خطبة عيد الأضحى 9 ذو الحجة 1411هـ – 21 يونيو 1991م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى

9 ذو الحجة 1411هـ – 21 يونيو 1991م

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليّ من الذل وكبره تكبيرا. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. والصلاة والسلام على محمد الأمين عبد الله ورسوله ، وبعد  :-

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز :

إن تاريخ الإنسان يحكي قصصا كثيرة أخص منها بالذكر قصتين : قصة سعي الإنسان لله، وقصة خطاب الله للإنسان. فأما سعي الإنسان لله فقد أثمر الديانات الوضعية التي أصابت حينا عندما ضبطتها الفطرة وأخطأت أحيانا عندما مال لها الهوى، وأما خطاب الله للإنسان فقد سجل ديانات اتحدت من حيث عقائدها الجوهرية وهي التوحيد لله، والالتزام الخلقي، والعدل بين الناس، والجزاء الأخروي. وتنوعت من حيث شرائعها تمشيا مع حال المخاطبين وظروف الزمان والمكان.

” شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .. – الآية ”

إن الأسرة الدينية الإبراهيمية التي تبدأ بإبراهيم ( ع ) وتنتهي بمحمد (ص) متحدة العقائد مختلفة الشرائع وتجمع بينها خصائص معينة. وما احتفالنا بعيد الأضحى إلا مواكبة لحج بيت الله الحرام وإحياء ذكرى قصة إبراهيم ( ع) وهاجر وإسماعيل، وما الأضحية التي سنت علينا إلا صدى لمشهد امتثال رهيب: ” فلما بلغ معه السعي قال يا بنى إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى. قال يا ابتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم الصافات ( 102 – 17)

الأضحية تجب على من يملك ضرورات الحياة وزيادة. وينبغي أن تكون سالمة من العيوب صحيحة البدن وأن تذبح في يوم العيد أو في أحد أيام التشريق، ويستحسن أن يؤكل منها، ويهدى للجيران والأصدقاء من لحمها، ويتصدق على الفقراء من لحمها ولا تجوز المتاجرة بلحمها أو جلدها لأنها قربان يؤجر صاحبه على قدر اخلاص نواياه: ” لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم .. ”  الشورى 37.

أحبابي في الله واخواني في الوطن الغالي :

كانت الأديان الإبراهيمية تتنزل وحيا تخاطب شرائعه ظروف المخاطبين. حتى جاء الإسلام رسالة وعقيدة وشريعة خاتمة وشاملة تخاطب المكان كله والزمان كله. ولذلك كانت شريعة الإسلام مرنة بحيث تستوعب ظروف الزمان والمكان المختلفة في مواعينها الواسعة عن طريق الاجتهاد والشورى. لقد وفقت الرسالة الإسلامية توفيقا ربانيا بين الثابت من تعاليمها والمتحرك. الثابت في تعاليم الإسلام هو النص المنقول القطعي ورودا والقطعي دلالة، أما المتحرك فهو النص الظني ورودا أو الظني دلالة أو الظني ورودا ودلالة، وما سكت عنه النص من الأقضية والأمور.

المتحرك في الشريعة الإسلامية هو مادة الاجتهاد والشورى ولا تقوم له قائمة إلا بهذين الأمرين فمن عطل الاجتهاد والشورى عطل الدين.

لقد مرت على عالمنا فترات استبدت فيها نظرات مادية للحياة وأسس نفعية للأخلاق حتى ظن كثير من الناس أن الدين ظاهرة صاحبت طفولة الإنسان فلما شب عن الطوق أدار قفاه للدين. ولكن منذ دخول الثلث الأخير للقرن العشرين عمت العالم مظاهر صحوة دينية ازدهرت فيها الأديان على أنقاض الفلسفات المادية في كل مكان.

إن راية الإسلام لم تنكس أبدا رفعها على طول الزمان وعرضه المجاهدون والمجددون المجتهدون ولكنها في الثلث الأخير من القرن العشرين زادت ارتفاعا وصار ينتسب إليها المستحق والمستغل لها لغرض من أغراضه شأنها في ذلك شأن كل أمر مرغوب يدعيه من ليس من أهله. فالمعرفة يدعيها الجاهل والعالم لذلك وضع الناس ضوابط ودرجات وشهادات لتعرف حقيقة المدعى والمؤهل. وهذه الصحوة الإسلامية يجب أن يتمسح بها المستحق وغيره فما هي المقاييس التي تفرق بينهما ؟

مقاييس صحة الانتماء للصحوة الإسلامية تقوم على واجبات وحقوق محددة إن وجدت صح الانتماء لها وإلا فلا.

