كلمة عيد الميلاد 25/12/ 2007م

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة عيد الميلاد 25/12/ 2007م

أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي السلام عليكم ورحمة الله .

أبدأ بشكر أبنائي وبناتي والأخ إبراهيم في مكتبي على ما رتبوا من احتفال.

والحقيقة ليست كما قال الأخ الحاج وراق الذي نسب الاحتفال لي لأن الاحتفال أصلا كانت تقيمه والدتي ثم أسرتي في أيام الأسر والاعتقال ثم مكتبي الآن. وعلى أية حال فإن سنة الاحتفال بالميلاد صارت راتبة رغم أنه عادة أجنبية وسيكون مدخلي للتحدث عنها قصة قصيرة تبين أن ليس كل ما يفعله الآخر الحضاري شر.

كنت يوما مع زميل لي – أحد كبار رجال الجبهة القومية الإسلامية- في رحلة جوية وعندما ركبنا طائرة البوينج سألني محتارا: “هل يعقل أن من صنعوا مثل هذه الطائرة يذهبون إلى النار؟” فكان ردي له بالآية: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِين* وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)[1]. الشاهد أن الآية تقرر أن ما يفعلوه من خير عام لن يجحدوه. وسأقوم بترجمة هذه الجزئية لأهميتها لمن هم بيننا ولا يتحدثون العربية.

“I would like to translate this part because some of us does not understand this particular story which I want to start my speech with, I have once traveled with one of my Islamists friends and when we got into the plane, he asked me (Brother, is it possible that the people who designed have made this plane will go to Hell?) I have answered him using a Verse from Quran,   speaking about the Morals and spiritual worth in all the workings of the people of the Book and in this particular juncture the mentioned Verse says”

(وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ)[2]

“What Good they do, will not be denied to them”

The above was my answer to his speculation about whether they will go to Hell or not”

النقطة الأولى: الحديث عن الاحتفال بالميلاد

وفي هذا السياق فرغم أن الاحتفال بالميلاد بدعة ولكنها بدعة حسنة، قال ابن القيم وهو أحد أهم الأئمة السابقين: “إن ما ينبغي أن نرفضه ليس التجديد واستصحاب الجديد فالرسول e والصحابة كلهم اختاروا استصحاب الجديد من التراث الإنساني والذي هو خارج تراثهم ما ينبغي رفضه هو ما يناقض قطعيات الشريعة، أما ما هو غير ذلك فيجب أن نقبله ونستصحبه لأن فيه منفعة لنا في الدين والدنيا) مما يعني أن استصحاب الجديد النافع هو من السنة! لأن الرسول e فعل ذلك فالرسول e عندما حوصروا استجاب لاقتراح  سلمان الفارسي بحفر الخندق، ثم قام كثير من الصحابة بأعمال كلها صالحة مع أنها ليست مستمدة من النصوص وهي بالمفهوم التقليدي معتبرة بدعة ولا يقبلها الحرفيون مثلا: ما قام به عمر بن الخطاب من تدوين الدواوين واتخاذ العملة وما فعله عثمان بن عفان من توحيد النص القرآني وإحراقه النصوص الأخرى ولا أريد التركيز على آراء الحرفيين فيكفي ما بيننا من جبهات خلافية مفتوحة ولكنني سأروي طرفة توضح مثل هذا الفهم الحرفي للأمور. كان البعض يصلي في جماعة وبعد الانتهاء من الصلاة قام أحد الناس بمصافحة جاره قائلا: (حرما أو تقبل الله) كما يفعل كثير من المسلمين فما كان من الجار ذو الفهم الحرفي إلا أن قبض يديه قائلا بغلظة: (ليست من السنة)، فأجابه من حاول مصافحته: (فهمنا أن هذه ليست من السنة ولكن هل هذه المساخة-الفظاظة- من السنة؟).

