خطبة عيد الأضحى المبارك 8 ديسمبر 2008م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى المبارك

التي ألقاها الإمام الصادق المهدي بمسجد الهجرة بودنوباوي

10 ذو الحجة 1429هـ الموافق 8 ديسمبر 2008م

الخطبة الأولى

اللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومنْ والاهُ، وبَعد-

أَحْبَابِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العَزيزِ

بالأمس وقف الحُجَّاجُ فِي عرفاتٍ مؤدّينَ أهمَّ شعائرَ الحجِّ. الحجُّ رحلةٌ عباديةٌ لبيتِ اللهِ الحرامِ في مكةَ وهو أحد أركان الإسلام الخمسة لمن استطاع إليه سبيلا. وهدفه هو جمع العقول والقلوب على عقيدة التوحيد، وحشد الموحدين حول بيت الله، والرمز للمساواة بينهم ولمساواتهم أمام الله، وإحياء قصة إبراهيم عليه السلام وزوجه هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام وما في القصة من عبر وعظات محملة بالمعاني والمعاناة والامتثال لأمر الله.

ومنذ مجيء الرسالة الإسلامية صار الوقوف بعرفة قمة شعائر الحج، وصار اليوم عيدا لكل المسلمين وسنت فيه الصلاة الجامعة وسنت فيه الأضحية قربانا (لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ[1]) لذلك يجب خلو الأضاحي من العيوب امتثالا لقوله تعالى (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ[2]).

وفي يوم العيد يتنادى المؤمنون لصلاة محضورة، صلاة جامعة في مكان غير معتاد كمظاهرة إيمانية. والعيد مناسبة لتجديد العلاقات الاجتماعية بالتزاور والتعافي وتبادل الهدايا وإدخال السرور على الأطفال في بهجة تعم كل الأجيال.

أَحْبَابِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العَزيزِ

قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ[3]) وها هي الأيام تثبت أن الأيديولوجيات الوضعية التي سادت في مراحل ماضية قد تراجعت. فالقومية العربية التي غلبت على الساحة في كثير من البلدان العربية تراجعت لأربعة أسباب هي: لم تستطع مخاطبة الانتماء الإسلامي، ولم تستطع استيعاب الأقليات الإثنية غير العربية، وضحت بالحرية بما أقامت من نظم دكتاتورية، ودخلت في مغامرات دولية خاسرة. والشيوعية كان لها جمهور عريض ثم تآكل لأربعة أسباب هي: دخولها في تناقض مع الواقع لأنها حصرت الوجود في المادة، وحصرت القيمة الاقتصادية في العمل العضلي، وحصرت السلطة في طبقة واحدة من طبقات المجتمع، وضحت بالحرية من أجل العدالة فخسرتهما معا لصالح البيروقراطية الحاكمة. والعلمانية اللبرالية تراجعت لأنها لم تشبع حاجة الإنسان الفطرية للغائية فالناس تريد أن تعرف من نحن وما مصيرنا؟ وأفرغت الأخلاق بربطها بالمنفعة، وعزلت نفسها من الوجدان الشعبي، وبدت كأنها أداة للغزو الفكري الأجنبي.

ومع أن هذه الأفكار السياسية الحديثة تآكلت إلا أن بعض مكوناتها ما زالت باقية: فالانتماء القومي العربي حقيقة تاريخية وثقافية باقية. وما ركزت عليه الاشتراكية من أهمية كبرى للعدل الاجتماعي وللعامل الاقتصادي حقيقة باقية، وما دعت إليه اللبرالية العلمانية من مساواة في المواطنة وضرورة الاعتراف بالتعددية الثقافية وضرورة كفالة حقوق الإنسان مبادئ راسخة ومطلوبة لبناء الدولة الحديثة.. ومع بقاء هذه الحقائق تراجعت المنظومات الفكرية الحاضنة لها مما أفسح المجال واسعا للتوجه الإسلامي.

تراجع الرؤى الوضعية هذا، والوعد الحق: أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ، والأشواق لماض مجيد، والحاجة لحصن عقدي وفكري للحماية من الغزو الفكري والثقافي الوافد.. هذه هي العوامل وراء غلبة التوجه الإسلامي.