الواجبات هي:

  • الالتزام بالقرآن والسنة.
  • الامتثال للقطعي ورودا ودلالة من نص القرآن والسنة وإعمال الاجتهاد والشورى لاستنباط الأحكام فيما ليس قطعي الورود والدلالة من النصوص الإسلامية وفيما ليس فيه نص أصلا.

واجبات الإنسان في ظل الإسلام هي:

الإيمان التوحيدي كما نصت عليه الشهادة. والالتزام بالقطعي ورودا ودلالة من الكتاب والسنة، والالتزام بما يفضي إليه الاجتهاد المؤهل والشورى الصحيحة في سائر الأحكام المدنية والجنائية، والالتزام بمكارم الأخلاق وبالعمل المخلص لاعلاء كلمة الله.

إن للإنسان حقوقا في الإسلام كما عليه واجبات. حقوق الإنسان في الإسلام هي:

  • حرمة النفس والعقل والمال بحيث تصان نفسه وعقله وماله من أي عدوان.
  • حق الحرية بحيث لا يصيبه إكراه في عقيدته ولا في رأيه، وإن مبدأ الحساب في الإسلام يعني بداهة الحرية لأن فكرة الحساب وعدالته تسقطان إذا لم يكن المحاسب حرا حرا في صواب عمله أو في خطأ ارتكبه .
  • حق الشورى والمشاركة وهو حق ليس للخاصة بل عام لأن الضمير في قوله تعالى: ” وأمرهم شورى بينهم ” عائد لكل المخاطبين .
  • حق العدل بحيث لا يظلم سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا. لقد جعل الله العدل صنو التوحيد في الخير كما جعل الظلم صنو الشرك في الشر. بل إن ويلات الظلم وآثاره تظهر وبالا على صاحبها أسرع من ويلات الكفر. قال ابن تيمية : إن الله ليقوم الدولة العادلة وإن كانت كافرة وقد قال لي الشيخ عبد الله الترابي رحمه الله لدى خروجي من الاعتقال في السبعينات الظلم هدام .
  • حق الاخاء بحيث لا يضيره عرقه أو جنسه أو سنه من أن يكون أخا لغيره في البشرية وفي الإيمان .

