بيان الوسطية العالمية

بسم الله الرحمن الرحيم

المنتدى العالمي للوسطية

المؤتمر الدولي الرابع بعنوان (نحو مشروع نهضوي إسلامي)

المملكة الأردنية الهاشمية- عمان

في الفترة 18-20 ذو القعدة 1429هـ الموافق 16-18/11/2008م

 

بيان الوسطية العالمية

تقديم: الإمام الصادق المهدي رئيس المنتدى

مقدمة

صارت الوسطية هي الوصفة المطلوبة في عالمنا الإسلامي للخروج من مآزقه. وكلما بحثنا في المنتدى العالمي للوسطية أو في غيره من المنابر البحثية أيا من القضايا التي تشغل بال المسلمين اليوم، وتحدثنا عن إسهامنا المأمول في الحضارة الإنسانية المعاصرة، أو السبيل لنهضة أمتنا، وصلنا إلى أن كل تقدم في عالمنا رهين بصحوة حضارية شاملة ضمن مشروع نهضوي إسلامي مكتمل.

يركز مؤتمرنا الدولي الرابع هذا على المشروع النهضوي ويشرك قامات في الفكر الإسلامي الوسطي ليبحثوا حول مفاهيم المشروع النهضوي متطرقين لمصطلحات هامة متعلقة بهذا المشروع لضبطها، ثم لمعيقات مشروع النهضة في العالم الإسلامي الداخلية والخارجية لتجاوزها،  وليحددوا مرتكزات مشروع النهضة المتمثلة في مرجعياته الدينية ويؤصلوا للوحدة الإسلامية في حدها الأدنى وللعلاقة مع الآخر الملي داخل بلداننا وخارجها، وليبحثوا محددات المشروع الحضاري المتعلقة بالتصور أو التخطيط الأمثل وبالآلية أو الوسيلة ثم بمنهجية البحث العلمي، وليحددوا كذلك معالم مشروع النهضة في الجوانب المختلفة، وليقوموا في النهاية بقراءة واعية في تجارب نهضوية حية في العالم الإسلامي اعتبارا منها استصحابا للمنجزات وتلافيا للأخطاء.

ونقدم باسم المنتدى هذا البيان للمشروع النهضوي وفيه تعريف للوسيطة، وتبيان لماذا هي ضرورية؟ وتحديد برنامج الوسطية للمشروع النهضوي، والحديث عن كيفية تحقيق ذلك البرنامج ، ونتصدى في الختام للرؤيا الوسطية لبعض أهم قضايا الساعة.

القسم الأول: ما هي الوسطية؟

لكل شئ في الحسيات طرفين ووسط فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان.

هذا المفهوم نقل من الحسيات إلى المعنويات ففي تناول الأمور يرد الإفراط أي تجاوز القدر من الأمور ويرد التفريط أي التقصير وبين الإفراط والتفريط يكون التوسط. إذن الوسطية هي المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط. وصف الإسلام نفسه بالوسطية في كل أمره وهو كذلك ـ مثلاـ عقائد البشر في الغيبيات تقوم في حد منها على تعددية الآلهة وفي الحد الآخر تقوم على وحدة الوجود. الإسلام يقوم على الإله الواحد والكون أي ثنائية الوجود. ويقول قوم بلاهوتية مطلقة أي أن الإنسان مجرد متلق ويقول آخرون بناسوتية مطلقة أي أنه مؤلف كل شئ. الإسلام يقوم على توفيق لطيف بين اللآهوت والناسوت أي بين الوحي والعقل. ومن النحل ماهو فرداني ومنها ماهو جماعي ويقوم الإسلام على توفيق لطيف بين الفردانية والجماعية وفي الأخلاق يقوم الإسلام على أن خير الأمور أواسطها. آيات كتاب الله تنطق بهذه الوسطية في القضايا المختلفة وتصف بها أمة الإسلام. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)*: الوسطية هي نسيج الإسلام وهي منهجه

ليست الوسطية دعوة لقبول الواقع الوطني كما هو بل هي دعوة للإصلاح والتجديد بأسلوب يحقق أعلى درجات الفاعلية في الظروف المحيطة وليست دعوة لقبول الواقع الدولي القائم بل هي دعوة لإصلاحه بأسلوب يحقق أعلى درجات التحرر والعدالة والسلام القائم على العدل والحرية. إنها دعوة للتحرير من التقليد، ومن الاستلاب، ومن الهيمنة الأجنبية، ومن الحكم الاستبدادي. وهي تختلف عن الوسطية السلطانية التي نادى بها البعض لصالح قبول الاستبداد داخليا، أو الوسطية الاستسلامية التي جيرت لصالح التعايش مع الاحتلال والهيمنة وكلاهما انحراف بالوسطية عن مقاصدها.

السلسلة الذهبية للوسطية

للوسطية مبادئ عامة وسلسلة ذهبية تحدد ملامح منهجها في عدد من القضايا الهامة التي يواجهها عالمنا الإسلامي اليوم وأهمها:

أولا: التعامل مع الوافد من الماضي

الوافد من الماضي قسمان وحي واجتهاد بشري في فهم نصوصه. قال المقلدون إن السلف قد انبروا لنصوص الوحي وبوسائل الاجتهاد الصحيحة من قياس وإجماع استنبطوا المبادئ والأحكام فصارت ملزمة للكافة. وقال المعطلون إن الزمن قد تجاوز رسالة الإسلام، ولكي ننهض فإن علينا أن نتمسك بالحضارة الحديثة لأنها تمثل مستقبل الإنسانية. الموقف الوسطي الصحيح هو أن القطعي، ورودا ودلالة من حقائق الوحي، ملزم للكافة ولكن بعض مفردات الوحي ظنية الورود كما في أغلب السنة وبعضها ظنية الدلالة كما في القرآن والسنة. ونصوص الوحي نفسها توجب على الناس تدبرها معتبرين المقاصد ومستخدمين الحكمة، والعقل، والمنفعة، والإلهام، والسياسة الشرعية، ما يمكننا من التوفيق بين التزامنا بقطعيات الوحي واستصحاب المستجدات.