كثير من النظم الحاكمة أدركت أهمية التوجه الإسلامي لذلك لبست ثيابا إسلامية دعما لشرعيتها. ولكن كثيرا من هذه النظم لم تعد مقبولة لأنها خلت من حق الشعوب في المشاركة في إدارة شئونها، ولأنها لم تحقق التنمية بالمستوى المطلوب، وعشعش فيها الظلم الاجتماعي، ولأن هذه النظم أخفقت تماما في تحرير الأوطان من ويلات الاستيطان الأجنبي والاحتلال. لذلك انطلقت تيارات لتغيير هذا الواقع بالقوة، والإطاحة بهذه النظم والعودة لنظام الخلافة الإسلامية التاريخي.

هذه التيارات اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية الضامن لهذه النظم فأعلنوا عليها حربا لطردها من المنطقة على نحو ما حدث من طرد السوفييت من أفغانستان.

النظام الذي تريد القاعدة وأخواتها أن تستبدل به النظم الحالية نظام لا يستوعب حقيقة التطور الذي شهدته الأمة في المجال الفكري والسياسي والاجتماعي، ولا يستصحب النافع من الحضارة الإنسانية، ويستخدم أسلوبا حربيا غير مقيد بضوابط القتال في الإسلام، كما أن فكره الماضوي وأساليبه العشوائية العنيفة حركت ضده أجهزة الأمن الداخلية في البلدان الإسلامية، وأشعلت ضده حربا عالمية باسم الحرب على الإرهاب، وأطلقت ضده مشروعات مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير ومشروع الشرق الأوسط الجديد، وهي مشروعات لإفراغ المنطقة من هويتها الإسلامية ومن هويتها القومية لتلوذ بهوية جغرافية تجمع بينها وبين إسرائيل.

إذا صح أن نهج الطغاة المسيطر على كثير من أجزاء المنطقة لا يجدي، كما أن مشروع الغلاة المناهض له مهما كانت قيمته الاحتجاجية فإنه يحبس المنطقة في ماضيها أي أنه وفاء بلا مستقبل؛ فإن الحاجة تصير ماسة لتوجه إسلامي يلتزم بقطعيات الوحي، ويستوعب حقائق التطور الفكري والاجتماعي الذي شهدته شعوبنا، ويستصحب منجزات الحضارة الإنسانية. توجه يوفق بين مطالب الأصل والعصر ويكون داعية لمستقبل له وفاء. هذا التوجه هو مشروع الوسطية الإسلامية. إنه نهج اتفق في تصويبه هدى النقل إذ قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)[4]، وبرهان العقل الذي يرى:

حب التناهي غلط.. خير الأمور الوسط

هذا المشروع النهضوي ذو المرجعية الإسلامية هو البديل للواقع العاجز، وللطرح الإسلامي الشعاراتي الخالي من برنامج، ولمشروع الغلاة، ويقوم على الركائز الآتية:

أولا: الالتزام بالقطعيات في الكتاب والسنة ونفي القدسية عن الاجتهادات البشرية فنأخذ منها ما يناسبنا ونجتهد في تنزيل حقائق الوحي على واقعنا.

ثانيا: القرآن هو كتاب الله المسطور. والكون هو كتاب الله المنشور وقد قال عنه تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)[5]. إن لهذا الكون سننا راتبة: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)[6]. السنن الكونية هذه الطبيعية والاجتماعية اكتشف بعضها أسلافنا، وتوسعت في اكتشافها الحضارة الغربية وعلومها وتقنياتها متاحة لكل الإنسانية، ونحن نأثم إذا تخلفنا في هذا المجال. فالله وهبنا العقل والحكمة وألزمنا استخدامهما لفهم نصوص الوحي: (أَفَلَا يَتدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)؟ والحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها[7].