هذه الحقوق والواجبات إما واردة في نصوص قطعية الورود والدلالة، و إما في مبادئ عامة بحيث يفصلها حتما الاجتهاد والشورى،  إن المساحة التي يغطيها في الإسلام الاجتهاد والشورى مساحة كبرى وهي مساحة وارد فيها اختلاف الرأي وتعدده. إن بعض الناس يظن أن تعدد الآراء والمواقف من حيث هو مخالف للاسلام، هذا جهل بتعاليم الإسلام. التعدد مرفوض في الإسلام من شئ واحد فقط هو الذات الإلهية. وتعدد الآراء مرفوض في الإسلام في النصوص القليلة القطعية الورود والدلالة. أما ما عدا ذلك فالتعددية حقيقة إسلامية، إن قيام كيان مسلمي الصدر الأول على مهاجرين وأنصار تعددية: وإن تشدد ابن عمر وترخص ابن عباس، وتوسط مال تعددية،  وإن اختلاف المذاهب أشهرها ثمانية تعددية، فالتعددية الفكرية والسياسية توافق مقاصد الإسلام، وإن أي محاولة لفرض رأي واحد على المسلمين على الصعيد الفكري أو السياسي لا يرضاه الدين ويسلب حقوق المسلمين ويمكن أعداء الإسلام من النيل منه ورميه بالتعسف والظلم والاستبداد. إن الظلم والاستبداد والعنف الذي يلازمهما أحوال تلفظها تعاليم الإسلام لفظا، بل تدل تجارب الإنسان على أن الظلم والاستبداد والعنف ممارسات فاشلة وعائدة دائما بالشر وسوء الختام على أصحابها، حتى اولئك الذين بالغوا فبلغوا أقصى الغايات. ولكيلا ننسى أذكر أكابر الظلمة والسفاحين في التاريخ المعاصر اولئك الذين أقاموا دولا تمارس الظلم والاستبداد والعنف بشكل مؤسس راتب فحبسوا وشردوا وتجسسوا وقتلوا وصادروا أموال الناس بالباطل وصبوا على شعوبهم سوط عذاب فانهار كيدهم وانزوى ذكرهم المزعج في ركن مظلم من ذاكرة الإنسان. وأنا للعظة – فالعاقل من اتعظ بغيره – أذكر منهم على سبيل المثال وفي الصعيد الإقليمي عيدي أمين السفاح الذي قتل وشرّد في العام الأول من حكمه أكثرية ضباط القوات المسلحة وسلط على المدنيين مكتب البحوث فقتل الآلاف المؤلفة. وبوكاسا الذي أعلن نفسه امبراطورا على بلاده واتخذ العنف وسيلة لاخضاع المعارضين فعذب الناس وأسال الدماء. وبابادوك سفاح هايتي الذي أعلن نفسه رئيسا مدى الحياة وأعاد تكوين جيش بلاده بحيث يكون ولاؤه له شخصيا ثم سلّطه على شعب بلاده يسومه العذاب والقهر. وبل بوت سفاح كمبوديا الذي أبطل المدن وهجّر الناس للريف وقتل في سبيل برنامجه 3 مليون. وأذكر على الصعيد العالمي هتلر الذي حدث وطوّر أساليب التجسس الواسع والإعلام المضلل والعنف القاهر ،وأذكر ستالين الذي جعل التجسس والتضليل الإعلامي والقمع وتصفية الخصوم علما دقيقا له دهاقنته وأجهزته. هؤلاء جميعا: خبراء التجسس الواسع – والإعلام المضلل – والأجهزة القمعية – والبطش بالخصوم والاعتداء على حرمات الآخرين ، ومن تتلمذ عليهم احتلوا أماكن قميئة في ذاكرة الإنسان إلى جانب قدامى السفاحين أمثال الحجاج ،وتيمور، ونيرون، وروبسبير عليهم لعنة الله والناس،  قال رسول الله ( ص ): ” من استن سنة سيئة فعلية وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

أحبابي في الله واخواني في وطن الجدود

إن المفكرين الإسلاميين والحركات الإسلامية شرعت منذ حين تستبين حقائق الإسلام هذه وتحاسب نفسها حسابا دقيقا. ونحن في السودان وطن المبادرات علينا أن نستبين أمرنا بجلاء وأن نلتمس هذه المقاييس تقويما لانفسنا وحماية لديننا من اتجاهات تتنافى مع مقاصده .

لقد كانت دعوة الإمام المهدي في القرن الماضي تجسيدا لتطلعات أهل القبلة في زمانها على حد تعبير الأخ عبد الودود شلبي في كتابه عن المهدية ونحن اليوم نتطلع أن نواكب تطلعات أهل القبلة في زماننا بحيث نراعي حقوق المسلم وواجباته في كل وجوه الحياة وبحيث نجعل الشورى أساس كل أعمالنا. وعلى أساس الشورى سيراجع أداء هيئة شئون الأنصار لتدعيمها واندفاعها في برنامج إصلاح ديني ثقافي اجتماعي، مراجعات وبرامج سوف تتجاوز بالشورى اختلافات الرأي  وفي الوقت المناسب سوف يقرر الأنصار عن طريقا الشورى بشأن الإمامة.

لقد لعب بيت الإمام المهدي وخلفائه كاسرة دورا تاريخيا في الماضي مما أوقع خلطا حول موقف البيت من كيان الأنصار . إن بيت الإمام المهدي وخلفائه سوف يوحد كلمته كأسرة سودانية لها ما للأسر السودانية وعليها ما عليها. وسوف ينخرط المؤهلون من أفرادها في عمل كيان الأنصار بمقتضى الأهلية بحيث يكون لهم ما لسائر الأنصار وعليهم ما عليهم. قال عمر ( رض) لا خير في أمر ابرم بغير شورى. وقال على ( رض): في الشورى سبع خصال: استنباط الصواب، واكتساب الرأي ، والتحصن من السقطة، وحرز العلامة ،ونجاة من الندامة، والفة القلوب، واتباع الأثر.

