تأبين الشريف أحمد الشرفة

بسم الله الرحمن الرحيم

تأبين الشريف أحمد الشرفة

19/3/2004م

 

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه، أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي أحفادي وحفيداتي:

السلام عليكم ورحمة الله، أنا أرى الجد والحفيد والجدة وابنتها وحفيدتها مشتركين في روح واحدة وحماسة واحدة ـ لا مكريين ولا مأجورين ـ بل معبرين عن معان ليست في أجسادنا الفانية بل لأننا نمثل أشياء في قلوبهم ـ

جئنا لكي نشارك أهلنا في الشرفة في تأبين الحبيب الشيخ أحمد ونعزي أخانا الحبيب عبد الله وأسرته وأبناء الشريف الراحل بركات وإخوانه وأخواته، الأسرة والعشيرة والأهل بالشرفة جئنا نشاركهم هذه المناسبة العظيمة

الشريف أحمد انتقل إلى رحمة مولاه ولكن المكارم لا تموت يموت الجسد الفاني ولكن المعاني تبقى.

أرجو منكم أن تعطلوا كافة الحواس سوى حاستي السمع والبصر لأنني أريد أن أخاطبكم بخطاب أرجو أن تتفهموه ـ فمن دخل في أمر بلا بصيرة خرج منه بلا بصيرة.

يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28)فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)وَادْخُلِي جَنَّتِي(30) سورة الفجر اختار الله إلى جواره الحبيب الراحل الشريف أحمد التقى الجواد الصامد في دعوة الحق المحبوب، جاء في الحديث القدسي أن الله قال: ” إذا أحب الله عبدا دعا جبريل فينادي في السماء أن الله قد أحب فلانا فأحبوه قال فيحبونه ثم يضع الله له القبول في الأرض” وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم، “إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ما يتبعه من حسن الثناء”.

نحن أمام سلسة من الرجل الذي سطروا في هذه المنطقة أعمالا نيرة، عندما جاء الإمام المهدي عليه السلام نعي الشريف أحمد ود طه أنه جاهد وقاتل وقتل فكتب رسالته الشهيرة التي قال فيها يخاطب السلطة الغاشمة: “قتلتم الشريف أحمد ود طه خذلانا للدين ونصرة للكافرين ولتعلمن نبأه بعد حين فأجارنا الله في فقده وأجاركم في شفاعته” ثم هذه العلاقة القديمة الهادفة نشأ الشريف بركات وكان صديقا للإمام الراحل الإمام عبد الرحمن وكان زميلا له في دعوة استغلال السودان حتى رفعت راياته، ثم جاء الشريف الراحل أحمد بن الشريف بركات والشريف عبد الله وتعاقب على السودان سلطان القوة، ومهما كان سلطان القوة وتعاقبت حكوماته فقد صمدوا معنا يطالبون بأن لا شئ يعدل أن يكون للسودانيين كرامتهم وحقوقهم ومصلحتهم وصلاحيتهم في أن ينتخبوا من يحكمهم ويحاسبوه وأن الشعب هو السيد فوق كل سيد وأن الشعب هو السيد الذي يختار من يحكمه ويحاسبه، هذا هو الدستور الذي كنا وما زلنا وسف نظل ندافع عنه ونناضل من أجله إلى أن ترتفع راياته، لا نريد سلطانا لبيت المهدي ولا للصادق المهدي ولا لزيد ولا عبيد نحن نريد أن يقال : من يحكم الناس هو من يختاره الناس وهذا في الحقيقة لب الدين: ” من بايع إمام من غير شورى المسلمين فليس له ولا لمن بايعه ولاية” هذا حديث محمد صلي الله عليه وسلم” هذا هو الأساس الذي نريده أن يكون الحكم للشعب وبواسطة الشعب: هو الذي يولي وهو الذي يعزل ـ هذه القاعدة البسيطة في سبيلها سجنا وشردنا وأسيء إلينا، ومستعدون أن ننسى كل هذا من أجل أن نتفق على هذه المسألة لأن الناس إذا قالوا يجب أن  نثأر لجراحاتنا وآلامنا وإساءاتنا سوف يدخلون في طريق ضيق، فقد قال الإمام المهدي عليه السلام: (الفش غبينته خرب مدينته) نحن افتقدنا الشريف أحمد وقد كان هو وآخرون من الذين وقفوا في هذه الدعوة، والآن السودان مستهدف، لماذا؟ لأن العدو الإسرائيلي للأمة العربة والأمة الإسلامية يرى أنه لابد أن تتفرق كلمة المسلمين ولابد أن تتفرق كلمة العرب حتى يتمزقوا على قيادات اثنية وقبلية ومذهبية وبذلك يضعفوا أمام إسرائيل، لأن في هذه الحالة ستكون إسرائيل في مواجهة جماعات مختلفة وممزقة، هناك كثير من الناس لا يدركون سبب الاهتمام بمسألة دار فور في الأوساط العالمية، صحيح أن هذا الاهتمام في جزء منه حقيقيي: الإشفاق على أحوال مواطنين أصيبوا إصابات معلومة ولكن جزءا من هذا الاهتمام سببه أيضا القول بأن المسلمين أنفسهم مختلفين فيما بينهم ليكون ذلك أساسا للتفرقة بين المسلمين: زرقة وعرب، فالفكرة أن هناك استهدافا لوحدة هذه البلاد التي طول تاريخا عنوانا للوحدة والانسجام بين مختلف الأجناس هدفه تمزيق هذه البلاد، في السودان أربع إثنيات كان موجودة حتى قبل الإسلام: العرب والنوبة والبجا والزنوج وهذه الإثنيات لا توجد منفصلة، فهي متداخلة ومختلطة ببعضها البعض، واجبنا نحن أن نرى كيف يمكن أن يتعايش هذا الخليط وإذا  كانت هناك اختلافات في الدين أيضا يجب أن تتعايش الدين طوعي:” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِسورة البقرة الخطأ التاريخي الذي ارتكبه إخواننا الذين حكموا هو انهم قالوا انهم يريدون أن يفرضوا علينا جميعا رؤيتهم هم للدين: رؤيتهم الحزبية لذلك قاموا بمعاقبتنا نحن الذين حكمنا بانتخاب، يجب ا، نقول بوضوح أ، هذا النهج الذي انتهجته الحكومة تسبب في ردود الفعل، وهي كبيرة ولذلك نقول لإخواننا في السلطة: أيا كانت نواياكم عندما بدأتم، انتم في الحقيقة قررتم أن تفرضوا على السودان رؤية حزبية، ونتيجة لذلك قادت ردود الفعل إلى ما نحن فيه الآن: المسلمون كلمتهم متفرقة ليس هذا فقط بل نشأت ثلاثة شياطين: الشيطان الأول العصبية الإثنية كل يحدد انتماءه حسب لون بشرته ثم اللجوء إلى البندقية للتعبير عن المصالح ثم الاستعانة بالجهات الأجنبية. هذه الشياطين الثلاث أطلت برؤوسها على السودان كنتيجة مباشرة لسياسات الفترة الماضية، ونحن الآن أمام خطر كبير، ولذلك لا ينبغي أن ننادي بالرجوع إلى المربع الأول الذي كنا فيه قبل مجيء السلطة الحالية ولا أن ننادي بالاستمرار في المربع الحالي بل ينبغي أن نتفق مع السلطة الحالية على التخطيط للانتقال إلى مربع جديد يسع كل السودانيين باختلاف أديانهم وثقافاتهم وإثنياتهم ومصالحهم فنحن لن نستطيع أن نحمي السودان من التمزق الحالي والشياطين الثلاثة والتآمر الأجنبي إلى بأن نقول لكل سوداني: (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) ونعط كل ذي حق حقه وأول خطوة في سبيل ذلك هي أن نتفق نحن المسلمين على أن يكون أمر الدين شورى بيننا فلا يقول أحدنا أن رأيه يمثل الدين، وعلينا أن نخاطب الآخرين من أصحاب الأديان الأخرى بأن لهم حقوق مواطنة متساوية معنا، فعلينا أن نوحد صفنا ليس من أجل التعدي على حقوق الآخرين قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(69) سورة المائدة

لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113)يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(114) سورة آل عمران

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ سورة البقرة آية 256هذه هي الأسس التي يجب أن نتعامل بها لكي ندرأ عن بلادنا المخاطر المقبلة، فالخطر المقبل لا يمكن أن ندرأه بالقوة بل يجب أن ندرأه بالعدالة وأنا اعتقد أن مناسبة تأبين الشريف احمد بن الشريف بركات وهو شخص متسامح ورضي ومتواضع مناسبة نتكلم فيها عن ضرورة أن يتفق أهل القبلة أجمعين على كلمة سواء بينهم وأن يتعاونوا على ما اتفقوا فيه ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه، نحن طرحنا على جميع الطرق الصوفية صحيفة الصوفية كما طرحنا نداء أهل القبلة ونداء الحوار بين الأديان (نداء الإيمانيين) فكل هذه لبنات نريد أن نبني بها الوطن على أساس وحدوي، هذه الأفكار لم تكن واضحة لإخواننا في السلطة في بداية عهدهم حيث كانوا يريدون أن يحسموا توجه السودان بالقوة ولكنهم أدركوا أن هذا مستحيل ويأت بنتائج عكسية، يوم أن تم اعتقالي كان في جيبي ورقة قلت لهم فيها أن مشاكل السودان الكبيرة لم تأت بها الأحزاب فهي مشاكل كبيرة جدا: الحرب الأهلية والتنمية والتخلف والمظالم: نحن معنا الحق منتخبين وأنتم معكم القوة. فدعونا نجلس سوية لنتفق، وهذا لا يعني أننا نريد أن نعفي أنفسنا من المحاسبة فأي واحد منا أكل وال أو خان أو انحرف في أي حق من حقوق الآخرين نمنحكم تأييدا بمحاكمته وإعدامه، فلا تأخذكم الحماسة الشبابية ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)”  سورة الحجرات وفي ذلك الوقت لم يكن للسلطة استعداد لسماع هذا النوع من الخطاب أما الآن فهناك استعداد كبير لسماع ذلك وعلى أي حال هذا هو طرحنا: كنا ولا زلنا وسنظل نعمل لتوحيد الكلمة في إنقاذ السودان مما يحاك له مما يحاك للمسلمين، لا ليظلموا الآخرين ولكن كي ينفقوا فيما بينهم ويعطوا الآخرين حقوقهم.

