محاضرة: المرأة في التصور الإسلامي بين الواقع وآفاق المستقبل

بسم الله الرحمن الرحيم

المرأة في التصور الإسلامي بين الواقع وآفاق المستقبل

المحاضرة التي ألقاها الحبيب الإمام الصادق المهدي بجامعة أمدرمان الإسلامية

 كلية التربية- مركز الطالبات 22 فبراير 2004م

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي السلام عليكم:

مقدمة:

أشكر لبناتنا في الجامعة الإسلامية دعوتي لمخاطبتكم هذا الصباح في هذا الموضوع الهام، وأشكر أسرة جامعة أم درمان الإسلامية على مشاركتها لنا هذا المشهد، فإن تداول الرأي والرأي الآخر نهج ديمقراطي،  والذي أرجوه منكن -وأنتن الأغلبية- تعطيل كافة الحواس عدا حاستي السمع والبصر، لأنني أريد أن أنقل إليكن فكرة أساسية عن هذه القضية راجيا أن يكون فيما أقول سواء اتفق معنا الناس أو اختلفوا وضوح رؤية تام.

أبدأ أولا بالتحسر على انحسار الاهتمام والوعي السياسي والفكري بين شبابنا الآن. لقد كنا في الخمسينيات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي نشهد حركة طالبية تشق حماستها عنان السماء، وكنا نعيش حركة قوية في الصراع الفكري والسياسي بالجامعات ولكنني الآن ألمس في الممارسات الطالبية المختلفة انحسارا لهذه الظاهرة، وفي هذا خطر كبير لأن قادة المستقبل إنما يتدربون على العمل العام في الجامعات، فالجامعة ليست كالمدرسة، وجميع الذين يقودون العمل الآن ليس في المجال السياسي فقط بل في كل مجالات الحياة المختلفة مثل (الطرق الصوفية والقبائل وغيرها) تدربوا على تداول الشأن العام في الجامعات، فإذا كان إحساسهم وهم بالجامعات متدنيا وكان شعورهم بالانتماء لهذا الوطن وقضاياه ضعيفا انعكس ذلك سلبا على أدائهم في المستقبل. إن هذا التراجع في الوعي الفكري والسياسي أمر مؤسف تؤكده النسب المتدنية في التصويت لانتخابات الاتحادات الطالبية فكلما كانت نسبة التصويت عالية كلما دل هذا على ارتفاع نسبة الوعي واليقظة بين الطلاب والطالبات.

لقد بدأ يطل علينا برأس شيطاني واقع صار الواحد والواحدة منا فيه ينظر إلى لون جلدته ليقرر انتماءه الإثني، ثم يتلفت أين بندقيته ليعبر عن عصبيته، ثم يبحث عن المظلة الخارجية التي تحتضنه! هذه الشياطين الثلاثة من العوامل الجديدة  التي شوهت العمل العام في بلادنا وخلقت “بعبعا” ثلاثي القرون فيه ما فيه من الخطورة على السودان. والحقيقة إنني ألمس بالإضافة لهذا التحول في الوعي من فكري  وسياسي، إلى اثني وعنفي وخارجي، شيئا آخر وهو أن شبابنا في السودان من الجنسين قد بدأ يفقد الرهان على السودان، وهذا له أسبابه الكثيرة التي لا أريد أن أخوض فيها الآن، ولكني سأتلو عليكم نصين شعريين يمثلان هذه المسافة بين حماسة الستينات وقعود التسعينيات والألفية الجديدة. النص الأول لشاعر سوداني كان شابا يمثل ما كان يتطلع له الشباب السوداني في ذلك الوقت، وهو الشاعر محمد المكي إبراهيم، يقول فيه:

من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر

من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير

من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة

جيلي أنا

جيل العطاء المستجيش ضراوة ومصادمة

المستميت على المبادئ مؤمنا

المشرئب إلى النجوم لينتقي صدر السماء لشعبنا

جيل العطاء لعزمنا حتما يذل المستحيل وننتصر

وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى

ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر

ثم تبدل الحال وصار أمل كل شاب سوداني في “الكرت الأخضر الأمريكي” أو في إيجاد فرصة للتوطين ببريطانيا، وصار أمل كثير من الشابات أن يرتبطن بصاحب هذا المفتاح للجنة! هذا التطلع للعيش في الخارج يعكس بقدر كبير ضمور الرهان على السودان. وهو المعنى الذي يصوره النص الثاني للشاعر السوداني عالم عباس:

يميع وطن

كقطعة الثلج وقد شواها لهب الظهيرة

ونحن حوله على رؤوسنا الطير

وفي العيون حيرة مطفأة

ودمعة كسيرة

نجول بين الحبل والجلاد

منفيين في البلاد

هدنا الوهن

وفي الجوانح الإحن

نسائل الدمن: هل التي تعممت أرجلنا؟

أم الرؤوس انتعلت أحذية؟

هل القميص ما نلبس أم كفن؟

وطن وطن

 كان لنا وطن

قضية المرأة:

أود بعد هذه المقدمة أن أنتقل للحديث عن قضية المرأة وهي واحدة من القضايا الهامة والفاصلة بين الفكر الإسلامي المنكفئ والفكر الإسلامي المستنير، الفكر المنكفئ عنده أنك لا تكون إسلاميا حسن الإسلام إلا إذا كنت مضطهدا للمرأة، وصدق حماستك لإسلامك يكمن في صدق عزيمتك لإثبات دونية المرأة فإذا لم تفعل فهناك شك في دينك، ولذلك فقد تسبب لنا أصحاب هذا الفكر في سوء السمعة، نحن الآن كمسلمين اكتسبنا  سوء سمعة- ليس لأننا لنا أعداء فهذا أمر طبيعي وحتمي- ولكن بسبب حيثيات مستمدة من بعض المسلمين!

هناك قضايا شوه بها الفكر المنكفئ ديباجة الإسلام الناصعة وهي: الربط بين الإسلام والتعصب، الربط بين الإسلام والانكفاء، الربط بين الإسلام والاستبداد، الربط بين الإسلام والعنف العشوائي المسمى “إرهاب”، الربط بين الإسلام والإكراه في الدين، الربط بين الإسلام ونفي الملل الأخرى، الربط بين الإسلام ودونية المرأة وهي موضوع هذه المحاضرة، هذه المفاهيم يروج لها الغرب وأعداء الإسلام مستندين على حيثيات يزودهم بها بعض المسلمين!