اللهم يا جليلا ليس في الكون قهر لغيره ويا كريما ليس في الكون يد لسواه ولا إله إلا إياه، وفقنا لمحاسبة أنفسنا بالحق ، واتقاء سخطك ،,ابتغاء مرضاتك، وأغفر خطايانا وارحمنا وارحم آباءنا، واهدنا وأهد أبناءنا وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانية

الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله رحمة للعالمين. أما بعد:

قال المفكر الإسلامي محمد أسد، وهو صاحب أحدث ترجمة للقرآن الكريم ولعلها أفضل ترجمة لكتاب الله باللغة الإنجليزية، قال: إن احتمال وقوع الجماعة في الخطأ أقل من احتمال وقوع الفرد، لآن الفرد مهما كان تقيا زكيا حسن النية فاحتمال تأثره بميوله الخاصة كبير. ورحم الله حافظ إذ قال :

رأي الجماعة لا تشقي البلاد به

رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

ولتأكيد صحة هذا الرأي لن أذكر كل القرارات غير الشورية التي جانبها التوفيق بل استدل بقرار واحد صدر أخيرا وكنا جميعا من ضحاياه ذلك هو قرار تبديل العملة، إن تبديل العملة هو أمر عادي وقد حدث في السودان أربع مرات لاسباب معلومة،  وإن الأهداف التي رمى إليها القرار أهداف في حد ذاتها سليمة. هي :

  • تخفيض السيولة خارج القطاع المصرفي وتوفيرها داخله لاستخدامها لاغراض التنمية والانتاج .
  • توسيع التعامل بالشيك تمكينا للقطاع المصرفي ؟
  • محاربة التضخم .
  • ايقاف المضاربات التي تستخدم السيولة الزائدة.

إن الوسائل التي استخدمت لتحقيق الأهداف وسائل خاطئة لأنها قامت على فهم خاطئ لأسباب السيولة الزائدة ولاسباب التضخم، ولاسباب الاحجام عن التعامل مع القطاع المصرفي، ولاسباب المضاربات الضارة ، كان التشخيص خاطئا وكانت الوسائل والأساليب المتخذة للعلاج بالتالي خاطئة بحيث أدت إلى عكس المقاصد الحميدة فذهب ما بقى من ثقة في القطاع المصرفي وأصيب الإقتصاد الوطني بالشلل  إن الأطباء والصيادلة يعلمون أن بعض الدواء إذا لم يلائم التشخيص حالة المريض قاتل للمريض. كمريض السكر يصاب بهبوط في السكر فيعطى جرعة من الأنسولين هي جرعة الموت للمريض. إن اقتصاد النقد جزء ناعم وحساس من أجزاء الاقتصاد وتؤثر فيه عوامل الثقة والسمعة والتوقع بحيث يمكن لحركة بسيطة فيه أو خطأ أن يأتي بنتائج وخيمة :

إن الحيايا وإن لانت ملامسها

عند التقلب في أنيابها العطب

النتائج العكسية التي تحققت هي :

  • هبوط التعامل بين الجمهور والبنوك لفقدان الثقة فيها ولاحتفاظ الجمهور بأي نقد سائل يقع تحت يده نظرا لشحه واحتياجه إليه في تعامله اليومي. بل إن النقد نفسه صار سلعة يتاجر بها صاحبها ويحقق مكاسب من السوق السوداء .صار للنقد سوق وطلب بالثمن .
  • مثلما أن كثرة النقود الزائدة مضرة للاقتصاد في اتجاه تضخمي فان قلتها مضرة في اتجاه كسادي مم خنق الإنتاج والاستثمار فأدى لمزيد من الغلاء والندرة وشل الاقتصادر الوطني في وقت هو فيه في قمة الحاجة للسيولة لمواجهة مطالب الموسم الزراعي
  • فقدان الثقة في التعامل مع البنوك لا سيما بعد أن تخلت عن دورها ككاتم لاسرار عملائها لا تبوح بها إلا بأمر قضائي .
  • إثارة المخاوف على حرمة المال الخاص بعد أن خضع لتصرفات مخالفة لارادة أصحابه مما أدى وسوف يؤدي لسلبيات لا أول لها ولا آخر ولا حل إلا في التخلي عن أمر ثبت فشله وضرره والتماس الشورى سبيل لبديل عادل ينفع الناس.