هناك من اعتبر أن أهم ما في الإسلام الفتوحات العسكرية وبأن الإسلام استطاع في ظرف 80 سنة تحقيق ما حققته الإمبراطورية الرومانية في 800 سنة، لكن الحقيقة إن أعظم ما حققه الإسلام هو الانفتاح على الآخر واستصحاب الحضارات الأخرى كما أشار “مونتجمري وات” في كلمته العظيمة حيث قال: “ما أعتبره أعجوبة بالنسبة للإسلام هو كيف أن المسلمين استصحبوا حضارات وثقافات الشرق الأوسط القديم وأوروبا القديمة فيما شيدوا من حضارة”. ولكن استصحاب النافع من الحضارات الأخرى لا يعني بحال الاستلاب وهذا ما يميز كثيراً من استجاباتنا للغرب مثلما رأيت في احتفال في ذكرى طيب الذكر الملك حسين زميلنا في الدراسة فقد كان هذا الاحتفال معبرا عن ما ذكرت بصورة ظاهرة حيث تحدث الجميع لغة ومعاني بغير ما يمثل ثقافتنا وقد كان الفرق واضحا بيننا في ذلك حتى أن الشيخين المقرئين المصريين اللذين قاما بافتتاح حفل  التأبين قالا لي لولاك يا فلان لاعتبرنا أنفسنا في مشهد خارج العالم الإسلامي!

في الحقيقة إن هذا الاختلاف الذي ميزني عن الآخرين أرجعه لتمردي على ظروفي  وقد قال توماس اكوين “قديس كاثوليكي”:  “إن الإنسان هو المخلوق الوحيد في العالم الذي ليس محكوما بما حوله وإنما يؤثر فيما حوله لأنه كائن قلق وقلقه هذا هو سبب الأمل في مستقبله”.

(The only creature who is not at home with the universe is man and because of that there is hope in him)

لقد  عملت على تغيير ظروفي وتمردت عليها وساعدتني الأيام على ذلك، فقد ولدت وفي فمي ملعقة ذهب تحولت بفعل الظروف من مصادرات وسجون وشتائم إلى “علقة” من حديد! كما قال الشاعر:

رماني الدهر بالأرزاء حتى             فؤادي فــــي غشاء من نبال

فصـرت إذا أصابتني سهام             تكسرت النصال على النصال

وقد أفادني هذا التمرد وهو خصلة إنسانية (كما ذكرت) وتلك الظروف التي غيرت الواقع وحولت الذهب إلى حديد ساخن! فائدتان كبيرتان، لولاهما لكان شرف النسب فتنة كبيرة والناس يبتليهم ربهم بالخير وبالشر والحكمة في هذا كما قال البحتري (من أهم شعراء العربية):

ولست أعتد للفتـى نسبـا            حتـى يــرى في فعله حسب!

قال e لبني هاشم: “لا تأتوني بأحسابكم وأنسابكم ويأتي الناس بأعمالهم”، والإمام المهدي أصدر منشورا عن أولاد المراتب المفتونين بحسبهم ونسبهم فيضيعوا بهذا السبب.

أقول نسب عاطل محفز خير من نسب واصل مخمل وهذا معنى لعبارة قالها الإمام الغزالي قال: “رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا”.

إن كانت العبرة بالنتائج كما يقول السيد المسيح “و بثمارها تعرفونها” فإن هذه الفوائد تجعلني أحمد الله على “علقة” الحديد بما أفادتني في ديني ودنياي كما يقول سبحانه وتعالى: (وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[3]).

 

النقطة الثانية: عدة مواقف

الموقف العام – الحزب والهيئة-  المعيشة والأسرة.

الموقف العام:

للأسف فإن قراءتنا للاتفاقيات الثلاثة· (نيفاشا، أبوجا، والشرق) كانت صائبة ونتيجة لذلك فالبلاد في محنة صعبة للغاية بل تبدو مشاكلها عالقة ومستحيلة الحل! ولا يوجد حل إلا بالخروج عن سقوف تلك الاتفاقيات وهذا ما نراه في الحرب المؤسفة التي دارت في أبيي وهي حرب مربوطة جدا ببرتوكول أبيي والاتفاقيات حولها وهي أزمة محتقنة ولا يوجد علاج نهائي لها (ضمن تلك الاتفاقيات) وكذلك لا يوجد حل دولي وذلك لثلاثة أسباب:

  • الأسرة الدولية المعنية بالشأن السوداني الآن غير ملمة بتشخيص حقيقي لما يدور في السودان.
  • تركيبة اللجنة التي شكلت للنظر في الحل غير متوازنة.
  • توجد مبادرات وطنية لكنها غير كافية مثل مبادرة الحكماء التي رحبنا بها وتمنينا لها الوصول لنتائج، ومبادرة د. الجزولي ومن معه والتي رحبنا بها أيضا ولكن منعنا من الاشتراك فيها كونها مبادرة من أفراد ولا يمكننا إزاحة عمامتنا لنتحدث كأفراد لأننا نمثل قوى اجتماعية تسائلنا وتحاسبنا.

البعض يخجل من هذه القوى الاجتماعية أو يزهد فيها أو ربما لا يعتبر نفسه مساءلا لديها.

بالنسبة لنا كونا أربع لجان للعمل من أجل الوفاق الوطني وقد انتقد الحاج وراق المقابلة التي تمت في هذا الشأن مع ناس المؤتمر الوطني وله الحق في ذلك (في التوقيت) ولكن عندما اخترنا هذا الطريق لحل أزمات البلاد كونا اللجان المذكورة وهي:

  • لجنة لمخاطبة المؤتمر الوطني لنتفق معه إن أمكن على قضايا نهايتها قومية.
  • لجنة تواصل نشاطنا مع الهيئة الشعبية التي نحن متعاونون ومتحالفون معها.
  • لجنة للاتصال بالحركة الشعبية.
  • ولجنة تتصل بالأسرة الدولية.

هذه اللجان الأربعة لديها إستراتيجية واحدة مع تكتيكات مختلفة وهي مجتمعة تعمل على تحقيق الآتي:

أولا: الاتفاق على وثيقة جامعة يتفق عليها كل السودانيين من حملة سلاح وعسكريين ومدنيين حكاما ومعارضين وهي وثيقة للسلام الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي.

ثانيا: المنبر القومي المشترك المرشد الذي يخضع لإعلان مبادئ لا يبدأ من الصفر وإنما يبني على ما تحقق ونعتقد أن الظروف مواتية لتحقيق ما نحن بصدده.

العمل في الحزب:

نقرأ في كثير من الصحف الكلام عن الأحزاب وكأنها من فصيلة واحدة! وهذا غير صحيح لأنها ألوان وأشكال فيها الأرانب والفئران والسباع ولا يمكن استخدام قالب واحد لتطبيقه عليها. والحقيقة فإن هذا نابع من دعايات الشمولية التي تريد أن تعطي انطباعا بأن الحزبية غير صالحة ولا قيمة ولا مستقبل للأحزاب. وأعتقد أن من واجب الصحافة والرأي العام توضيح هذا، ونقد وتصحيح كراسات الأحزاب بصورة موضوعية تفرق بين النور والنار والظلام؛ على أساس أن هذا يشجع المحسن ويكشف المسيء.

بالنسبة لحزب الأمة نستطيع أن نقول أننا قابلنا سبعة مقاييس استطعنا تحقيقها وهي:

  • عقدنا مؤتمراتنا القاعدية.
  • تفاعلنا مع الأحداث.
  • لدينا قيادة فكرية.
  • تواصل أجيال مخطط له (من؟ يحتل أين؟).
  • موضوع الجندر.
  • موضوع الحضور الإقليمي.
  • وموضوع الحضور الدولي.

وكما مارسنا وجودا فاعلا في تلك المقاييس كذلك نريد من الآخرين أن يفعلوا ذلك أيضا ويكون النقد على أساس تلك المقاييس ولكن للأسف فإن بعض الناس يحصرون الأمر في عمر الرئيس والمدة التي قضاها في السلطة، دون تمييز بين السبعينيين (المكسرين) و(الطايرين) ولا يرون طريقة لتغيير الرئيس إلا بتدخل من عزرائيل! من شدة اليأس من الطرق الأخرى.