هذه التجارب الإسلامية التي شوهت الإسلام تشكل تحديات أمامنا فهل يمكن للإسلام أن يتجاوزها ويكون أصيلا في ذات الوقت؟

سأخاطب موضوع هذه المحاضرة عبر النقاط السبع التالية:

  • اضطهاد المرأة تاريخيا.
  • الرأي الإسلامي التقليدي.
  • الرأي الإسلامي الآخر.
  • شبهات دينية حول المرأة.
  • قضية الاجتهاد الإسلامي.
  • الإسلام والتطور الغربي لحقوق الإنسان.
  • المرأة والمهدية.

النقطة الأولى: اضطهاد المرأة تاريخيا

دونية المرأة جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني، وهي ليست قضية إسلامية، وإن كانت قضية بعض الإسلاميين، دونية المرأة نزعة متأصلة في ثقافتنا ومجتمعنا الإنساني وقد وجدت قبل الإسلام وجاءت لتعبر عن نفسها بعبارات إسلامية بعد ظهور الإسلام، قال أحد الشعراء الجاهليين:

لكل أبي بنت يرجـــــى بقاؤها                     ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهـر

بيت يضمها أو بعــل يصونها                     أو قبر يواريها وخيرهم القبر!

إنه وأد البنات الذي ساد في الجاهلية وحاربه الإسلام بأقوى صورة (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ*)[1] ثم أطل في وجه إسلامي فرويت أحاديث كثيرة موضوعة عن الرسول “ص” مثل قولهم “وأد البنات من المكرمات”، وأثنى أحدهم على تلك التشكيلة المسماة بنات نعش في السماء قائلا بأن النعش أفضل ما يكون للبنات!

إن اضطهاد المرأة ظاهرة إنسانية عمت جميع الحضارات والثقافات:

  • ففي الصين القديمة تقول القاعدة التي كانت متبعة في التراث الكونفوشي “النساء آخر مكان في الجنس البشري ويجب أن يكون من نصيبهن أحقر الأعمال”
  • في الهند تقول المادة 147 من قانون مانو “لا يحق للمرأة في أي مرحلة من مراحل حياتها أن تجري أي أمر وفق مشيئتها حتى لو كان من الأمور الداخلية لمنزلها” وحتى القرن السابع عشر كانت تحرق المرأة مع زوجها عند موته.
  • قانون حمورابي 1752 ق.م كان يقول بأنه “يمكن للرجل رهن زوجته وأطفاله ثلاثة سنوات”
  • في الزردشية والمزدكية “المرأة كائن غير مقدس”.
  • في اليونان يقول أرسطوطاليس بأن “المرأة أدنى فكريا وبيولوجيا من حيث قدرتها العقلية والبيولوجية وحكم الرجل عليها كحكم الروح على الجسد وحكم العقل على العاطفة”.
  • كان وأد البنات معروفا لدى اليونان والرومان وكن يتركن للموت في الخلاء.
  • نص القانون الروماني على أنه “إذا بلغ الصبي أربعة عشر عاما تحرر من الوصاية أما الفتاة فتظل تحت الوصاية”.
  • وفي الثورة الفرنسية كان قانون نابليون هو دونية المرأة وتبعيتها.
  • في اليهودية المرأة منجسة وهي مسئولة عن خروج آدم من الجنة ولذلك فهي معاقبة بالحيض.
  • في المسيحية يقول سانت أوجستين “لا أعرف أية فائدة للمرأة للرجل إلا إنجاب الأطفال” ويقول أحد علماء المسيحيين ويدعى ترتليان مخاطبا المرأة” أنت باب الشيطان هاتكة الشجرة المحرمة، أنت دمرت الرجل، الرجل خلقه الله على صورة الإله وبسببك كان على ابن الله (المسيح) أن يموت فداء للخطيئة” أي أن المرأة هي التي قتلت المسيح بخطيئتها فوجب عليه أن يموت فداء للإنسانية. هناك حلف طبيعي بين المرأة والشيطان في المسيحية واليهودية، ولذلك لم تأخذ المرأة في أوربا حقوقها إلا عبر صراع طويل، وحتى مارتن لوثر وهو قائد الإصلاح في المسيحية قال “انتزع النساء من تدبير شئون المنزل تجدهن لا يصلحن لشيء”.

هكذا كان التراث الإنساني قبل الإسلام تراثا يضطهد المرأة. لقد جاء الإسلام وأحدث تغييرا في هذا الواقع فعمل على تحرير المرأة وإعادة إنسانيتها وكانت أحكامه بشأنها طفرة تحريرية كبرى. ولكن وكما هو معلوم فإن النصوص الإسلامية حمالة أوجه ولذلك نما أكثر من اجتهاد حول المرأة في الإسلام، سأتطرق فيما يلي لتيارات الاجتهادات الإسلامية حول المرأة:

النقطة الثانية: الرأي الإسلامي التقليدي:

جمهور الفقهاء المسلمين يرى أن المرأة ناقصة عقل ودين، ديتها نصف دية الرجل ولا تجوز ولايتها في الشأن العام. وهم في الغالب مع تفسير للنصوص التي تتعلق بالمرأة ينتقص من شأنها:

  1. جاء في مجمع الأنهر في الفقه الحنفي: (ويجوز قضاء المرأة لكونها من أهل الشهادة. وان وليت القضاء ففي غير حد أو قصاص)[2].
  2. وجاء في تبصرة الأحكام في الفقه المالكي: (شروط القضاء التي لا يتم القضاء إلا بها عشرة :الإسـلام، والعقل، والذكورة..)[3] وهلم جرا.
  3. وجاء في الأحكام السـلطانية للماوردي في الفقه الشافعي: (فالشرط الأول لولاية القضاء أن يكون رجلا)[4].
  4. وقال ابن قدامة في الفقه الحنبلي في المغنى (لنا في هذا الصدد: حديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”. فالقاضي يحضر محافل الخصوم والرجال ويحتاج إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة. والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي ليسـت أهلا للحضور في محافل الرجال)[5].
  5. أفتى الأزهر في 1952م بأهلية المرأة للولاية الخاصة فيجوز لها التعامل بالبيع والرهن والهبة وغيرها ولكن لا ولاية لها في الشأن العام.[6]

