رسالة أكتوبر.. من الصادق المهدي للشعب السوداني 21 أكتوبر 2003م

بسم الله الرحمن الرحيم

21 أكتوبر 2003م

رسالة أكتوبر.. من الصادق المهدي للشعب السوداني

 

اخواني وأخواتي

أبنائي وبناتي

السلام عليكم والرحمة

أبدأ بالتهنئة لكم على عودة اتحادكم العظيم حرا من قيود الشمولية مشاركا برأيه المستقل في شئون جامعته وفي شئون الوطن فإلى زحف يحرر الحركة الطالبية كلها والنقابية والحزبية والصحافية لينعم السودان بكفالة حقوق الإنسان وحرياته الإنسانية.

كانت جامعة الخرطوم منصة انطلاق الثورة في 21 أكتوبر1964م. وحققت ثورة أكتوبر المجيدة أربعة أهداف هامة:

الأول: إبداع أسلوب جديد في التحول السياسي، أسلوب الإضراب العام والانتفاضة الشعبية، أسلوب امتاز به الشعب السوداني في مواجهة الطغيان وصار أسلوبا مجربا في ترسانة الشعوب المأسورة المظلومة.

الثاني: استرداد الديمقراطية كاملة الدسم وكفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

الثالث: ولادة جيل جديد بالوسائل السلمية والديمقراطية لقيادة العمل السياسي في كافة نواحي الحياة العامة لا سيما في الأحزاب السياسية والتكوينات النقابية.

الرابع: الاستعداد المنهجي للحل السلمي للحرب الأهلية في البلاد واعتماد آليات المائدة المستديرة ولجنة الإثنى عشر ومؤتمر الأحزاب السياسية.

هذا الاستعداد المنهجي كون آليات وأثمر أدبا وفاقيا قيما ولكنه لم يستطيع تكملة المشوار لإصابة البلاد بانقلاب 25 مايو 1969م.

ولكن ذلك الأدب الوفاقي كان مادة بالغة الفائدة للنظام المايوي عندما عمل لاتفاقية السلام في عام 1972م. شهد بذلك المرحوم محمد عمر بشير أحد المشاركين في محادثات السلام في عام 1972م. بل اعتبر أن شرعية الاتفاقية نفسها مستمدة من أن مرجعيتها هي تحضيرات النظام الديمقراطي الذي سبق نظام مايو مجروح الشرعية.

ولكن الدكتاتورية صماء لا تحسن التعامل مع الرأي الآخر ولا تفهم معنى المشاركة في السلطة، عندها أن السلطة حتما تصعد إلى أعلى مثلما أن الماء حتما يهبط إلى أسفل. لذلك كان مثل نظام مايو مثل الذين يخربون بيوتهم بأيديهم فأساء تنفيذ اتفاقية السلام واندفع في سياسة خارجية محورية أفرزت بالمقابل حلف عدن الذي احتضن الحرب الأهلية المتجددة فورثت البلاد حربا أهلية في عام 1983م أخطر ألف مرة من الحرب الأهلية التي أنهتها اتفاقية 1972م.

وفي عام 1989 كان متوقعا أن يبرم اتفاق سلام عبر مؤتمر قومي دستوري ليست فيه من استحقاقات سوى تجميد قوانين سبتمبر 1983م المجمدة أصلا وضبط العلاقة بين الدولة والدين والسياسة والدين، وتوزيع عادل للثورة، وتعريف متوازن للهوية السودانية والتزام باللامركزية. بلا حاجة لتقرير المصير وبلا حاجة للتدويل.

وبأخطاء نظام الإنقاذ التاريخية تطورت الحرب الأهلية من حرب جهوية جنوبية إلى حرب أهلية قطرية متعددة الجبهات داخليا، متعددة التحالفات اقليميا، ودوليا. الحرب الأهلية الحالية هي ميراث الشمولية الأولى وقد طورت أبعادها الدينية والثقافية الداخلية وأبعادها الإقليمية والدولية الشمولية الثانية.

