارق هو أن أصحاب الاجتهاد الإقصائي اختطفوا مؤقتاً مساحة كبيرة من مساحات التعبير عن الموقف الإسلامي مدافعين عن قضايا في حد ذاتها مشروعة بأساليب غير مشروعة، كما أن اتجاه الهيمنة الدولية بفضل تصديه للإرهاب تمدد في حرب كونية ضد الإرهاب حرب دوافعها مشروعة دفاعاً عن النفس واحتواء للإرهاب ولكن أساليبها الأحادية المستعلية غير مشروعة.

أهل البروج وأهل الكهوف

نهج أصحاب الاجتهاد الإقصائي -أهل الكهوف- ونهج أصحاب اتجاه الهيمنة الأحادية -أهل البروج- كلاهما يغذي الآخر بحجة قوية وكلاهما ينوء به كاهل مؤسسات الدول الرسمية الداخلية والخارجية في البلدان العربية والإسلامية وكلاهما يتحدى تلك المؤسسات ويكشف عجزها ويحاصرها.

إننا في هذا الحديث نتخذ ثلاثة محاور: مكامن العجز في المؤسسات العربية والإسلامية- العجز في الدولة الإسلامية والعربية الحديثة- ثم تفعيل المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية..

المحور الأول: مكامن  العجز في المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية

هنالك عجز كامن في المؤسسات الرسمية التي أقامتها الدول العربية والإسلامية كجامعة الدول العربية ومؤتمر الدول الإسلامية ومنظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي وما تفرع منها من منظمات متخصصة.

هذا العجز ليس ظاهرة خارجية معزولة بل هو مرآة لعجز الدول الأعضاء ومؤسساتها الرسمية. إن المؤسسات الخارجية عاجزة بعجزالداخلية ضعيفة بضعفها إنها الوليد الشرعي لأحوالها. سنقوم أولا بتتبع بعض ملامح العجز في المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية، ثم نتعرض لعجز الدول وكيفية تجاوزه.

يظهر عجز المؤسسات العربية والإسلامية في ملامح عديدة، منها:

أ- عجز القرارات المتخذة: تجتمع الدول الأعضاء في مؤسساتها الدولية وتتخذ قرارات في شتى المواضيع. وتحف بالاجتماعات هالة إعلامية وتظهر قراراتها طموحاً زائداً. ولكن هذه القرارات تبقى حبراً على ورق ولا تؤثر على الواقع في كثير أو قليل: التكامل العربي، الدفاع العربي المشترك، السوق العربية المشتركة. وهي برامج مدروسة دراسة فنية جيدة ولكن الإرادة السياسية لتنفيذها غائبة. مع أن مشروع الوحدة الاقتصادية العربية بلغ من العمر اليوم ثلث قرن إلا أن التجارة البينية اليوم في العالم العربي 8% من تجارة الدول العربية الخارجية بينما هي 40% في أمريكا اللاتينية و65% في الاتحاد الأوربي!!.

ب- ضعف العلاقات البينية: علاقات الدول العربية والإسلامية بالدول الغربية أقوى أضعاف مضاعفة من علاقاتها ببعضها بعضاً. وعدد من هذه الدول تنسق تحركاتها الدولية مع دولة أو دول عظمى لأنها تعتمد عليها في المحافظة على نظامها نفسه لذلك لا يرجى أن تتحرك في مؤسسات دولية إلا في فلك الدولة العظمى الضامنة”.

النظام الدولي القائم سواء في عهد القطبية الثنائية أيام الحرب الباردة أو اليوم في عهد القطبية الأحادية يفرض على الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومؤتمر الدول الإسلامية علاقات ثنائية بحكم توازن القوى الدولي تحصر خيارات الطرف الأضعف الاستراتيجية والاقتصادية. ومهما كانت قرارات ونوايا المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية فإن تحركات الدول الأعضاء تمليها علاقاتها الثنائية بالدول الكبرى وموجبات توازن القوى الدولي.

ج- عجز الاجتهاد  السياسي الحكم الأوتقراطي يقفل باب الاجتهاد الفكري والسياسي ويقفل منافذ المشاركة في الأمر العام فيؤدى ذلك إلى جفاف فكرى وغياب للمبادرات السياسية على نحو ما نشاهد في الغرب حيث تتكاثر الحلقات الدراسية الفكرية وتمثل رافداً مستمراً لصناع القرارات بتحليلات وآراء نيرة أنبتها مناخ الحرية.

لا تسمح الأوتقراطية بهذا النوع من النشاط لأنها تخشى أن يصبح منبراً للمعارضة. ولا تسمح بالتصدي للأخطاء وتقييم التجارب بل تشجع الإعلام الرسمي أن يضخ معلومات وتحليلات تكرس الرضا عن الذات والوهم بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.

د- انعدام الشرعية: العمل العام الحديث ينطلق من أساس واضح للشرعية تمارسه مؤسسات محددة الصلاحيات وتسكن فيها كوادر مؤهلة ومدربة لأداء واجباتها وتحكم تصرفاتها لوائح. هذه مناهج لإدارة الشأن العام وتمثل حضارة الحداثة والمؤسسات الرسمية الدولية إنما تتمثل هذه المناهج لكي تصبح ذات فاعلية وجدوى. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه فالدول الأعضاء في المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية دول لا تعرف هذه المناهج في إدارة الشأن العام داخلياً ولا يرجى أن تكتشفها خارجياً.

هـ- انعدام الحيوية: إن العالم العربي يتعرض لأخطر المشاكل في الشرق الأوسط، والخليج، وفي الصومال، وفي المغرب،وفي السودان، كذلك يتعرض العالم الإسلامي لمشاكل بالغة في أفغانستان، وفي شبه القارة الهندية، وفي غيرها. بل إن الحرب العالمية الثالثة -حرب الإرهاب- تدور في بلدان عربية وإسلامية في المقام الأول لكن المؤسستين المعنيتين تقفان على هامش هذه الأحداث الجسيمة لأنهما إنما تعكسان عجز دولهما.

و- عجز الوساطات الإقليمية: تصدت المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية والإفريقية للنزاعات داخل الدول الأعضاء وفيما بينها بوساطات قامت بها المؤسسات المعنية أو دولة أو أكثر منها. هذه الوساطات على كثرتها وحسن النوايا وما صحبها من ضجة إعلامية ومظاهر مراسمية كانت جعجعة بلا طحن وفي نهاية المطاف استمرت تلك النزاعات إلى أن تطرقت لها دول أخرى من أعضاء الأسرة الدولية أو محكمة العدل الدولية فساهمت في حل النزاعات. ولا يفوتنا أن نذكر كيف وقفت المؤسسة الإسلامية عاجزة أمام حرب الخليج الأولى وكيف وقفت المؤسسة العربية عاجزة أمام الغزو العراقي للكويت. ولا أن نذكر كيف تراجع ميثاق دمشق عن دوره وفي كل هذه الحالات آلت الفاعلية والجدوى لمبادرات وترتيبات دولية أخرى.