النقطة الثالثة: الرأي الإسلامي الآخر:

هذه الآراء لم يسـلم بها جميع فقهاء المسـلمين بل تحدث آخرون بآراء مخالفة لها فمثلا:

  1. أجاز الإمام الشافعي إمامة المرأة للنسـاء.”وأجاز الإمام الطبري والإمام أبو ثور إمامة المرأة للنسـاء وللرجال في الصلاة مسـتدلين بما رواه أبو داود من حديث أم ورقة إنّ النبي (ص) كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها.[7]” رجالا ونساء.
  2. وسـاوى الإمام أبو حنيفة بين الرجل والمرأة في الدية محتجا بقوله تعالى “النفس بالنفس”[8]
  3. وقال الإمام الطبري: مادامت المرأة أهلا للفتوى فهي أهل للقضاء. وقال: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شئ[9].
  4. وقال الإمام ابن حزم في المحلى: وجائز أن تلي المرأة الحكم.
  5. وقال الإمام أبو حنيفة المرأة مسـتأمرة في زواجها. وكثير من الفقهاء يحرمونها هذا الحق، حتى أن ولي المرأة يقول عند عقد القران زوجت “مجبرتي” وليس “موكلتي” باعتبار أنها غير مستأمرة في نفسها.

النقطة الرابعة: شبهات دينية حول المرأة:

سأتطرق إلى وضع المرأة في التصور الإسلامي في تسعة موضوعات أعتقد أنها تؤسس لنظرة دونية للمرأة في نظر البعض ولنظرة أخرى مستنيرة في نظر البعض الآخر وهي:

  1. الحيض.
  2. تعدد الزوجات.
  3. الشهادة.
  4. الميراث.
  5. ضرب الزوجة.
  6. الحجاب.
  7. القوامة.
  8. ولاية الأمر العام.
  9. الختان.

أولا الحيض:

الحيض في الفهم الإسرائيلي عقوبة للمرأة لإخراجها آدم من الجنة، روى البخاري في بَاب “كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ” َقَوْلُ بَعْضهمْ “كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل”. والمرأة الحائض في الفكرة الإسرائيلية نجسة كالكلب والخنزير وغيرهما من الأعيان النجسة وكأنها قد خرجت من الإنسانية!

إن النصوص الإسلامية لا تعتبر حواء مسئولة عما حدث لآدم، قال تعالي (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)[10]  فالمسئولية مشتركة، وفي نص آخر (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)[11] فأين مسئولية حواء في هذا؟ إنها مسئولية إسرائيلية لسنا معنيين بها، وقد كان هذا واضحا للمسلمسن أنفسهم، جاء في الحديث “أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ (ص) النَّبِي (ص) َفَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)َ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ و›َعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَلَا نُجَامِعُهُنَّ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا”[12].

الحقيقة هي أن إعفاء النساء من التكاليف الدينية أثناء فترتي الحيض والنفاس للتخفيف لا للتنجيس “الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ”[13]. ولكن بعض الفقهاء المسلمين عملوا بهذا الفهم الذي يزدري الحيض ورتبوا عليه أحكاما، هذا مع أن كتب الصحاح تحوي أحاديث كثيرة تبين كيف كان النبي (ص) يتعامل مع أمهات المؤمنين وهن حيض فقد كان يقرأ القرآن وهو متكئ في حجر الواحدة منهن وهي حائض، وكن يفرشن له سجادته وهن حيض، ويغسلن له رأسه وهو بالمسجد، ويصلي والواحدة منهن قربه فيصيبها ثوبه وهي حائض. روي عن السيدة عائشة قولها كان رسول الله يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن”[14] كما روي عنها أنها قَالَتْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ (ص) َأَنْ أُنَاوِلَهُ الْخُمْرَة –المصلاة-َ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ تَنَاوَلِيهَا فَإِنَّ الْحَيْضَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِك”[15]ِ.

إن الحيض ضريبة أمومة تدفعها المرأة ضمن ضرائب أخرى مثل الحمل، والنفاس، والرضاع، والحضانة، وهو تضحية استحقت التخفيف والتقدير والمكافأة وليس العقاب مرتين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(ص) فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوك”[16]  وقال رسول الله (ص) “الجنة تحت أقدام الأمهات”.

ثانيا تعدد الزوجات:

بالإسلام نصوص عن تعدد الزوجات، هذه النصوص تبيح التعدد ولا تأمر به، وتقول بشرط العدل ثم تقول باستحالة العدل، هنا يوجد ما يمكن أن نسميه النصوص حمالة الأوجه، ولكن الحقيقة أن في إباحة التعدد تعامل مع واقع هو:

  • أن الرجل أشد تعرضا للإثارة الجنسية وأقل صبرا عليها وهو مهيئ للجنس في جميع الأوقات، بينما المرأة ليست كذلك فهي في حالة الحيض والحمل والنفاس لا تكون متهيئة للجنس، كذلك -إن صح- فإن عمر الرجل الإنجاني أطول من المرأة، لأن المرأة ينقطع عنها الحيض.
  • العقم أكثر بين النساء منه بين الرجال.
  • كل من ظروف الشدة والرخاء يزيد من عدد النساء.

إن من العقل أن نفتح الباب للتعدد على أساس التعامل مع هذا الواقع لا على أساس الانتقاص من مكانة المرأة. ولكن هذا الباب ليس مشرعا هكذا بل هناك ضوابط وقيود وضعها الإسلام نفسه وهي شرط العدل والإسلام نفسه يرى استحالة العدل، “وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا”[17] ولذلك فإن هذا الموضوع يحتاج لفقه ولا يمكن الخوض فيه هكذا، ومن أهم دواعي هذا الفقه تنامي وعي المرأة الثقافي والفكري في المجتمعات الحديثة بحيث صارت ولأسباب كثيرة تتوقع ألا يتزوج الرجل عليها، ولذلك إذا وقع الزواج بثانية وثالثة اشتعلت حرب أهلية تضيع معها حكمة الزواج نفسها فتفسد السكينة والرحمة والمودة التي هي من مقاصد الإسلام الأساسية في الزواج “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسـكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسـكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”[18].. فأية مصلحة هذه التي تهدم مقاصد الشريعة؟ أقول لا يمكن أن نتحدث في هذا الموضوع دون ترو ودون فقه.