ثالثا: نعترف بالمذاهب الفقهية السنية، والشيعية، والأباضية فهي كلها نتائج اجتهادات في النصوص وفي فهم النصوص ولكن لا تعتبر ملزمة.  هذا موقف حسمه الإمام المهدي -عليه السلام- ولا جدوى في التعصب المذهبي أو الحزبية المذهبية. ولكن هنالك اختلافات فكرية فلسفية بين أجنحة الأمة الإسلامية الثلاثة: أهل السنة، والشيعة، والصوفية، اختلافات توجب الحوار الجاد بينهم للتعاون فيما فيه اتفقوا وللتعايش فيما دون ذلك.

رابعا: الحكم الشرعي هو الذي يقوم على المشاركة، والمساءلة والشفافية، وسيادة حكم القانون ويرعى كرامة الإنسان وحقوقه.

خامسا: النظام الاقتصادي المنشود هو الذي يحقق مقاصد الشريعة الاقتصادية: التنمية الاقتصادية بتحقيق أعلى درجات الاستثمار، والإنتاج، ويوفر الخدمات الاجتماعية للكافة ويوفر إمكانات الأمن والدفاع ويوزع العائد الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية ويركز على التنمية البشرية بنواحيها المختلفة.

سادسا: ننادي بعلاقات دولية تقوم على السلام والتعاون الدولي كأساس وفي حالة نشوب الحرب تخضع لقوانين تحرم الحرب العدوانية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. النظام الدولي الحالي جرى تكوينه في مرحلة هيمنت فيها الدول الغربية وحدها.. الآن يوجد حضور آسيوي، وأفريقي، ولاتيني، ونما وعي أكبر بالحقوق الثقافية والبيئة الطبيعية مما يوجب إصلاح النظام الدولي لجعله أعدل وأشمل وأفضل.

أما العلاقات بين الأديان فينبغي أن تقوم على التسامح، والتعايش، والدعوة لله بالتي هي أحسن.

سابعا: ندين العنف العشوائي وندين العنف الذي يستهدف المدنيين ويتلف أموالهم ونعتبره مخالفا لضوابط الجهاد في الإسلام، وندين عنف الدول البوليسية في معاملة مواطنيها. ولكن في حالة العدوان أو ضد الاحتلال فإن الجهاد واجب: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا).[8]

هذا النهج الوسطي الإسلامي هو مشروع إصلاح جذري للواقع الحالي نعمل لتحقيقه بالجهاد المدني الذي يستخدم كافة الوسائل ما عدا العنف ونحرم الانقلاب العسكري وسيلة لتطبيقه.

هذا النهج هو الأفضل والأولى بالإتباع، فالنهج الإخواني ساهم في الدعوة الإسلامية الحديثة ولكنه اكتفى بالشعارية التعبوية ولم يتخذ موقفا قاطعا من المساواة في المواطنة، وكفالة حقوق الإنسان، وإقامة العلاقات الدولية على السلام والتعاون الدوليين، والقبول القاطع للتناوب السلمي على السلطة. والنهج الطالباني منكفئ  على نصوصية ماضوية بينما الشريعة كما قال ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين: “الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل”.

كذلك نهجنا ضد التنطع والترهيب الاجتماعي باسم الدين. إنه نهج الصحاة البديل لنهج الطغاة والغلاة والغزاة. نهج فيه الالتزام بالثوابت وإشباع المتغيرات وسماحة الدين ونضارته:

الدين ليس تجهما وعبوسا                  والدين ليس مظاهرا وطقوسا

الدين إيمان وفيـض سماحة               فاسعَد وأسعِـد لا تكن منحوسا

نحن أنصار الله، إذ نشترك مع أمتنا في هذا النهج نجد شرعية ذلك في مقولة الإمام المهدي:(ولا تدلوا لي بنصوصكم وعلومكم على المتقدمين إنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال) والتي فسرها سلوك الإمام عبد الرحمن.

كذلك فإن مقولات الإمام المهدي تفك اشتباك أهل القبلة في أمر المهدية. فبعض أهل القبلة ربطها بزمان معين. والشيعة ربطوها بشخص معين اختفى وسوف يعود. ولكن مقولة الإمام المهدي ربطت المهدية بوظيفة إحياء الدين وهو هدف يمكن أن يتفق عليه كافة أهل القبلة. بإلهام غيبي وحجة عقلية أكد الإمام المهدي أن المهدية هي وظيفة إحياء الدين وهذا فهم يستطيع أن يقبله كافة أهل القبلة.

