حول دور حزب الأمة في إنشاء القيادة الشرعية

إفادة د.صديق بولاد عن دور حزب الأمة في إنشاء القيادة الشرعية

نقلاً عن كتاب العميد أ.خ. عبد الرحمن خوجلي

بعنوان (الجيش والسياسة في السودان) الصفحات 59-64

كان اللقاء الذي تم في أبو ظبي في النصف الأول للعام 1990م بين المغفور له الفاتح سلمان القيادي في حزب الأمة والفريق عبد الرحمن سعيد والعميد عصام الدين ميرغني طه هو الخطوة الأولى في تكوين ما عرف فيما بعد بـ”القيادة الشرعية”.

في هذا اللقاء جرى تداول ما يجري في السودان بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية، وجرى بحث كيفية انطلاق العمل العسكري ضد النظام المذكور. ثم سافر المغفور له الفاتح سلمان والفريق عبد الرحمن سعيد إلى لندن والتقيا بالسيد مبارك الفاضل المهدي وعاد الفريق عبد الرحمن سعيد إلى أبو ظبي، وفي هذه الأثناء وصل اللواء الهادي بشرى إلى لندن، التقى بالسيد مبارك المهدي وتفاكرا في الموضوع نفسه.

ثم سافر السيد مبارك المهدي واللواء الهادي بشرى إلى مصر واجتمعا بالمغفور له الفريق أول فتحي أحمد علي في الاسكندرية.

في تلك الفترة كنتُ مسؤولاً عن مكتب حزب الأمة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا (يقع المكتب في شارع بولي وافتتح في 26 مارس 1990م). هاتفني السيد مبارك وطلب مني ترتيب زيارة للعميد عصام الدين ميرغني إلى أديس أبابا وفعلا وصل العميد عصام إلى أديس أبابا قادماً من أبو ظبي حيث كان يعمل خبيراً عسكرياً.

وكنت في استقبال العميد عصام الدين في المطار، قبل هذه التحركات عقدت الاجتماعات  الأولى في القاهرة لتكوين التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج ضمت هذه الاجتماعات السادة: محمد الحسن عبد الله يس، أحمد السيد حمد عن الاتحادي الديمقراطي، الدكتور سليمان الدبيلو، الدكتور صديق بولاد، الفاتح سلمان، حسن أحمد الحسن وصلاح جلال عن حزب الأمة، الدكتور لام أكول والدكتور منصور خالد وياسر عرمان عن الحركة الشعبية، والدكتور عز الدين علي عامر من الحزب الشيوعي.

سبق هذه الخطوات الاتفاق الذي تم بين حزب الأمة والحركة الشعبية في فبراير 1990م، ثم تتابعت الاجتماعات.

فوصل إلى أديس أبابا السادة مبارك المهدي والدكتور عز الدين علي عامر والدكتور منصور خالد وتيسير مدثر. لم يكن أحد يعلم بوجود عصام الدين ميرغني في أديس أبابا، وبالتالي فإن لم يشارك في أي من الاجتماعات التي عقدت في تلك الفترة. أقام ممثلو فصائل التجمع الوطني الديمقراطي في فندق هيلتون. حيث كان يحل وزراء خارجية الدول الأفريقية لحضور المؤتمر الدوري لوزراء الخارجية الأفارقة، إذ رأينا أن نفيد من وجودهم لإجراء اتصالات حول الوضع في السودان.

في تلك الأثناء كان الدكتور جون قرنق موجوداً في أديش أبابا ومن جانبي كنت أتولى مسؤولية التنسيق لاجتماعات التجمع الوطني الديمقراطي وأجريت في تلك الفترة تعديلات لميثاق التجمع الوطني الديمقراطي ومن ثم أرسل الميثاق المعدل للسودان للموافقة. حتى ذلك الوقت لم يعلن التجمع الوطني الديمقراطي عن انطلاق العمل العسكري، إذ لم تكن لديه رؤية محددة لذلك العمل.

وبالنسبة لحزب الأمة كان لدينا نواة لعمل عسكري تمثل في وصول عشرة من كوادر حزب الأمة إلى أديس أبابا حيث كنت في استقبالهم، ومن ثم انتقلوا إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية في جنوب السودان لتلقي التدريب العسكري، وفي مرحلة لاحقة شاركت هذه الكوادر في العمليات العسكرية التي انطلقت في شرق السودان.