لقد ذكرنا أن للتعدد حكمة واقعية فحتى المجتمعات التي تحرم التعدد يمارس فيها بصور غير شرعية بشكل واضح. ومن ناحية أخرى فإن المجتمعات الحديثة صارت تعزز ثقافة تجعل التعدد هادما لمقاصد الشريعة في الزواج مما يوجب التفكر في الكيفية التي يمكننا بها تقييد التعدد-بموجب حجة إسلامية- في الحالات التي يستحيل فيها التعايش، ولعل أهم تلك القيود اشتراط علم ورضاء الزوجة الأولى.

وعلى أية حال فإذا تزوج الإنسان بأكثر من امرأة فليس هذا على حساب إنسانيتها وإيمانيتها، لأن هناك نصوصا أخرى تقرر معاني واضحة مثل قوله تعالى”يا أيها النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسـاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسـاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”[19] وقوله “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسـولَهُ أُوْلَئِكَ سـيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”[20].

هذه النصوص نصوص عدالة ومساواة وهي محكمة وحاكمة على ما سواها وعلينا اتباعها، ولكن وكما قال الإمام علي القرآن حمال معان وحمال أوجه. وهو خط مسطور لا ينطق بل ينطق به الرجال”. لذلك وجدت تفاسير تحاول أن تحمل النصوص الإسلامية للانتقاص من شأن المرأة، فمثلا فسر الكثيرون آية القوامة “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ”[21].  وآية الدرجة  (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[22] تفسيرات تؤكد دونية المرأة، ولكن هناك تفاسير أخرى مغايرة لهذه الآيات  قال بن عباس في تفسير الدرجة “الدرجة هي إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسعة على النساء في المال والخلق”. أي أن هذه الدرجة في نظر ابن عباس تلقي مزيدا من التكاليف على الرجل وليس للانتقاص من قدر المرأة. وفي تفسير القوامة قال القرطبي عن الماوردي “القوامة هي قيام الرجال بحقوق النساء على الأزواج”.

وخلاصة القول هو أننا عند النظر في مثل هذه المسألة يجب ألا نخرج عن إطار المساواة والعدالة الذي أقرته النصوص المحكمة.

ثالثا الشهادة:

قال تعالى “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى” [23]

إن الحجة في القول بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين واضحة ذكرتها الآية نفسها وهي احتمال نسيان إحداهما فالآية تتحدث عن معاملة لم تكن مما اعتادت عليه النساء في ذلك الوقت وهي التداين. فماذا لو كانت المرأة على دراية بالأمر المراد الشهادة بشأنه؟ قال الإمام أحمد بجواز شهادة المرأة المنفردة إذا كانت أهلا لذلك[24].

رابعا الميراث:

ليس صحيحا أن نصيب المرأة في الميراث هو نصف نصيب الرجل مطلقا، إن الميراث في الإسلام يقوم على أمرين هما درجة القرابة وحاجة الوارث، ويرتبط تقسيم أنصبة الورثة بواجب النفقة على الأسرة، وفي المفهوم الإسلامي فإن واجبات الأمومة ومتعلقاتها تعطل المرأة عن الكسب المادي لذلك كانت مسئولية الإنفاق على الأسرة من واجب الرجل، ولأجل هذا كان له النصيب المضاعف في الميراث، وكما ذكرنا فإن هذا لا يعني أن المرأة تأخذ نصف الرجل في جميع الحالات، فقد أحصى أبوبكر الجزائري في كتابه “منهاج المسلم” حالات كثيرة جدا يتساوى فيها نصيب المرأة والرجل إذا غاب التزام الرجل الأكبر في الإنفاق: منها:

  1. ترث الأم الثلث إن لم يكن للهالك ولد ولا جمع من الإخوة (إثنان فأكثر).
  2. ترث الأم السـدس إن كان للهالك ولد أو جمع من الإخوة (إثنان فأكثر).
  3. يرث الوالد السـدس مطلقاً سـواءاً كان للهالك ولد أو لم يكن له ولد.

هذا معناه أن الأم ترث أكثر من الأب إن لم يكن للهالك ولد أو جمع من الإخوة. وفي حالة الإخوة لأم يكون السـدس للأخ لأم ذكراً كان أو أنثى، ويرثه إن لم يكن للوارث أب ولا جد ولا ولد ولا حفيد ذكراً كان أو أنثى بشرط أن يكون الأخ أو الأخت منفرداً، فإن تعدد الإخوة ورثوا الثلث شراكة.

وفي حالة الجد والجدة: يرث الجد عند فقد الأب السـدس، وترث الجدة إن لم يكن للوارث أم السـدس أيضاً.

خلاصة القول في هذا الأمر أن الميراث في الإسلام ليس مرتبطا بالأنوثة ولا بالدونية، وإنما بواجبات مستحقي الميراث.

ولكن يبرز السؤال ماذا لو تغيرت الظروف بحيث تعاظم دور النساء في الإنفاق بسبب بعض العوامل؟ هناك مساحة للمورث لكي يتصرف في ثلث ماله بالوصية إذا أراد أن يراعي ظروف ورثته، كما له الحق في الهبة أثناء حياته. ولكن المهم أن نتعامل مع هذا الموضوع بمرونة مستصحبين المستجدات وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية.

خامسا ضرب الزوجات:

(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[25].

هذا الحق طبعا مشروط بأن يكون الرجل مسـتوفيا لواجباته وأن تكون المرأة متمردة. وهو حق مشروط بالتدرج بحيث يبدأ الأمر بالوعظ ثم الهجر ثم الضرب.ومعلوم أنّ الضرب يصل بالعلاقة إلى حافتها إذ ليس بعد الضرب إلا تحكيم يتسـاوى فيه تمثيل الرجل والمرأة ويكون قراره في الموضوع نهائيا.