روي عن الإمام المهدي أنه قال في مقبل الأيام تكون لنا كرامة تفوق ما تحقق الآن. وأي كرامة أكبر من أن تقدم دعوته بديلا هو الأجدى لاستنهاض الأمة بعد أكثر من قرن على وفاته؟

جاء في تفسير ابن كثير فيما رواه عن الصحابي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا وإن من آدم إليّ ثلة. وأمتي ثلة. ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل ممن شهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له”. غيبيات يفسرها الواقع لأنه تعالى يقول: } سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ[[9]

أَحْبَابِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العَزيزِ

نعم هذا برنامجنا الذي يوفق بين ديننا وعصرنا ولكننا لا نعمل في فراغ فإن ما يسببه الطغاة من تظلم، وما يجمع بينهم وبين الغزاة من تحالف سوف يولدان حتما تيارات الغلاة.

إن أجندة الغلاة تكتسب شعبية في البلدان الإسلامية كلما حرمت الشعوب من المشاركة في إدارة شئون حياتها، وكلما أمعنت الهيمنة الدولية وإسرائيل في البطش والعداوة.. هذه الحقيقة أدركها بعض الأمريكيين وظهر إدراكهم هذا في تقرير بايكر وهاملتون الشهير.

وفي أمريكا انتخب رئيس جديد -باراك أوباما- انتخابا حطم قوالب السياسة الأمريكية المعتادة، وكان أهم شعار رفعه في حملته الانتخابية شعار التغيير. إن تعييناته الوزارية حتى الآن تدل على أنه لن يندفع في التغيير بقدر ما سوف يطمئن الأوساط العليا في أمريكا أنه وفاقي وليس ثائرا. على أية حال إذا أراد حقا الوفاء بشعار التغيير فإن عليه الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية الآفلة، وعليه الاستعداد للاستماع لما يقوله ضحايا تلك السياسات من أفواه قيادات شعوبها الحقيقيين.

ومع أن مجالات التغيير المطلوب في السياسات الأمريكية واسعة فإنني أذكر هنا سبعة مجالات هي:

  • كان غزو العراق خطا جسيما وأدى إلى نتائج عكسية فالمطلوب هنا هو انسحاب أمريكي من العراق بصورة أسرع مما أبرم في الاتفاقية الأمنية الأخيرة.
  • فكرة سحب القوات من العراق للدفع بها إلى أفغانستان خاطئة. أخطاء السياسة الأمريكية في أفغانستان حولت مقاومة طالبان إلى حركة تحرير مدعومة شعبياً دعماً واسعاً. كانت أفغانستان في ماضيها مقبرة للغزاة. وطردوا القوات السوفيتية التي فاقت مائة ألف جندي. المطلوب إجراء حوار مع طالبان بهدف سحب قوات حلف ناتو والاعتراف بأفغانستان مستقلة. وتلتزم أفغانستان بعدم إيواء القاعدة.
  • السياسة الأمريكية نحو إسرائيل فقدت كل توازن مما دمّر مصداقية أمريكا في منطقة الشرق الأوسط. وبدعم أمريكي احتفظت إسرائيل بالأراضي المحتلة، ووسّعت الاستيطان في الضفة الغربية، وصادرت أراضي الفلسطينيين. الحد الأدنى الذي يمكن أن يُقبَل هو انسحاب إسرائيل التام من الأراضي المحتلة، وتصفية المستوطنات، وكفالة حق العودة للاجئين. ينبغي أن تعلن أمريكا تأييدها للحق الفلسطيني وأن تمسك عن دعم العدوان الإسرائيلي التوسعي.
  • الملف النووي الإيراني يجب أن يقوم على أسس مبدئية. فإيران محقة في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية. أما الجانب العسكري فلا يستقيم إلا إذا أخليت منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، وإلا تكون الدولة المالكة له (إسرائيل) قادرة على الابتزاز النووي للآخرين وهذا وضع لن يستمر.
  • التوتر في جنوب آسيا ينذر بخطر كبير وسوف يدفع الاستقطاب الهند نحو يمين هندوسي وباكستان نحو يمين إسلامي. لذلك يجب حل مشكلة كشمير بإعطاء أهل الإقليم حق تقرير المصير ما بين الانضمام للهند أو باكستان أو الاستقلال.
  • أخطأت السياسة الأمريكية في السودان لأنها:
  • باركت اتفاقية سلام نيفاشا على أنها للسلام الشامل وهي ليست كذلك.
  • أيدت اتفاقية أبوجا باعتبارها اتفاقية سلام دارفور وهي ليست كذلك.
  • اتخذت قرارات عقوبات اقتصادية بصورة انتقائية.
  • كان موقف وساطتها في أبيي منحازاً.
  • تغييب القوى السياسية المدنية ذات الوزن الاجتماعي في اتصالاتها بالآخرين.