ومع هذا يحمد للنظام الحالي أنه الآن صار مستعدا للتخلي عن الأطروحات التي عمقت ووسعت الحرب الأهلية وعمقت ووسعت الاستقطاب الوطني وأوجبت تقرير المصير والتدويل وهما الآن سيفان مسلطان على رقبة الوطن.

الشعب السوداني، ونحن بعض إرادته، يدعم محادثات السلام الحالية بين النظام السوداني والحركة الشعبية ويتطلع لإبرام اتفاقية تحقق سلاما عادلا وتحولا ديمقراطيا حقيقيا.

كل عاقل يتوقع أن يتم الاتفاق على حل وسط وقد ساهمنا في تقديم مشروع الطريق الثالث الذي يقوم على هذا التوسط ونأمل أن يراعي الطرفان قومية الحلول المنتظرة حتى إذا كان التفاوض عليها ثنائيا.

لقد ظهرت حتى الآن ثلاثة عيوب ينبغي تصويبها هي:

الأول :عدم وجود آلية تنقل الاتفاق من ثنائي لقومي.

الثاني:  غياب جيراننا في الشمال الإفريقي عن الساحة. إن مشاركة جيراننا في القرن الإفريقي والأسرة الدولية مطلوبة ولكن غياب جيراننا في الشمال عيب ينبغي استدراكه.

الثالث: اعتبار طرفي التفاوض أن مايشتركان فيه ائتلاف ثنائي والمفهوم القومي أوسع من ذلك كثيراً.

إن الشعب السوداني يطالب طرفي التفاوض بتصحيح هذه الأخطاء ويطالبهما بتجنب المناورات غير المجدية كالحديث عن ثوابت الإنقاذ، أو الشراكة العازلة للآخرين، أو إصدار عملة للجنوب فالعملة من رموز السيادة، أو رئاسة دورية فالشعب لا ينتظر تقسيما مستمرا للسلطة على أي مستوى بين الطرفين بل الإسراع بانتخابات عامة حرة مراقبة دوليا رئاسية وتشريعية وولائية وهو ما قد كان في كل اتفاقيات السلام المبرمة في أفريقيا حتى الآن وللقوى السياسية كافة حق الترشيح للرئاسة.

وينبغي أن تلتزم كافة القوى السياسية بلغة سياسية تمهد للتحول السلامي والديمقراطي، لا بعدم الاختلاف فالاختلاف والنقد الموضوعي سنة العمل الديمقراطي ولكن بتجنب لغة الإثارة والمبالغة والانتقام فهذه تدل على العنف المعنوي الذي ينبعي استبعاده مع العنف المادي.

ومع هذا ينبغي أن نستفيد من تجربة جنوب أفريقيا لإقامة آلية لمعرفة الحقائق، ورفع المظالم، والتعافي، لفتح صفحة وطنية جديدة.

لقد وضعنا مقاييس ينبغي أن نتفق عليها وأن نعمل بكل المستطاع لتتناسب الاتفاقية المتوقعة معها. إن مدرسة أكتوبر توجب علينا أن نكون جبهة عريضة تدعم الاتفاقية إن كانت عادلة، وتحدد عيوبها وتعمل على إصلاحها إن كانت معيبة، جبهة تكون بمثابة رقيب شعبي يدعم أو يقوم الاتفاقية ويقوم بتعبئة شعبية واسعة لدفع استحقاقات السلام العادل والالتزام ببنوده والتحضير لوضع ديمقراطي جديد لا شرعية فيه إلا للولاية الشعبية الانتخابية من أدنى السلم الدستوري إلى أعلاه فقد مل شعبنا الترتيبات الفوقية واستعد لنظام يقوم في كل متسوياته على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون أي يقوم على الحكم الراشد.

هذه هي الشهادة الوحيدة المقبولة في مدرسة أكتوبر ونرجو أن تجتهد كل القوى السياسية السودانية لتأهيل نفسها بموجبها. سئل المسيح عليه السلام عن قاعدة للحكم بها على صلاحية الأمور فقال: بثمارها تعرفونها.

 

 

والسلام عليكم.