أحبابي في الله واخواني في وطن العزة :

لقد فصلت الحقوق والواجبات الإسلامية المطلوب الإلتزام بها . وأضيف أن للاسلام في السودان ظروفا ينبغي أن تراعى ، فاعداء الإسلام يريدون أن تسع مسافة العداء بين المسلمين وغير المسلمين من أهل السودان، لا سيما غالبية مواطني الجنوب لأنهم في ظل هذا العداء يقيمون حائطا نفسيا معاديا للاسلام والاستعراب في الجنوب وفي شرق افريقيا . لذلك فإن على المسلمين في السودان – دينا – العمل بكل الوسائل لتحقيق السلام وايقاف الحرب الأهلية الدائرة ومد جسور المودة الاخاء بين أبناء الوطن الواحد وابداء أقصى درجات المرونة في سبيل ذلك. مرونة لا بحدها الا عدم التخلي عن مبادئ واسس قطعية الورود وقطعية الدلالة .

إن ظروف السودان وتطلعات أهله تؤكد أن الاستقرار فيه يقتضي قومية المؤسسات الوطنية مثل: القوات المسلحة والخدمة المدنية وغيرهما، قومية تحكم شئونها فلا يكون التعيين والتقاعد والإعفاء والنقل والترقي فيها إلا على أسس موضوعية قانونية.

وظروف السودان تقتضي أن توظف كل الإمكانات الداخلية والخارجية للتنمية الاقتصادية وأن توزع فرصها وعوائدها بعدالة. إذ أنه لا فكاك من حال التخلف والتبعية والظلم الاجتماعي والجهوي إلا بالتنمية العادلة .

إن تحقيق السلام في السودان، والالتزام بالنهج القومي في إدارة مؤسساته التنفيذية والقضائية والإدارية والدفاعية والأمنية شروط وطنية للاستقرار وللنهج الإسلامي السوداني الواعي، وإلا وضع الإسلام في تناقض مع مبادئ ومؤسسات وممارسات مطابقة لمبادئه ومحققة لمصالح السودان. والقاعدة الشرعية الذهبية تقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

إن ظروف العالم اليوم تقتضى أن تقوم العلاقات بين الشعوب الإسلامية والشعوب الأخرى على أساس التسامح الديني والتعايش الديني وعلى أساس السلام العادل والتعاون الودي بين الدول على أساس: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين ”

إن العلاقات الدولية القائمة على أساس السلام العادل والتعاون بين الدول من مصلحة المسلمين وذلك للأسباب الآتية :

  • التمدد الإسلامية تحقق في ظل السلام والتعاون بين الدول وهو تمدد متواصل حتى الآن .
  • ثلث المسلمين يعيشون أقليات في بلاد أخرى وسوف تتأثر حقوقهم سلبا إذا عوملت الأقليات الدينية في البلاد الإسلامية باجحاف .
  • العالم غير المسلم هو الأقوى عسكريا واقتصاديا الأضعف حضاريا وروحيا. مما يجعل اللجوء للقوة في غير صالح المسلمين، كما اكتشف الذين زاودوا في هذا المجال، فما حققوا إلا مصالح أعدائهم :

لا يبلغ الأعداء من جاهل

ما بلغ الجاهل من نفسه

هذا طبعا لا يعني التفريط في الاستعداد القتالي لأعلى درجة. ولكنه يعني عدم اللجوء للقتال إلا دفاعا عن النفس أو عن حرية العقيدة .

 

أحبابي في الله، وأخواني في السودان :

 

إنني مواطن كتب الله له النجاة من تدابير الكائدين لقتله خمس مرات، وكتب عليه البلاء سجنا ثماني سنوات:

سبحان خالق نفسي كيف لذتها

فيما النفوس تراه غاية الألم

لذلك فإن أغلى أمنياتي أن تتحقق مبادئ الحق وأن يعبر السودانيون إلى بر تطلعاتهم المشروعة بوسائل سلمية.  قال رسول الله ( ص ): مادخل العنف في شيء إلا شانه، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه .

وبين أيدينا ما آلت إليه أوطان عزيزة علينا من تمزق، الصومال وليبيريا، لأنها أسلمت مصيرها لتراشق بين قهر السلطة وعنف المقاومة :

شواجر أرماح تقطع بينهم

شواجر أرحام ملوم قطوعها

لذلك لن أبرح أدعو الله واتطلع وأعمل لايجاد حل سلمي قومي ديمقراطي لمشاكل البلاد . أقول هذا مردد قول شعيب عليه السلام: ان أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب.

والسلام عليكم ورحمة الله، مع أحر التهاني بكم جميعا، رجالا ونساءا، شيبا وشبابا وأطفالا بالعيد، اعاده الله علينا وعلى بلادنا وعلى امتنا باليمن والبركات .