ثانيا: التعامل مع الوافد من الخارج

المنكفئون يرون أن هدينا يشمل كل شيء وأنه قائم بذاته لا يحتاج لسواه. والمستلبون يرون عكس ذلك تماما. ولكن الموقف الوسطي السليم هو ان كتابنا المسطور نفسه وسنة النبي، صلى الله عليه وسلم، يؤكدان وجود إخاء إنساني وإخاء كتابي يفتح باب مقارنة ومقاربة ويؤكدان أن الكون نفسه كتاب منشور أودعه الله سننا: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)[1] والإنسانية مكلفة باكتشاف تلك السنن لمعرفتها وتسخيرها. وأنه تكليف للإنسان كل الإنسان مهما اختلفت ملله ونحله وينبغي تبادل المعرفة بها وبوسائل تسخيرها بين الناس أجمعين.

ثالثا: اختلافات أهل القبلة

واقع الحال هو أن أهل القبلة مختلفون فرقا ومذاهب واجتهادات. بعض أهل القبلة ينطلق من عبارة الفرقة الناجية ويدعيها لنفسه ومن نصوص قرآنية معينة يخرجها من سياقها وعلى أساسها يصدر أحكام التكفير للفرق والمذاهب الأخرى. أهل الشهادة بموجبها أمة واحدة وهنالك قطعيات يؤمنون بها جميعا ويختلفون فيما عداها.

اختلافات أهل القبلة نوعان: نوع اختلاف اجتهادي له ما يبرره واختلاف اجتهادي قائم على سوء الفهم. هذا النوع ينبغي أن يجري فيه حوار جاد لتوسيع دائرة الوفاق. ونوع من اختلاف يصعب تجاوزه. هذا النوع ينبغي أن يعذر الجميع بعضهم فيما اختلفوا فيه. الواجب على علماء الأمة ومفكريها إجلاء هذه الأمور وإصدار نداء المهتدين المؤسس لإخائهم.

رابعا: الموقف من الإصلاح السياسي

الشورى هي ديمقراطية مرتبطة بسقف شرعي. والديمقراطية هي شورى مرتبطة بمؤسسات تضبطها والإثنان يتفقان على أربعة مبادئ: المشاركة ـ المساءلة ـ الشفافية ـ سيادة حكم القانون. هذه المبادئ هي المطلوبة للحكم الراشد. والوسطية تؤمن بالحكم الراشد وتعمل لتحقيقه بحيث تصير النظم الملكية ملكية دستورية والنظم الجمهورية جمهورية ديمقراطية.

خامسا: الإصلاح الاقتصادي

التنمية البشرية التي تحقق نموا اقتصاديا وتوفيرا للخدمات الاجتماعية وتوزيعا عادلا للثروة هدف إسلامي مثلما هو هدف إنساني والوسطية تتطلع لها وتعمل على تحقيقها.

سادسا: العلاقة مع الآخر الملي والدولي

الإسلام يعترف بالتعددية الدينية والدولية والفهم الهجومي المقترن بجهاد الطلب فهم انتقائي لأحكام الإسلام (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[2] والإسلام يوجب الالتزام بالعهود مهما اختلفت العقائد. قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة الكفر والإيمان فيهن سواء منها من عاهدته أوفي بعهده مؤمنا كان أو كافرا، واجبنا التسامح والتعايش مع الملل الأخرى على أساس المعاملة بالمثل، كما أن علينا التعاون مع الدول الملتزمة بالعدالة والسلام. ولكن المعتدين والمحتلين فإن الواجب الديني والقانوني هو التصدي لهم ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[3]

سابعا: الإرهاب: عبارة إرهاب ترجمة غير صحيحة للمعنى، والصحيح هو الإرعاب. العنف في الإسلام له ضوابط هي أن يوجه ضد الظلم والعدوان وألا يطول الأبرياء. الإسلام براء من إرعاب خال من هذه الضوابط.

ثامنا: العلمانية : العلمانية اشتقاق على غير قياس من العالم وهي نحلة ترى أن الحقيقة مستمدة من عالم الشهادة وحده أي العالم الزماني المكاني. العلمانية بهذا الفهم تناقض الدين. ولكن التجربة زحزحت العلمانية من هذا الفهم المتعدي. العلمانية المعتدلة تلتقي مع الوسطية في كفالة حرية الأديان، وكفالة حقوق المواطنة للكافة، والتناوب السلمي على السلطة عبر انتخابات حرة.

تاسعا: العولمة : العولمة تمثل حلقة جديدة من إنجاز الإنسان نتيجة لثورة المعلومات والاتصالات والسوق الحر. ولكن في الظروف الحالية في العالم فإن القوة الاقتصادية والاستراتيجية والإعلامية جيرت العولمة لصالح الولايات المتحدة فصيرتها أمركة. الوسطية توجب التعامل الإيجابي مع العولمة والاحتماء من الأمركة والحرص على الخصوصية الثقافية.

هكذا فإن منهج الوسطية يسعفنا في التعامل مع هذه القضايا الهامة وغيرها والنتيجة دعوة للتحرير من التقليد، ومن الاستلاب، ومن الهيمنة الأجنبية، ومن الحكم الاستبدادي.

القسم الثاني: لماذا هي ضرورية؟

لقد صارت الحاجة الداخلية الملحة في البلدان الإسلامية للنهج الوسطي من المسلمات خاصة بالنسبة للعاملين بجد وعلم في حقل الدعوة الإسلامية أو لدى الساعين للتطبيقات الإسلامية بشكل يواجه تحديات العصر ويستجيب لتطلعات الأمة، أو لدى العاملين في حقول التنمية الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية في بلداننا التي تأتي غالبا في ذيل العالم.