وفي الآية التي تليها مباشرة بديل للضرب “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا”[26]

هذان نصان قرآنيان فلماذا الإصرار على خيار الضرب ما دام هناك نص آخر يضع خيارات أخرى وما دمنا في مرحلة ننطلق فيها من قيم المساواة والعدالة. علينا أن نعترف بأن القرآن حمال أوجه، ويمكن لصاحب الضرب أن يجد سندا من النصوص لضربه ولكن يمكن لصاحب التعامل الآخر أن يجد سندا أيضا.

روى الإمام الطبري والإمام ابن كثير والإمام الخازن أنّ حادثا رفع إلى على كرم الله وجهه وقع بين رجل وامرأة فاختار الإمام على حكمين من أهل الطرفين وقال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. والذين تفقهوا في الدين فهموا رخصة الضرب هذه فهما مقيدا. قال ابن عباس: الضرب المشار إليه غير مبرح ويكون بالسـواك ونحوه.

وقال الإمام الشافعي: الضرب مباح وتركه أفضل[27].

المحكم والمتشابه في القرآن:

القرآن فيه المحكم والمتشابه (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌِ)[28] فمثلا تجوز المعاملة بالمثل بموجب قوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[29]، كما يجوز العفو : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه)[30]ِ. ومن الآيات ما يجرد أهل الكتاب من أية قيمة روحية. قال تعالى: (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَة)ُ[31]، وآيات تقر لهم بقيمة روحية: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(*)يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(*)وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)[32]. هذه الثنائيات لا يجزئ النسخ في فهمها ولا تفهم إلا في إطار المحكم والمتشابه، وهذه مسألة تعلم بالفقه والاجتهاد تأسيسا على مقاصد الشريعة. فمثلا في قضية الجبر والاختيار هناك نصوص تدل على الجبر مثل قوله تعالى: “وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه”[33]. وأخرى تدل على الاختيار مثل قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[34].فأيها المحكم وأيها المتشابه؟ النصوص المحكمة في رأيي هي التي تقوم على الاختيار لماذا؟ لأننا إذا أسقطنا التخيير نكون قد أسقطنا الأخلاق، إذ من الممكن للإنسان أن يقتل ويسرق ويفعل ما يشاء بحجة أنه مسير، فما دام مقصد الشريعة الإسلامية هو المساءلة للإنسان عن ما يأت وما يدع فهو مخير ولذلك فإن النصوص التي تقوم على التخيير هي المحكمة والتي تقوم على التسيير هي المتشابهة، كذلك الحال بالنسبة للنصوص المتعلقة بالمرأة، فالتي تقوم على احترام المرأة والتعامل معها بإنسانية هي النصوص المحكمة والأخرى متشابهة. وفيما يتعلق بالزواج فإن من مقاصد الشريعة أن تقوم علاقة الزوجية على السكينة والمودة والرحمة والشورى، والضرب والأذى مما يفسد هذه المعاني، فتكون نصوص المودة والرحمة هي المحكمة ونصوص الضرب هي المتشابهة. لا بد أن يكون لدينا وعي من هذا النوع لتدبر القرآن الكريم.

نحن إذن بالاعتبار بمقاصد الشريعة الإسلامية نقرر المحكم والمتشابه من نصوص القرآن الكريم. إننا في واقع اليوم الذي يشهد تطلعات المرأة لحقوقها، واتهام الإسلام بعدم مراعاة حقوق المرأة، علينا أن نبحث في هذه النصوص عن ما يدعم حقوق المرأة، فنحن مأمورون بذلك قال تعالى “وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا”[35].

سادسا الحجاب:

كلمة الحجاب لم ترد في القرآن مطلقا بمعنى الزي، وإنما بمعني الستار “وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ”[36] وهذا خطاب خاص لزوجات الرسول (ص)، وبالقرآن أحكام واضحة خاصة بزوجات الرسول (ص)  “يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاء”[37]ِ فالرسول (ص) ليس كمثل أي فرد منا، كما أن ما وقع من حديث الإفك كاد أن يهدم الإسلام، فقد حدثت بسببه فتنة كبيرة قبل أن يتمكن المسلمون من تجاوزها، لقد كان التغليظ على نساء النبي (ص) في الأحكام لأنهن قد يحملن مطاعن للإسلام فوجب سد هذه الثغرة.

إن ما يوجد في القرآن من نصوص عن زي المرأة تطالبها بالاحتشام وليس بتغطية الوجه (ولا يبدين زينتهن الآية) ( يا أيها النبي قل).

المرأة المسلمة إنسان كامل الإنسانية ومسئولة كاملة المسئولية عن كل ما تفعل فكيف تغطي وجهها وكلنا يعلم أن الوجه هو أساس الهوية؟ إن الذين يحرصون على ستر الوجه هم دائما المجرمون، وهذا ظاهر في السينما حيث يكون الحرص على التستر وإخفاء الوجه من قبل المجرمين، فالناس كثيرا ما تكون أفعالهم في السر أسوأ منها في العلن. كيف نطالب المرأة بأن تلغي هويتها الإنسانية لأي سبب من الأسباب؟

أما حجة الفتنة، فإن الرجل أيضا فتنة للمرأة، الرجال والنساء فتنة لبعضهم البعض والغريزة الجنسية موجودة لدي النساء والرجال، إن العفاف شأنه شأن الأخلاق مسألة تربوية، هل يمكن أن نحارب الكذب مثلا بتحريم الكلام؟ هذه خطة خاطئة وغير سليمة. خلاصة القول أن المطلوب في الزي هو الاحتشام وهو مطلوب للرجل وللمرأة وإن اختلفت الدرجات.

سابعا ولاية الأمر:

المعروف في التاريخ الإسلامي أن السيدة عائشة قادت معركة الجمل، فاختلف الصحابة أيؤيدون أم المؤمنين أم لا، روى أبو بكرة الثقفي عن عدم مشاركته في وقعة الجمل: “عَصَمَنِي اللَّهُ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى قَالَ مَنِ اسْتَخْلَفُوا قَالُوا ابْنَتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً”[38] هذا الحديث أورده أبو بكرة كتفسير لعدم مشاركته في وقعة الجمل وقد شارك فيها إلى جانب السيدة عائشة كثير من كبار الصحابة، وإلى جانب علي كثيرون آخرون لم يرو عنهم أنهم سمعوا هذا القول عن رسول الله r، باعتباره قد علق على تولية امرأة للحكم.