 

المحور الثاني: عجز الدولة الحديثة في العالم العربي والإسلامي:

إن الدولة الحديثة التي أقامتها الحضارة الغربية هي الدولة الأكثر فاعلية في التاريخ وهي الدولة التي أقامت مؤسسات نظامية هي الأكثر فاعلية في أداء مهامها القتالية والأمنية، وهي الأجدى في تحقيق التداول السلمي للسلطة، والخضوع العسكري لقرار المجتمع، وهي الأقدر على إدارة اقتصاد أوسع إنتاجاً، والأقدر على نشر التعليم وكفالة حرية البحث العلمي. إن الدولة الحديثة، والنظام الديمقراطي، واقتصاد السوق الحر، وحرية البحث العلمي، هي العوامل التي حققت جدوى وفاعلية الدول الغربية الحديثة. فهل إلى استعجالها من سبيل؟

محاولة استنباط الدولة الحديثة بشكلها الموجود في الدول الغربية الحديثة كما فعلت تركيا الكمالية محاولة مردودة لأنها تبدأ بإعدام الذات العقدي والحضاري فتقوم على استلاب يدمر ما يراد إصلاحه. وقفل الباب في وجه التحديث واستنساخ كيانات الماضي كما فعلت اليمن الإمامية عملية يائسة لأنها تقوم على الانفصال من حركة التاريخ.

.. فهل من سبيل لتحديث مؤصل؟.

الدولة الديمقراطية الحديثة أقامت داخلياً أفضل النظم فاعلية وأكثرها رعاية لحقوق الإنسان. وأقامت خارجياً أكثر المؤسسات فاعلية وجدوى. لأنها في كل حالاتها اتخذت أساساً عقلانياً للشرعية، وأقامت مؤسسات معلومة الصلاحيات، وسكنت فيها كوادر على أسس غير عاطفية بل موضوعية وجعلت الترقي فيها محكوماً بضوابط التأهيل والكفاءة. لذلك تفوقت الدولة الديمقراطية الحديثة في تكوين مؤسسات رسمية داخلية فعالة ومؤسسات رسمية إقليمية رأسية فعالة كذلك.

فاعلية الدولة ما قبل الحداثة تقوم على كاريزمية قيادتها وقوة العصبية المساندة لها. ويصعب عليها إقامة مؤسسات لأن المقاييس الشخصية هي التي تطغي عليها. ويصعب عليها إتباع مقاييس موضوعية في التعيين والترقي لأن العصبية المساندة للحكم تفرض محاسيبها والدولة ما قبل الحداثة، تواجه أزمة إذا تعرضت قيادتها لأزمة صحية أو للوفاة لأنها لا تملك آلية متفقا عليها لتنظيم الخلافة وفي حالة حصر الخلافة على ورثة فإن التنافس بل التنافر بين الورثة يؤثر سلباً على الانتقال السلمي للسلطة. دولة بهذه الهشاشة لا تستطيع إقامة مؤسسات إقليمية فعالة لأن مثل هذه المؤسسات توجب تنازلاً متبادلاً عن قسط من السلطة والنظم الاستبدادية لا تعرف توزيع السلطة بل تركيزها. وإذا دخلت في مؤسسة جامعة لأكثر من دولة فلا تدخل إلا بصفتها مهيمنة أو تابعة لدولة أخرى مهيمنة.

كذلك الدولة الشمولية الحديثة تعاني من احتكار القرار لحفنة محدودة ومن المحسوبية لصالحها وتؤرقها أمراض الشمولية المعروفة.

لذلك في كل مواجهة سلمية أو عسكرية بين الدول الديمقراطية الحديثة والدول ذات التكوين ما قبل الحداثة فإن النصر كان دائماً حليف الدولة أو الدول الديمقراطية الحديثة. كذلك الحال في المواجهة بين الدول الديمقراطية الحديثة والدول الشمولية الحديثة كما حدث في الحرب العالمية الثانية 1945 والمواجهة مع الدولة الشمولية الشيوعية في 1991.

إذن ما هي إمكانية إقامة دولة ديمقراطية حديثة في دولنا ذات التكوين الاجتماعي والموروث الديني والثقافي المعروف؟

تقاليد الاستبداد في العالم العربي والإسلامي

بلداننا ورثت تقاليد استبدادية راسخة مع أن الإسلام هو أول ديانة جعلت الشورى وهي المشاركة في الأمر الخاص والعام فريضة سياسية. الشورى نص قرآني فسره البعض بأنه استشارة أهل الرأي ثم اتباع ما يشيرون به. وأعرفها بأنها مشاركة أصحاب الشأن في الأمر الخاص والعام. إنها مبدأ سياسي إسلامي يمثل مع العدالة، والرعاية الاجتماعية، وتدبير المعاش، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوفاء بالعهود، وغيرها فرائض الإسلام السياسية. لكنها فريضة سياسية غيبت تماماً منذ الصدر الأول.

صدم الضمير المسلم صدمة بالغة باقتتال الصحابة على الرئاسة وما صحب ذلك من سفك دماء بلغ قمته في الفتنة الكبرى. لذلك سلم الجمهور لطاعة المتغلب وتوارث السلطان في عقبه على نحو ما نصح المغيرة بن شعبة[i] معاوية[ii] بقوله: (لقد رأيت ما كان من سفك دماء واختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف فاعقد له فإن حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك فلا تسفك دماء ولا تكون فتنة). هذا النصح سنده ما قاله يزيد بن المقفع في مجلس البيعة ليزيد بن معاوية إذ قام أمام ملأ من زعماء القبائل وقال: ” أمير المؤمنين هذا وأشار لمعاوية، فإن هلك فهذا وأشار ليزيد، ومن أبى فهذا وأشار لسيفه”. فقال له معاوية: “اجلس فإنك سيد الخطباء”[iii]. هذا النهج القائم على العصبية والتوارث هو الذي طبع نظام الحكم في البلدان الإسلامية منذ ذلك الحين وحقق نوعاً من الاستقرار لكنه لم يحقق التداول السلمي للسلطة. قال الشهرستاني: “وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة. إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة”[iv].. مشاهد دموية كان التطلع للرئاسة دافعها حتى قتل الأخ أخاه كما فعل المأمون[v] بالأمين[vi]، وقتل الابن أباه كما فعل المنتصر[vii] بالمتوكل[viii] وقتلت  الأم  ابنها كما فعلت الخيزران[ix] بالهادي[x]، وغير ذلك من المذابح في عهدي بني أمية وبني العباس. وفي العهد العثماني أصدر محمد الفاتح[xi] العثماني قانوناً يمكن وارث العرش من قتل أخوته الذكور منعاً للتنافس على العرش وبالفعل قتل محمد الثالث[xii] 91 من أخوته الذكور.

أغلبية الاتجاهات المكونة للرأي العام الإسلامي انحازت للاستقرار وباركته في ظل سيوف المتغلبين وفضلته على الخروج مع رايات المصلحين:

* أهل السنة كما يعبر عنهم أئمة المذاهب الأربعة فضلوا الاعتراف بسلطان المتغلب على مقاومة تحدث فتنة.

* الشيعة وعلى يد الإمام على زين العابدين[xiii] اختاروا نهجاً هادئاً مخالفاً للتحدي السابق والتمسوا النجاة في التطلع لمدينة فاضلة آتية وإلى حين ذلك يقبلون واقع الحال تقية.

* الصوفية جعلوا النجاة مرتبطة بعالم مثالي غيبي يسيره الواصلون حسب مراتبهم. أما في الواقع فالدين يوجب طاعة المريد للشيخ والتعايش مع السلطان القائم.

لا يستثنى من هذا الامتثال إلا الخوارج والمعتزلة والدعوات المهدية.

لا يستغرب مع هذه الذهنية الممتثلة أن تسيطر الدولة الاستبدادية على الشرق الإسلامي والعربي. لذلك عندما حل الاستعمار ببلداننا وجدها وقد تخلت عن الشورى تماماً.