فالأوضاع الحالية في العالم الإسلامي فيها حالة من عدم الرضا والرفض لدى المسلمين، وأهم ملامحها:

  • التوتر بين الحكام والمحكومين: تواترت الدلائل في عدد من البلدان العربية على عدم الرضا الشعبي عن الأحوال السياسية، بل ظهرت في عدد من البلدان بوادر انتفاضات شعبية منادية بالإصلاح الديمقراطي.
  • الهيمنة الأجنبية ورهن القرارات الوطنية لمصالح الآخرين.
  • الفقر والظلم الاجتماعي المتفشي بصورة كبيرة
  • التخلف التكنولوجي والحضاري.

ونتيجة لكل ذلك توجد الآن حركات العنف والغلو التي تطرح بديلا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الهيمنة الدولية تطرح بديلا عبر مشروعاتها المختلفة مفاده تقليد الحضارة الغربية وإفراغ المنطقة من أي انتماء عربي أو إسلامي.

تيار الغلو

لا جدال في أن البديل الذي يطرحه تيار الغلو انكفائي ويدخل الأمة في مواجهات داخلية دامية، ومواجهات عالمية مدمرة.

هنالك اختلافات كثيرة بين حركات المقاومة والرعب في العالم الإسلامي ولكنها جميعا تتفق في أمرين:

الأول: أنها ردود أفعال وليست حركات دفع ذاتي.

الثاني: أنها تزداد شدة كلما اشتدت الأفعال المسببة لها في المقام الأول.

هنالك خمسة أسباب رئيسية للغلو وحركات الرعب المصاحبة له اثنان منها داخلية، والثلاثة الباقية خارجية.  السببان الداخليان هما الاستبداد والظلم الاجتماعي. والأسباب الخارجية هي: الاستيطان، والاحتلال، والاستغلال.

وكلما كان لتلك الأسباب من وجود فاعل فإنها تفرخ في المقابل الغلو والرعب بحيث يمكن أن نقول إن سياسيات العدوان والاحتلال هي أكبر أسباب التأييد للغلاة وخططهم. لذلك قال سفير بريطانيا في ايطاليا السير أيفور روبرتز في عام 2004م: “إن أفضل ضابط تجنيد للقاعدة هو بوش نفسه.

تيار الهيمنة الدولية

لقد ركزت السياسات الأمريكية في الإدارة الآفلة على دور الاستبداد في تفريخ الغلو والعنف ولكنه تركيز مغرض لأنه يريد أن يقول إن الاستبداد وحده هو الدافع للغلو والعنف لكي يصرف النظر عن دور الاستيطان والاحتلال والاستغلال. وهو تركيز غير مخلص لأنه يحصر خطابه من أجل التحول الديمقراطي في الحكومات وفي عملائه في المنطقة ولا يخاطب القوى الاجتماعية ذات الوزن الحقيقي في الشارع السياسي.

إن دور الاستيطان والاحتلال والاستغلال في تأجيج حركات الغلو وفي مفاقمة مظالم المسلمين وزيادة مآسيهم لا ينكر.

والمحاولات الحالية لمخاطبة مظالم المنطقة تصب نارا في زيت واقعنا بدلا عن تقديم الحلول. فمنذ  حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001م اتخذت الولايات المتحدة خطين هما: شن حرب أممية على (الإرهاب)  وتبني الإصلاح الديمقراطي في البلدان العربية. مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته الدول الكبرى الثمان والذي أطّر للرؤى العالمية للإصلاح في عالمنا مشروع عاثر لا محالة للأسباب الآتية:

الأول: أنه يطبع العلاقة بين دول الشرق الأوسط دون أن تدفع إسرائيل استحقاقات السلام  العادل.

الثانى: أنه يقيد حركة الإصلاح بالسقوف التي تسمح بها الدول العربية كما أودى بمصداقية المبادرات الأمريكية التضحية بثوابت حقوق الإنسان وضوابط القانون الدولي في مواجهة الحرب على (الإرهاب).

الثالث: أن تصوراته فوقية وتريد أن تفرض على المنطقة واقعا يجردها من جذورها الثقافية ومن هويتها الدينية ليجعلها مسخا شائها مقلدا للحضارة الغربية منزوع الدسم القومي والديني.

الرابع: ضعف الإمكانيات التي وضعت لتنفيذه بالقياس لأهدافه المعلنة.

هذا علاوة على أن  تيار الهيمنة المعبر عن أجندة الغزاة  في الأسرة الدولية يكتفي بتقديم المواعظ الديمقراطية ويعجز عن قبول نتائجها في المنطقة كما حدث في فلسطين بعدم قبول فوز حماس الانتخابي.

ضرورة الوسطية:

على الصعيد الفكري لم يعد نفي الإسلام من الحياة العامة ممكناً كما بدا لبعض العلمانيين في منتصف القرن العشرين. لقد ثبتت فاعلية الإسلام في التصدي للاحتلال الأجنبي، واتضح رسوخه في الإرادة الشعبية حتي لدى أكثر التجارب علمانيةً: التجربة التركية. ولكنه إسلام صحوى يستصحب الديمقراطية، وحرية البحث العلمي، والتعايش مع الأديان الأخرى، وبناء العلاقات الدولية على السلام العادل والتعاون.

كذلك لم يعد نفي التحديث وارداً فكل البلدان التي حجبت نفسها عن العالم اضطرت للانفتاح عليه. لقد تأكد للكافة أهمية التنمية لتحقيق الكفاية وتوفير إمكانيات حفظ الأمن داخلياً والدفاع عن البيضة. تنمية تحقق الكفاية والعدالة وتوازن البيئة.

تحلقت النخب العربية والإسلامية في الغالب حول هذه الأهداف وبدا واضحاً أنها هي البديل الصحيح للآفات الثلاث المحيطة بالمنطقة وهي: الواقع الرسمي العاجز، وأجندة الغلاة المنكفئة، وأجندة الغزاة المذلة.

والخلاصة: إن الواقع الإسلامي الآن هو مشروع ترد قائم، ومشاريع التغيير المطروحة لن تجدي، لأن مشروع الغلاة هو مشروع انتحار، ومشروع الغزاة مشروع تخل عن الذات، ولا بد من التفكير في التغيير بدون هذه المضار.

