الغرب أصم أم يسمع؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الغرب أصم أم يسمع؟

3  سبتمبر 2006م

 

دعا نادي مدريد وهو هيئة غير حكومية تضم 68 من رؤساء دول وحكومات سابقين منتخبين ديمقراطيا عددا من الساسة والدبلوماسيين، والصحافيين، والخبراء إلى اجتماع في منتصف أغسطس 2006م في مدينة سانتاندر الإسبانية لمناقشة ملفات العلاقات الغربية العربية. ملفات جذور النزاعات والاضطرابات في المنطقة، ومصير حقوق الإنسان في ظروف العنف السياسي، ومآل مشروعات التحول الديمقراطي، وما ينبغي على الأسرة الدولية أن تفعله أو لا تفعله لدعم الديمقراطية، وماهي إمكانية التحالف بين الحضارات؟

كان هذا أول لقاء دولي غير حكومي بعد الحرب الإسرائيلية ذات الغطاء الأمريكي على لبنان وكانت فرصة سانحة لنا لقياس مدى عزلة سياسات الصقور الأمريكان داخل أمريكا وفي أوربا وما ظهر في أوساط الرأي العام الغربي من شجب للتحالف مع اليمين الإسرائيلي.

في أمريكا صدرت عشرات المؤلفات الناقدة للتوجه الإمبريالي الأحادي – مثلا –  الدولة المارقة بقلم كلايد يرستوفتز ” وتغيير النظم يبدأ بأمريكا” بقلم شارلي دربز والهيمنة أم البقاء بقلم نعوم شومسكي وغيرها. لقد بلغ النقد الموضوعي لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية درجة هائلة تفسر تدني شعبية الرئيس الأمريكي بوش لما دون 30%.

أما في أوربا فقد أجرى الاتحاد الأوربي استطلاعا في عام 2004م كانت نتيجته أن الشعوب الأوربية تعتبر إسرائيل ثم أمريكا هما الأول والثاني خطرا على السلام الدولي في العالم. دلائل المعارضة الأوربية للسياسة الأحادية الأمريكية في المواقف والكتب كثيرة.

وفي 16 أغسطس 2006م خاطبت اللقاء العربي الغربي المشترك المشار إليه حول جذور النزاعات والاضطرابات في الشرق الأوسط، خلاصة الخطاب:

هنالك 4 جذور داخلية للنزاعات هي:

  • نزاع بين التأصيل والتحديث ويمكن التعبير عنه نزاعا بين الأصولية والعلمانية، وبين الانكفاء والاستلاب.
  • نزاع طبقي بين الموسرين والمعسرين.
  • نزاع بين حكومات مستبدة وشعوب متطلعة للمشاركة.
  • نزاع بين أديان وثقافات مركزية وأقليات دينية وثقافية تتطلع للمساواة في حقوق المواطنة.

وهنالك 4 أسباب خارجية للنزاعات هي:

  • غرس إسرائيل في أرض الشعب الفلسطيني.
  • نزاع على الموارد الطبيعية لا سيما البترول.
  • صراع بين الهيمنة الدولية والاستقلال الوطني.
  • نزاعات حول الرؤى الجامعة كالمشروع الإسلامي، والمشروع العربي، ومشروع الشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد، ومقتضيات الحرب على الإرهاب.

شهدنا حوارات كثيرة ومثمرة بين أطراف هذه النزاعات لاسيما الخارجية منها:

  • حوار بين الأديان.
  • حوار بين الثقافات.
  • مشروعات سلام منذ مدريد في 1993م إلى خريطة الطريق في عام 2003م.
  • مؤتمرات كثيرة بشأن مشروعات التحول الديمقراطي.
  • مشروعات تعاون تنموي كثيرة.
  • حوارات حول الحرب على الإرهاب وما ينبغي أثناءها من كفالة حقوق الإنسان.