أوتقراطية الدول العربية والإسلامية الحديثة:

الدولة الأوتقراطية: هنالك سبعة عوامل تشترك فيها الدولة الأوتقراطية بدرجات متفاوتة هي:

أولاً: توجه سياسي واحد يهيمن على الكافة.

ثانياً: فئة أو حزب ينفرد بالسلطان.

ثالثاً: إعلام موجه لدعم السلطة بصرف النظر عن الحقيقة.

رابعاً: أجهزة أمن باطشة.

خامساً: المؤسسات النظامية والمدنية موجهة لدعم حزب السلطة.

سادساً: الاقتصاد الوطني لا يعمل بموضوعية بل يوجه لمكافأة المؤيدين ومعاقبة المعارضين.

سابعاً: السياسة الخارجية تتخذ طابعاً محورياً لصالح اتجاه الفئة الحاكمة.

هذه العوامل تضحي بالعدالة، وتضحي بالحقيقة، وتصرف المؤسسات المدنية والنظامية عن أداء واجباتها بالضوابط المهنية العالية، وتجعل أجهزة الأمن مشغولة بحرب أهلية مع المواطنين، وتودي بالثقة في الاقتصاد الوطني لأن من شروط الثقة فيه والإقبال على الاستثمار حماية حقوق الملكية، وقدسية العقود، وتنافسية العطاءات، وسرية وسلامة النظم المصرفية، هذه العوامل كلها تهدرها النظم الأوتقراطية.

تكون الدول العربية والإسلامية الحديثة: الاستعمار أقام نظماً استبدادية تحت سيطرته ولكنه لدى رحيله سلم السلطة لحكومات منتخبة لم تلبث أن تنهار لتخلفها نظم استبدادية حديثة. الدول التي تسيطر الآن على غالبية البلدان العربية والإسلامية استصحبت من الحداثة نظام الدولة القومية ولكن فيما يتعلق بأساس الحكم فهو إما قائم على التغلب والتوارث، وإما عائد لانقلاب عسكري استند على أيديولوجية قومية، أو اشتراكية، أو إسلامية بدل العصبية ولكنه مع الأيام تخلى عن التشدد الأيديولوجي ليتخذ طابعاً براجماتياً يواصل ممارسة السلطة بصورة غير ديمقراطية.

أسباب تفشي الأوتقراطية في  العالم العربي والإسلامي: مثلما رأينا أن تيارات كثيرة امتثلت في الماضي للاستبداد فإن غياب الديمقراطية في البلدان العربية والإسلامية الحديثة يقف على أرضية عريضة:

(أ) النظم الحاكمة: التي ورثت الذهنية الأوتقراطية قبل الاتصال بالغرب عازفة عن الديمقراطية لأنها تهدد قبضتها على السلطة.

(ب) موقف الغرب:الفكر السياسي الغربي نفسه تشكك كثيراً في جدوى الديمقراطية في العالم العربي:

* ففي فترة نجاح حركة مصطفى كمال[xiv] في تركيا راجت فكرة لدى كثير من الكتاب الغربيين أن المجتمعات التقليدية سوف تقاوم التحديث، ولكن قواتها المسلحة ذات تكوينات حديثة وعليها تقع مسئولية فرض الحداثة عليها تأسياً بالكمالية.

* في أثناء الحرب الباردة كان الغرب الديمقراطي يؤلف أو يدعم الانقلابات العسكرية الموالية له حتى إن كانت ضد نظم ديمقراطية كما حدث في شيلي وانقلاب بينوشيه على حكومة الليندي.  ورحبت الولايات المتحدة بانقلاب 30 يونيو 1989 في السودان دون أن تعرف هويته لأن النظام الديمقراطي استعصى عليها. فقد حل النظام الديمقراطي محل حكم عسكري هو حكم جعفر نميرى[xv] الذي كان طوع البنان في القضايا الدولية إذ دعم اتفاقية كامب دافيد 1978، ونقل الفلاشا من أثيوبيا لإسرائيل، وأعطى الولايات المتحدة مراكز تنصت في البحر الأحمر، وأعطاها مخازن لأسلحة ثقيلة في المنطقة، وكان ساعداً مساعداً ضد الوجود السوفيتي في أثيوبيا واليمن الجنوبية، وناصب أعداء أمريكا مثل إيران وليبيا العداء. هذه المزايا كلها أسقطها النظام الديمقراطي السوداني.  ورحبت الولايات المتحدة بالانقلاب على الشاذلي بن جديد والعملية الانتخابية التي أوشكت أن تحقق فوز جبهة الإنقاذ الإسلامي في الجزائر.. لم تحفل السياسة الغربية بالديمقراطية في عالمنا بل كانت عازفة عنها لأسباب نفعية. قال جون أسبوزيتو في كتابه “الخطر الإسلامي وهم أم حقيقة” الآتي: “الديمقراطية في الشرق الأوسط لقادة الغرب تعني أن أصدقاء يعرفونهم ويثقون بهم، ودولاً تابعة لإرادتهم تتحول لكيانات أكثر استقلالاً”. وأضاف: “الديمقراطية تفتح الطريق لاختطاف السلطة بواسطة النشطاء الإسلاميين وتتيح مزيداً من التوغل الإسلامي في مراكز صنع القرار مما يهدد المصالح الغربية”[xvi].

(ج) موقف علماء الدين: كثير من علماء الدين إلى عهد قريب يفتون ببطلان الديمقراطية على أساس أنها منافية للدين. قال محمد ضياء الدين الريس: “إن الديمقراطية تقتدي بفكرة القومية وهي دنيوية بحتة وسلطة الأمة فيها مطلقة “وقال محمد شاكر الشريف: “الديمقراطية الوافدة إلينا من الغرب متناقضة مع الإسلام لأن الإسلام هو حكم الخالق وهي لفظ أعجمي يعني حكم المخلوقين وفيه يتساوى الملاحدة والجهلاء ويغتصبون حق الخالق”[xvii].

(د) موقف الصفوة: كانت الصفوة المتعلمة في البلدان العربية ولأسباب مختلفة زاهدة في الديمقراطية لا سيما الأكثر تحمساً للعمل السياسي المنخرطون في الأحزاب العقائدية قومية، وشيوعية، وإسلامية. هؤلاء يرون أن الديمقراطية زائفة ويقدمون عليها أهدافاً أخرى مثل: التحديث، والتنمية، والعدالة، والتأصيل. هذه الحقيقة أثبتتها دراسات ميدانية أجريت في عقد الثمانينيات.. أكدت إحدى تلك الدراسات أن 11% فقط من العينة المستفتاة عبرت عن الديمقراطية كهم رئيسي[xviii].

.. هذه المواقف الأربعة مع اختلاف منطلقاتها عززت الموقف الرافض للديمقراطية وشكلت دفاعاً قوياً للنظم الأوتقراطية في المنطقة.

هذه النظم مع اختلاف في تكوينها من حكام تقليديين أو حكام ثوريين فرضوا في الغالب حكومات ذات قبضة حديدية الحكام فيها يسيطرون على كل وظائف الدولة.

رجحان الديمقراطية

إن مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة هي الأكفأ: فالخدمة المدنية فيها أعلى كفاءة كذلك قواتها المسلحة بابتعادها عن صراعات السلطة هي الأقوى، وشرطتها هي الأجدر، وأجهزة أمنها هي الأكثر دقة، واقتصادها هو الأكثر إنتاجية والأجدر بجذب الثقة، وكافة أنشطة العمل العام أقل فساداً وأكثر شفافية. لذلك لا غرابة أن تكون مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة هي الأقوى بلا جدال إذا قورنت بأجهزة الدولة الأوتقراطية.

