كلمة الإمام الصادق المهدي في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه

الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي

كلمة الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه

26-28 فبراير 2013م- القاهرة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ومن والاه.

سمو الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز الرئيس الشرفي للمجلس العربي للمياه، د. محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه، د. عبد القوي خليفة، د. محمد بهاء الدين، الإخوة السادة الوزراء والسفراء، أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي السلام عليكم ورحمة الله،

أخاطبكم اليوم في موضوع أعلم أن كثيرا منكم أكثر دراية وعلما وخبرة مني به، فأكون بذلك كحامل التمر إلى هجرأو بائع الماء في حارة السقايين! ولكن على أية حال وكما قال الحكيم “ما في الناس من هو أكبر من أن يتعلم وليس فيهم من هو أصغر من أن يعلم”، من هذا المنطلق أخاطبكم اليوم.

وأبدأ حديثي بالتهنئة الحارة لأهلنا في مصر وكافة دول الصحوة الديمقراطية على ما حققوا من تمكين للشعوب، وعلى الرغم مما يعانونه الآن من بعض المشاكل مما أدى إلى بعض التخوف، وعلى الرغم مما كان من إحباط، إلا أن تمكين الشعوب هو أمر حتمي، ولا بد من صنعاء وإن طال السفر، وما يحدث الآن في المنطقة لا يزيد عن آلام التسنين التي يعانيها كل مولود، فلنتحملها ولنكبر عليها إن شاء الله.

كما أشكر أهلنا في مصر على الأرض التي خصصوها للمجلس العربي للمياه، وأهنئ أيضا أهلنا في المغرب على إنشاء مركز الملك محمد السادس الدولي للدراسات والبحوث المائية في الوطن العربي.

وبالنسبة للمجلس العربي للمياه هنالك مسألة مهمة جدا تتعلق بموضوع الاكاديمية العربية للمياه التي تهدف بشكل أساسي للاهتمام بالتدريب في المنطقة، ولذلك ينبغي أن تكون أولويتها للمنطقة العربية ولذلك فإن أية محاولة لجعلها أكاديمية دولية غير سليمة في رأيي، فالمنطقة لها أولوياتها وأحواضها ومشاكلها، هذا بالإضافة لاعتباراتها الثقافية. وأوجه النداء للمسئولين في أبي ظبي للتجاوب مع هذه الأفكار لمصلحة المنطقة. فالاكاديمية هى معهد لدراسات المياه وهى فكرة نبعت من المجلس العربى للمياه وينبغى ان تحافظ على طابعها الاقليمى ولا تصير دوليه فالمؤسسات الدوليه اولويات مختلفه واهتمامات مختلفه .

إن هذا المجلس له رسالة مهمة فهو يمكن أن يكون بمثابة مستشار للسياسات القومية المائية في المنطقة العربية، كما أنه يسد فجوة التنسيق بين سياسات الدول العربية فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين الأسرة الدولية من جهة أخرى، وهو يعبر عن “الضمير المائي” للأمة العربية، ويمكنه أن يعمل كبوصلة للدبلوماسية المائية العربية.

إن هذه الدورة الثالثة للجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه تأتي في ظل ظروف بالغة الصعوبة بالنسبة للمنطقة، ولكنني غير متشائم وأعتقد أن الإمكانات البشرية للمنطقة، ومواردها الطبيعية كافية للنهوض بكل متطلبات الحياة، وهي قادرة على الدفاع عن نفسها وعن مصالحها، كل الذي تحتاجه هو السياسات السليمة التي تتمكن من إدارة هذ الموارد لتحقيق أهداف ومصالح هذه الشعوب.