أعتقد أن العمر ليس بالأمر المهم إنما الأهم مدى فاعلية الرئيس. أما بالنسبة للمدة التي قضيتها رئيسا لحزب الأمة، فرغم أنني انتخبت منذ 1964م ولكني منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا في سبيل رئاسة حزب الأمة عانيت كثيرا- سجونا ومصادرة وحكما بالإعدام أكثر بكثير مما حظيت به في السلطة وقد كان الحزب نفسه محلولا أغلب هذه المدة وليس له وجود. وفي تقييم هذا الأمر لا بد أن يؤخذ في الحسبان أن هذه الرئاسة ليست مستمرة و ليس كلها غنائم بل على العكس من ذلك هي كلها مغارم وهي أيضا خاضعة لتجديد الاختيار بإعادة الأمر عن طريق  الانتخاب وليست انتخابا مدى الحياة. والمعيار الصحيح في أمر الرئيس بصرف النظر عن عمره والمدة التي قضاها رئيسا يجب أن يحتكم فيها إلى الآتي:

هل هو قادر على العطاء؟

هل يعبر عن إرادة القواعد؟

هل الإنسان طليعي أم كهفي؟

هل هو مواكب أم (يقصع في الجرر)؟

هل هو متجدد أم مقلد؟

ما يقوله هو ومن في حزبه هل يمله الناس ويصمون عنه آذانهم؛ لأنه كلام فارغ أم يجدونه جذابا و يريدون الاستماع له؟

هل كلامه من القلب وصادق أم (من الطوق لفوق)؟

هل يحترم المواطن أم يستغفله؟

هل استطاعت هذه القيادات أن تفرز كوادر جديدة مؤهلة لتكملة المشوار؟

هل نجحت في إقامة مؤسسات تحاسب وتساءل لتغيير القيادة في الوقت المناسب؟

أعتقد أن الأسئلة السابقة هي التي ينبغي طرحها للتمييز بين البعر والدر!

هيئة شؤون الأنصار:

نعتبر أننا في الهيئة خضنا تجربة انتقال رائدة من قطاع تقليدي إلى قطاع تقليدي وحديث وهي تجربة غير موجودة في نظام القبيلة ولا في الطرق الصوفية ولا في التنظيمات الدينية السودانية، صحيح توجد تنظيمات دينية حديثة ولكنها تنظيمات أتتنا من الخارج أما التنظيمات التقليدية فهي إلى حد كبير لم تزل تسير بنهج وتقاليد السلطنة الزرقاء!

نحن في هيئة شئون الأنصار تجددنا بشكل كبير(قلبنا الصفحة) ثم صار لدى الهيئة إقدام فكري مثلا الهيئة تبنت ورشة قبلت معاهدة إزالة كافة أسباب التمييز ضد المرأة (سيداو) وهي خطوة غير مسبوقة من أي حركة إسلامية في كل العالم الإسلامي الذي تعامل مع هذه الاتفاقية إما بالسكوت عنها أو الخوف من إبداء الرأي حولها أو عدم الوضوح.

أيضا تبنت الهيئة فكرة المرجعية المتجددة.

اتجاه الهيئة الآن نحو قفزة في الخدمات في مجال التعليم، الصحة، والمياه.

تقوم الهيئة بشد الأنظار نحو المستقبل وذلك بمشروع البقعة الجديدة. والفكرة هنا هي قيام هذه البقعة الجديدة لتكون وريثة للبقعة القديمة وللجزيرة أبا ليس نقضا إنما امتدادا.

تقوم الهيئة الآن بعمل تشبيك للوسطية وهي مع وجودها في العالم الإسلامي ولكنه وجود معزول مثل زهرة القفر! التي قال عنها شكسبير: (إنها تورق وتزهر في الصحراء ثم تموت دون أن ترى).

Full many of flowers born to blush unseen and waste its sweetness on the dessert turn!)

