خطبة الجمعة بمسجد بودنوباوي 25 يناير2008م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي

بمسجد الهجرة بودنوباوي

 17محرم 1429هـ الموافق 25 يناير2008م

 

الخطبة الأولى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

قال تعالى:( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[1]

في الخطبة الأولى سوف نتحدث اعتبارا بالتاريخ، فاليوم هو السادس والعشرين من يناير الذي تم فيه تحرير الخرطوم، وهذا يوم مشهود لأهل السودان.

المهدية تمثل أمرين هامين:

الأول إعادة بعث روح الصدر الإسلامي الأول في السودان،

والثاني تجسيد الخصوصية السودانية التي توارثتها أجيالنا من مروي إلى ما بعدها في كل الممالك والسلطنات الإسلامية وكذلك الممالك المسيحية، ونحن إذ نحتفل بهذه المناسبة يجب أن نضع في أذهاننا بوضوح حقيقة أن المهدية تجسد هذين المعنيين الهامين بصورة واضحة، قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْق) [2].

عدت من ثلاث رحلات، وهذه الرحلات الثلاث مع اختلافها بين بريطانيا وألمانيا وقطر تؤكد أن هناك تباشير مولد لعالم جديد، عالم مختلف، لأن العالم الذي نعيش فيه الآن وما فيه من مظالم وأزمات لا يمكن أن يستمر. لا بد للإنسانية إذا أرادت أن تستقر أن تقيم عالما جديداً لأن العالم الحالي مشوه ولا يمكن أن يستمر بما فيه من أزمات ومظالم.

الرحلة إلى بريطانيا كانت لحضور مؤتمر نظمته جامعة لندن والجامعة الأمريكية ومركز الدراسات الإستراتيجية الأردنية لدراسة ظاهرة العنف والتطرف السياسي.

العالم الآن يواجه حركات عنف فلا تستطيع أن تدير أذنك لمذياع ولا أذنك وبصرك لتلفزيون إلا وترى الدماء تسيل والعنف يزيد والكراهية في كل مكان تزداد. كانت مداخلتي في هذا المجال أن في عالم اليوم عدة أسباب ما لم نعالجها بصورة عادلة وواضحة سوف يستمر العنف ويزيد عدد الضحايا.

أول هذه الأسباب: الاستيطان، ففي فلسطين حل شعب مكان شعب آخر وطرده من دياره، وهذا الظلم لا يمكن أن يستقر معه القرار.

والسبب الثاني: الاحتلال. حلت قوات أجنبية ببلدان مختلفة تفرض عليها إرادتها.

السبب الثالث: الفقر. هنالك الآن ما يمكن أن يوصف ببليون شخص يعيشون فقرا مدقعا في العالم هؤلاء بصورة أو بأخرى يشكلون وقودا للعنف والتطرف.

والسبب الرابع: الاستعلاء الثقافي. الغرب يتعامل مع الشعوب الأخرى باعتباره السيد وباعتبارها تابعة وذليلة، هذا الاستعلاء الثقافي لا يمكن أن يحتمل وللأسف نجد النظام العالمي الحالي يحمي هذه المظالم ولا يعمل من أجل إزالتها، إلا أعمالا تخفيفية تسكينية وليست علاجية. العالم الغربي يفرض “علينا” إرادته وعنده القدرة الاقتصادية وكذلك القوة النارية وأسلحة الدمار الشامل ولكن هناك شعوبا بصورة أو بأخرى وبطرق مختلفة استطاعت أن تطور أسلحة الضرار الشامل وهي: العنف السياسي، والهجرة غير القانونية، والتعامل غير المسئول مع البيئة والصحة، وإنتاج المخدرات، ونشر أسلحة الدمار الشامل. وهذا للأسف سوف يقود إلى المواجهات مما يعني استمرار التوتر،

وما لم تعالج هذه القضايا علاجا حاسما في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، والصومال… الخ.