المنطقة تعاني الآن من مشاكل كثيرة، ففي حوض نهر الأردن توجد مشكلة السلام، وفي حوض الرافدين توجد للأسف مستجدات خلقت توترات مذهبية، ولكن وعلى الرغم من هذه المشاكل فإن هناك مبشرات، منها أن دول حوض النيل تعترف بالسيادة المشتركة على الحوض، وهناك أيضا مبادرة حوض النيل التي تهدف للعمل المشترك والتعاون فيما بين الدول، ولكنا للأسف نعاني استقطابا حادا يتوجب علينا أن نفكر في كيفية الخروج منه، هذا الاستقطاب يقوم على أن مصر والسودان قد اتفقا عام 1959م على اتفاق أثار ردة فعل مضادة، والآن هنالك التكتل الذي يجب أن نجنبه المنطقة وذلك بالاتفاق على الكيفية التي نشترك فيها بمفوضية حوض النيل لنتمكن من مناقشة مشاكلنا من داخلها،علينا الانضمام للمفوضية وينبغي علينا أن نفكر في مسألة “سد الألفية” ووضع الضوابط لها،وفى دراسه نشرتها ذكرت فوائد ومثالب سد الالفيه الاثيوبى ورجحت الفوائد اذا اتبعت ضوابط معينة هذه مسائل لا يمكن أن نغمض أعيينا عنها بل ينبغي علينا أن نقدم الرؤى بشأنها لتجاوز الاستقطاب القائم خاصة بعد المستجدات التي وقعت بالمنطقة والتي من أهمها انفصال جنوب السودان، وأهمية هذا الانفصال تأتي من كونه انفصالا عدائيا، وعلينا نحن في السودان أن نتجاوز هذه الظروف الصعبة ليتحقق السلام بين السودانيين وهذا ممكن في رأيي لكنه يستوجب مجهودا كبيرا. إن وجود سودانين في حالة عداء سوف يساهم في خلق استقطاب حاد في حوض النيل كله، استقطاب من شأنه أن يتيح الفرصة للذين يريدون الاصطياد في المياه العكرة خصوصا وأن المنطقة نفسها مستهدفة لأسباب كثيرة، فهي مستهدفة لمواردها ولموقعها ولظروف غرس إسرائيل فيها، وهي مستهدفة الآن بسبب المستجدات التي أدت لتمكين الشعوب، إن تمكين الشعوب يعني استقلال القرار، وهذا بدوره يعني الحيلولة دون استغلال الدول المهيمنة “فاستقلال الشعوب يحول دون استغلالها”، هذا إضافة للمشكلة الكبيرة المتمثلة في الحرب بين الغزاة والغلاة والتي تستهدف المنطقة أيضا.

لكل هذه الأسباب ينبغي علينا في المجلس العربي للمياه أن نفكر في كيفية سد هذه الثغرات وإزالة أسباب التوتر والاستقطاب وسد كافة المنافذ التي يمكن أن ينفذ منها التآمر للمنطقة خاصة بالنسبة لحوض النيل الذي إذا ما وقع فيه استقطاب فإنه حتما سيؤدي لاستقطاب عربي أفريقي واستقطاب قاري … الخ. علينا أن نضع في أولى أولوياتنا إزالة الاستقطاب في حوض النيل بكل الوسائل الممكنة، وعلينا أن نوسع أخلاقنا ونظرتنا لكي نحقق ذلك وإلا فإن الباب سينفتح لتدمير المنطقة.

النقطة الأخيرة التي أرجو أن نفكر فيها تتعلق بمسالة العدالة البيئية وهي مفهوم بدأ يطرق دوليا بعد أن اقتنعت الدول الملوثة للبيئة بضرورة تعويض الدول المتاثرة بهذا التلوث، هذا يستوجب ضمن أشياء أخرى التفكير في حجم التعويض الذي نريده وكيفية صرفه بالصورة التي تمكن من الاستفادة منه في مجالات كثيرة مثل صد الزحف الصحراوي، التكنولوجيا المتعلقة بتحلية المياه، والمسائل المتعلقة بالاقتصاد في استخدام المياه، وكل هذا يحتاج للأبحاث والتكنولوجيا خاصة إذا أردنا صرف هذه التعويضات في الأولويات المتعلقة بحماية البيئة.

وهناك أيضا المسائل المتعلقة بحصاد المياه، وفي تقديري -سواء في حوض النيل أو في غيره من البلدان ذات المجاري السطحية- هناك فرصة واسعة لزيادة الدفق إذا توافر الاتفاق وإذا تطورت تكنولوجيا حصاد المياه، وهناك إمكانية بالنسبة لحوض النيل بالذات ينبغي التفكير فيها وفي مقتضياتها التكنولوجية وهي إمكانية حقن حوض النيل بمياه من حوض الكونغو.

على المجلس العربي للمياه أن يخاطب جميع هذه القضايا إضافة لمسألة مهمة وهي أن توفير الطاقة بصورة قليلة التكلفة (الطاقة الشمسية)، وتحلية المياه من شأنهما –في نهاية المطاف- أن يفكا كل هذه الألغاز ويذللا كل الصعوبات فقط إذا حدث فيهما اختراق تكنولوجي.

أرجو لهذه الجمعية النجاح والتوفيق، وأكرر رجائي بالتركيز على السياسات المطلوبة للمنطقة من أجل خلق ظروف لحياة أعدل وأفضل والسلام عليكم ورحمة الله.