المطلوب مراجعة هذه المواقف ودعم السلام الشامل العادل في السودان والتحول الديمقراطي الكامل على أن يتم ذلك بمشاركة وطنية سودانية لا مجرد اتفاق بين القوى المسلحة.

  • المهم في كل الحالات التزام أمريكا نهجاً دولياً غير منفرد فيما يتعلق بتعاملها مع الدول. ونهجاً يخاطب القوى الاجتماعية الفاعلة ولا يقف عند التعامل مع حكومات الأمر الواقع.

ختاماً نقول نحن المفتقرين لرحمة ربنا المقرين بفداحة ذنوبنا: اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا وأهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا واستجب اللهم لرجائنا في عنايتك ولطفك فرحمتك أبداً سابقة غضبك:

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبـــي                  جعلت الـــرجا مني لعفوك سلما

تعـاظمنــي ذنبـي فلمـا قـــــرنته           بعفــــوك ربـــي كان عفوك أعظما

 

 

الخطبة الثانية

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على نبينا محمد وآله وصحبه مع التسليم، أما بعد-

أَحْبَابِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العَزيزِ

قال تعالى: 🙁 قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[10]

أهل السودان من أكثر الناس حرصاً على الكرامة في المستوى الفردي، ومن أكثرهم حرصاً على التسامح في المستوى الجمعي. لذلك مهما ابتلتهم الأيام بنظم حكم تقوم على الاستبداد نهضوا ضدها وأزالوها. حدث هذا مرتين في أكتوبر 1964م وفي رجب/ أبريل 1985م. والنظام الحالي الذي بدأ إقصائياً دفعته المطالبة الشعبية القولية والفعلية إلى مراجعة موقفه بدءً بالتوالي، ثم التوافق الثنائي عبر اتفاقية السلام، ثم التراضي الوطني، ثم التوجه، مدفوعا بالإرادة الشعبية، لتعميم التراضي عبر الملتقى الجامع. وما مبادرة أهل السودان إلا خطوة في هذا الطريق.

الأجندة الوطنية السودانية تقوم على ركائز هي:

  • إجراءات بناء الثقة.
  • كفالة الحريات العامة وحقوق الإنسان كما في المواثيق الدولية.
  • حل أزمة دارفور بالاستجابة لمطالب أهلها المشروعة.
  • عقد ملتقى جامع لا يستثنى منه أحد ولا تستبعد منه قضية.
  • إجراء انتخابات عامة حرة بمراقبة داخلية وخارجية.

إلى جانب هذا البرنامج فإنّ عوامل كثيرة أدّت لتأزم الموقف الاقتصادي والمالي والمعيشي في البلاد. وهذا يوجب الدعوة لمؤتمر قومي اقتصادي يحدد السياسات الكلية اللازم إتباعها في المجالين الاقتصادي والمالي.

إذا أمكننا جمع الكلمة حول هذه الرؤى تكون الحركة السياسية السودانية قد أضافت لرصيدها التاريخي إنجازاً جديداً بما تحقق من سلام عادل وشامل وتحول ديمقراطي كامل.