إذاً لا يكفي أن نتحدث عن أن هناك معقولية للعلاج وللاعتدال، ولا حتى أن الإسلام دين اعتدال، هذا كل صحيح الإسلام دين اعتدال والاعتدال خير ما يمكن أن يتبعه الإنسان ولكن مع الظلم تتحول هذه القضايا إلى مواجهات ولا سبيل إلى علاجها إلا إذا عولجت الأسباب. يحاول النظام العالمي معالجة هذه المشاكل عن طريق إجراءات أمنية كثيرة، هذه الإجراءات الأمنية تعالج الظواهر ولا تعالج الأسباب. ما لم تعالج الأسباب فسوف يستمر هذا الاندفاع نحو هاوية العنف والتطرف والغلو وسفك الدماء. هذا كان أساس المعنى الذي نوقش هناك لكي يستمع العاملون والمفكرون إلى هذه الحقيقة، ولكي يتجاوزوا الظواهر للحديث عن الأسباب.

الرحلة الثانية: كانت لألمانيا وفيها كان البحث عن ماذا تفعل أوربا بحيث تتعامل معاملة طيبة مع الشرق الأوسط؟ وبالطبع أوربا جارة للشرق الأوسط وكل مشاكل الشرق الأوسط تعبر البحر الأبيض المتوسط  إلى أوربا ما لم تعالج.

وكانت مداخلتي هي أن الولايات المتحدة عن طريق حكومتها الحالية وإدارتها الحالية طبقت سياسة فاشلة في كل المنطقة وهذه السياسة الفاشلة جلبت للغرب عداوة واضحة، وهذا العداء ما لم يعالج بصورة كبيرة ويجب أن تعالجه أوربا باعتبارها تدفع الثمن لهذا العداء، فسوف يستمر ويشكل خطراً عليها وعلى السلام في المنطقة.

هناك حاجة لطريق مختلف في العراق، وأفغانستان، وباكستان، والصومال،و لبنان، وسوريا، وإيران.

لا بد من نظرة مختلفة لأن النظرة الحالية التي اتبعتها السياسة الأمريكية أتت وتأتي  بفشل كبير وعداء للغرب يدفع الأوربيون ثمنه.

فمثلا هنالك الآن في أفغانستان مقاومة تقودها جماعة طالبان التي كانت معزولة، ولكن بفضل السياسة الأمريكية صارت طالبان الآن تشكل في أفغانستان حركة تحرير، فلا بد أن تعالج القضايا السابقة عن طريق مشاركة طالبان مع القوى السياسية الأخرى، و كل المنطقة تحتاج لسياسة أوربية متحررة من قيود السياسة الأمريكية الحالية، و الشيء المبشر أن أمريكا نفسها نجد مفكريها وكثيرا من مثقفيها بدءوا بتجاوز الإدارة الحالية ويوقنون خطأ هذه السياسات وضرورة التخلص منها، هذا يعني أن الشعب الأمريكي يمكن أن يغير سياسات بلاده.

وأوربا يجب أن تغير سياساتها في المنطقة وتتجه بعلاقة جديدة مع الشرق الأوسط  وإلا فسوف يواجه الشرق الأوسط هذه السياسة الغربية كلها بالعداء.

الرحلة الثالثة:  كانت للدوحة حيث أن فيها الآن شيء غريب، فالنظام هناك نظام أميري ولكنه يفكر بعقلية منفتحة.

فظاهرة الجزيرة (محطة الجزيرة الفضائية)، ظاهرة تدل على التفكير في إعطاء منبر لمن لا منبر له،  فهي تدل على إيجاد رأي ورأي آخر ظاهرة وعلى التوثيق  بطريقة موضوعية، وتدل على كشف عيوب ومظالم تقع على الشعوب المضطهدة. فمما لا شك فيه أن من يتابع الجزيرة الآن وما تكشفه مما يحدث في غزة لا بد أن يشيد بهذا العمل لأنه يطلع العالم كله على المظالم  التي يواجها أهلنا هناك.

هذه الجزيرة تبعها خط آخر، وهو قيام هيئة تقوم لحرية الإعلام وهذه الحرية الهدف منها تقديم ضمانات للصحفيين والصحافيات، والإعلاميين والإعلاميات، الذين يمارسون حرية الإعلام، وهذه فيها تطابق مع منظمة عالمية “صحافيين بلاد حدود” وهذا يعني دعما لحرية الصحافة.  بهذا المنطق وفي هذه المنظومة أقاموا مؤسسة الديمقراطية العربية التي ذهبنا لحضور اجتماع مجلس أمنائها وهي المرة الأولى التي تفكر فيها جهة عربية في أن تتبنى مطالب الشعوب في التحول الديمقراطي ونشدان الحرية وحقوق الإنسان.