كثير من الحركات الإسلامية حريصة على التوجه الإسلامي ولكن بعموميات تحتاج إلى أن يكون الكلام فيها محددا وهذا أدى إلى انقسام الرؤية الإسلامية إلى رأيين:

  • رؤية المتشددين الإنكفائيين.
  • ورؤية الصحويين المستعدين لاستصحاب الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة.. الخ
  • ونحن رؤيتنا ضمن هذا القسم ونعمل على تشبيكه لتصير حركة عالمية وليست قطرية.

الأسرة:

يدور كلام كثير عن أن الصادق أتى بأولاده وبناته للعمل العام. والحقيقة فإن أولادي وبناتي من الذين هم في العمل العام لحسن حظهم فقد نضجوا وتدربوا فيه عندما كان العمل العام مغرما حيث المشاركة في هذه الحالة فيها الموت والسجن والمصادرة وهذا حفظهم من أن يفسدوا. وينبغي أن تكون المحاسبة على أساس:

  • هل أولادي وبناتي هؤلاء هم مواطنون سودانيون صالحون أم لا؟ فان كانوا مواطنين صالحين فهذا تزكية لهم ولوالديهم وهو سؤال مهم قبل السؤال عن أهلهم وهو سؤال ينبغي طرحه على كل أبناء وبنات الذين يعملون في العمل العام.

السؤال الثاني الذي يجب طرحه هل هم مع أو ضد أهاليهم (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ[4]) مثلا تجد كثيرا من اليساريين صار أولادهم أصوليين إسلاميين والعكس أيضا صحيح؟ وهذه الظاهرة عبارة عن احتجاج، ذهبت مرة للعزاء في أحد كبار العلمانيين ففوجئت بابنته الوحيدة التي طلبت أن أعزيها دهمة لا ترى عيناها ولا كفها ولا شيء منها ولا تتحدث بحسب أن الصوت عورة! فكان هذا بمثابة نهاية البرنامج العلماني! بصورة احتجاج صارخ لدرجة شطب العصر وكل مظاهره.

ما سبق قلته· لأوضح ما كان يعتريني من مخاوف بخصوص كيف سيكون حال أبنائي وبناتي؟ خوفا من أن يتخذوا مواقفا متطرفة تعصبا أو تحللا وهذه المخاوف تعتري كل المشتغلين في العمل العام نساءً ورجالاَ، هل سيتخذ أبناؤهم مواقفا احتجاجية أم معتدلة؟

التساؤل الآخر ما هي وظيفة هؤلاء الأبناء في الحياة؟ هل سيكونون عاملين أم خاملين ومعطلين بالوراثة؟

من نال منهم مكانة هل فعل ذلك بسبب تقديم من أمه أو أبيه أم لأن عنده عطاء قدمه بسببه الناس؟

في حالة أن يكون الرد ايجابيا على الأسئلة السابقة فلا مانع عندي من أن يصير كل أبنائي (العشرة) مسئولين في الحزب طالما كان الناس يختارونهم وهم يريدون خدمة الناس.

لقد وضعت قواعد في التربية أفتكرها مهمة ليس لي فقط ولكن يمكن لغيري الاستفادة منها وهي:

أولا: يجب عدم التمييز على أساس النوع (الجندر) وهو ما يحدث في كثير من الأسر حيث يكون الرجل مميزا على حساب دونية المرأة وهذه مشكلة وضرر للجنسين ولذلك نجد أن كثيرا من الرجال أنثويين وكثير من النساء ذكوريات إعلاء لشأن الرجل. فمثلا ما قالته الشاعرة السودانية روضة الحاج يمكن الاستدلال به على هذا الاحتفال بالهيمنة الذكورية والخضوع الأنثوي:

سافر معي أو ثر ومرني بالبقاء

أحتاج أحيانا لبعض بداوة تقصي التحدي من دمي

وتعيدني قسرا إلى خدر النساء

أيضا سعدية عبد السلام مخاطبه زوجها بطريقة بها نفس الانقياد:

ثــــق يـــــا حبيبــي أنــك                مــــالي الفــــؤاد بمجمله

ولــو الزمن زاد في جفاك               برضو بنشوف غدرك حلو

نفديـــــك بغالـــي المـهج                نـديــــك عمـــرنـا تـكملـو

ومـن قبـل مــا تقول العذر              مـــن هســي نحنا بنقبلو!