هناك عدة أمور تفت في عضد هذا الحديث:

أولا: أنه يخالف نص قطعي وارد في أمر مشابه، وهو ما جاء في كتاب الله عن قوم ولوا أمرهم امرأة. وهي قصة بلقيس ملكة سـبأ وهي تدل على أنها كانت ملكة حكيمة راجحة العقل. قال تعالى حاكيا عنها “قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ “[39].

ثانيا: راوي الحديث أبو بكرة مجروح الشهادة فهو  أحد ثلاثة شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا –والآخران هما نافع بن حارث ، وشبل بن معبد-  ولم يشهد الرابع –وهو زياد بن أبيه- إلا تلميحا، فأسقط عمر (رض) الحد عن المغيرة، وحد أبو بكرة ونافع وشبل حد القذف. والنص على حد القذف هو قوله تعالى: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ”[40]

ثالثا: كذب الواقع هذا الحديث فقد  أورد الطبري في تاريخه الآتي: “ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان، فذكر أنها قالت يوم ملكت: البر أنوي وبالعدل آمر” إلى أن قال: “وأحسنت السيرة في رعيتها، وبسطت العدل فيهم” وقال عنها: “وكانت كتبها جمّاعة –أي محيطة- لكل ما يحتاج إليه”[41]. فهو حديث كذبه الواقع، روى البخاري: ” َقَالَ عَلِيٌّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُه؟ُ”[42].

رابعا: عندما نزل الوحي على رسول (ص) واحتار في أمره لجأ للسيدة خديجة وقد استطاعت تثبيته في أمر الرسالة وتوجيهه على أساس صحيح لعلاقتها بورقة الذي كان على دراية بعلم أهل الكتاب، لقد كانت خديجة صاحبة ولاية في هذا الموقف.

خامسا: عند إمضاء الرسول (ص) لصلح الحديبية اختلف المسلون عليه اختلافا كاد أن يصل حد الاحتراب، فكثير من المسلمين على رأسهم عمر بن الخطاب لم يكونوا موافقين على هذا الصلح حتى أن عمر بن الخطاب قال قولته “كيف نعطي الدنية في ديننا” عندها استشار الرسول (ص) السيدة أم سلمة فأشارت عليه بأن يحلق ويذبح أمام المسلمين، وبالفعل كان لفعل الرسول (ص) بما أشارت به حسم للموقف.

رابعا: وهناك حديث رسول الله (ص) “خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء”. أي ولاية أكبر من هذي؟

إن مسألة الخلافة الآن غير واردة ، ولكن الشهادة والوكالة جميعها ولايات، كما أن هناك مواقع جديدة بالنسبة للولاية بحكم ما استجد من أمور فرضها العصر.

الحقيقة إذن هي أننا عند تناول النصوص المتعلقة بهذه هذه القضايا الآنفة والتي يؤسس البعض عليها دونية المرأة فإننا نستطيع أن نقول فيها بفهم مستنير يتمشى مع تحرير المرأة ويلائم عصرنا، ويلائم ما نريده من تبرئة للإسلام من مثل هذه الأفكار.

ثامنا: الختان:

ربما يظن البعض ألا أهمية لهذا الموضوع ولكنه أمر هام جدا لأن به اعتداء على عضو تناسلي للمرأة خلافا لما يحدث مع الرجل الذي تقطع منه قشرة زائدة، لقد ذكرت لنسبة هذه العادة إلى الإسلام أربعة أحاديث:

  • حديث الختان مكرمة للرجال سنة للنساء.
  • قول الرسول (ص) لأم عطية إذا خفضتي فاشمي ولا تنهكي.
  • حديث إذا التقى الختانان وجب الغسل.
  • حديث خمس من الفطرة، الختان أحدها.

أولا: هذه الأحاديث طعن فيها أئمة مقدرون من ناحية صحة الورود وصحة الدلالة، أما حديث خمس من الفطرة وحديث إذا التقى الختانان فإن هناك طعنا كبيرا في دلالتهما على ختان النساء لأن في حديث خمس من الفطرة قص الشارب مما يفيد أن المقصود هو ختان الذكور وهو أمر لا خلاف عليه، وحديث إذا التقى الختانان أيضا لا يفيد الحث على ختان النساء بل يستخدم أسلوبا بلاغيا معروفا فالعرب تطلق لفظة القمرين كناية عن القمر والشمس والبحرين كناية عن البحر والنهر …الخ. أما حديث أم عطية فقد رواه أبو داود وطعن فيه كما طعن علماء آخرون في دلالته وأنه يفيد المنع أكثر من الحث على الختان. ولم يخل حديث مكرمة للنساء من مطاعن، قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: قال ابن المنذر “لم يصح حديث عن النبي(ص) في ختان المرأة”[43]. وقال السيد سابق في كتابه فقه السنة “أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء”[44].

ثانيا: هناك مرجعيات وأسس عامة في الإسلام توضح السلوك المقبول وغير المقبول وتقرر أن كل ما يسبب الضرر أمر ممقوت في الشرع. قال تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ”[45]وهناك أيضا القاعدة الشرعية المأخوذة من حديث الرسول (ص) “لا ضرر ولا ضرار”[46]. فهل يتسبب ختان الإناث في إحداث الضرر؟  الراجح في الرأي العلمي الصحيح يقول بضرره الصحي والنفسي والاجتماعي على المرأة فهل يعقل أن تجيزه أحكام الإسلام؟

ثالثا: أغلبية المسلمين في آسيا وأوربا: في الهند وباكستان والمملكة العربية السعودية ودول الخليج والعراق والشام وغيرها لا يختنون النساء ، إن هذا الوباء كالإيدز يوجد في أفريقيا ( نجيريا، اريتريا، أثيوبيا، مصر) حيث يختن النساء المسلمون والمسيحيون وأصحاب الأديان المحلية. هل يعقل أن يكون في الختان حكم شرعي يفوت على هذه الأغلبية من المسلمين؟

إنها عادة لا تتعلق بالدين وإنما بثقافة تنطلق من مفاهيم دونية المرأة وتسود في أفريقيا.