كان حزب الأمة يرى أن يكون العمل العسكري موحداً وذلك لخطورته، وأن تكون القوات المسلحة طرفاً فيه، آخذين في الاعتبار تجربة يوليو 1976م، كما كان رأي الأمة أن يقود العمل السعكري ضباط سودانيون يكون انتماؤهم قومياً في المقام الأول. طرحنا هذه الرؤية في اجتماعاتنا مع الحركة الشعبية ومع العميد عصام الدين ميرغني. وتضمنت هذه الرؤية أنه لا بد من منح القوات المسلحة السودانية الفرصة لتصحيح الوضع الذي نتج عن وقوع انقلاب فاقد للشرعية. على أن تساند القوى السياسية هذا التوجه. ولخص رؤية حزب الأمة في التالي: توحيد العمل العسكري، والمحافظة على قومبة القوات المسلحة حتى لا تتجزأ البلاد إلى سلسلة من الحروب.

وفي أعقاب ذلك عقد اجتماع في أديس أبابا ضم الدكتور جون قرنق ودينق ألور من الحركة الشعبية ومبارك المهدي وصديق بولاد من حزب الأمة، والعميد عصام الدين ميرغني ممثلاً لقطاع العسكريين الذين التقى بهم المغفور له الفاتح سلمان في أبو ظبي ومبارك المهدي في لندن والإسكندرية.

حتى ذلك الوقت كان تحرك حزب الأمة والحركة الشعبية محاطاً بالسرية وذلك لأن العمل ما زال في بداياته وفي طور النقاش والحوار. من هنا كان حرصنا في حزب الأمة على سرية التحرك وضماناً لتماسكه وتحوله إلى مشروع واضح المعالم ومحدد الأهداف. كانت رؤية الحركة الشعبية قريبة من رؤيتنا.

من جانبه رحب الدكتور جون قرنق وأعرب عن استعداد الحركة الشعبية لتقديم كل ما في وسعها لإنجاح هذا العمل، وأكد حرصه على قومية العمل العسكري.

بعد أسبوعين من هذا الاجتماع وصل الفريق عبد الرحمن سعيد إلى أديس أبابا وواصلنا الحوار مع الحركة الشعبية حيث تم التأكيد على المباديء التي اتفق عليها من قبل.

وفي الإسكندرية اجتمع الفريق أول فتحي أحمد ومبارك المهدي واللواء الهادي بشرى ووافق الفريق أول فتحي على فكرة انطلاق العمل العسكري وأعرب عن استعداده لقيادة هذا التحرك إلى جانب زملائه العسكريين.

ثم تواصلت الاجتماعات على نحو إيجابي ولقيت الفكرة قبولاً من العسكريين، فانضم العقيد تاج السر العطا الذي كان موجوداً في السعودية إلى تنظيم القيادة الشرعية.

في هذه الأثناء بدأنا اتصالات مكثفة لتطوير هذا التحرك وبلورته فتحدد يوم 25/9/1990م موعداً لإعلان بدء انطلاق العمل العسكري عبر مؤتمر صحفي عالمي يعقد في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. بدأ حزب الأمة والحركة الشعبية اتصالات مكثفة مع السلطات الأثيوبية لترتيب إعلان الحدث.

وضعنا الدعوة لكل مراسلي الصحافة العالمية الموجودين في أديس أبابا إلى جانب عدد من الصحفيين السودانيين والمصريين وهم الأساتذة: السر سيد أحمد، عثمان ميرغني، مصطفى بكري، طارق حسن وسعيدة رمضان.. ووصل إلى أديس أبابا الفريق أول فتحي أحمد علي والفريق عبد الرحمن سعيد واللواء الهادي بشرى والمغفور له الفاتح سلمان.

وعند اكتمال الترتيبات ناقشنا مع الحركة الشعبية مسألة إخطار السيد محمد عثمان الميرغني بالإعلان الوشيك وبالفعل أعلن السيد محمد عثمان الميرغني بعد يومين من الإعلان.

أجرى حزب الأمة اتصالات مكثفة في هذا الاتجاه، واتفق الفريق فتحي أحمد علي مع السيد الميرغني على إرسال مندوب يمثل سيادته لحضور المؤتمر الصحفي وبالفعل وصل المغفور له الأستاذ علي أبو سن إلى أديس أبابا ممثلاً للسيد الميرغني.

ترددت السلطات الأثيوبية في الموافقة على عقد المؤتمر الصحفي الذي سيتم من خلاله إعلان انطلاقة العمل العسكري خوفاً من أن يتسبب ذلك في إحداث المزيد من التدهور في علاقات النظام الأثيوبي مع نظام الجبهة الإسلامية ولعل مرد موقف السلطات الأثيوبية المذكور يعود إلى الحشد الإعلامي الذي كان سيقوم بتغطية إعلان انطلاقة العمل العسكري، إلا أنهم سمحوا لنا ببث إذاعي يتم من خلاله بث بيانات ونداءات التجمع الوطني الديمقراطي.