مذكرة السيد الصادق المهدي بعد تعرضه للتصفية الصورية والتهديد في 3/10/1989

مذكرة السيد الصادق المهدي للسلطات إثر ما تعرض له في 3/10/1989

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السيد / رئيس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني.

بواسطة السيد/ مدير عام السجون.

بواسطة السيد/ قائد المنطقة العسكرية المركزية.

بواسطة السيد / مدير السجن العمومي- كوبر.

 

السلام عليكم ورحمة الله  تعالى، وبعد-

  1. إن للإنسان حقوقا نزل بها الوحي فيولد مكرما في مهد أسرته ويكفل بحق الحضانة والرعاية لسكنه وممتلكاته، ولذاته حرمة مرعية وحتى جنازته لها حرمتها المرعية. وعليه واجبات يؤديها فإن قصر في ذلك فالمساءلة عن طريق محاكمة عادلة.. عادلة لها أسسها وضوابطها، وعبر التجارب الإنسانية الطويلة صاغ الفكر الوضعي حقوق الإنسان وهي مطابقة لما نزل الوحي. ثم تطورات العلاقات الدولية فنشأت مواثيق حقوق الإنسان المفصلة إلى أجدت حرمة الذات البشرية وحريتها وكرامتها وحقها في العدل والتكريم في كل الظروف.

والسودان الحديث كعضو في الأسرة الدولية ملتزم بمواثيق حقوق الإنسان التزاما أساسيا أكدته كل الحكومات التي مرت عليه، وأعلنتم التزامكم بها في مجالات مختلفة.

  1. في يوم الثلاثاء الماضي 3 أكتوبر 1989م حضر لي في السجن ثلاث أشخاص بزي مدني وقالوا إنهم مرسلون من لجنة الأمن العليا وأخذوني معهم الساعة الحادية عشر مساء، ساقوني في سيارة محجبة بورق الجرائد إلى منزل لا أعرف موقعه حتى وصلنا بعد ساعة من الزمان وهو منزل مظلم تماماً إلا من غرفة واحدة مضاءة بلمبة حمراء. وانضم إليهم رابع بزي مقدم في القوات المسلحة مع إزالة بطاقة الاسم المعهودة وأحجم عن ذكر اسمه عندما سألته وأجلسني على مقعد مكسر بثلاث قوائم فقط.

ثم بدأ السؤال عن اسمي، فذكرته، فقال أحدهم قف عند عبد الرحمن فلا يضاف المهدي، ثم بدأ المقدم يسألني عن رأيي، ثم ذكر أن هناك نشاطاً حزبياً مضاداً، فأوضحت أنني ومنذ اعتقالي مقطوع الصلة بالخارج، فاستشهد بوقائع اتصالات قال إنني أجريتها مع آخرين ففسرت له تلك الوقائع بصورة بدا مقتنعاً بها.. وبعد الحديث عن موقفي من النظام دار حديث عن أشرطة فيها تصوير لي يوم اعتقالي، وشرحت له ملابسات ذلك وأنني كنت بصدد تسليم نفسي مع تقديم مذكرة كتبتها ووجدت في جيبي وأن بعض المسئولين في النظام كانوا على علم بهذا الأمر وأنهم تفهموا ما حدث.

ثم تحدث عن أشرطة أخرى فيها اعترافات ضدي فقلت له إنني لم أفعل شيئاً جنائياً، وكذلك لا توجد بينات حقيقية ضدي مسموعة أو مقروءة أو مرئية، وإنني طوال حياتي العامة تعرضت لتلفيقات من الخصوم مثل تلفيق المؤامرة العنصرية في عام 1969م ضدي.. على أي حال ما هي قيمة اعترافات بمثل هذا الترهيب الذي تعرضت له أو أكثر؟ وانتهى اللقاء بعد أربعة ساعات بتأكيدي جوهر موقفي من النظام وهو ما كتبته بالمذكرة، وبتأكيد استعدادي لبيان أي تفاصيل أخرى بشأنها.

وفي طريق العودة صحبني الأشخاص المذكورين- وقد كان سلوكهم أثناء الاستجواب منصباً على المقاطعة أحياناً وعلى إصدار عبارات التهديد والوعيد أحياناً أخرى مثل قول أحدهم “نحن قتلة عديل” وقول آخر “نستطيع تصفيتك الآن” وأثناء رحلة العودة استمروا يثرثرون على طول الطريق كأنما يتحدثون فيما بينهم لأسمع، وكانت عبارات حديثهم استفزازية مثل قولهم “اطلع طوالي للمرخيات لو وجدنا فرصة لفسحنا الراجل”‍! أو يسيئون لأسرة المهدي بقول: المهدي نعم نحترمه أما الآخرون من أسرته وأبنائه فكلهم مضلون.. وكانوا على طول الطريق يهزأون بي وبشخصيات أخرى في الحياة العامة.

عندما وصلوا كوبر أمروا الضابط الموجود أن يضعني في الحبس المنفرد، ونتيجة لذلك لم التق بزملائي إلا ظهر يوم الأربعاء مما أثار في نفوسهم قلقاً شديداً بهذا التصرف الشاذ الفريد في نوعه في تاريخ السودان الحديث، والذي إلى جانب ما فيه من استهتار بحقوق وسلامة المواطنين، فيه انتهاك لقوانين ولوائح السجون التي نشاهد لها الاستباحة التامة من جهات عديدة.. والحقيقة هي أنني طوال حياتي العامة كمسئول أو معتقل لم أشهد مثل هذا السلوك الهمجي من أي مسئول سوداني في أي موقع.

ويقيني أن أكثر الناس على هذه التجربة لكان تصرفه أحد أمرين: إما الإغماء حتى الموت من أثر الصدمة، وإما المقاومة بحيث تكون النتيجة إما قاتلاً أو مقتولاً.. هل لمثل هذه النتائج تقام أجهزة الأمن؟؟!!!

  1. إن التحري عن رأيي والتحقيق معي أو المحاكمة واردة، ولكن الذي حدث تهديد ومعاملة ظالمة تتنافى مع حقوق الإنسان ومع تقاليد أهل السودان.. إن الاعتقال السياسي ينافي حقوق الإنسان، ولكن الذي حدث في الثلاثاء الماضي رقم قياسي جديد في انتهاك الحقوق وإهدار الكرامة، بل إنه متعارض مع فكرة استطلاع آراء آخرين إذا كان هذا هو المطلوب ليترتب على ذلك ما يترتب من سياسات وقرارات.

إنني إذ أدين أسلوب الثلاثاء وأرفضه أؤكد استعدادي لشرح مذكرتي بوضوح ومستعد للتجاوب مع أي تحقيق وأن أدافع عن نفسي أمام المحكمة إذا كانت هذه الإجراءات ملتزمة بحقوق الإنسان وبالعدالة وبالكرامة.

وإلا فلا داعي لاستطلاع أو تحقيق أو محاكمة، وللقائمين بالأمر أن يقرروا ما يشاءون بحكم القوة، وبيننا وبينهم الله والشعب والتاريخ.

(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين).

 

والسلام

 

 

الصادق المهدي

سجن كوبر العمومي

5 أكتوبر 1989م