المذكرة التي كان السيد الصادق بصدد تسليمها للانقلابيين لدى القبض عليه في 7/7/1989

التحديات التي تواجه الديمقراطية في السودان

مذكرة لمجلس قيادة الثورة 7 يوليو 1989م

 

العميد عمر حسن أحمد البشير،

رئيس مجلس قيادة الثورة

السلام عليكم ورحمة الله، وبعد-

لقد استوليتم علي السلطة بطريقة مخالفة للشرعية الدستورية ونحن وآخرون من القوي السياسية والفئوية ملتزمون برفض ما فعلتم وإبطاله بموجب التزامنا للدستور والقانون وبموجب ميثاق الدفاع عن الديمقراطية الذي وقعت عليه القوات السودانية المسلحة. هكذا نشأت في بلادنا التي تخوض حرباً وتتعرض لتآمر أجنبي، نشأت فيها مواجهة بيننا وبينكم ومعكم القوة ومعنا الحق. وحرصاً علي مصير البلاد رأيت أن أقترح مخرجاً سلمياً :

  1. الديمقراطية هي خيار شعبنا وهي موجة المستقبل والالتزام بها واجب وطني ولكن مؤسسات الديمقراطية وممارساتها في السودان أظهرت إخفاقاً والمطلوب هو الإلتزام بالديمقراطية والالتزام بإصلاح مؤسساتها وممارساتها.
  2. هنالك سياسات كانت قائمة نوقشت بأعلى مستوي فني وقومي كبرنامج التنمية وبرنامج إعادة التعمير وبرنامج الإغاثة (شريان الحياة) وبرنامج دعم وتأهيل القوات المسلحة، والمصلحة تقتضي البناء علي صحيحها والتقدم إلي ما وراء ذلك، هذا ينطبق أيضا علي برنامج السلام الذي تطور نتيجة لمجهودات مختلفة حتى أصبح إطاراً للسلام مر من مراحل كوكادام حتى اكتمل باتفاق نوفمبر الأخير[1]. كذلك وضع تصور لسياسة البلاد الخارجية باقتراح خبراء وتعليق ساسة مما أدي لبرامج لسياسة خارجية قومية إلي جانب سياسات قومية للاجئين والنازحين هذه البرامج والسياسات المناقشة علي صعيد قومي وأحياناً بمشاركة دولية، المصلحة تقتضي الانتفاع بها في بناء الوطن.
  3. إن في بلادنا علة اقتصادية أساسية لم يمكن التعامل معها في الظروف الماضية هي أننا نستهلك أكثر بل أضعاف ما ننتج ونصدر ثلث ما نستورد، هذه الحالة تفتقر لعلاج جذري يخفض الاستهلاك بكل أوجهه لا سيما في الكهرباء والمياه والوقود ونزيد الإنتاج لا سيما إنتاج المؤسسات العامة. إن الظروف الحالية تنتج فرصة أكبر للتعامل مع هذه المعادلة الصعبة .
  4. إن دعم القوات المسلحة وقوات الأمن المختلفة في هذه الظروف الدفاعية والأمنية واجب أساسي وستجدون أننا فعلنا في هذا الصدد كل المستطاع ولا أبالغ إن قلت أنكم لن تستطيعوا صرف قرش زيادة علي ما فعلنا. ولكن تبقي إلي جانب المعدات نقائص أخري في القيادة وفي الروح المعنوية وفي كل وجوه الأداء العسكري كانت هي السبب في نكسات ليريا وكبويتا وتوريت وأداء لواء الردع الكتيبة 118 وهي جوانب ينبغي التصدي لها لعلاجها ورفع أداء قواتنا العسكري.
  5. لقد رماني بيانكم الأول بكثرة الحديث حتى فقدت مصداقيتي. نعم تحدثت كثيراً ولو تأملتم ما قلت لوجدتم أنه محاولة مدونة لاستنهاض شعب يواجه ظروفاً صعبة لبعث الأمل وشده لمستقبله الواعد ولا أدري أين فقدت مصداقيتي فالجمعية لم تسجل ضدي صوت ثقة واحد لمجرد نقاشه وكانت القنوات مفتوحة بيننا وبين القوي السياسية والنقابية في البلاد والثقة متوافرة ولم أجد من الشارع السياسي العفوي إلا كل تقدير. علي أية حال هذه أمور سيحكم عليها التاريخ ذكرتها متطلباً للانصراف عن المساجلات الشخصية والتركيز علي ما ينفع السودان.

وتحدثتم عن المفاسد وذكرتم تعويضات أم دوم وكل الذي أرجوه هو أن تدرس ملف التعويضات هذا وسوف تجد فيه الدليل علي عفة تعاملي مع المال العام. إنني كمسئول كنت أول من يصل إلي مواقع العمل وآخر من يغادر ولم أكلف الدولة راتباً ولا سكناً ولا إجازات وكنت بعد كل رحلة أورد ما لم أصرف من اعتمادها، كما كنت صاحب المبادرة لكل الخطط الإصلاحية والمتابعة وستجد من الخدمة المدنية شاهداً علي ذلك. والذي أتطلع إليه في هذا الصدد هو تحقيق محاكمة عادلة وستكون النتيجة الإشادة بالحقائق.

6-      إن كنتم تحرصون علي إنقاذ البلاد وتجنب فتح جبهات عديدة فالنقاط الآتية يمكن أن تكون خطا تتجهون نحوه بالقول والعمل وعندئذ فإن ظروف البلاد الحرجة ستجعل القوي السياسية في البلاد تتخذ منها موقفاً إيجابياً :

  • الإلتزام بالديمقراطية وبإصلاح مؤسساتها وممارستها في كل مجال وفق برنامج محدد تفاصيل وزماناً متشاوراً عليه.
  • تبيين البرامج القومية الصالحة لبناء الوطن.
  • إجراء الإصلاح الاقتصادي الجذري الذي يسترد للسودان جدواه الاقتصادية ويضبط الاستغلال ويرشده ويزيد الإنتاج والاستثمار والتنمية.
  • إجراء الإصلاحات المطلوبة لرفع الأداء العسكري وتأهيل القوات المسلحة.
  • إجراء محاسبة عادلة للتجاوزات والمفاسد وإنصاف البريء ومعاقبة الجاني.

7- عندما قامت حركة مايو خاطبناها بمثل هذا الموقف ورأت أن تختار طريق المواجهة وكان ما كان والآن الظروف مختلفة فلا الموقف التمويني ولا الاقتصادي ولا السياسي ولا العسكري يترك هامشاً للمناورة والمناخ الداخلي في البلاد ليس وارد فيه ما كان متاحاً لمايو ولا المناخ الدولي فإن أنتم اخترتم غير طريق المواجهة والاستقطاب فستجدون ذلك ممكناً بتلمس مواقف القوى السياسية والفئوية. وفي هذا الصدد فإن ما رأيته من نقاط -بالإضافة أو التعديل- يشكل مدخلاً لعلاقة إيجابية في سبيل الوطن، وإن أنتم اخترتم الطريق الآخر فأنتم تتحملون مسئوليته التاريخية وما شاء الله كان.

[1] الإشارة لمبادرة السلام  السودانية التي وقعها السيد محمد  عثمان الميرغني والعقيد د. جون قرنق في نوفمبر 1988م