والسبيل الوحيد هو مشروع الوسطية وهو مشروع التغيير لمستقبل له وفاء، والتمسك بوفاء له مستقبل.

القسم الثالث: برنامج الوسيطة للمشروع النهضوي

الوسطية تخطط لمشروع نهضوي شامل للعالم الإسلامي يتم عبر ثورات في مجالات الفكر، والثقافة، والسياسة، والاقتصاد، والدبلوماسية. وعلى تيار الوسطية أن يحدد ملامح هذا البرنامج في مناحيه المختلفة وأهمها السبعة التالية:

(1) البرنامج الثقافي:

وضرورة حسم العلاقة بين ثقافة الوحي الإسلامي والثقافات الوضعية الغربية بشكل يقوم على الالتزام بقطعيات الدين مع حرية الاجتهاد المستمرة، وكذلك الاعتراف بعطاء الإنسان. ويحدد ملامح الاستنارة الغربية المطلوبة للتعايش السلمي بين الأديان والحضارات،  ويحقق الصحوة الثقافية في بلداننا.

الصحوة الثقافية في بلداننا مرتبطة بالإصلاح الديني لأن الدين هو الأساس الثقافي لمجتمعاتنا. هذه الصحوة توجب الآتي:

  • حقائق الوحي مفصلة في القرآن وسنة النبي (ص).. القرآن قطعي ورودا وبعضه قطعي دلالة ومنه ما هو ظني الدلالة. السنة القولية غالبا ظنية الورود وكذلك ظنية الدلالة. المجتهدون الأقدمون تناولوا هذه النصوص وقرروا بشأنها وفق اجتهاداتهم وعن طريق القياس والإجماع استنبطوا من النصوص المبادئ والأحكام للناس كافة. بهذا المنطق إتباع الخلف لاجتهادات السلف مطلب معرفي لأن السلف إنما انطلقوا من الوحي المطلوب إتباعه تدينا. ولكن مصدر الوحي نفسه أنزل معه الحكمة، ومنحنا العقل البرهاني وأمرنا باستخدامه، وبصرنا بالمصلحة وأوجب علينا اعتبارها، ونفى عنا الحرج، وألزمنا باعتبار المقاصد، وخلق الطبيعة وأودعها سننا راتبة وأمرنا اكتشاف تلك السنن لأنها مفاتيح تسخيرها لنا.. هذه الحقائق تأذن بتمكين إنساني كبير أراده الله للإنسان فصار الامتثال لأمر الله يدخل فيه التسليم بعطاء الإنسان، وهو عطاء إيماني، عقلي، تجريبي، وروحي فالإنسان من الناحية الروحية أيضا ليس مجرد متلق لأن عنده مفاتح الإلهام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِه)[4].. الإسلام لله يستصحب ولا ينفي التمكين الإنساني.
  • المعرفة الإنسانية ليست مجرد تلقي نصوص الوحي وتوسيعها بالمنطق الصوري، إنما تشمل نصوص الوحي والتدبر فيها (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[5]، (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)[6]. وتشمل المعرفة العقلية والتجريبية والإلهامية.
  • وثقافتنا السائدة تفسر بعض النصوص القرآنية بأن الوحي قد أحصى كل شيء. هذا الفهم إذا سلمنا به معناه حجر حرية البحث العلمي فما علينا إلا استنباط الحقائق من النصوص، ومعناه نفي أية قيمة لعطاء الإنسانية الفكري والعلمي لأن هذا العطاء إما مطابق لحقائق الوحي المحيطة بكل شيء فهو فضول، وإما مناقض لحقائق الوحي فهو باطل. هذا الفهم أشار لبطلانه كثيرون على حد تعبير ابن عقيل كما رواه ابن القيم: “السياسة ما كان فعلا يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي”.
  • وثقافتنا السائدة تجعل الأخلاق مستمدة من أوامر الوحي ونواهيه فحسب، مع أن القرآن والسنة أنفسهما يؤكدان أن للأخلاق أسسا موضوعية أعلاها الإيثار، وأوسطها المعروف والمنكر، وأدناها المعاملة بالمثل. وفي الحالات الثلاث يترتب على الالتزام بها جزاء أخروي.
  • وثقافتنا السائدة تفهم الولاء والبراء بصورة نافية للآخر الملي والدولي. منذ اجتهادات شهرها ابن تيمية[7] وحبّرها أبو الأعلى المودودي[8] وسيد قطب[9] في العصر الحديث، فإن آيات السيف وضعت حدا فاصلا بين المسلمين والآخرين، وهي أساس الولاء والبراء. ولكن هذه التفاسير ليست قطعية بل هناك أسس تسامحية للتعامل مع الآخر الملي ومع الآخر الدولي.

السعي لتحقيق إصلاح ديني وصحوة ثقافية مطلوب بإلحاح أولا لإيجاد مرجعية مشتركة حول أهم قضايا الساعة، وثانيا لأن غياب مثل هذه المرجعية يفتح المجال واسعا لاجتهادات فردية وحماسات حركية تخطف مصير المسلمين، وثالثا لقفل الباب أمام تدابير خارجية تحاول طمس هوية المسلمين.

  • البرنامج الدبلوماسي:

لقد كانت الدولة الإسلامية في نزاع حربي مع الدول الأخرى. وكانت الحرب هي الحالة السائدة في العلاقات الدولية. وكانت الدولة الإسلامية دولة غالبة في حلبة الصراع الدولي على طول العهدين الأموي والعباسي. وواقع العالم وصورته في نظر الفقهاء يومئذ كان منقسما إلى دار الإسلام ودار الحرب، وهذه تضم كل العالم غير الإسلامي باستثناء عدد قليل من الدول التي عاهدت الدولة الإسلامية عهدا فيه اعتراف ضمني بهيمنة الدولة الإسلامية. هذا الحال كله كان يعتبر مؤقتا، فالرسالة المحمدية للناس كافة. والمسلمون مطالبون بنشر الإسلام في العالم كله عن طريق الجهاد بمفهومه الواسع.