هذه الخطوة إلى الأمام جيدة ولا شك أنها تعنينا جدا نحن وغيرنا من الشعوب التي تشقى بالظلم، وبالاستبداد، وبالقهر، وفي هذه المنظمة الجديدة ومضة “إشراقة” في اتجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد وجهت الدعوة للمنظمة  لعقد  جلستها القادمة في السودان، باعتبار أن السودان فيه فرصة لنمو ديمقراطي إذا هدى الله الجميع ووفقهم للتحول الديمقراطي الصحيح.

في كل هذه الحالات دليل على أن هناك عوامل تطالب بعالم جديد وتغيير الأوضاع الراهنة،

يقول شاعر متشائم:-

لا تحلموا بعالم جديد فخلف          كل قيصر يموت.. قيصر جديد

أقول: “لا”، كل العوامل تتجه نحو ما أسميه الضغط من أجل التغيير والحقيقة أنه (لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[3]

استغفروا الله.

الخطبــة الثانيـــة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه، يقول  تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)[4]، وقال: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا)[5].

ناضل الشعب السوداني نضالا كبيرا حتى استطاع أن يحقق ضمن عوامل مختلفة:

  • السلام الجزئي.
  • والتحول الديمقراطي المحدود.

ونحن الآن في حوار مع السلطة القائمة من أجل تحقيق الأجندة الوطنية، هل هم صادقون؟!

لا يمكن أن يطلع على السرائر إلا رب السرائر، ولكن هناك عوامل موضوعية:

العامل الأول: جربوا الحلول الجزئية والثنائية ووجدوها غير مجدية، بل كل اتفاق جزئي نتيجته مزيد من الاحتراب والنزاع، فقد جربوا الركون إلى القوى الأجنبية واتضح لهم ولنا وللجميع أن القوى الأجنبية لا تدرك تشخيص المشاكل السودانية، ثم ليست لديها خطة لتعالج هذه المشاكل، فهذا دافع يمكن أن يجعلهم ينفتحون نحو القوى الوطنية التي كان لها دور حقيقي في بناء السودان الحالي، وفي تكوين المجتمع السوداني وتكوين القوى الاجتماعية السودانية، هل هذا سوف يدفعهم؟! ربما!، على كل حال نحن نقول: “تفاءلوا بالخير تجدوه” وسنكون حريصين على الأجندة الوطنية وتحقيقها إنشاء الله.

لماذا نحرص نحن على ضرورة إيجاد حل سلمي للقضية؟

السبب الأول: السودان فيه أكثر من مائة تنظيم مسلح، هذه التنظيمات المسلحة معبأة وفيها ما فيها من غبائن وهناك مشاكل بيننا وبين بعض جيراننا يستعدون لاستغلال ما يمكن أن يحدث في السودان لتصفية حساباتهم معه.

هذا يعني أن “حلا باليد خير من حل بالسنون” إن أمكن، لأن احتمال المخاشنة والمواجهة في السودان سوف يطلق العنان لهذه القوى المختلفة التي تشدها أجندات لا تتعلق بالأجندة الوطنية، والقوى الأجنبية يمكن أن تتمدد على حساب السودان.

على أية حال نحن نعتقد أن هذا الموضوع سيطول والتفاوض قطع (50%) من الأجندة. فإذا بلغ نهايته وتأكد وجود عوامل منضبطة لتحقيق ما يتفق عليه وتأكد إجماع الآخرين، لأننا لا نريد أن يكون اتفاقنا اتفاقا يتيما بل نريد أن يكون له أكثر من أب حتى تكثر في دعمه الأيدي، وتكثر في دعمه القلوب والعقول.