يجب أن نعرف أن الدين في السودان قام على خدمته أناس كثيرون ولابد أن نعترف بذلك وكانت الطريقة التي قدم بها الدين طريقة فيها درجة عالية من التسامح، الشيخ تاج الدين الشهابي الذي كان وافدا من العراق أسس الطريقة القادرية ثم دخلت الشاذلية مرتين مرة في 1445م مرة في القرن الثامن عشر وكذلك التجانية والسمانية. فأهل التصوف رجالا ونساء خدموا الإسلام خدمة كبيرة لأنهم تواضعوا وتعاملوا مع الناس معاملة مباشرة، فاستطاع الشيخ أن يعلم الناس ويصلح بينهم اجتماعيا وعن طريق خلفائه ومريديه يمكن أن يتصل بالناس في كل مكان واستطاع أن يخلق سلسلة من سلاسل البركة منه لأخيه ومنه لابنه ومنه لخليفته وبهذه الطريقة استطاعوا خدمة الناس وتثبيت الإسلام في السودان بصورة متسامحة، والآن نحن نحتاج إلى روح التسامح هذه، هناك أناس اعتقدوا أن هناك تناقص بين الأنصارية والصوفية وهذا غير صحيح  فقد قال الإمام المهدي في منشورة ما معناه: أن الصوفية لها معاني روحية والمهدي لها معاني جهادية وكان يخاطب كل رجال الطرق وكل العلماء لكي يستجيبوا للدعوة.

نحن الآن نريد أن نقول لإخواننا هنا في الشرفة وكيان الشريف أحمد ود طه أن هذا الكيان له مسئولية وواجب هو والكيانات الدينية الأخرى ونح نفي هيئة شئون الأنصار نتطلع للتعاون معهم في كل المجالات الاجتماعية والإرشادية والدينية والخلاوي حتى يكون بيننا نشاط موحد قوي في اتجاه هذه الروح وهذه المعاني.

ولا ينبغي أن يفق هذا عند حد ثنائي بيننا بل يتجاوز ذلك إلى صعيد القوى السياسية والدينية كلها، وفيما يتعلق بالنداء الذي قاله الأخ حسين والأخ كبلو.

نقول بوضوح تام (من حيانا بتحية شبر نحيه بتحية متر ومن تفهم هذه المعاني بدرهم نتفهمها نحن بقنطار) لماذا؟

لأننا نشعر بهذه الأمور والمشاكل؟

ولإخواننا في السلطة نقول نحن الآن أمام خطوة لها استحقاقات، واستحقاقاتها أن نقول لأهل السودان: يا أهل السودان الإسلام ليس حكرا على المؤتمر الوطني أو الجبهة الإسلامية، فالإسلام دين الجميع والسودان سواداننا جميعا، لنعطي كل ذي حق حقه في السودان ونعطي الجميع حق المواطنة المتساوية في السودان بغض النظر عن اللون والدين والعرق وأن نحتكم إلى الشعب لتحديد شرعية من يحكم السودان، فإذا فعلنا ذلك نكون وقعنا استحقاقات الوحدة الوطنية التي لا يمكن أن تقوم إلا على التراضي والشرعية المتفق عليها. ونحن نسعى لأن يصبح اتفاق السلام الجاري حاليا اتفاق قوميا يؤيده الجميع ونعتقد أن هذا أقصر طريق لتحقيق هذه الأهداف. فعلينا أن ندفع استحقاقات الوحدة بين المسلمين وبين السودانيين ونشعر كل مواطن أننا سوف نبني المستقبل على أساس جديد والآن كل بلاد العالم من حولنا في العالم العربي والإسلامي والأفريقي هناك توجه نحو إقامة الحكم استنادا إلى رأي الشعب ونحن في السودان إن استطعنا أن نحقق هذه الأهداف سنكون قدوة للعالم العربي والإسلامي والأفريقي، ونحن في هذه المناسبة مناسبة تأبين الشريف أحمد ود بركات نقول إن المكارم لا تموت. فقد كان الشريف أحمد صاحب مكارم وأهم شيء كان أن الإنسان عند ملاقات الشريف أحمد يتملكه شعور بأن هذا الإنسان حسن الخلق، وحسن الخلق هذا شئ عظيم لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال: (ما من شئ أثقل في الميزان من حسن الخلق) وقال: ( إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم) كان فقيدنا حسن الخلق نسأل الله له الرحمة الواسعة وأن يطرح البركة في ذريته أولاد وبنات وأسرته جميعا ومحبيه أجمعين ولأهلنا في الشرفة والجزيرة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعمهم بالخير والبركة وأن يحفظ أبناءهم وبناتهم وزراريهم.