هذه المعاني كانت محجوبة لا سيما أمام الهجوم الأيديولوجي على الديمقراطية ولكن بعد التجارب المرة التي شهدتها المنطقة على أيدي النظم العقائدية وما افتضح من أمر الاتحاد السوفيتي.. اتضحت للكثيرين رذائل الأوتقراطية وفضائل الديمقراطية:

(أ) مراجعات وسط  الصفوة: قال جورج طرابيشي[xix] في كتاب نشره قبل ثلاثة أعوام بعنوان: في ثقافة الديمقراطية: “بعد سقوط التجارب الاشتراكية وانفجار الجسم النظري للماركسية نفسها اكتشفنا أن الديمقراطية إفراز بنيوي متقدم لمجتمعات متقدمة. وأنها دون أن تكون كاملة هي النظام الأرقى، والأكثر عقلنة بين النظم التي اخترعتها البشرية عبر مسارها التاريخي الطويل. إن إعادة اكتشاف فضيلة الديمقراطية يكاد يمثل السمة الأكثر تميزاً للوعي النقدي لجيلنا”.. هذه المراجعات تتالت على ألسنة عديدة –مثلا- في 1994 اصدر التنظيم العالمي للإخوان المسلمين دراسة على صيغة بيان تؤيد التعددية السياسية وحرية تشكيل الأحزاب والانتقال السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات.

(ب) مراجعات في الغرب: أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هزت التفكير الغربي ودفعت كثيرين لمراجعة مواقف الغرب السالبة من الديمقراطية. كل المجلات والصحف الغربية الكبيرة دخلت في هذا المجال. اكتفى هنا بما قاله جشوا مورافشك في صحيفة الديلي ستاندارد 31/12/2001 جاء فيه: “قال قادة دول عربية وإسلامية –سماهم- أن على أمريكا وهي تحارب الإرهاب ألا تكتفي بالأعراض بل تنفذ للمسببات. هؤلاء القادة هم المسببات. لكي نخطو خطوة واسعة للقضاء على الإرهاب علينا أن نطيح بالطغاة. إن الإرهاب ينمو في ظل القهر”[xx].

(ج) مراجعات في منابر بحثية عالمية وإقليمية: كان الناس عامة يتهيبون الحديث الصريح عن مثالب الحكومات العربية وما تلحقه المفاسد من ضعف بمؤسساتها. ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كشفت القناع وتداول الناس في كل أمر فادح. درجت منظمة التنمية التابعة للأمم المتحدة على إصدار تقارير عن التنمية البشرية في أجزاء العالم المختلفة منذ سنوات عديدة. ولكن لأول مرة نشرت تقريراً عن التنمية البشرية في العالم العربي في عام [xxi]2002. هذا التقرير شارك في كتابته علماء ومختصون في مجالات عديدة. شخصيات ليست راديكالية أو معادية للحكومات العربية بل تحتل مواقع في الجامعات المختلفة وفي منظمات متخصصة عربية ودولية. وصف التقرير الحكومات العربية بأنها بائدة Obsolete جاء في التقرير:

” إن التنمية البشرية في العالم العربي إذا قيست بالمقاييس المادية الأربعة وهي طول العمر، ومحو أمية الكبار، والاستيعاب في التعليم، ونصيب الفرد من الدخل القومي، فإن البلاد العربية حققت تقدماً ملموساً.

إذا قيست التنمية البشرية بمقاييس مادية ومعنوية بديلة تضاف للمقاييس المذكورة حريات الناس، والحكم الصالح، ودرجة المشاركة في السلطة، ومساءلة الحكام، والشفافية وهي كلها مطلوبة للتنمية البشرية والتقدم في عالم اليوم فإن العالم العربي يأتي في مؤخرة دول العالم الأخرى. يستعرض التقرير عوامل كثيرة من حيث وضع النساء والشباب ونزعتهم نحو الهجرة وهجرة العقول ويشير لوجود احتقان اجتماعي شديد إذا لم يواجه بسرعة وفاعلية فإنه يفسح الطريق للعنف وزوال السلام الاجتماعي.

تواترت دراسات أخرى تعزز هذه الاستنتاجات، مثلا:

عقدت مؤسسة الفكر العربي الحديثة التكوين مؤتمرها الأول في القاهرة في الفترة 27-29 أكتوبر 2002. وتناول المؤتمر موضوعات كثيرة وكان مؤتمراً أمته نخبة من العلماء والخبراء ورجال الدولة بأعداد كبيرة ومع أنه لم يصدر توصيات معينة لأنه كان أقرب إلى تهوية الآراء فقد كان مجالاً واسعاً لنقد الذات بصورة موضوعية. وكان الموضوع الذي خيم على المداولات هو أهمية بناء الدولة الديمقراطية الحديثة وإلا صار العرب خارج التاريخ[xxii].

مقولات مضادة للتيار الديمقراطي:

هنالك آراء عربية لا تقبل هذا النقد وترى أن إصلاح الدولة العربية وتفعيلها يوجب برامج مختلفة تماماً. أكتفي هنا بأربع مقولات للإصلاح المنشود.

المقولة الأولى: مقولة هجومية تقول: الديمقراطية جزء من غزو فكري وثقافي دخيل. وهي مرفوضة إسلامياً. بل الدعوة لها دعوة للخروج من الدين. نحن مطالبون بالإعراض عن هذه الهرطقة والالتزام بالحاكمية لله وإلزام الكافة بحكم الله. هذا هو موقف كثير من الحركات الإسلامية وصارت حركة طالبان صوتها الأول.

المقولة الثانية: مقولة تبريرية ترى أن الديمقراطية لا تناسبنا وعندنا الشورى وهي أفضل منها وأكثر ملاءمة لأحوالنا. إصلاح دولنا يتم عن طريق الشورى.

المقولة الثالثة: مقولة اعتذارية ترى أن الديمقراطية غير مجدية في مجتمعات جاهلة ومسكونة بالولاءات الطائفية والقبلية. فهي لا تفهم معنى الديمقراطية وتسوقها ولاءات وعصبيات موروثة وبلداننا محتاجة لنظم مستقرة لتحقيق أهدافها الوطنية مثل التنمية، والتحديث، والعدالة، والتأصيل. هذا ما تدفع به النظم الانقلابية التي تفرض وصاية يسارية (التنمية والتحديث والعدالة) أو نظم يمينية (التنمية والتأصيل).

المقولة الرابعة: مقولة هيكلية ترى أن الديمقراطية زائفة فلا أحد يستطيع النيابة عن أحد. والتكتل الحزبي يمزق الشعب. المطلوب هو أن تلغى نظم الحكم القائمة وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه مباشرة.

ما هي حقيقة هذه المقولات؟

مناقشة المقولة الأولى الهجومية: من حيث المبدأ أن رفض النظم والمفاهيم بحجة أنها آتية من مصادر غير إسلامية ينافي مبادئ الإسلام والتجارب الإسلامية التاريخية. قال تعالى: } لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ[xxiii]{ ومنذ الصدر الأول استصحب المسلمون نظماً وممارسات وافدة. مثل استخدام النقود، وضرب العملة، وجباية الخراج، وتدوين الدواوين. وفي هذا الصدد قال ابن عقيل[xxiv]: “السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يصنعه الرسول ولا نزل به وحي[xxv]“.

وقال المستشرق البريطاني منتجمري واط: “إن الإسلام استصحب حضارات الشرق الأوسط القديم بصورة مدهشة أقرب للإعجاز”[xxvi].