في هذه الأثناء حصلت أشياء تحتاج لبيان، نحن مستهدفون من جهات مختلفة فأفرادنا مستهدفون ودارنا مستهدفة، ونتيجة لذلك عرضت علينا السلطات الحماية، باعتبار أننا مواطنون وأنهم مسئولون عن أمن الوطن والمواطنين، وكان موقف المسئولين في حزبنا “نحن يمكن أن نحمي أنفسنا ولكن يجب أن نحمل السلاح لكي نحمي أنفسنا”،  ولا توجد صيغة لنحمل السلاح بموجبها إلا ضمن جهاز رسمي، لذلك قبلوا أن يدخل منا من يدخل لحمل السلاح في هذا الإطار وهو شيء مرتبط بأمننا وسلامتنا.

بالطبع نحن يمكن أن نقول: “لا”،  لأن هذا ليس جزء من صفقة ولا اتفاق ولكن جزء من حماية لدارنا المستهدفة و أفرادنا المستهدفين ويحتاجون لحمل السلاح لحماية هذه المسائل وهذه الأصول.

الموقف هو أننا باختيارنا يمكن أن نحمي أنفسنا بحمل هذا السلاح ضمن هذه المعادلة.

وهذا الأمر يمكن إن قلنا لا نريده أن نرفضه، لأنه ليس جزءا من اتفاق وليس جزءا من تسوية ولا جزءا من صفقة.

هو لمصلحة كياننا، وأمننا، وليس لمصلحة أي شيء آخر، وبالطبع نحن على موقفنا المبدئي من هذه الأجهزة، كل أجهزة الدولة يجب إصلاحها حتى تتمشى مع الديمقراطية، وحتى تكون قومية.

هذا هو المبدأ الذي نعمل من أجله عبر المفاوضات ولكن هذه الحقيقة التي ذكرتها تتعلق بحماية الأفراد ومبنى يحتاج للحماية لأن هناك من يستهدفه.

توجد ظاهرة أخرى تناولتها الصحف بالتعليق والرأي والرأي الآخر، وهي ضم ابني بشرى لجهاز الأمن.

إن بشرى وغيره من أبنائنا الذين تخرجوا كعسكريين قدموا للانضمام للمؤسسة العسكرية، ولكن قبل هو في هذا الإطار، ونحن نعتقد أن هذا خطا يجب أن يصحح، لماذا؟ ليس لأنه سيخدم أجندة أخرى ولكن لأن هذا جعله ينضم لجهاز لدينا ما لدينا نحوه من رؤى، وخلق هذا التعيين نوعا من التشويش يصرف النظر عن جوهر القضايا إلى مسائل فرعية.

هناك من قال: “إن بشرى ذهب إلى هناك”،  كأنما هذا برأي فردي منه وكأنه هو يريد أن يفعل ذلك.

بشرى شاب منضبط وهو في حقيقة الأمر شابٌ، تقيٌ، ووطنيٌ، وفارس، وليس له تحفظ في أن يخدم في أي مجال يوضع فيه. ولكن هذا الخطأ سوف يصحح لأنه أثارً تشويشا.

وهناك حسب ما رأينا فائدة كبيرة فيما حدث:

أولا:ً الفائدة هي أن “جماهيرنا” ناقشوا هذا الموضوع بحرية وهذا ما نريده، لا نريد إنساناً يكتم، ويتعامل في هذه الأمور بنفاق، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إذا تباينتم ما تدافنتم”.

ولذلك نحن سعداء والذين تحدثوا في هذا الموضوع “وهذا مهم جدا أن نعرفه” ففيه فائدة للكيان،  ينقسمون إلى أربعة أقسام:

قسم الذين هم في حقيقة الأمر اعتبروا أن كل شيء يحدث في الكيان مقبول،  على وزن قوله تعالي: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا)[6]. هذا فريق.

وهناك فريق مشفق بحق هؤلاء “مشفقون حقانيون” منطلقون من قول الحق “حتى ولو على أنفسهم”، هؤلاء التزموا: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[7].

وآخرون مرجفون: حاولوا أن يجعلوا من خطأ واحد نسخا لكل الصوابات السابقة، وهؤلاء معروفون وانكشف أمرهم وعرف، ولا بأس أن نعرفهم كما قال الشاعر:-

جزا الله الشدائد كل خير    عرفت بها عدوى من صديقي

وهنالك الفصيل الآخر، وهؤلاء هم “المغرضونُ”، يعتقدون أنه لا يوجد داعي للإصلاح طالما قبلنا ما حدث معناه أن الإصلاح لا يوجد داعي له.

