إشراقة من الغرب

بسم الله الرحمن الرحيم

إشراقة من الغرب

12 مارس 2005م

 

نادي مدريد منبر يضم رؤساء دول وحكومات سابقين كانوا منتخبين انتخابا حرا، وبرئت أيديهم من دماء الأبرياء، وبرئت ذممهم من سرقة المال العام. هذا النادي أسس عام 2001م وفي هذا العام دعا لمؤتمر قمة تحت شعار: الديمقراطية والإرهاب والأمن. أشرك النادي مائتى خبيرا في كل المجالات فحضروا دراسات وافية قدمت للجان متخصصة وحلقات نقاش تناولت توصياتها، ودعا عددا من رؤساء الدول والحكومات الحاليين للمشاركة في الحوار.

كانت جنسيات المشاركين على كافة المستويات 55 دولة، وبعد الدراسات والحوارات قامت سكرتارية المؤتمر بتلخيص التوصيات ورفعها لأعضاء نادي مدريد فدرسوها وأصدروا على ضوئها بيانا هو “أجندة مدريد 11 مارس 2005م”.

كان الإقبال الكبير على المؤتمر دليلا على مدى التعاطف الدولي مع الحكومة والشعب الأسباني وتعبيرا عن الترحم على أرواح ضحايا حادث 11 مارس 2004م في مدريد وعددهم 192، وتمني الشفاء للجرحى وعددهم 1200.

كان البحث عميقا والحوار حرا وتناول المحاور الثلاثة: الديمقراطية والإرهاب والأمن، مؤكدا إدانة الإرهاب ورفض أية مبررات له، وأن الديمقراطية أحد أهم وسائل محاربة الإرهاب لأنها تحول دون احتقان أسباب النزاع وتمنح آلية سلمية لحسم الاختلافات، وأهمية الاستعداد العسكري والأمني للتصدي للإرهابيين وتقديمهم للعدالة مع الالتزام في كل الأحوال بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

أطروحات تعزز الضعف العشوائي في أوساطنا:

المسلم يعلم حقا أن الجهاد التزام دائم لنصرة الحق بدءا بالجهاد الأكبر وإصلاح الذات وبذل الجهد بكل الوسائل السلمية لنصرة الحق، إلى بذل النفس قتالا دفاعا عن حرية العقيدة، ودفاعا عن النفس؛ ويعلم أنه حتى في حالة القتال الشرعي فإنه لا يستهدف المدنيين الأبرياء وغير المحاربين. ولكن نما في أوساطنا مؤخرا اجتهاد جديد فحواه : أن أمتنا اليوم مظلومة في كافة المجالات. وأن دولنا وقواتها النظامية إما راضية عن هذا الهوان أو عاجزة عن دفعه. وأن هذا الحال يبيح لنا خصخصة الجهاد والتصدي بموجبه للأعداء. وأن علينا استباحة نظمنا الحاكمة ومحاربتها بكل الوسائل. وأنه يحق للقائمين بأمر الجهاد هذا استباحة العدو وقتل جنوده ومواطنيه كافة وتدمير مصالحه. وأن ما يسميه العدو إرهابا هو جهاد واجب على كافة المسلمين. وأن العالم يقف في فسطاطين: حزب الله وحزب الشيطان.

هذه الرؤية خلطت أهدافا مشروعة باجتهادات ووسائل غير مشروعة واتخذت موقفا يجر الضرر والضرار للأمة.. إنها مخالفة لنصوص ومقاصد الشريعة وهي في ظروفنا الحالية مهدرة لمصالح المسلمين، وعلينا معشر أهل القبلة مدارسة هذا الموقف في اجتهاد جماعي يحق الحق ويبطل الباطل ويشكل مرجعية إسلامية شاملة.

أطروحات حرب الإرهاب:

هنالك مدرسة سياسية في الولايات المتحدة ترى أنها كسبت الحرب الباردة 48- 1989م ويحق لها أن تملي شروط السلام كما تراها وفق مصالحها. هذه المدرسة كانت كامنة ولكن أحداث 11/9/2001 أعطتها فرصة تاريخية، خلاصة أطروحاتها: اعتبار حوادث 11/9 مثل حادث الاعتداء على “بيرل هاربور” إنما هو إعلان حرب على الولايات المتحدة، مما يعني أن تخوض حربا عالمية ضد الإرهاب، وبالنظر لطبيعة العدو في هذه الحالة فإن للولايات المتحدة الحق في شن الحرب الاستباقية والانفرادية إن لزم. وتعريف الإرهاب بصورة فضفاضة بحيث يضم في عباءته نفي حق تقرير المصير للشعوب المحتلة. والتركيز على واحد من العوامل التي تغذي الإرهاب أي نظم الحكم القهرية التي تدفع ضحاياها للخطط الإرهابية والعمل على تقويضها ضمن برنامج تجفيف مصادر الإرهاب. وبث إعلام فضفاض يقرن الإرهاب بالإسلام باعتبار أن الإسلام يفرز الإرهاب. ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل حتى لا تقع في أيدي الإرهابيين والتركيز على منع الدول المارقة من الحصول عليها. واعتبار التصدي للإرهاب مبيحا للتخلي عن ضوابط حقوق الإنسان وسيادة القانون. وأن العالم أمامه خياران: الوقوف إلى جانب حرب الإرهاب أو إلى جانب الإرهابيين.

هذه الرؤية خلطت أهدافا مشروعة بسياسيات ووسائل غير مشروعة، واتخذت موقفا يهدر السلام والأمن الدوليين، واستطاعت بسرعة أن تحول التعاطف العالمي الشامل مع الولايات المتحدة عشية أحداث 11/9 إلى موقف مضاد.

إن مؤتمر قمة مدريد 8-11 مارس 2005م يمثل اجتهادا في اتجاه آخر، يمكن أن يحقق تناولا أفضل وأكثر فعالية في التعامل مع هذه القضايا الهامة.

لن أخوض في تفاصيل بيان أجندة مدريد، ولكن أشير للمعالم الآتية:

أولا: إدانة الإرهاب والالتزام الجماعي الدولي في ظل الأمم المتحدة لمواجهته.

ثانيا: الانتصار للديمقراطية ودعمها في كل مكان في حد ذاتها لا كوسيلة لشيء آخر، واعتبار أنها توفر المناخ الأفضل لمحاربة الإرهاب.

ثالثا: الاهتمام بالمسألة الاقتصادية لمحاربة الفقر تحقيقا للعدالة الاجتماعية، فانتقدت حلقات النقاش بعض سياسات الغرب: أن الدين الخارجي فيه عنصر دعم لنظم كانت موالية للغرب، وأن دعم الزراعة في الغرب خصم على المصالح الزراعية في العالم الفقير، وهلم جرا.

رابعا: أن الربط بين الإرهاب وأية ديانة غير مشروع فالإرهابيون استخدموا كافة الأيديولبوجيات والاجتهادات الدينية في كل الأديان.

خامسا: أن محاربة الإرهاب ينبغي أن  تلتزم بحقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون حتى لا تقع في معاقبة الأبرياء أو استخدام وسائل غير مشروعة كالتعذيب فتتساوى أخلاقيا مع الإرهاب.

سادسا: إن منع انتشار أسلحة الدمار الشامل واجب إنساني وقانوني هام ولكن هذا العمل يجب أن تصحبه إزالة الدوافع الأمنية التي تجعل بعض الدول تسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. كما يجب أن تصحبه مشروعات نزع أسلحة الدمار الشامل الحالية لأن حجة من يمتلك لمنع من لا يمتلك ضعيفة، هذه التوجيهات الصريحة سادت في حلقات النقاش، وهي موجودة في أدبيات المؤتمر.

سابعا: أن هناك بؤر نزاع ملتهبة ينبغي أن تعالج نزاعاتها سلميا لتحقيق العدالة لأنه: لا سلام بلا عدالة، وانتهى المؤتمر إلى أن أجندة مدريد خطوة في الاتجاه الصحيح، وسوف تعقبها متابعة في كافة الملفات المعنية، كما سوف ينظم نادي مدريد مؤتمرا أشمل في 11/6/2006، لبلورة موقف عالمي موحد من قضايا الديمقراطية والإرهاب والأمن من أجل عالم أعدل وأفضل.

هذا المناخ الأكثر موضوعية والأكثر إحاطة الذي خلقه مؤتمر مدريد يرجى أن يزيد من فهم القضايا المطروحة ويرفع مستوى الموضوعية والإحاطة في تناولها ويمكن من الاتفاق على تصور مشترك للتعامل مع هذه القضايا الهامة.

إن مؤتمر مدريد يمثل تعاطفا مع الشعب الإسباني وهو كذلك إشراقة من الغرب يرجى أن يتجاوب معها ويطورها الشرق: وطن الشروق الذي أقعده الغروب.