هذا هو الحل الوطني غير الإقصائي لأحد الذي ناضلنا وسنناضل من أجله.

ولكن هناك بعض العناصر في المؤتمر الوطني التي قبلت التراضي الوطني على مضض حاولت أن تجعل مبادرة أهل السودان خصماً على برنامج التراضي.

وعندما التأم اجتماع عام للمشاركين في مبادرة أهل السودان للاستماع لتوصيات اللجان أجمع الحاضرون على إجازة التوصيات وعلى إضافة ملاحظات حزب الأمة. ولكن نفس تلك العناصر حذفت الملاحظات من الخطاب الذي أعد لرئيس الجلسة فتلاه خالياً منها، وقد نبهنا لذلك. ومع ذلك فإنّنا واصلنا الحوار مع المؤتمر الوطني لتطوير موقفه بالصورة التي تحقق التزامه معنا بكامل الأجندة الوطنية.

كذلك حرصنا على أن نُبرم مع زملائنا الآخرين في المعارضة اتفاقاً يدور حول ذات الأجندة الوطنية بركائزها الخمس.

أَحْبَابِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العَزيزِ

بينما نحاول جمع الكلمة حول الأجندة الوطنية المذكورة تطور موقف المحكمة الجنائية الدولية من اتهام بعض المواطنين إلى اتهام رأس الدولة السوداني.

وانقسم الرأي حول هذا الموضوع فالمؤتمر الوطني يرفض مبدأ التعامل مع المحكمة وآخرون يرون الامتثال لطلباتها.

أما نحن في حزب الأمة فمع قبولنا لمبدأ المساءلة عن جرائم دارفور تحقيقاً للعدالة وقبولنا للقرار 1593، نرى أن المساس برأس الدولة سوف يفتح جبهة مواجهات جديدة تطيح بالاستقرار في السودان وتفتح الباب لمزيدٍ من الحرب والجرائم الناجمة عنها. لذلك كانت رؤيتنا ولا زالت إيجاد معادلة للتعامل مع المحكمة والتوفيق بين العدالة العقابية والمحرية، وبين العدالة والاستقرار.

ولكننا ندرك أنه إذا قررت المحكمة اعتقال رأس الدولة السوداني وحتى إذا لم تتمكن من تنفيذ قرارها فإنّ القرار في حد ذاته سوف يُحدث أمرين هامين هما:

الأول: حملة السلاح سوف يحجمون عن التفاوض في هذه الأجواء.

الثاني: قيام قطيعة بين رأس الدولة السوداني ومن معه والمجتمع الدولي بكل أجهزته.

هذا التوتر هو ما يسعى إليه بعض الناس لأنهم يريدون حلاً إقصائياً يقوم على المفاصلة. ولا يحتاج أحد لذكاء خارق ليدرك أن هذا الموقف سوف يعجّل بدفع السودان نحو حالة الصومال أو الكنغو.

لذلك نحن نعتبر محاولة إطاحة النظام بهذا الأسلوب تغامر بالوطن.

إن أسلوبنا الحريص على جمع كلمة أهل السودان على الأجندة الوطنية هو الأسلم للبلاد، ولكن العناصر الجامدة في النظام سوف تواصل عملها –إجراءات وتصريحات- لإجهاض هذا الخيار. ولو أنها فكرت بجدية لأدركت أنهم سوف يواجهون حصاراً متعدد الجبهات لا مخرج منه إلا عن طريق الوحدة الوطنية التي يرفضون دفع استحقاقاتها. (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[11].

الحلول القائمة على المفاصلة والإقصاء مع تعدد القوى المسلحة في السودان اليوم وكثرة الأطماع الإقليمية والدولية فيه سوف تدمر البلاد.

الحل السليم الأوحد هو الذي يقوم على الوحدة الوطنية والتراضي الوطني.