الاحتجاج على سياسات الدول الغربية الظالمة ينبغي ألا يعمينا عن منجزات الحضارة الغربية واستصحاب النافع منها لأنه إذا كان لتلك المنجزات قيمة موضوعية فإن رفضها يجعلنا نحن الخاسرين. الدولة الديمقراطية الحديثة هي الأعدل ومؤسساتها هي الأقدر على أداء وظائف الدولة المدنية والنظامية، وهي التي استطاعت أن تحقق ما فات غيرها من التناوب السلمي على السلطة، وإخضاع القوات المسلحة للقرار المدني وهي التي استطاعت أن تحقق القدر الأكبر من كفالة حقوق الإنسان.

إذا صحت هذه الوقائع فالإعراض عنها إعراض عن النافع والمعروف.

مناقشة المقولة الثانية التبريرية: نعم الشورى مبدأ عظيم كالعدالة، لكن العدالة تتحقق عبر آلية القضاء المستقل. فما هي آليات الشورى؟ الديمقراطية تتفق مع الشورى في نقاط عديدة هي: منع الانفراد بالحكم، وإيجاب حقوق الإنسان، واحترام سيادة حكم القانون، وغيرها من المبادئ. ولكن مع الاتفاق في هذه المبادئ فإن الديمقراطية ملحقة بها آليات تطبيق لتلك المبادئ وهذا ما لم يتحقق للشورى.

الشورى تختلف عن الديمقراطية في أن لها سقوفا لأنها لا تسمح بما يتعارض مع قطعيات الوحي الديمقراطية أيضاً لها سقوف لأنها حيثما وجدت فإنها تمارس بموجب دستور تهيمن فيه حقوق مستعلية لا تمس مثل حقوق الإنسان، وحرية الأديان، والحقوق الثقافية.

إن غياب آليات لتطبيق الشورى جعلها فضفاضة ينادي بها الحكام ولا تلزمهم بمشاركة ولا مساءلة. الصحيح استصحاب آليات الديمقراطية وتطبيق الديمقراطية مع النص على السقوف التي لا يجوز للمسلم أن يتعداها.

مناقشة المقولة الاعتذارية: أصحابها يقولون بحق أن الديمقراطية الغربية قد سبقها تكوين أفق معين هو الدولة الوطنية، وسبقها تمكين اقتصادي عبر الثورة الصناعية، كما سبقها محو الأمية ونشر التعليم مما أدى لانحسار الولاءات الموروثة الصماء وفتح الطريق للممارسة الديمقراطية، أما في بلدان “العالم الثالث” فإن الدولة الوطنية كوعاء للممارسة السياسية مازالت هشة تتنازعها ولاءات أوسع من الوطن كالولاء للأمة، وولاءات ضيقة للطائفة والعشيرة. ومازالت هذه البلدان غاطسة في مستنقع الفقر وشعوبها جاهلة أمية، إنها مجتمعات لا تناسبها إلا حكومات الوصاية حتى تبلغ الرشد. هذه المبررات كامنة في دعايات كثير من النظم العربية والإسلامية ولكن تجربة هذه النظم فاشلة والدول التي أقامتها دول مفككة ومؤسساتها الرسمية غير مجدية بل أن أداءها يجعل كثيرين أكثر إعجاباً بالتجربة الغربية وبالمقارنة بأداء نظمهم يتعلقون بالدولة الديمقراطية الغربية الحديثة وآخرون يصدون عن التجربة “الثورية” ذات الإدعاء العريض والإنجاز القليل ويرتدون إلى الانتماءات التقليدية صدوداً من الدعاوى الزائفة. وفي 1989 أصدرت كتاباً من السجن بعنوان الديمقراطية في السودان راجحة وعائدة قارنت فيه بين أداء النظم الديمقراطية والنظم الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم السودان وبرهنت على تفوق أداء النظم الديمقراطية في كل مجالات المقارنة. وتحت الطبع الآن كتاب يقارن في كل المجالات بين الديمقراطية الثالثة والنظام الحالي موضحاً الفرق لصالح أداء الديمقراطية.

المجال الوحيد الذي تتفوق فيه النظم الدكتاتورية هو مجال الدفاع عن أمن النظام لا أمن المواطن ولا أمن الوطن. وذلك لأنها تعطي أمن النظام أولوية كبرى من حيث الصرف المالي. وتعمل على حمايته مهدرة أمن المواطن وحقوق الإنسان. هذه الخيارات التي تستبيحها النظم الاستبدادية لنفسها غير متاحة للنظام الديمقراطي الذي يمنعه الدستور والقانون من التصدي لحريات المواطنين حتى أعداء الحرية أنفسهم.

والمساءلة النيابية لا تسمح بإعطاء أمن النظام أولوية مالية بافتراض أن النظام الديمقراطي يحميه الشعب. ولكن هنالك شرائح تفعل العكس وتتآمر ويحميها القانون إلا إذا قبضت متلبسة. أي بعد فوات الأوان.

إن أقوى دليل عملي على رجحان الأداء الديمقراطي وأنه يمكن أن يكون مجدياً رغم وجود ولاءات وراثية قوية هو أداء الديمقراطية في الهند. الدولة في الهند أقوى أضعاف المرات من الدولة في باكستان التي ما برحت تتقلب بين أنظمة الوصاية.

مناقشة المقولة الرابعة: التي تعتبر الديمقراطية زائفة وتدعو للديمقراطية المباشرة. في قرية محدودة الرقعة وعدد السكان يمكن للجميع أن يمارسوا ديمقراطية مباشرة على نحو ما تفعل قرى كثيرة. ولكن مع اتساع الرقعة وكثافة السكان تصبح النيابة حتمية. التعددية الفكرية ظاهرة لا يخلو منها مجتمع فالناس يختلفون نتيجة لموروثاتهم، ولفكروياتهم، ولمصالحهم وهي اختلافات ينبغي تنظيم تناولها والتنافس بينها على أساس سلمي ولا يوجد أساس لتنظيم المشاركة بين النظائر والتنافس بين الخيارات إلا الأحزاب السياسية. وهي اختلافات لا سبيل لإنكارها أو منع الناس منها إلا بالقوة.. التعددية الحزبية نتيجة حتمية للحرية.

صحيح ينبغي حماية مصالح ومبادئ المجتمع العليا كسقوف لا ينبغي تجاوزها وهو ما تفعله كل النظم الديمقراطية السوية، وصحيح ينبغي تنظيم ممارسة الحرية تجنباً للفوضى. هذا يعني ضرورة ترشيد التعددية كما يمكن تقصير ظل النيابة بين النائب وناخبيه. لكن النيابة ضرورة كآلية مشاركة، والحزبية نتيجة حتمية للحرية.

الدول الأوتقراطية في مواجهة الحصار

مهما كانت فاعلية الدول الأوتقراطية في الماضي فإنها اليوم تواجه حصاراً سداسي الجبهات ينخر في شرعيتها ويودي بفاعليتها ويجعل ظهرها إلى الحائط تصارع للبقاء.

أولاً: تحاصرها تيارات إسلامية متشددة تنطلق من اجتهاد منكفئ ولكن يحظى بدرجة من الشعبية. هذه التيارات لا يجدي معها الوقوف عند إجراءات أمنية مضادة والمطلوب إتاحة الحرية لنقض حجتها بالحجة الإسلامية المستنيرة. ولكن تركها للإجراءات الأمنية وحدها يجعلها تتمدد محاصرة للنظام. هذا حصار أهل الكهوف.