يتبنى تيار الوسطية اجتهادا جديدا في شأن العلاقات الدولية لإقامتها على أساس العهد المتكافئ القائم على التعاون والمصالح المشتركة مما يتيح التعامل مع النظام الدولي القائم حاليا، مع الدعوة لإصلاح النظام الدولي الحالي بما يحقق العدل والمشاركة للجميع.  وتتبنى الوسطية حوار الحضارات في مقابل أطروحة (صدام الحضارات) وما يتطلب ذلك من تجاوز معوقات الحوار في عالمنا وفي الغرب.

المناطق المأزومة: كما يحرص النهج الوسطي على حل مشاكل المناطق المأزومة التي تركتها الإمبراطوريات الأوربية وراءها بعد أن أجلت قواتها من مستعمراتها بعد الحرب الأطلسية الثانية فتحولت مع الزمن إلى أزمات من شأنها أن تؤثر سلباً على السلام الدولي، وأهم هذه المناطق: فلسطين- الصومال- جامو وكشمير- السودان- غرب الصين- الفلبين- والشيشان.

وتهتم الوسطية بأوضاع الأقليات الإسلامية في العالم والتي تعاني بدرجات متفاوتة من مشاكل عديدة وتدخلنا لحلها رهين بموقف المسلمين في العالم، وبمعاملتنا للأقليات غير المسلمة في دولنا وبمعاملتنا لأنفسنا معاملة كريمة.

  • برنامج التطبيقات الإسلامية:

لا بد من حسم مسألة التشريع الإسلامي ليتم بشكل مؤسسي، وإصلاح القضاء بشكل يكفل العدالة ويحقق المبادئ الأساسية اللازمة لذلك. كذلك لا بد من دراسة التطبيقات الإسلامية المعاصرة وأخذ الدروس المستفادة منها  وهي:

  1. تطبيق الشريعة ملزم شرعيا للمسلم.
  2. تطبيق الشريعة في النطاق الخاص والشخصي أمر يتعلق بالمجتمع المتدين.
  3. ولكن في النطاق العام هناك جوانب يجب مراعاتها مثل: تغير الزمان والمكان- حقوق غير المسلمين-أحوال المجتمع الدولي وغيرها. وعلى المسلم أن يعي بأنه في مثل هذه الأمور فإن هامش التطبيق واسع يجعل بعض الالتزامات ضرورية في حالات معينة وبعضها أقل ضرورة وأخرى غير ضرورية لأنها قد تضر بمقاصد الشريعة النهائية. إن نص الإسلام الموحى (القرآن الكريم) يسمح للمسلم في بعض الأحيان بالتصريح بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وفي أحيان أخرى يتوقع منه إتباع كل المبادئ والتعاليم والقرآن يشير إلى تقوى الله ما استطعنا، وإلى تقوى الله جهد أيماننا.
  4. مسالة تطبيق الشريعة مسألة هامة للغاية وخطيرة ويجب الشروع فيها بعد جهد مكثف لوضع البرنامج الذي يمكن تحقيقه والأولويات التي يجب اتخاذها والتطمينات المطلوبة.
  5. استغلال الإسلام لخدمة الطموحات السلطوية إساءة بالغة للإسلام.
  6. لا وصاية لأي شخص أو حزب لفرض برنامجه على الآخرين ولكن يجب أن يحصل على ذلك التفويض من الشعب ويسعى للتغيير المطلوب بالوسائل الديمقراطية.
  7. إن الدين هو نص من وحى وتفسير أو استنباط بشرى منه. الأول -الوحي- ملزم وواجب الإتباع، ولكن الثاني صار ملزما بموجب منطق صوري: منطق القياس والإجماع. أما القياس فلا يطابق مقيسا مقاسا عليه بصورة كاملة أبدا، والإجماع لم يقع في غير البديهيات. لذلك كرس المنطق الصوري الاختلاف بين المذاهب والفرق، وجعل التطبيقات الإسلامية التي اتبعته مناقضة للحداثة ومتضاربة مع مصالح المسلمين. ولكن هنالك منطق مقاصدي يقوم على المقاصد، والحكمة، والعقل، والعدل، والمنفعة، والسياسة الشرعية، والإلهام الصائب. إنه يتطلع للحاضر والمستقبل بينما المنطق الصوري مشدود للماضي. المنطق المقاصدي يفتح باب الاتفاق وموافقة العصر والانطلاق للمستقبل والمنطق الصوري يكرس الاختلاف والخلاف مع بديهيات العصر والانكفاء نحو ماض لا يمكن ولا ينبغي لنا أن نسعى لأن يعاد، لأنه إنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.

إن علينا بحث الدروس المستفادة من تجارب تطبيق الشريعة المعاصرة ووضع تحليل موضوعي للتجارب وإصدار إعلان ليكون موجها للعالم الإسلامي قاطبة.

(4) البرنامج السياسي:

تتبنى الوسطية الديمقراطية كنظام للحكم باعتبارها تحقق الشورى، وتبقى ثلاث خصوصيات يوجبها الالتزام الإسلامي هي:

  • حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإن تطابقت إلى حد كبير في الحالين فإنها في المفهوم الإسلامي تستند إلى جذور روحية وخلقية تعطيها قدسية وعمقاً إضافياً.
  • التوجه الإسلامي يراعي التربية الروحية والخلقية على الصعيد الفردي، ويهتم بالرعاية الاجتماعية والعدل والتكافل وبنهج موزون يصون الإنسان والحيوان والنبات والجماد. وهي معان ٍ لا يلتزم بها النهج الغربي الفردي. ولكن الفكر الغربي المستنير لا يغفلها.

ج- في إطار التجربة الغربية خاصة الأوربية يقوم التعايش بين الأديان على أساس إبعادها من الشأن العام أي مساواة سلبية. في الإطار الإسلامي يقوم التعايش على أساس إيجابي لأنها تعبر عن قيم روحية وخلقية وتعبر عن غايات الحياة العليا وهي مسائل هامة لحياة الإنسان الخاصة والعامة. أي أن التعايش هنا يقوم على أساس إيجابي.