لا شك أن كثيراً من الرجال يعجبون بمثل هذه الأقوال!

ثانيا: لا مكانة لحق النسب أيا كانت.

ثالثا: الأولويات التربوية هي الصلاة، الدراسة، رياضة، والتدين باعتدال والخشونة.

وقد كان من أخشى ما أخشاه أن يكون أبنائي مثل أولاد الذوات ولكني أحمد الله على حدوث العكس تماما ويحضرني هنا مثال التطرف الأقصى للخشونة الذي يميز ابني الأصغر بشرى في رحلة نيلية كانت قد نظمتها بنتنا أم سلمة في هذا الشتاء وبينما كنت أتحدث عن برودة الطقس فإذا به يقفز في الماء البارد دون تهيب!

وفي ذات مرة في السجن انزعجت أخته من صرصار فما كان منه إلا أن أكله! وأعتقد أن الخشونة ضرورية (ولكن ليس ضروريا أن تبلغ هذه الدرجة!).

أحب أن أزيد في الحديث عن الرياضة لأنها مهمة جدا فقد وجدت في جريدة الهيرالد تربيون بتاريخ 13/12/2007 خلاصة دراسات في مراكز علمية أمريكية تقرر بأن الدماغ الإنساني  كلما تعرض لإثارة أكثر عقلية أو مادية ولتجدد التجارب وممارسة الرياضة، يتم تحفيزه ودفعه لتوليد خلايا جديدة مما يحسن سريان الدم في العروق ويزيد من مد الأوكسجين والأغذية المطلوبة وأيضا يتم بذلك دعم وظائف الدماغ الحياتية مثل الذاكرة والتفاعل مع الأحداث والتركيز وهذا يعني ليس فقط حجب الشيخوخة إنما أيضا تجديد الشباب وسأقوم بترجمة هذه المقالة ونشرها لأهميتها في التشجيع على الاهتمام بالقضايا الفكرية والعقلية والرياضية.

فيما يتعلق بأسرتنا الكبيرة قمنا بعمل تنظيم مهم جدا عبارة عن رابطة للأسرة عن طريق الشباب قد يكون متعسرا ولكن فيه أمل كبير للم شعث الأسرة.

المعيشة:

فيما يتعلق بموضوع المعيشة فقد تعرضنا لمشاكل في أعمالنا بسبب هبوط أسعار العيش الذي أضر بنا وكذلك مرض أنفلونزا الطيور الذي أذانا أذى بالغاً. لا أحب التفصيل أكثر في هذا الموضوع ولكني أعتقد أن من أهم أسباب المشاكل التي تواجه المنتجين هي التجارب المصرفية المسماة إسلامية لأنها ركزت النشاط التمويلي فقط على المسائل التجارية والمسائل قصيرة المدى وبهذا الخصوص  فإن التجربة الباكستانية هي الأفضل لأنها جعلت منفذين للتعاملات، النظم التقليدية للتنمية والمسماة إسلامية لتمويل العمل التجاري وأنا بصدد إصدار كتاب في هذا الموضوع إن شاء الله.

النقطة الثالثة الرحلات:

بلغت رحلاتي في داخل السودان 24رحلة في إطار الحزب والهيئة وبلغت الرحلات الخارجية 26 رحلة تجدونها موثقة وهذه الرحلات الخارجية تخدم أغراض عدة:

  • نستطيع أن نقول الآن الوجود الخارجي للسودانيين صار كثيفا بحيث صار عندنا سودانان: سودان الداخل وسودان المهجر وهو وجود مشتت في كل أنحاء العالم ويشكلون وزنا هاما لا بد من الاهتمام بهم وإيجاد طريقة لإشراكهم في الانتخابات ومعرفة مشاكلهم ودورهم..
  • من الناحية الدولية والإقليمية علينا الاعتراف بأن سمعة السودان الآن سيئة جدا وتوجد ضرورة وحاجة لسفراء (أنا وغيري) لتحسين هذه الصورة ونستطيع أن نصف سودان النكبات هذا بقول الشاعر:

لو اضطلع غراب على تميم وما فيها من السوءات شابَ

الآن السودان هو كتميم في السوء ولا بد من إيجاد طريقة لتغيير ذلك المنظر.