وهذا النهج مطلوب ليس في السودان وحده بل في كثير من الدول العربية والأفريقية حيث يوجد استقطاب بين الحكام والمعارضين، بين الموالاة والممانعة. استقطاب يقع برداً وسلاماً على إسرائيل التي قال وزير أمنها الداخلي لافي رختر في محاضرة قبل شهرين إنّ الأمن القومي الإسرائيلي سوف يخدمه تمزيق البلاد العربية إلى دويلات وذكر ما يمكن تحقيقه من تفكيك مصر، والعراق، وسوريا، والسودان، وهلم جرا. والترياق المضاد لهذا الخطر هو الإصلاح السياسي القائم على التراضي الوطني وإزالة التناقض بين الحكام والمعارضين. وفي هذا الصدد قامت جهات كثيرة بمحاولات لرأب الصدع الفلسطيني- المملكة العربية السعودية، واليمن، ومصر- وكلها مجهودات مقدرة. كما التقيت الرئيس محمود عباس في عمان ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في دمشق، واتفقا معي على ثلاث نقاط هي: تأييد التهدئة- وقيام حكومة يرتضيها الطرفان انتقالية- وإجراء انتخابات عامة حرة احتكاما للشعب الفلسطيني رئاسية وتشريعية ويرجى أن يواصل الوسطاء مجهوداتهم حتى يتم الوفاق.

وفي السودان فإنّ الوحدة الوطنية القائمة على مشروع إصلاح سياسي هي السبيل الوحيد للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ولإقناع مجلس الأمن بجدوى تجميد مساءلة رأس الدولة.

 

أَحْبَابِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العَزيزِ

نحن اليوم وفي نطاق هيئة شئون الأنصار وعلى أساس لا يباشر السياسة نسعى لالتفاف أهل القبلة حول برنامج نهضوي إسلامي.

وفي إطار حزب الأمة نسعى لالتفاف الكافة حول الأجندة الوطنية. فإن أفلحنا فإنّ بلادنا سوف تتجاوز ويلات التمزق والتدويل وإن أخفقنا لا قدر الله فسوف تفتح على بلادنا أبواب جهنم.

نحن في حزب الأمة نمثل الشرعية التاريخية الكامنة وراء تكوين السودان المعاصر. ونمثل الشرعية الشعبية بما لدينا من سند شعبي مستمر. وسنواصل عملنا المؤسسي الديمقراطي فنحن الحزب الوحيد في المعارضة الذي واصل عقد مؤتمراته العامة. وسوف نوزع الدعوة بعد العيد لمؤتمرنا السابع في 26/1/2009م –بإذن الله- وهو المؤتمر الذي سوف يجدد برنامج ودماء الحزب ويعده للانتخابات العامة. لقد كان المنشور التأسيسي للمؤتمر السابع آخر أعمال الحبيب الراحل عبد النبي الذي أبلى بلاءً حسناً إلى أن لقيَ ربه راضيا مرضيا رحمه الله وأحسن نزله.

صحيح إنّ بعض عناصرنا قد ابتعدت عنّا دون أن نظلم أحدهم بل هم الذين اختاروا طريقاً آخراً وقد قلنا ونقول لهؤلاء إذا لم ينخرطوا في حزب آخر أو يتحالفوا معه وكانوا مستعدين للعودة للمؤسسية والديمقراطية فحزبهم أولى بهم.

لقد أعدّت هيئة شئون الأنصار العُدة لصلاة جامعة في 34 موقعاً في السودان بخطبتنا هذه الموحدة ويتوقع أن تشارك وفودنا مع أهلنا في كل مكان وأن تتفقد أحوال الأنصار وترفع للهيئة التوصية بما ينبغي عمله في المرحلة القادمة.

هذا ونبارك لكم العيد أعاده الله علينا جميعا باليمن والبركات. آمين..

والسلام

الهوامش

[1] سورة الحج الآية 37

[2] سورة البقرة الآية 267

[3] سورة الأنبياء الآية 105

[4] سورة البقرة الآية 143

[5] سورة الحجرات الآية 85

[6]  سورة طه الآية  50

[7] رواه الترمذي وابن ماجة

[8] سورة الحج الآية 39

[9] سورة فصلت الآية 53

[10] سورة يوسف الآية 108

[11] سورة القصص الآية  56