التحدي الذي يواجه المسلمين اليوم في مجال الحكم هو إدراك أن الشرعيات الوراثية والثورة قد تآكلت وحلت محلها الأسس الشورية والديمقراطية للشرعية.

وتقف الوسطية موقفا إيجابيا من الدولة الوطنية، ومن القومية، ومن حقوق الإنسان، ومن الأقليات غير المسلمة في بلدان المسلمين، فتكون مبادئ الوحدة للدولة الوطنية لدى النهج الوسطي هي:

  1. المساواة في المواطنة وهي أساس الحقوق الدستورية.
  2. حرية الانتماء الديني والهوية الثقافية، ولهذه ثلاثة شروط: لا تنال أية مجموعة امتيازا بسبب انتمائها الديني أو الإثني أو الثقافي- ولا تجور على حقوق غيرها- وتحقق تطلعاتها بآلية ديمقراطية لا تحكما.
  3. التكوينات السياسية التي تسعى لتداول السلطة تكون بحكم دستورها والدستور القومي مفتوحة لكل مواطن.
  4. أساس العلاقة: عهد المواطنة مكتوبا أو غير مكتوب.

كما يدعو النهج الوسطي لإقامة القوات المسلحة على أسس دفاعية منافية للعدوان وعلى عهد المواطنة الذي يسمح بتكوينها بشكل مفتوح للمواطنين كافة.

(5) البرنامج الاقتصادي:

تستند الوسطية على المبادئ الإسلامية الموجهة للنشاط الاقتصادي والأحكام الاقتصادية الإسلامية بإقامة اجتهاد جديد يراعي تغير الظروف والمستجدات في عالم الاقتصاد، لأخذ المستجدات في الحسبان ولتحقيق مقاصد الشريعة في ظروف العصر الحديث. وتستند على القيم الإسلامية لتحقيق التنمية، وتقيم العلاقات الاقتصادية الدولية على أسس المصالح المتبادلة والمتكافئة.

(6) البرنامج التعليمي والإعلامي:

يعاني التعليم عندنا من عيوب تختلف درجاتها داخل البلدان الإسلامية تسبب اضطرابا شديدا هو مرآة لفوضى حياتنا العامة وأهم أسبابها.  ولا بد من إصلاحها عبر خطة تحقق الصحوة الدينية، والصحوة العصرية، والتعامل الصحي مع الوافد من الماضي، والتعامل الصحي مع الوافد من الخارج. كذلك فإن الإعلام في البلدان الإسلامية اليوم يعاني من غياب القيم الإسلامية المطلوبة، وهو في الغالب إعلام موجه لدول مستبدة، ويعاني من التناول النمطي السطحي للقضايا، ومن كثرة البرامج الترفيهية الهابطة. وعلى الوسطية السعي لإصلاح الإعلام ليكون الذراع الأقوى لحث الجماهير الإسلامية باتجاه المشروع النهضوي المطلوب.

(7) البرنامج الدعوي: تتخذ الوسطية نهجا للدعوة لله بالحسنى وعدم الإكراه، وترفض أية عملية استيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة لا سيما الانقلاب العسكري، وترفض أية دولة تقوم على أساس بوليسي يقهر الناس، وترفض أية صلة بين الدعوة للإسلام والعنف العشوائي. وتعتبر الاستيلاء على السلطة باسم الإسلام ترهيبا بعيدا عن مقاصد الشريعة، كما تعتبر أية دولة بوليسية قاهرة خارجة على مقاصد الشريعة.

القسم الرابع: كيفية تحقيقه

إذا كانت الوسطية ليست مع الانقلاب العسكري أو العنف العشوائي، فإن الوسائل المتاحة لها أوسع من هذه السبل وتتمثل في وسائل الجهاد المدني والحركي المختلفة.

تتخذ الوسطية كل الوسائل الحركية وتحث التنظيمات والتيارات الحركية المنضمة إليها باستخدام وسائل التعبئة، والتوعية، والإعلام، والاعتصامات والمواكب والإضرابات للدعوة للتغيير.

كما يسعى تيار الوسطية لإقامة مؤسسات ولضم مؤسسات قائمة إليه لتعمل في مجالات التوعية والتنوير والبحوث والدعوة والتدريب والتشبيك الذي يخدم هذا النهج الحركي المدني ويسعى للتنسيق بين أطرافه المختلفة.

مؤسسات مطلوبة

الخطى الأولى في سبيل ذلك تتمثل في استيعاب قادة المسلمين والعاملون في المجال الإسلامي لهذه المعاني لتتحرك بكل الوسائل في سبيل تحقيقها، وفي الاستعانة بالمؤسسات والمنابر والقنوات الآتية:

  1. مؤسسة تشريعية: إن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الإسلامي وجعل أحكامه مادة للقوانين هي تكوين مؤسسة مكونة من ثلاثة شعب: الشعبة الأولى: هيئة الموسوعة. وهي هيئة للموسوعة الإسلامية مهمتها إحصاء كل آراء المجتهدين المسلمين عبر العصور، وإحصاء وتنظيم أدلة الآراء المختلفة وبيان الآراء التي كانت محل اتفاق الجمهور وآراء الآحاد والأقليات، وجعل كل تراث الفقه الإسلامي وتفسير القرآن والأحاديث مبوبا ومرتبا، بحيث يسهل الرجوع إليها بسرعة ودون عناء. والشعبة الثانية: هيئة الخبراء. وهي تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء ومتخصصين في القانون الوضعي وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الإدارة وفي العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا بحيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة واقتراح ديوان شامل :جنائي، مدني، شخصي، دولي، وحيثما لا يتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة. والشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهي هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات، على أن تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من أن تشريعاتها لا تعارض أصلا قطعيا من أصول الشريعة الإسلامية. هذه المؤسسات ذات الثلاث شعب هي المؤسسة التشريعية الإسلامية الملائمة لمبادئ الإسلام والمناسبة للعصر الحديث.
  2. مؤسسة بحوث إسلامية مهمتها: بعث التراث الإسلامي- إجراء البحوث الإسلامية- بلورة رؤى المرجعية المتجددة في كافة المجالات الحيوية – ترجمة مراجع التراث الإنساني من كل اللغات- لفت النظر لما هو عالق بالمعارف والعلوم الإنسانية من عقائد ومؤثرات ذاتية- وترجمة المراجع الإسلامية إلى اللغات الأخرى.
  3. مؤسسة للحوار الداخلي بين المسلمين لا سيما الفرق الثلاث الأساسية: أهل السنة- الشيعة – الصوفية. هذه المؤسسة تواصل هذا الحوار بصورة مستمرة متصدية للقضايا التاريخية وللمستجدات.
  4. مؤسسة للحوار الفكري مهمتها: بيان الحقائق المنشورة في الفكر غير الإسلامي- بيان المؤثرات الذاتية في الفكر الوضعي- بيان سعة الإسلام واتساعه للحقائق المنشورة في التراث الفكري الإنساني- وتشجيع البحوث في هذه الموضوعات وإصدار مجلة لتوسيع قاعدة الحوار.
  5. مؤسسة للحوار الديني مهمتها: بيان رحابة الإسلام الروحية وتسامحه الديني- بيان النظرة الإسلامية الموضوعية للأخلاق، مما يمكن أن يلتقي عليه كل الناس على اختلاف الملل والنحل- وبيان الحقائق الروحية والخلقية والتربوية المشتركة التي يمكن أن يؤيدها كل الناس- الاهتمام بأسس التعايش السلمي بين الأديان.
  6. إقامة مؤسسة كبرى للبحوث العلمية والتقنية مهمتها: التركيز على البحوث العلمية وتوفير معاملها ومراجعها واستقطاب العلماء لخلق حركة تطور علمي لها قدراتها الذاتية على العطاء والاكتشاف ومستفيدة من حصيلة علوم الإنسان- والاهتمام ببحوث تطوير القدرات التقنية وتنظيم استيراد الوسائل التقنية المناسبة لظروفنا وبيئتنا وحاجاتنا.
  7. مؤسسة لبحوث العلوم الاجتماعية: تعنى بتطوير البحوث الاجتماعية وتدرس تطبيق الإرشاد الاجتماعي الإسلامي على الواقع الاجتماعي. وتنظم الاستفادة من نظريات ونظم العلوم الاجتماعية التي تصورها أو استقراها العقل الإنساني في كل مكان.
  8. مؤسسة للدعوة: متشبعة بالفكرة الإسلامية كما أوضحناها في هذه الورقة ومؤهلة بالعلم والتقوى ومزودة بخبراء في اللغات المختلفة مهمتها: الدعوة للبعث الإسلامي في البلاد الإسلامية والتعاون مع كل الكيانات والحركات الإسلامية في هذا الصدد- الدعوة للإسلام كبديل حضاري في العالم الصناعي غربا وشرقا- الدفاع عن صورة الدين الإسلامي وتنقيته من الشوائب التي لحقت بها جراء المواقف الانكفائية لدينا أو الاستعلائية في الغرب- والدعوة لاعتناق الإسلام في كل أنحاء العالم بالتي هي أحسن وبوسائل الاتصال والإعلام الحديثة.
  9. مؤسسة لرعاية الآداب والفنون: وذلك لتشجيع اللقاح الأدبي بين آداب العربية والآداب الإنسانية الأخرى، وتشجيع أقوى أواصر الاتصال بين آداب الشعوب الإسلامية- وتشجيع الاتصال بين فنون الشعوب العربية والشعوب الإسلامية والشعوب الإنسانية، مهمتها تطوير الأدب والفن والنأي به من أن يسخر لخدمة الشهوات.
  10. هيئة لرعاية الرياضة: في كل المجالات، وتشجيع الصلات الرياضية بين الشعوب العربية والشعوب الإسلامية وكل شعوب الأرض. هيئة مشبعة بالإيمان بدور الرياضة الهام الذي أقره الإسلام في حياة الإنسان.

هذه المؤسسات والهيئات تكون لها تكويناتها الذاتية في ظل لوائح تضبطها تضعها الجهة التي تشرف على نشاطها سواء أكانت دولة أو منظمة مجتمع مدني أو منظمة أممية تجمع المسلمين دولا أو شعوبا، وتزودها بالإمكانات الكافية للأداء والعطاء.

القسم الخامس: قضايا الساعة والموقف الوسطي:

الساحة ملتهبة بقضايا بعض الناس يشاهدونها كالمتفرجين، وبعضهم يتميز غيظا ويسكت، وبعضهم يقوم بأعمال احتجاجية، ونحن في المنتدى ينبغي أن نتطرق إليها وأن نحدد الموقف الصحيح منها والعمل الممكن إزاءها.

  1. ألقى لافي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي محاضرة في معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي وفيه تحدث بوضوح عن سياستهم في التصدي العسكري لحسم التحديات الصعبة التي تواجههم ولكن قال إن لديهم خيارا آخر لإضعاف الأمة العربية وذلك عن طريق تصعيد الفتن الحدودية وتفجير التناقضات الداخلية الطائفية، والاثنية، والسياسية.. وهي صورة أخرى من السياسة الميكافلية المعهودة ” فرق تسد”.

الترياق المضاد لهذا الوباء هو توحيد الجبهة الداخلية.

بدعوة من نادي مدريد التقى ممثلون لقوى سياسية موالية وممانعة من عدد من البلدان العربية في شاطئ البحر الميت في فبراير 2008م وانتهى اللقاء إلى نداء مجمع عليه هو ضرورة إجراء حوارات بين كافة الأطراف الوطنية لإقامة برامج الإصلاح السياسي فيها على أساس من التراضي الوطني. وبصرف النظر عن مصدر النداء فنحن ندعو لإزالة حالات الاحتقان الوطني في بلداننا عن طريق الحوار الجاد والإصلاح السياسي القائم على التراضي بصورة لا تستثني أية قوة اجتماعية مؤثرة .