النقطة الخامسة:  قضية الاجتهاد في الإسلام:

أود بعد هذا الحديث عن الحيثيات المؤسسة لدونية المرأة والأسس النافية لها أن أنتقل بكم للحديث عن الاجتهاد كقضية عامة في الإسلام. المدرسة التقليدية الإسلامية في الاجتهاد واضحة مفادها أن لدينا نصوصا جاء بها الوحي في الكتاب والسنة فاستنبط منها أئمة السلف الأحكام عن طريق القياس والاجماع والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب والعرف وهي مصادر التشريع المعروفة في الفقه الإسلامي وما علينا نحن المسلمون اليوم إلا اتباع هذه الأحكام. هذا القول يعني أن نتقيد معرفيا بما اجتهد به السلف، وهو منطق صورى إذا اتبعناه نكون قد حنطنا الإسلام في الماضي والحقيقة هي أن الإسلام أوسع من ذلك كثيرا، أقول في هذا الأمر:

أولا ينبغي أن نجتهد اجتهادا يقوم على النظر في مقاصد التشريع عند تقرير الأحكام كما بينا آنفا على سبيل المثال في قضية التخيير والتسيير، وكذلك عند النظر في النصوص  التي تتحدث عن الرسول (ص) بما ينفي بشريته (وكثير منها يروى ضمن النصوص التي تتحدث عن الغيبيات) في مقابل النصوص التي تثبت بشريته (ص)، فإن النصوص المحكمة هي تلك التي تؤكد بشريته لأن بشرية محمد (ص) من مقاصد الإسلام فكل نص يناقض هذا المعنى متشابه.

ثانيا: لا بد من تدبر القرآن الكريم، ولا بد من التعامل بالحكمة فالنصوص لا تنهض وحدها. بل إن هناك مواضع كثيرة في القرآن تذكر الكتاب مقرونا بالحكمة قال تعالى ” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[47] وقد تعامل الرسول (ص) في أكثر من موقع بالحكمة، فعلى سبيل المثال أقام الرسول (ص) في مكة والتوجيه الرباني واضح في قوله تعالى “كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاة”[48]، وفي غزوة مؤتة وعندما انسحب خالد بن الوليد بالمسلمين إلى المدينة قال عنهم البعض “الفرار” صحح الرسول (ص) قائلا بل كرار لا فرار، هذا تعامل فيه حكمة وحسن تقدير، كذلك كانت مشورة السيدة أم سلمة لرسول الله (ص) تعاملا حكيما قال تعالى” يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَاب”[49]ِ فعلى سبيل المثال ليس من الحكمة في شئ إعلان الجهاد على دولة مثل أمريكا فهزيمتنا أكيدة وستكون بلا شك حماقة كبرى.

ثالثا وهناك أيضا الإلهام وهو أحد مصادر المعرفة، قال تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسـولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[50]. لا يمكن إنكار هذه الحقيقة، صحيح هي مسألة لا تخضع لضوابط عالم الشهادة ومن الممكن أن تكون مدخلا للكثير من الخرافات والإدعاءات، ولكن الحقيقة هي أن الإنسان ليس مجرد كيمياء وفيزياء فهو قبس من روح الله.

رابعا هناك القيادة قال تعالى “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا”[51] والمقصود بأولي الأمر هنا أولي الأمر الذين اختيروا بالشورى ورأي الجماعة فكل ولاية أمر تقوم على الإكراه لا شرعية إسلامية لها.

هذه هي الأسس هي التي تسمح لنا أن نتحرك في ديننا وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية وتحول بيننا وبين التحنط في علب ماضوية.

النقطة السادسة: الإسلام والتطور الغربي لحقوق  الإنسان:

صحيح أن الإسلام حرر المرأة، وصحيح أن هناك فقهاء ومجتهدين مسلمين كانوا أفضل من غيرهم في إدراك هذا، ولكن نحن اليوم أمام تحد يتعلق بالتطور العالمي لحقوق الإنسان، فهل يمكن لنا كمسلمين أن نقبل هذا التطور العالمي لحقوق الإنسان والمرأة ونظل مسلمين؟

لقد مرت حقوق الإنسان في التاريخ الغربي بعدة مراحل هذا بيانها:

  • إعلان حقوق الإنسان والمواطن- الجمعية الوطنية الفرنسية 1789م.
  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م.
  • العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م.
  • اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1977م.
  • اتفاقية حقوق الطفل 1989م.
  • مجموعة من الاتفاقيات والعهود والمواثيق لحماية حقوق اللاجئين والسكان الأصليين والأسرى والسجناء وغيرهم من الأفراد.

بالإضافة لهذه المواثيق اتخذت آليات للمتابعة والحماية منها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.

هناك بعض الانتقادات التي تؤخذ على السياسات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان أهمها سياسة المكيالين التي تتغاضى عن الانتهاكات في بعض الدول وتتدخل تدخلا مباشرا في دول أخرى. وكذلك الانفصام بين السياسات المعلنة والممارسات العملية، كما أن كثيرا من دول الغرب تنتهك حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على مصالحها.

إن جزءا كبيرا من مواثيق حقوق الإنسان مستمد من التراث الإسلامي عبر الاتصال التاريخي بالحضارة الإسلامية ولكن لا بد أن نعترف بأن هذه هي حقوق الإنسان كما طورها الفكر الغربي،  لقد أجريت دراسة حول مواثيق حقوق الإنسان من منظور إسلامي لن أخوض في تفاصيلها الآن ولكني أوضحت في تلك الدراسة كيف أنه لا يوجد تناقض بين حقوق الإنسان العالمية والمراجع الإسلامية.

إننا لا ننكر أن هناك مجالات تطورت كثيرا على يدي الحضارة الغربية الحديثة، إن علينا النظر في هذه المجالات واستصحاب النافع منها، ولكن هناك بعض “السخافات” الغربية التي نرفضها ونتحفظ عليها ليس من أجل حماية حقوق المرأة بل حماية لحقوق المرأة والرجل معا، من هذا حقوق المثليين (إعطاء الحرية لزواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة) فهي ضد الفطرة، وضد الإنسانية. يقول الفيلسوف إيما نويل كانط إذا أردت أن تحكم على أخلاقية فعل فتساءل ماذا لو كان هذا الفعل سلوكا عاما؟ ماذا سيحدث لو صار الزواج المثلي قاعدة عامة، بالطبع سيؤدي هذا إلى انقراض الإنسانية وهذه هي أسلحة الدمار الشامل الحقيقية. إن ما يؤدي لانقراض الإنسانية لابد أن يكون باطلا مرفوضا.