ثانياً: انتشار التعليم الحديث، والاتصال بالعالم، وزيادة الدخول، والإعلام العالمي النفاذ النفاث حرك تيارات علمانية لبرالية تحاصر النظم الحاكمة بمطالب ديمقراطية. هذا حصار الليبرالية.

ثالثاً: هنالك عدد متزايد من المفكرين الإسلاميين الذين صالحوا الشورى والديمقراطية كما تبينوا أن التشدد يعزل الدعوة للإسلام بينما الديمقراطية تفسح الطريق للدعوة الإسلامية. هذا حصار الصحويين.

رابعاً: صار كثيرون في الغرب يرون أن حلفاءهم في الشرق العربي والإسلامي هم مصدر الخطر عليهم. هؤلاء صاروا يدركون أن قيام نظم علمانية تطرد الدين من الدولة والسياسة مستحيل، وأن أمنياتهم القديمة أن تتكرر التجربة الكمالية غير واردة بل التجربة الكمالية نفسها محاصرة. الخياران الوحيدان الواردان هما: توجهات إسلامية معتدلة تستصحب الحداثة والعولمة والتعدد الديني والثقافي وتأتي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، أو توجهات إسلامية معادية للعصر وللعولمة تفرض نفسها عبر دوي الرصاصات.

الواقع الحالي يرونه خطراً على مصالحهم وبديل التشدد يعاديهم وخيار الاعتدال يمكن التعايش معه. هذا هو حصار أهل البروج.

خامساً: التطورات الاستراتيجية الهامة في الشرق الأوسط (فلسطين)، وفي منطقة الخليج (العراق)، وفي جنوب آسيا (أفغانستان)، وفي القرن الإفريقي (السودان) وفي غيرها من مناطق العالم كشفت عجز النظام العربي والإسلامي الرسمي التام. هذا بينما تواترت الدلائل على حيوية التحركات الشعبية في جنوب لبنان، وفي فلسطين، وحيوية شعبية بلا عنف في إيران، وباكستان، واليمن، والسودان، وإندونيسيا. هذا حصار الشعوب.

سادساً: الأمم المتحدة أعلنت في بداية الألفية الثالثة التزاماً بالديمقراطية[xxvii]، والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، تعلن مواقف منحازة للديمقراطية بل تعتبرها أساساً لشرعية الحكم ولفاعلية الدول. اتفاقية كوتونو الموقعة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي[xxviii]، والشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا (النيباد[xxix])، وإعلان بيروت حول القمة الفرانكفونية في أكتوبر الماضي عبر عن ضرورة أن تكون الديمقراطية والفرانكفونية والتطور وحدة لا تتجزأ هذه التطورات وغيرها صارت تتطلع للديمقراطية بل تشترطها. هذا هو الحصار الدولي.

هذا الحصار السداسي يستنزف الدول غير الديمقراطية ويتعامل معها بحوافز مادية كالعون التنموي ومعنوية كالاحترام، وروادع عقابية معنوية ومادية مثل المحكمة الجزائية الدولية ووقف التعاون التنموي.

المحور الثالث: تفعيل المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية

أهم مؤسستين رسميتين عربية وإسلامية على الصعيد الدولي هما جامعة الدول العربية، ومنظمة مؤتمر الدول الإسلامية وتتفرع منهما هيئات أخرى. إنهما مرآة صادقة لعجز الدول الأعضاء فيهما. والحكم نفسه ينطبق على منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي الذي خلفها.

لكي تصبح المنظمة الأممية فعالة ينبغي توافر أحد شرطين:

  • إما أن تكون الدول داخل المنظومة ممتثلة لقيادة إحداها وهذا النوع من الامتثال لم يعد وارداً في ظل الأوضاع الدولية المعاصرة.
  • وإما أن تتنازل الدول الأعضاء تنازلاً متبادلا عن مقدار من سيادتها لتكوين سيادة مشتركة على نحو ما فعل الاتحاد الأوروبي.. هذا النوع من الاتفاق يقتضي تماثلاً في نظم الحكم في البلدان الأعضاء، ويقتضي قدرة لدى الدول الأعضاء على تفويض بعض الصلاحيات لجسم مشترك. لكن من صفات النظم الأوتقراطية أنها لا تعرف تفويض الصلاحيات لأنها مركبة على تركيز الصلاحيات على نحو ما قال لينين[xxx]: “مثلما الماء يتجه حتماً من أعلى إلى أسفل فإن النفوذ يتجه من أسفل إلى أعلى”. الحقيقة أن الماء يتجه إلى أسفل بفعل الجاذبية.  والنفوذ لا سيما في الإطار الأوتقراطي يخضع لقانون سوسيولوجي نحو مزيد من التركيز.

.. هذا هو السبب الأول لقلة جدوى المؤسسات الرسمية التي تقيمها الدول العربية والإسلامية على الصعيد الدولي. إذا كانت القيادات الحاكمة حريصة على الانفراد بالقرار داخلياً وتحمي احتكارها للسلطة بحرص شديد فمن باب أولى أن تفعل الشيء ذاته في المحيط الدولي.

لم يعد في الوقت متسع لأن تيارات الغلو وتيارات الهيمنة شرعت تنفذ برامج لتشكيل العالم حسب تصوراتها وهي في سبيل ذلك ربما أحرقت العالم.

المطلوب أن تتبين القيادات السياسية الواعية في العالمين العربي والإسلامي أن الحاجة صارت ماسة لتجاوز الواقع الحالي ووضع مشروع نهضوي عربي إسلامي يبرمج لتحول ديمقراطي يقيم الدولة الديمقراطية الحديثة في البلدان المعنية على أساس مستفيد من تجارب الماضي ومسلم بدواعي التأصيل لتقوم في البلدان الملكية ملكيات دستورية وفي البلدان الجمهورية جمهوريات ديمقراطية تحولات يقررها المشروع النهضوي الذي تتعاون في وضعه كافة القوى السياسية الحاكمة والمعارضة لرسم معالم الآفاق الجديدة.

مهما استصحبنا الدولة الوطنية فإن ثمة انتماء قوميا وإسلاميا وإفريقيا يوجب العمل المشترك في مؤسسات رسمية إقليمية ودولية. تلك المؤسسات تقوم على مراجعة للمؤسسات الحالية تتخلص من مكامن العجز الذاتية وتوجب إعطاء المؤسسات المشتركة صلاحيات حقيقية وتقيم أجهزة قيادية مشتركة بين الدول ومشاركة بآليات محددة للشعوب.

إن بناء الدولة الديمقراطية الحديثة والمؤسسات الرسمية الدولية إنجاز حضاري ينبغي التخطيط المسئول لتحقيق وتوافر الإرادة السياسية لذلك. إن لم تتوافر الإرادة السياسية لأسباب إيجابية كما ينبغي فلتتوافر للحيلولة دون فرض أجندات أهل الكهوف وأهل البروج علينا.

هذا الموضوع من الخطورة بمكان ولا يمكن إشباعه في ندوة بل يرجى تنظيم ورشة مخصصة له. ولكن الندوة يمكن إذا قبلت أطروحتي أن تضع الإطار الفكري للورشة فالعمل بلا فكر تخبط، والفكر بلا عمل كُساح، والمطلوب هو التكامل بينهما مثلما في قصة الضرير السوي البدن الذي يحمل كسيحاً مبصراً على ظهره. والعمل هو آليات إنزال الفكر للواقع. هذا التكامل هو سر الفلاح في كل مجال.

