البيان الأول للانقلاب

الرئيس السوداني عمر البشير يلقي خطابا أمام حشد من الجنود في الخرطوم يوم الاثنين. تصوير: محمد نور الدين عبد الله - رويترز

بسم الله الرحمن الرحيم


أيها الشعب السوداني الكريم

إن قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني وصونا للعرض والكرامة وتترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة وقد كان من أبرز صوره فشل الأحزاب السياسية في قيادة الأمه لتحقيق أدنى تطلعاتها في الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي حيث عبرت على البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة وما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار وضيع هيبة الحكم والقانون والنظام.

أيها المواطنون الكرام

لقد عايشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة ومؤسسات دستورية فاشلة، وإرادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة، وبشراء الذمم والتهريج السياسي، ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحاً لإخراج قرارات السادة، ومشهداً للصراعات والفوضى الحزبية، وحتى مجلس رأس الدولة لم يكن إلا مسخاً مشوهاً. أما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها في كثرة الكلام والتردد في السياسات والتقلب في المواقف حتى فقد مصداقيته.

أيها المواطنون الشرفاء

إن الشعب مسنود بانحياز قواته المسلحة قد أسس ديمقراطية بنضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية، ولكن العبث السياسي قد أفشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية بإثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد اخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة وطنية وإنسانية.

مواطني الأوفياء

إن عداوة القائمين على الأمر في البلاد في الفترة المنصرمة ضد القوات المسلحة جعلتهم عن قصد يهملون إعدادها لكي تقوم بواجبها في حماية البلاد، ظلت قواتكم المسلحة تقدم أرتالاً من الشهداء كل يوم دون أن تجد من هؤلاء المسئولين الاهتمام بالاحتياجات أو حتى الدعم المعنوي لتضحياتها، مما أدى إلى فقدان العديد من المواقع والأرواح. حتى أضحت البلاد عرضة للاختراقات والانفلات من أطرافها العزيزة، هذا في الوقت الذي نشهد فيه اهتماماً ملحوظاً بالمليشيات الحزبية.

أيها المواطنون الكرام

فكما فشلت حكومات الأحزاب السياسية في تجهيز القوات المسلحة لمواجهة التمرد، فقد فشلت أيضاً في تحقيق السلام الذي رفعته الأحزاب شعاراً للكيد والكسب الحزبي الرخيص، حتى اختلط حابل المخلصين بنابل المنافقين والخونة، وكل ذلك يؤثر سلباً على قواتكم المسلحة في مواقع القتال، وهي تقوم بأشرف المعارك ضد المتمردين ولا تجد من الحكومة عوناً على الحرب أو السلام. هذا وقد لعبت الحكومة بشعارات التعبئة العامة دون جدوى أو فعالية.

مواطني الشــرفاء 

لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية، وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف هذا التدهور، ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية، فازدادت حدة التضخم، وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل، واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو لارتفاع أسعارها، مما جعل كثيراً من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة، وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وتعطل الإنتاج، وبعد أن كنا نطمح أن نكون بلاداً سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة وتستجدي غذائها وضرورياتها من خارج الحدود، وانشغل المسئولين بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة، وكل هذا مع استشراء الفساد والتهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراءً يوما بعد يوم، بسبب فساد المسئولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام.

أيها المواطنون الشرفاء

لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام، مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية، وقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقدم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية، وأفسدوا العمل الإداري، فضاعت على أيديهم هيبة الحكم، وسلطات الدولة، ومصالح القطاع العام.

مواطني الكرام

إن اهمال الحكومات المتعاقبة على الأقاليم أدى إلى عزلها عن العاصمة وعن بعضها في انهيار المواصلات وغياب السياسات القومية وانفراط عقد الأمن، حتى افتقد المواطن ما يحميه ولجأوا إلى تكوين المليشيات وكما انعدمت المواد التموينية في الأقاليم إلا في السوق الاسود وبأسعار خرافية.

أيها المواطنون

لقد كان السودان دائماً محل احترام تأييد كل الشعوب والدول الصديقة، لكن اليوم أصبح في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالاً للصراع الحزبي، وكادت البلاد تفقد كل أصدقائها على الساحة الأفريقية وقد فرطت الحكومات في بلاد الجوار الافريقي حتى تضررت العلاقات مع أغلبها وتركت الجو لحركة التمرد تتحرك فيها بحرية مكنتها من إيجاد وضع متميز أتاح لها عمقاً إستراتيجياً لضرب الأمن والاستقرار في البلاد، حتى أنها أصبحت تتطلع إلى احتلال وضع السودان في المنظمات الإقليمية والعالمية.

وهكذا انتهت علاقات السودان من العزلة مع العرب والتوتر مع أفريقيا إزاء الدول الأخرى.

أيها المواطنون الأوفياء

إن قواتكم المسلحة ظلت تراقب كل هذه التطورات بصبر وانضباط ولكن شرفها الوطني دفعها لاتخاذ موقف إيجابي إزاء هذا التدهور الشديد الذي يهدد الوطن واجتمعت كلمتها خلف مذكرتها الشهيرة التي رفعتها منبهة من المخاطر بتقويم الحكم وتجهيز المقاتلين للقيام بواجبهم، ولكن هيئة القيادة السابقة فشلت في حمل الحكومة على توفير الحد الأدنى لتجهيز المقاتلين. واليوم يخاطبكم أبناؤكم في القوات المسلحة وهم الذين أدوا قسم الجندية الشريفة ألا يفرطوا في شبر من أرض الوطن، وأن يصونوا عزته وكرامته، وأن يحفظوا للبلاد مكانتها واستقلالها المجيد. وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعاً في مكاسب السلطة، بل تلبية لنداء الواجب والوطن في إيقاف التدهور المدمر، ولصون الوحدة الوطنية من الفتنة السياسية، وتأمين الوطن من انهيار كيانه وتمزق أرضه، ومن أجل إبعاد المواطنين عن الخوف والتشرد والشقاء والمرض .

أيها المواطنون الشرفاء

إن قواتكم المسلحة ترجوكم للالتفاف حول رايتها القومية ونبذ الخلافات الحزبية والإقليمية، وتدعوكم للثورة معها ضد الفوضى والفساد واليأس من أجل انقاذ الوطن، ومن أجل استمراره وطناً موحداً حراً كريماً.

عاشت القوات المسلحة حامية لكرامة البلاد، وعاشت ثورة الإنقاذ الوطني، وعاش السودان حراً مستقلاً.. والله أكبر والعزة للشعب السوداني الأبي.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.