هؤلاء هم مغرضون يريدون توظيف الحدث لصالح دعم الانصراف عن الإصلاح.

وعلى كل حال لا شك أن الحدث الذي وقع أثار نقاشا كبيراً ومفيداً.

ومن ناحيتي أنا أعتقد أن تناول الأمور بحرية أمر نرحب به، ولكن ليس من المفترض أن نعتقد أن الإنسان منا إذا دخل في أية مؤسسة من المؤسسات النظامية يمكن أن يستغل أو يسخر عمله للبطش بحقوق الإنسان أو الإساءة للمواطن السوداني، هذا مستحيل.

لكن الخطأ سيصحح إن شاء الله ونتجاوز هذه المسألة إلى أن يُتفق على الإصلاحات المطلوبة.

السودان الآن في موقف مهم جدا، نحن نستطيع أن نعالج قضية الانقسام الوطني.

وإن فعلنا! على أساس تلبية وتحقيق الأجندة الوطنية لأمكننا بالفعل أن نتجاوز الأوضاع الحالية ونحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي.

وإن فعلنا فسنكون قدوة لغيرنا، لأن فلسطين محتاجة لنفس النوع من الإصلاح، وكذلك لبنان والعراق، والمنطقة كلها “الصومال ـ كينيا” تحتاج لهذا النوع من الإصلاح الذي يقود لتجاوز الانقسام للوحدة الوطنية. هذا ممكن إذا وجد فاعل مفاعل قادر على أن يتولى هذا الأمر بعد أن يكون حقق هو أهدافه في هذا المجال بعد أن يكون قد وضع سُنة، “ومن استن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأختم بالحديث عن الموقف المأسوي في غزة وأقول: أناشد الأخ محمود عباس: “يا أخي لا فائدة ولا أمل يرجى في هذه الحرب هذا الخلاف بينكم وبين زملائكم في حماس.

حماس أخطأت بأن استولت على السلطة بالطريقة التي حدثت، ولكن ارتكبت بعد ذلك أخطاء كبيرة وظفتكم ووظفت الموقف الفلسطيني لصالح السياسة الإسرائيلية، ولصالح سراب اتفاق أو عملية السلام في انابولس وهذه عملية سرابية لا يرجى منها أية نتيجة، المسألة الآن هي مسألة وحدة فلسطين، فهي التي تنقذ هذا الشعب المسكين المظلوم في غزة.

ونشكر للسيد الرئيس (حسنى مبارك) أنه قنن ما قام به الشعب الفلسطيني في غزة من تحطيم الحاجز.

هذا دليل آخر على الحيوية الشعبية الموجودة الآن والتي تتجاوز الحكومات وتتجاوز المواقف الرسمية وتفرض العدل وتزيل الظلم.

نحن مع هذا الشعب المسكين المظلوم ويجب أن يعمل كل الذين عملوا لدعمه ومناشدة كل العقلاء في الأمة العربية ليناشدوا محمود عباس وخالد مشعل أن يجتمعوا ويجددوا اتفاق مكة ويتجاوزوا هذا الموقف المضحك الذي فيه توظف خلافاتهم لصالح أعدائهم وضد شعوبهم هذا ينبغي أن يكون، وإنشاء الله نستطيع أن نفعل ذلك.

أنا اتصلت بأخوتي في منتدى الوسطية العالمية لكي نعمل عملا منسقا لمواجهة هذا الموقف، نصحاً لمحمود عباس وخالد مشعل ليتفقوا ويتجاوزوا هذا الخلاف ولا يجعلوا من خلافاتهم خدمة لهذا الظلم الإسرائيلي القائم:

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وأبناء ذي الغربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون.

قوموا لصلاتكم يرحمني الله وإياكم ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يهدينا وأن يهدي أبناءنا وبناتنا وأن يرحمنا ويرحم أبائنا وأمهاتنا والسلام عليكم.

 

 

 

 

[1]  يوسف الآية 111

[2] العنكبوت الآية 20

[3] السورة يوسف الآية 87

[4]  سورة البقرة الآية 214

[5]  سورة البقرة الآية 110

[6]  سورة النور الآية 12

[7]  سورة المائدة الآية 8