قصة الوحي في هداية الإنسان، أو التجربة الوضعية الإنسانية كلاهما يدعمان حكمة: آمنوا ثم اعملوا، تفكروا ثم أقدموا، مكة ثم المدينة، النظرية ثم التطبيق:

الرأي قبل شجاعة الشجعان            هو أول وهي المحل الثاني

قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 كان هذا الموضوع محتاجاً لرؤية جديدة وبرنامج عمل يؤسس عليها. وبعد الحادي عشر صار الوجوب أكثر إلحاحاً لأن أطروحات خطيرة زحفت لتحتل الساحة ولا يحمينا منها إلا ترياق مضاد يسد الثغرات ويملأ الفراغات ويطرد العاديات:

من رعي غنماً في أرض مسبعة       ونام عنها تولى رعيها الأسد

الهوامش

[i] لمغيرة بن شعبة (ت 50 هـ) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي. أبو عبد الله. من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة والدهاء. أسلم عام الخندق وقدم مهاجرا وشهد الحديبية وبيعة الرضوان. شهد عدة غزوات. ولاه عمر بن الخطاب على البصرة بعد وفاة عتبة بن غزوان سنة 16هـ. بعد التحكيم لحق بمعاوية. ولاه معاوية على الكوفة فظل فيها إلى أن مات, وكان معاوية ينوي عزله, لكنه أبقاه بعد أن أشار عليه بعقد ولاية عهده لابنه يزيد فلاقت الفكرة هواه.. قيل في وصف دهاء المغيرة: لو أن مدينة لها ثمانية أبواب, لا يخرج أحد من بابها إلا بمكر, لخرج المغيرة من أبوابها كلها. توفي بطاعون الكوفة ودفن فيها.

[ii] معاوية بن أبي سفيان (20 ق.هـ- رجب60 هـ) هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي. أبو عبد الرحمن. أمه هند بنت عتبة. أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة وشهد معه وقعة حنين، ضمه رسول الله e إلى كتاب الوحي. خلف أخيه يزيد في إمارة دمشق إبان خلافة أبي بكر الصديق بكر وأقره عمر بن الخطاب، وظل أميرا عشرين عاما وملك عشرين عاما. وقعت بينه وبين الإمام علي حرب صفين سنة 37هـ وخرج بخدعة التحكيم. تعاهد الخوارج على قتله وقتل علي وقتل عمرو بن العاص فنجا من القتل هو وعمرو وقتل علي. أول من حول الخلافة إلى ملك عضود. قال: إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا. قارن نفسه مع أبي بكر وعمر فقال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن. توفي في دمشق وفيها دفن.

[iii] ابن الأثير الكامل في التاريخ، – ج3 ص198. ابن الأثير عز الدين  ( 559- 630هـ)هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (نسبة إلى جزيرة ابن عمر) حيث ولد. أبو الحسن عز الدين. انتقل مع أسرته إلى الموصل وأتم تحصيل علمه فيها وفيها توفي. من تصانيفه: كتاب (الكامل) في التاريخ و(أسد الغابة في معرفة الصحابة) و (اللباب في تهذيب الأنساب) وهو مختصر لكتاب السمعاني في الأنساب وله (تاريخ الدولة الأتابكية) التي عاش في ظلها.

[iv] الشهرستاني الملل والنحل– ج1 ص20. أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548هـ/ 1153م)  دارت حوله بحوث كثيرة، وخاصة فيما يرتبط بمذهبه. فالأقدمون بين متهم إياه بالغلو في التشيع، وبين مدافع عنه ومؤكد بأنه أشعري شافعي. والمتأخرون منهم من دافع عن نزاهته، ومنهم من طعن فيه.

[v] المأمون ( 170- 218 هـ)  هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور الهاشمي القرشي أبو العباس، كان أحد عظماء الملوك في سيرته، اشتهر عهده بازدهار العلوم والمعارف والترجمة، قرب إليه العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والأنساب. وكان ميالاً للتشيع.

[vi] محمد الأمين( 170-198هـ)  هو محمد بن هارون الرشيد سادس خلفاء بني العباس، تولى الخلافة بعد أبيه سنة 193 وعزل أخويه المأمون والمؤتمن عن ولاية العهد، كما أرسل جيشاً  لمحاربة المأمون في خراسان فوجه المأمون جيشاً للقائد فحاصره في بغداد وقتله.

[vii] المنتصر بالله (223-248هـ) هو محمد بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد الخليفة العباسي الحادي عشر، بويع بالخلافة بعد قتل أبيه وعزل أخويه المعتز والمؤيد عن ولاية العهد ومات بعد تولية الخلافة بستة أشهر

[viii]  المتوكل على الله ( 206-247هـ) هو جعفر بن المعتصم بالله بن هارون الرشيد، الخليفة العباسي العاشر، ولد ببغداد، رفع محنة خلق القرآن بمنعة للمناظرات في هذه المسألة كان عنيفاً في معاملة العلويين حيث هدم قبر الحسين ومنع الناس من زيارته، أنفق أموالاً طائلة في بناية القصور، وكان منهمكاً في الشراب والملذات، مات مقتولاً بمؤامرة من ابنه المنتصر لأنه أراد أن يقدم ابنه المعتز على المنتصر في الخلافة.

[ix] الخيزران( ت 173هـ) هي الخيزران بنت عطاء، كانت من جواري المهدي، الخليفة العباسي  فأعتقها وتزوجها وأنجبت له ولديه الهادي والرشيد، وكانت محبة للسلطان والنفوذ وبعد وفاة المهدي منعها ابنها من التدخل في شئون الدولة وعزم على لعزل أخيه الرشيد ليعهد بالخلافة لابنه حقدت عليه وتسببت في قتله.

[x] الهادي: ( 146-170هـ) هو موسى بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور رابع خلفاء بني العباس، تولى الخلافة بعد أبيه المهدي وكانت مدة حكمه سنة وبضعة أشهر، كان غيوراً شديد البطش وكما عرف باللهو في مجالسه، وتعددت الروايات بشأن وفاته وأحدها أن أمه سممته عندما عزم قتل أخيه الرشيد ليعهد بالخلافة إلى ابنه جعفر.

[xi] السلطان الفاتح محمد خان الثاني 855-886هـ

[xii] السلطان محمد خان الثالث ابن السلطان مرادخان الثالث 1003-1012هـ

[xiii] علي زين العابدين  (38- 94 هـ) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي. أبو الحسن, الملقب بزين العابدين لعبادته. هو رابع الأئمة الاثني عشر الإمامية. من الفقهاء الحفاظ, كان ممن يضرب به المثل في الحلم والورع والجود. لم يكن للحسين عقب إلا ابنه علي, لأن أولاده قتلوا معه في وقعة كربلاء وجميع الحسينيين من نسله. كان على عظيم الهيبة متواضعا.

[xiv] مصطفى كمال أتاتورك (1881-10نوفمبر1938) هو مصطفى بن علي ريزا، ولد في مدينة سالونيك اليونانية التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية، وانتسب للثانوية العسكرية 1893.وبدأ الخدمة في دمشق. وفي 1906 أنشأ منظمة “الأرض والحرية” من أجل إسقاط نظام الخلافة العثماني. في 1919 أعلن بداية حرب “تحرير تركيا” من الخلافة العثمانية. في 1920 تأسست الجمعية الوطنية التركية وانتخب مصطفى كمال رئيسا لها. وفي 1923 تم إعلان قيام الجمهورية التركية وعاصمتها أنقرة وانتخاب اتاتورك رئيسا لها بالإجماع. 1923 ـ 1938 فترة حكم أتاتورك التي عمل خلالها على علمنة الحياة السياسية والقضائية والتربوية والاجتماعية في تركيا.

