جريمة لندن.. أولئك الحمقى.. وماذا بعد؟

بسم الله الرحمن الرحيم

جريمة لندن.. أولئك الحمقى.. وماذا بعد؟

10 يوليو 2005م

 

يدين حزب الأمة السوداني وهيئة شؤون الأنصار وشخصي، ودون أدنى تردد العمل الإرهابي الجبان ضد المدنيين الأبرياء في لندن، ذلك الذي شهدته تلك العاصمة المتسامحة ضحى الخميس السابع من يوليو (تموز) الحالي، بما أفضى الى مقتل وجرح أبرياء كانوا يهمون بالذهاب الى أداء أعمالهم، متوشحين بآمال إنسانية أبعد ما تكون عن كل الأوهام التي ارتكب بها، أو من أجلها، أولئك الحمقى تلك التفجيرات الوحشية.

ومن هنا فليس هناك أدنى سبب أو منطق يمكن أن يفسر، دعك من أن يبرر، هذه الوحشية التي جاءت في توقيت زاد من شناعة تلك الأعمال الإرهابية ومن قبحها، مؤكدا بعدها عن أي سياق إنساني أو قيمي.

مثل هذا الحكم منا على تلك الأعمال لا ينطلق من فراغ، وليس تنميطا شعاريا من أجل الاستهلاك، فرئيس الوزراء توني بلير وحكومته، بل والشعب البريطاني، كانوا قد اختاروا سلفا الانتصار والانحياز لقضايا كثيرة، تفتح آفاقا إيجابية وبناءة وجديدة، في جدران قضايا هي من صلب اهتمامات إنسان المعمورة، في هذه الألفية التي تعتصر إنسانها تحديات كثيرة، لعل أبرزها الإرهاب، وإشكالات العولمة، والفجوات القائمة بين الشمال والجنوب على أصعدة التنمية واستحقاقات النظام العالمي الجديد المعروفة، وبينها الديموقراطية والشفافية وحقوق الإنسان.

وتكفي هنا قراءة موجزة لخطاب وممارسة الحكومة البريطانية، لا نقول في ماض بعيد، وإنما في سنوات هذه الألفية الست إلى الآن، ومنها يمكن الحكم لها أو عليها، والتقدير الأولي هنا، بتعميم وجب له أن لا يخل بالمقاصد، يقول، أي التقدير، إن الحكومة البريطانية، وفي الآونة الأخيرة اتخذت، بل وانخرطت عمليا في منظومة من القضايا، وبمواقف، أبسط ما يقال عنها إنها إيجايبة، بدءا من موقفها تجاه السلام العادل في الشرق الأوسط، وفيه نسجل لها تمسكها بخارطة الطريق، وبالدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتذكيرها بحيويته في رفد روح السلام في تلك المنطقة بقناعة أن الفقر والإحباط المعيشي إنما يغذيان في الإنسان قابلية التشدد. هناك موقف الحكومة البريطانية من قضايا التنمية في أفريقيا وأخرها مشروعها الإيجابي لإعفاء الديون عن مجموعة من الدول الأفريقية لتمكينها من التفرغ لقضايا ملحة وعاجلة; وعلى رأسها قضايا الإصلاح السياسي والتنمية المستدامة ليرفدا معا مشاريع الديموقراطية والحكم الرشيد الذي تحتاج إليه أفريقيا. وهناك مواقفها من الحوار بين الأديان، وهي قضية أخرى أراها محورية وتلامس عصب قضايا هذه الألفية، ومن منا يستطيع أن ينكر تبعات 11 سبتمبر، أو قل التاريخ ما بعد هذا التاريخ على حد تعبير كثيرين، وقد ألقى بأكثر من «تسونامي» على خرائط التسامح والتعايش، فاحتشدت بسببه أحداث لا تزال تشغلنا وبينها غزو أفغانستان والعراق. وهناك جدية التعاطي الواضحة من الحكومة البريطانية مع تداعيات قضية الفقر، وتجسدها مواقفها الأخيرة التي ساهمت فيها بدور هو الأبرز مع قادة مجموعة الثمانية التي استضافتها غلين إيغلز باسكوتلندا، والتي قصدت تلك التفجيرات الحمقاء التشويش عليها.

ما أوردته كان توسعا في برقية بعثت بها الى رئيس الوزراء البريطاني، بما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية.

ولكني، ومن باب تذكير القارئ الكريم، أقول وخارج مضامين الرسالة كليا، إن كل ذلك لا يعني اتفاقي مع سائر سياسات الحكومة البريطانية، فمواقفي من قضية الحرب على العراق مثلا معروفة ومسجلة، وعلى ضفافها طالبنا بضرورة جهود عالمية لإزالة المظالم التي تشكو منها الأمة العربية والإسلامية. ولعلي، وعلى طريق أن تكون لتلك الجهود آفاق جديدة يأخذ بها من مجرد المطالب، اجتهدت وبرؤية من هيئة شؤون الأنصار التي انتخبت لرئاستها عام 2002،لإيجاد (مرجعية اسلامية متجددة.. مبرأة من الانكفائية الماضوية والتبعية الاستلابية للوافد)، وقد تخيرت هذا العنوان لمؤلف صدر أمس الأحد في القاهرة، حاولت فيه أن أستقصي 41 مسألة لتكون مرجعية للبحث بين نحو 100 عالم ومفكر في مؤتمر سأسعى لأن يلتئم بالسودان في القريب.

مجمل القول هنا، وهذا أيضا خارج مضامين ما بعثت به لرئيس الوزراء البريطاني، إن سيولة التعاطي مع قضية شائكة مثل الحرب على الإرهاب، لا بد أن تستند إلى مرجعية فكرية تتجه إلى الأزمة نفسها بعيدا عن حسابات ضيقة أو آنية يمكن أن يمليها الغلو من هذا الطرف أو ذاك، فتقديري أنه وفي الحرب بين القيم، يجب أن تسود قيم الرحمة والتسامح وحقوق الإنسان والسلام مع العدالة على نقائضها الحديثة، ولكن لنا أن نذكر أن مثل هذه الأهداف يمكن أن تبقى رهينة في سجن الأماني ما لم تستصحب جهدا فكريا عميقا لجهة مرجعية إسلامية متجددة مبرأة، كما أسلفت من الانكفاء على الماضي وبنفس القدر من التبعية الاستلابية الوافدة، وهذا ما عقدنا العزم في هيئة شؤون الأنصار، على أن نبدأ به، فأعينونا ما أمكن بصالح الدعاء[1].

 

 

[1]*رئيس وزراء السودان السابق. بعض طروحات المقال مأخوذة بتوسع من برقية بعث بها

الى رئيس الوزراء البريطاني