كلمة السيد الصادق المهدي التي قدمها بوزارة الخارجية عن 27/8/2002م

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة السيد الصادق المهدي التي قدمها بوزارة الخارجية

بتاريخ الثلاثاء27/8/2002م

عن الســـــــــلام

 

أخواني  وأخواتي  وابنائي  وبناتي مع حفظ الألقاب السلام عليكم

أنا اشكر الأخ اوغستينو على دعوتي لكي أتحدث إليكم  في هذا الموضوع الهام ولبيت مسرعا لأن قضية السلام قضية قومية وتخص الجميع فهي ليست قضية حكومة أو معارضة أو هذا الحزب أو ذاك وإنما هي قضية الوطن كله ونحن بصدد أن نقترح ميثاق تتفق كل القوى السياسية على ثوابت وطنية حتى لا يختلف على أي من هذه الثوابت الوطنية ثم بيننا كمسلمين ثوابت دينية هذه أيضا نسعى للاتفاق عليها ولكن المهم في إطار الوطن أن نتفق على هذه الثوابت الوطنية والسلام لاشك ركن أساسي فيها. السلام طبعا لا يعني غياب الحرب فوربا مثلا لو استعرضنا تاريخها نجدهم حاربوا حروبا سياسية وحروبا فكرية وعد أن خاضوا هذه الحروب كلها وصلوا إلي حالة سلام حاولوا أن يجسدوا ما في دساتيرهم  وفي علاقاتهم بين بعضهم بعضا فالسلام هو حالة وئام، وحالة تجانس   يغيب معها محاولات حل المشكلات الطبيعية بين البشر بالعنف ويحضر معها وإنما آليات لفض النزاعات الطبيعية بين البشر الذين كانوا وما زالوا وسوف يبغون يواجهون خلافات طبقية.هذه تظل سمة البشرية ولكن السلام حالة فيها هذه المشاكل المختلفة هذه التناقضات المختلفة توجد لها آليات فيها الرأي والرأي الآخر وفيها التسامح وفيها العدل. إذا غاب العدل في أي جزئيه من هذه الجزئيات اختل النظام كله وضاع السلام سواء لأسباب موروثة أو لأسباب دينية

فقضية السلام في السودان دارت حقبة حول قضية الحرب الأهلية و مكونات الحرب الأهلية في السودان واضحة جدا وبسيطة  هناك تباين ثقافي باعتبار أن التماسك الاجتماعي في غالبية الشمال قائم على كيان إسلامي عربي وهذا غائب في أجزاء كثيرة أهمها الجنوب والإسلام والعروبة كمكونين للهوية الشمالية في الغالب قد تمددت في السودان الشمالي سلميا ولكن هذا وقف دون الجنوب لاسباب كثيرة منها جغرافية ومنها تاريخية. ثم جاء الاستعمار، الاستعمار كرس هذا التباين بل أدخل فيه عامل الهوية الجديدة الهوية المسيحية الانجلوفونية كهوية

جديدة أضيفت للتباين الموروث.

طبيعة الوعي السياسي والفكري في الشمال نشأت علي أساس إسلامي وعربي وعلي إحساس باتهام الهوية الجديدة ورغبة في نقضها ولذلك مذكرات مؤتمر الخريجين في عام1942م كانت ثلاثة من بنودها موجه نحو تفهم هذه الهوية الجديدة.

عندما نشأت الحكومات الوطنية اتخذت رؤية مذكرة الخريجين هذه وعاملت هذه الهوية المستخدمة كشيء دخيل، وكانت تعامل القوي الديمقراطية مع هذه المسألة فيه نعومة ولكن النظم العسكرية التي حكمت السودان في الفترة الوطنية اتخذت وسائل خشنة في التعامل مع هذا الموضوع وهذا كان له أدواره المختلفة  في مراحله المختلفة. هذا التعامل النافي لهذه الهوية المثبت للهوية العربية الإسلامية بلغ أقصاه في عهد نظام الإنقاذ الذي بلغ بهذا الموروث أعلي درجاته. هذا أدى إلى استقطاب حاد أدخل عناصر إضافية في الحرب الأهلية الموروثة أصلا وزاد من العامل الخارجي لان ضحايا هذه السياسات التمسوا دعما خارجيا عبر وسائل مختلفة: منظمات حقوق إنسان ومنظمات كنسية ودول ..الخ