[xv]  جعفر محمد نميري (ولد 1930) قاد مع مجموعة من صغار الضباط انقلابا في 25 مايو 1969م وكان يساري التوجه بادئ. أباد الأنصار في مجزرتي الجزيرة أبا وودنوباوي و حوادث الكرمك التي اغتيل فيها إمام الأنصار ورفاقه في مارس 1970. في يوليو 1971 انقلب عليه حلفاؤه الشيوعيون فتغلب عليهم وبطش بهم وأباد جل قياداتهم. وتحول للمعسكر اليمني وصار عميلا للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة. عارضته القوى الوطنية تحت قيادة الجبهة والوطنية وقادت ضده انتفاضة يوليو 1976م المسلحة التي فشلت في الإطاحة بحكمه ولكنها أقنعته بضرورة الحوار والاتفاق مع المعارضة فتمت المصالحة الوطنية في 1977م ولكنه تنكر لها. أدت الحريات التي صاحبت المصالحة لحرية نسبية أسفرت  عن تكوين نقابي معارض فدخل في نزال مع الهيئة القضائية أدى به لاتخاذ أسلوب هجومي عبر قوانين سبتمبر 1983م المسماة إسلامية. تصاعد ضده  الرفض الشعبي حتى توج بالنصر في انتفاضة 6 أبريل 1985م فاتحة الباب للديمقراطية الثالثة في السودان. ظل في مصر هاربا من المساءلة وعاد للبلاد مؤخرا في إطار اتفاق مع نظام “الإنقاذ” العسكري.

[xvi]  Esposito, John L., The Islamic Threat: Myth or Reality?  New  York, Oxford University Press, 1992 الصفحتان 215-216

[xvii]  محمد شاكر الشريف حقيقة الديمقراطية

[xviii] دراسة أجراها ضياء الدين زاهر عام 1990م، أنظر سعد الدين إبراهيم (تحرير وتقديم) : دور المؤسسات المهنية والأندية الفكرية في دعم ثقافة المجتمع المدني.  ص 8

[xix] جورج طرابيشي ( 1939 ) ولد في حلب بسوريا وتلقى فيها تعليمه الأولى وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة العربية، وعمل مدرساً وصحفياً ثم رئيساً لتحرير مجلة( دراسات عربية). يعتبر من أبرز الكتاب اليساريين والماركسيين العرب. له كثير من المؤلفات منها: سارتر والماركسية، والماركسية والمسألة القومية، رمزية المرأة في الراوية العربية، أنثى ضد الأنوثة، كما قام بكثير من الترجمات لمؤلفات فرويد وروجيه جارودي  وغيرهم.

[xx] Joshua Muravchik , Freedom and the Arab World: Terrorism thrives where people aren’t free, Weekly Standard Dec 31, موجودة على الإنترنت في الموقع : 

[xxi]  Arab Human Development Report 2002 التقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهو موجود على الإنترنت باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والعنوان هو: www.undp.org/rbas

[xxii] شارك الكاتب في هذا المؤتمر بورقة بعنوان الشورى والديمقراطية: رؤية عصرية- 29 أكتوبر 2002م

[xxiii] سورة يوسف الآية 111

[xxiv] ابن عقيل  (431- 513 هـ ) هو علي بن محمد بن عقيل البغدادي. أبو الوفا, ويعرف بابن عقيل. عالم العراق وشيخ الحنابلة في وقته. كان إماما مبرزا في كثير من العلوم, وكان خارق الذكاء, قوي الحجة, فصيح اللسان. اشتغل بمذهب المعتزلة في شبابه واتهم بالانحراف عن السنة, حتى أراد الحنابلة قتله, فاستتر ثم أعلن توبته فظهر. كان بارعا في الفقه وأصوله وله في ذلك استنباطات حسنة. من تصانيفه كتاب (الفنون) وكتاب (الواضح في الأصول) و (الفصول) في فقه الحنابلة, وله (الرد على الأشاعرة) و (الانتصار لأهل الحديث) و (تهذيب النفس) وغير ذلك.

[xxv] ابن قيم الجوزية الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ابن قيم الجوزية (10 صفر691- 23 رجب 571هـ) الإمام ابن قيم الجوزية    هو الفقيه، المفتي، شيخ الإسلام الثاني أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، زُّرعي،  ثم الدِّمشقي، الشهير بـابن قيم الجوزية. تتلمذ على يد والده – ثم الشِّهاب العابر (ت (697ه- ثم على  شيخ الإسلام ابن تيمية الذي لازمه، منذ عام ( (712هـ حتى توفي.  من مؤلفاته: اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية-  أحكام أهل الذمة –  إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان-  بدائع الفوائد-  تحفة المودود في أحكام المولود-  تهذيب مختصر سنن أبي داود-  جلاء الأفهام –  حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.-  حكم تارك الصلاة- “الرسالة التبوكية “-  روضة المحبين ونزهة المشتاقين-  الروح- – زاد المعاد في هدي خير العباد-  شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل-  الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة-  طريق الهجرتين وباب السعادتين-  الطرق الحكمية في السياسة الشرعية-  عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين- الفروسية-  الفوائد.-  الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية –  الكلام على مسألة السماع-  مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين-  مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة-  المنار المنيف في الصحيح والضعيف-  هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى-  الوابل الصيب في الكلم الطيب.     حُبس مع شيخه ابن تيمية في المرة الأخيرة في قلعة دمشق منفردًا عنه بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبًا بالدرة سنة ( (726هـ، وأفرج عنه بعد موت شيخه . وحبس مرة لإنكاره شدّ الرحال إلى قبر الخليل.  توفي  ودفن بدمشق بمقبرة الباب الصغير.

[xxvi]مونتجرمري واط: “أثر الإسلام على أوروبا العصور الوسطى (بالإنجليزية) وهو:  Watt,W. Montgomery: The Influence of Islam on Medieval Europe , Islamic Surveys no. 9 , Edinburgh University Press, 1972, p, 10.

[xxvii]    Resolution adopted by the General Assembly : 55/2. United Nations Millennium Declaration  موجود على الموقع

[xxviii] اتفاقية كوتونو الموقعة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة أفريقيا ومنطقتي البحر الكاريبي والمحيط الهادي (أيه سى بى) في 23 يونيو 2000. أعقبت اتفاقية لومي، وهي تؤكد على التوافق مع النظام التجاري الذي تنص عليه منظمة التجارة العالمية وترمي إلى الاستعاضة عن الترتيبات التجارية التفضيلية غير المتبادلة التي تنص عليها اتفاقية لومي بإقامة مناطق إقليمية للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والمجموعات الإقليمية لدول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي بعد مرور فترة انتقالية.  الفقرة رقم 96 من اتفاقية كوتونو تخول للاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الدول المعنية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

[xxix] أنشأت النيباد ومؤسسيها الخمسة عشر الاتحاد الإفريقي في اجتماعهم بدربان (جنوب إفريقيا) في يونيو 2002م، ومن الشروط التي وضعت للاستفادة من الشراكة للتنمية الالتزام بالديمقراطية للدول الإفريقية.

[xxx]  فلاديمير لينين Vladimir Ilyich  LENIN (1870-1924) قائد  الثورة الروسيية البلشفية في 1917- طور الفكر الشيوعي الماركسي بالقفز على مراحل الشيوعية- كون البلاشفة في 1903-مؤسس الاتحاد  السوفيتي في 1922م.