  1. المنتدى العالمي للوسطية يدرك أن الخلاف بين أطراف حركة التحرير الفلسطينية قد صار حالة يراهن العدو على استمرارها والواجب الوطني، والديني، يقتضي تجاوز كافة المآخذ المتبادلة والجلوس في مائدة مستديرة لترتيب البيت الفلسطيني بما يمكن من استمرار النضال من أجل استخلاص الحق المغتصب.

لقد كنا في مرحلة ماضية قد عرضنا تحكيما محايدا للفرقاء وما زال الأمر ممكن لإيجاد معادلة تحفظ ماء الوجه وتعيد وحدة الكلمة وفي حالتي المقاومة والتفاوض فإن الجدوى رهينة بوحدة الصف الفلسطيني.

وفي هذا الصدد فإننا نثمن غالبا سفينة الكرامة التي حملت إغاثة إنسانية لغزة بصحبة 40 برلمانيا أوروبيا بقيادة السيدة كلير شورت وسوف نخاطبهم مشيدين بعملهم الإنساني هذا. إن لدى الشعوب الغربية فضائل يمكن أن تجند لهزيمة مواقف حكوماتهم الجائرة.

  1. إننا ندين القصف الأمريكي للمدنيين في أفغانستان، وباكستان، كما ندين التدخل الإثيوبي في الصومال ونطالب بجلاء قواته ونناشد الفصائل الصومالية الجدية في إجراء الحوار الوطني بينهما لترتيب أوضاع بلادهم ويرجى أن نوفد من يساعد على ذلك.
  2. إننا نرفض أية اتفاقية أمنية للعراق تفرض الاحتلال ونناشد أهل العراق ترتيب أوضاعهم بعيدا عن وصاية الاحتلال.
  3. بالنسبة للملف النووي نحن نرفض انتشار أسلحة الدمار الشامل ونطالب بأن تكون منطقتنا خالية منها. ولكننا نؤيد حق الشعوب في امتلاك كافة القدرات التكنولوجية بما في ذلك التكنولوجيا النووية لاستخدامها لأغراض مدنية.

ونعتقد أن ازدواجية المعايير في هذا الأمر تهزم نفسها والسبيل الأخلاقي والسياسي المجدي هو إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها إسرائيل وكفالة حرية اكتساب المعرفة النووية للكافة والتطلع لإخلاء العالم كله من هذه الأسلحة الفتاكة.

  1. نرحب بمبادرة أهل السودان كتطبيق عملي للتراضي بين كافة الأطراف الوطنية لمواجهة قضايا الوطن بدءا بالتصدي لأزمة دارفور وتطلعا لنهج قومي شامل في إدارة الشأن الوطني. كما نؤيد موقف الرفض من اتهامات مدعي المحكمة الجنائية الدولية ضد رأس الدولة السوداني ونطالب بمعادلة وطنية مجدية لمعاقبة الجناة وعدم الإفلات من العقوبة.
  2. بالإشارة لما تعرض له الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن المجلس قائم في الأصل على ثلاثة أسس هي: الوسطية الجامعة للفرق الإسلامية- ومراعاة فقه الأولويات للاهتمام بالأهم فالمهم- وثالثا التقريب المنشود بين الفرق.

لذلك ونناشد الكافة مراجعة مواقفهم على أساس هذه المبادئ ليتمكن الاتحاد من ممارسة دوره الوفاقي المنشود.

  1. الإدارة الأمريكية الحالية بعدما ارتكبت ما ارتكبت في حق أهل فلسطين، وفي حق المسلمين، تسعى لتجميل وجهها بدعوات لمؤتمر أنابولوس، وحوار الأديان، بصورة انتقائية وغير مسنودة بتحضير جاد ولا تصميم على متابعة جادة. مجرد علاقات عامة لإدارة آفلة ونحن إذ نؤيد السلام، وحوار الأديان نرى أن لهذه المقاصد استحقاقات لا مفر منها لتحقيقها.
  2. نحن نهنئ الرئيس الأمريكي الجديد ونعتبر أن في انتخابه درسا مفيدا:
  • حاجز اللون في أمريكا مقدس. إنه بانتخابه كسره وهي ظاهرة حميدة.
  • استشعر الرئيس المنتخب فساد سياسات الإدارة الأمريكية الحالية وتبنى شعار التغيير وهي محمدة له.
  • أكد انتخابه أن المجتمع الأمريكي مفتوح ووارد فيه التغيير والصعود من القاع إلى القمة.
  • أكد انتخابه جدوى قوة العزيمة والإرادة في بلوغ الأهداف.

ومع ذلك فإن في الولايات المتحدة تكوين صهيوني قوي أدرك الفرص المتاحة في المجتمع الأمريكي وأجاد استغلالها واستطاع أن يقود السياسة الأمريكية من داخلها ويوجهها أحيانا لغير مصالح أمريكا الوطنية.

علينا نحن ضحايا السياسات الأمريكية الجائرة في كل مكان أن نقول للإدارة الجديدة بعد التهاني الحارة: نعم للتغيير ولكن قبل التغيير تبينوا أخطاء الإدارة السابقة وحددوها بوضوح واستمعوا لضحاياها في كل مكان قبل أن ترسموا سياساتكم الجديدة.

وسواء فعلوا ذلك أو لم يفعلوا فالواجب علينا نحن في العالم الإسلامي، والعربي، والإفريقي، بل في كل مكان شقي بالسياسات الأمريكية التي بلغت أسوأ أطوارها في عهد المحافظين الجدد أن نقول للإدارة الأمريكية الجديدة ماذا نريد منها؟.

*  سورة البقرة الآية (143)

[1] سورة النحل الآية (3)

[2] سورة الممتحنة الآية(8)

[3] سورة الحج الآية (39)

[4]  سورة الحديد الآية 28

[5]  سورة محمد الآية 24

[6]   سورة الفرقان الآية 73.

[7] شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (661- 728هـ/ 1263-1328م).

[8] أبو الأعلى المودودي (1930- 1979م).

[9] سيد قطب (1906 – 1966م).