يوجد عدد من الاشراقات السودانية في الفترة الماضية، مثلا الأخ محمد إبراهيم (مؤسسة موا الخيرية) الذي خصص جائزة للأداء الحسن في أفريقيا كما يوجد علماء وباحثون سودانيون في مجالات مختلفة وكثيرون ممن برزوا ونالوا جوائز مثل روضة الحاج التي اشتركت في مسابقة أمير الشعراء (وإن كانت المسابقة لم تشمل كل السودانيين إذ يوجد آخرون كثيرون كان يمكنهم المشاركة)، ويوجد كثير من الاشراقات في مجال الترجمة والتأليف وتوجد مراكز أنشطة كثيرة جدا مثل مركز عبد الكريم ميرغني وغيره، نأمل· أن هذه الاشراقات تعمل على تبييض وجه السودان ولو قليلا.

  • أيضا هذه الرحلات الخارجية إقليمية ودولية شأن وطني بسبب أن السودان اليوم لم يعد كالسودان في الماضي فقد صار السودان الحالي مدولا ولا بد من الاعتراف بهذه الحقيقة – لدينا الآن 36 ألف جندي أجنبي في السودان، وميزانية الإغاثات في دارفور وحدها تبلغ مليار و200 ألف $، توجد الآن لوبيات سودانية في كل العالم في كينيا في يوغندا، في بريطانيا وفي الكونجرس الأمريكي و كل برلمانات العالم يناقش الشأن السوداني، وهو يشكل قضية في الانتخابات الأمريكية والفرنسية والبريطانية ومع كل هذه المعطيات لا يمكن اعتبار هذا النشاط الخارجي عن السودان شيئا يدور في الخارج ولا يعنينا لأنه توجد قاعدة تشتغل بالسودان وقضاياه لدرجة بعيدة منها الجنود الأمميون ومنظمات الإغاثات واللوبيات والبرلمانات التي عددتها وللأسف فإن ذلك الاهتمام ليس بسبب الانجازات وبهذا الخصوص فقد قال لي أحد ممن صاروا الآن في المؤتمر الشعبي (إننا رفعنا شأن السودان) وعندما استوضحته بماذا يا أخي؟ أخبرني بأن شهرة السودان الآن طبقت الآفاق! ولا يهم إن كانت سمعته سيئة فالمهم أن اسمه رائج في كل العالم تمشيا مع المثل العربي القائل (إذا أنت لم تنفع فضر!).
  • هذه الرحلات كان مردودها نوع من الاعتراف والتقدير الذي منح لي من هيئة الدبلوماسية الوقائية والوسطية والفرق التي تعنى بمتابعة التحول الديمقراطي في العالم العربي حيث استطعنا التأثير في المنابر العديدة التي نقصدها دون أن تكلفنا شيئا (تكاليفها مغطاة من أصحاب الدعوة) واستطعنا استغلالها لقضايانا السودانية الوطنية العربية الإسلامية والأفريقية وهي منابر لا غنى عنها لبلدنا ومستقبلنا.

النقطة الرابعة والأخيرة (الآفاق الجديدة):

لقد استطعنا – في اعتقادي- كسر قوالب السياسة السودانية حيث كان الحديث يدور حول إما أن تكون في الحكومة أو في المعارضة من أجل صيد السلطة أو نقد السلطة وقد نجحنا في جعل السياسة تخرج من هذا وتتفرع لفكر وثقافة وفنون ورياضة وانفتاح على المجتمع المدني وهكذا. ولم تعد السياسة في عرفنا سياسة الفطرة السليمة والآفاق الوطنية الضيقة….الخ

أيضا نجحنا في كسر قوالب التناول الإسلامي الذي كان يصنف إما علماني أو ديني فأدخلنا خط التوفيق بين الأصل والعصر.