إننا نقول بإمكانية أن تكون المرأة مسلمة وعصرية معا ونقبل ونستصحب التطورات الغربية في مجال حقوق الإنسان ماعدا ما يتناقض منها مع الفطرة الإنسانية والقانون الأخلاقي.

النقطة السابعة: المرأة والمهدية:

بقي لنا أن نتساءل لماذا كان للمهدية موقف متشدد تجاه الأحكام الخاصة بالمرأة؟  لقد نشأت المهدية في زمن ساد فيه تفسخ وانحلال بالغ لذلك أخذت المهدية المجتمع كله رجالا ونساءا بشدة بالغة، ولكن بالمهدية نص عام يؤسس للحركة في فقه المعاملات وهو مقولة الإمام المهدي “لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال”. لقد كانت مهدية الإمام المهدي مدرسة جديدة، ففي الإسلام عشرة مدارس مهدية ثلاثة منها شيعية هي الإثنى عشرية والسبعية  والزيدية، وأربعة منها سنية: مدرسة إمام آخر الزمان، وإمام القرن والإمام الذي تحدث عنه بن كثير، ومدرسة الإمام الرازي، ومدرستان صوفيتان أولاهما المدرسة التي تعتقد بأن المهدي هو رئيس الحضرة النبوية والثانية مدرسة بن العربي القائلة (بالنور المحمدي)، المدرسة الأخيرة مدرسة فلسفية هي مدرسة الفارابي (أهل المدينة الفاضلة ورئيسها المهدي) هذه هي عشرة المدارس المهدوية. مدرسة الإمام المهدي في السودان مدرسة حادية عشر وهي مهدية “وظيفية” وظيفتها إحياء الدين على نحو غير متكرر، وهذا المعنى هو الذي ذكره الإمام المهدي في قولته “إنما أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما” هذه القضية لن أفيض فيها الآن ولكن أهم ما يعنينا منها في هذا المقام هو أن الإمام المهدي قد فتح المجال لوظيفة تجديد الدين لأنها إنما تتجدد لا على أساس طائفي وإنما على أساس اجتهادي وفقا لمقولة لكل وقت ومقام حال ولذلك نحن نتحدث عن المرحلة الأولى للمهدية (التأسيسية) والمرحلة الثانية للمهدية (البعثية)، والمرحلة الثالثة (التطويرية) وهي المرحلة الحالية، وهي التي تستوعب هذه النظرة المتطورة للفقه الإسلامي على أساس مراعاة ظروف الزمان والمكان وفقا للقطعيات ورودا ودلالة من الكتب والسنة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1]  سورة التكوير الآيتان 8-9.

10 عبد الرحمن أفندي داماد (شيخي زاده) مجمع الأنهر

[3]  تبصرة الأحكام

11 الماوردي الأحكام السلطانية الماوردي (364-450هـ).

[5]  ابن قدامة المغني ابن قدامة المقدسي (ت 682هـ).

[6]  مجلة رسالة الإسلام، السنة الرابعة، العدد الثاثل- 1952.

[7] ابن رشد(520- 595 هـ)- الحفيد- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، جزء 1-ص 46

[8]   سورة المائدة الآية 45.

[9] ابن رشد، مرجع سابق، جزء 2-ص 459.

[10]  سورة البقرة الآية 36.

[11]  سورة طه الآية  121.

 [12] موسوعة الحديث الشريف، رواه مسلم والترمذي وأبو داؤد والدرامي

[13] نفسه، رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد.

[14]  أخرجه الشيخان.

[15] نفسه رواه مسلم

[16] موسوعة الحديث، سابق، برواية “الصحبة” أخرجه البخاري ومسلم بروايتين،وابن ماجة وأحمد وبرواية البر “من أبر يا رسول الله” أخرجه الترمذي وأبو داؤد، وابن ماجة أحمد بروايتين.

[17]  سورة النساء الآية 1292.

[18] سـورة الروم الآية21

[19] 1:3سورة النساء الآية 1

 [20]  سورة التوبة الآية 71.

[21] سـورة النسـاء الآية 34

[22] سـورة البقرة الآية 228

[23] ســورة البقرة الآية 282

[24] ابن القيم الجوزية:  الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، باب الشهادة.

[25] سـورة النسـاء الآية34

[26]  سورة النساء الآية 35.

[27] انظر تفاصيل هذه التفسـيرات في التفسـير الحديث بقلم محمد عروة دروزة، الجزء 9. ص 73.

[28] سورة آل عمران الآية 7

[29] سورة البقرة الآية 194

[30] سورة الشورى الآية 40

[31] سورة البينة الآية 1

[32] سورة آل عمران الآيات 113-115

[33] سورة الإنسان الآية 30 وسورة التكوير الآية 29.

[34] سورة الإنسان الآية 3.

[35]  سورة الفرقان الآية 73.

[36]  سورة الأحزاب الآية 53.

[37]  سورة الأحزاب الآية 32.

[38]  موسوعة الحديث الشريف ، مرجع سابق هذه رواية الترمذي (2188) وللحديث روايات مختلفة،  رواه البخاري بروايتين({قم 4073 و6570)، والترمذي (رقم5293)، والنسائي (رقم 5293)

[39] سـورة النمل الآيتان 32، 33

[40]  سورة النور الآية 4.

[41] الطبري تاريخ الطبري تحقيق محمد الفضل أبو إبراهيم- ج 2 ص 231-232.

[42] موسوعة الحديث، مرجع سابق، رواه البخاري رقم 124.

[43] الشوكاني (الإمام) نيل الأوطار. (ت 1255هـ)

[44]  السيد سابق فقه السنة. الجزء الأول

[45]  سورة الأعراف الآية 157.

[46] موسوعة الحديث الشريف، مرجع سابق، ابن ماجة: 2331 و2332، وأحمد 2179 وأحمد 12714، ومالك: 1234.

[47]  سورة  الجمعة الآية 2.

[48]  سورة النساء الآية 77.

[49]  سورة البقرة الآية 269.

[50] سـورة الحديد آية 28

[51]  سورة النساء الآية 59.