نعم كثير من الحوارات والمفارقة هي أنه بينما كانت الحوارات مثمرة بين النخب فإن الواقع الميداني سار في اتجاه معاكس:

  • عمليات السلام أجهضت تماما منذ انتخاب شارون في عام 2000م في إسرائيل.
  • مشروعات دعم الديمقراطية الخارجية توقفت أو كادت.
  • الأنشطة الإرهابية زادت تحركها أصداء القتال – مثلا – تفجيرات مدريد 2003م، ولندن 2005م، على صدى قتال العراق. وتفجيرات ألمانيا التي كانت مزمعة في 31/7/2006م على صدى حرب لبنان.
  • الولايات المتحدة المأمولة لقيادة التحولات الإيجابية فقدت مصداقيتها في العالم عامة وفي العالم العربي خاصة حيث صارت في نظر الغالبية “مصدر الشر”.

المواقف اتجهت بصورة حادة نحو الاستقطاب:

  • في الولايات المتحدة رسخ تحالف اليمين الراديكالي، والأصولية الإنجيلية، واليمين الإسرائيلي.
  • انتقل الموقف الشعبي الفلسطيني من منظمة التحرير إلى حماس في الغالب.
  • وفي لبنان أنتقل الثقل من أمل إلى حزب الله.
  • تنظيم القاعدة صار أكثر انتشارا وتفرع في مناطق جديدة.
  • طالبان انتعشت من جديد واقتدى بها آخرون.
  • إسرائيل بقيادة شارون ثم ألمرت اتجهت نحو الحرب الاستباقية والتدابير الأحادية.
  • الولايات المتحدة انغمست في الممارسات التي كانت قد أعلنت الحرب ضدها: فضائح أبي غريب وقوانتنامو وغيرها. جاء في مقال الهرالد تربيون الافتتاحي 19/8/2006م ما قالته السيدة القاضية آن دكز تايلور : إن بوش خرق قانون 1978م بخصوص التصنت. وقال رولاند سوكول: لم نشهد في حياتنا مثل هذا الخرق للالتزام بالقانون. وشجبت مارجوريت فيتلوفيتر الحرب القذرة وما صاحبها من أساليب التعذيب بالوكالة.

ثم جاء شهر الحرب على لبنان (12/7 إلى 14/8/2006م) حمل معه تغييرا غير مسبوق في واقع الحال:

عسكريا: حيل دون الحرب الخاطفة المعتادة. وبرزت المعادلة: القوات النظامية تهزم إذا لم تنتصر . وقوات الحرب غير التقليدية تنتصر إذا لم تهزم.

سياسيا: تماسكت الوحدة الوطنية اللبنانية في وجه الصعوبات، وتجاوز المسلمون الانقسام المذهبي، وتعاظمت شعبية المقاومة وتآكلت شرعية النظم الرسمية، وانكشف التحالف الأمريكي الإسرائيلي.

استراتيجيا: انتقلت تطلعات كثيرين ضد وجود لا حدود إسرائيل، صار العداء لأمريكا الكرت السياسي الرابح، زادت الثقة بقدرات الشعوب، وحدث استقطاب حاد في أمن الشرق الأوسط وأمن الخليج.

ما العمل ؟

كانت النخب الحاكمة في البلدان الغربية تواجه تطلعات طبقاتها الاجتماعية وجماعاتها الإثنية والثقافية المهمشة بالقمع إلى أن أجبرها نضالها للاعتراف بحقوقها. المطلوب الآن من النخب الغربية أن تدرك أن الشعوب العربية والإسلامية تتطلع للعدالة والندية ولن تقبل باستمرار الظلم، المطلوب بإلحاح سياسة غربية عادلة وسياسة إسرائيلية عادلة إن أرادت أن يكون للوطن العبري وجودُُ في سلام في المنطقة.

القوى المتجددة في العالمين العربي والإسلامي قابلة للتعايش، والتسامح، إذا توافرت العدالة. ففي تركيا تيار إسلامي مستنير، وفي إيران شعبية النهج الإصلاحي هي الأكبر لولا استفزازات الأحادية الأمريكية، ومكون القوة الناعمة في حزب الله وحماس كبير ففيها التزام بالديمقراطية، والرعاية الاجتماعية، والانفتاح الوطني نحو الآخرين. وفي المنطقة كلها عوامل تجديد مستنير يرجى تغلبه إذا توافرت الكرامة والعدالة وسوف يجبر على التصدي والمنازلة إذا فرض عليه الظلم والإذلال. (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[1]

الدليل على أن رياح التغيير هبت في بعض أوساط الغرب أن هذا المنطق وجد سامعين.

 

 

 

[1]  سورة الممتحنة الآيات (9,8)