كذلك كسرنا قالب التناول للدعوة المهدية بحيث أنها دخلت الآن في التيار الإسلامي العام.

الآن نحضر لكسر قوالب العلاقات بين الأديان (في مؤتمر أوسلو بحضور رئيس وزراء النرويج السابق والأخ محمد خاتمي الرئيس الإيراني السابق) والفكرة فيه الحديث عن كيفية تكسير هذه القوالب.

خلاصة أطروحتي فيه:

ديننا الإسلام به مشروعية للتعددية الدينية: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[5] من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” حيث يشار في الآية بصفة الإسلام لكل من ذكر من الأنبياء لأن الإسلام يقبل التعددية الدينية ويقبل مشروعية الكرامة للإنسان لمجرد إنسانيته: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[6] ونقبل مشروعية حرية البحث العلمي (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)[7]، (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[8]، أيضا نقبل مشروعية التماهي مع حقوق الإنسان ونحرص على العلاقات الدولية القائمة على السلام والمودة: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[9]. هذا من جانبنا لكن ماذا عن الآخر الديني؟ لأن لديهم مشكلة عدم الاعتراف بنا وقد أخبرتني قسة نرويجية بذلك أن المشكلة ليست في ديننا بل عندهم. مما دفعني لإجراء أبحاث أعتقد أنني وصلت لنتيجة فيها وهي تصلح لنا كما هي بالنسبة للموضوعيين منهم وليس المتفلتين.. في هذا الصدد أذكر الكتاب الذي كتبه احمد ديدات وهو جنوب أفريقي متوفى وقد قام بدراسة أساسية في الإنجيل كشف فيها كيف أن في الإنجيل تبشير بمحمد e وأيضا كتاب إبراهيم وأبناء عهده مع الله وكاتبه رين هارت لاوت وهو كاتب ألماني يقول فيه إن ربنا في كتابهم التوراة يقول إن عهده مع إبراهيم وإسماعيل واسحق ويقول من النصوص التوراتية: (بارك الله في إسماعيل الذي سمي بهذا الاسم من ربنا (لم يسمّه أبواه) وأن ربنا قابل هاجر مرتين وباركها وبارك ولدها. ووعد بأن ذرية ولدها ستكون بعدد نجوم السماء وهؤلاء هم أمة محمد فإسماعيل هو جد محمد e وحسب هذا الكلام فإن الرسالة المحمدية ما لم تحدث لكانت التوراة كاذبة وهذا منطقه أن تكون في أمة إسماعيل رسالة كرسالة عيسى، أما في الإنجيل فيوجد نص عن المعزي والذي تحمد فعاله.

في الختام: نستطيع القول إننا نجد في الكتاب المقدس لليهود والنصارى ما يعزز (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)[10].  فإن صح وعاملونا بهذا الفهم تزول الجفوة بين الأديان على أساس الأسرة الإبراهيمية التي توحد الله سبحانه وتعالى.

أخيراً أزف البشرى لكل أهلنا من النصارى والمسيحيين بعيد الميلاد وأكرر الشكر لزملائي وأبنائي في مكتبي وشكرا لكم على الحضور معنا وأسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.

 

والسلام عليكم ورحمة الله

[1] سورة آل عمران الآيتان (113- 115)

[2] سورة آل عمران الآية (115)

[3] سورة البقرة- الآية 216.

  • النعيم: ثلاثة صفة.

[4]  سورة التغابن، الآية-14.

  • النعيم: الصحيح: ما قلته، أو ما سبق أن قلته لأن أن مصدر مأول.
  • النعيم: الصحيح: أن تعمل هذه الإشراقات وذلك لأن أن المصدرية لا يليها إلا فعل.

[5]  سورة آل عمران الآية (84).

[6]  سورة الإسراء الآية (70)

[7] سورة الحجرات الآية (85)

[8] سورة طهة الآية (50)

[9] سورة الممتحنة الآية (8)

 

[10]  سورة الأعراف، الآية- 157