هذا كله أدني إلى أن بلغت الحرب الأهلية حالة من الاستقطاب حادة جدا وفيها عنصر أجنبي كبير أيضا لأن الاستقطاب لم يكن مجرد استقطاب جنوبي شمالي لكن أيضا  دخل فيه استقطاب شمالي شمالي واستقطاب جنوبي جنوبي في أثناء هذا الاستقطاب الحاد بدأ بكثير منا ضرورة مناقشة قضية الحرب هذه بصورة بعيده عن الحسم العسكري لانه اتضح لنا في الغالب. وهذا الاتضاح تمدد لكثيرين. أن العوامل الداخلية والعوامل الخارجية والعنصر الموروث والعنصر الديني هذه العناصر المركبة تجعل الحسم العسكري مستحيلا ولذلك سوف تكون حرب أهلية استنزافية دائمة وكلما زاد حدتها زاد العنصر الاقليمي والاجنبي، فبدأ لنا ان ننظر للموضوع من زاوية مختلفة ولذلك بدأ مشوار النقاش الفكري والسياسي والثقافي لابعاد الحرب والتطلع لايجاد حلول لها خارج ميزان القتال ولذلك اتضحت ضرورة ان نبلغ معادلة في مسألة الدين والسياسية والدين والدولة وتسمح لهذه الانتماءات الدينية والثقافية الاصيلة ان تبقي ولكن في الوقت تسمح أيضا باقتران حقوق المواطنة وحقوق التنوع الديني والثقافي. هذا كان جملة ما تم بحثه مؤتمر نايروبي عام 1993م ومؤتمر اسمرا في عام 1995م. ونطرق الموضوع  لقضايا كثيرة: التهميش الاقتصادي باعتبار ان من مورثاتنا من الاستعمار ان الاستعمار ركز في التنمية الاقتصادية الحديثة في السودان علي مناطق معينة مما اصاب مناطق اخري بالتهميش، والتهميش الثقافي والتناقض الثقافي، والقضايا المتعقلة بالدولة وان هياكلها الموجودة حاليا ليست كاملة القومية مما يقتضي ان تراجع هذه الهياك المدنية والنظامية حتي تكتمل قوميتها ويستطيع الجيمع ان ينتموا اليها.

قاضايا دخلت في معادلات جديدة التفكير الوقائي الذي يخرج من إطار التركيز علي سيطرة ثقافية مركزية معينة وتهميش الاخرين الي الاعتراف بالتنوع والتعايش ضمن مشروع عدالي، وكان من اهم المسائل التي دخلت في هذا التقييم  مسألة وحدة البلاد، الافتراض الذي نشأ عيه جيمعا هو أن وحدة البلاد من مسلماتنا وأن السودان قرر مصيره يوم اختار استقلال البلاد وأن الجميع اشتركوا في هذا الاستقلال فلا مجال لمراجعة أو مناقضة هذا ولكن علي ضوء قضايا كثيرة متعلقة بهشاشة مؤتمر جوبا الذي بدأ هذه المسألة والخلافات التي نشأت حول عدم الاستجابة للتطلع الجنوبيين للفبريشن عند الاستقلال والمرارات التي اورثتها الحرب ثم المرارة التي اورثها التصعيد الذي حدث في عهد الانقاذ، كل هذه الاشياء أدت الي أن القوي السياسية الجنوبية أجمعت علي أن الوحدة لا يمكن أن تعتبر من المسلمات فلا بد إذا أن ندخل مفهوم الوحدة الطوعية عبر تقرير المصير. هذه كانت التطورات المتعلقة بنقاشات ومباحثات وحوارات أفضت الي هذه المعاني والمفاهيم علي أسس وفاقية وفي نفس الوقت لا شك ان حدة النزاع واثر هذا النزاع الاقليمي والدولي أدي الي تعاظم البعد الخارجي والاهتمام الخارجي بالقضية السودانية ودون أن ارجع الي كل المجهودات أبدأ بالايقاد.

الايقاد كانت محاولة لجيراننا في القرن الافريقي للمساهمة معنا في ايجاد حل للقضية ومنذ البداية دخلوا بمفهوم المبادئ الستة علي أساس انه:إما ان نتفق علي سودان ديمقراطي علماني موحد أو تقرير المصير، والايقاد لاسباب كثيرة أيضا لا اريد ان اخوض فيها اتخذت لنفسها تحالفا مع الاسرة الدولية سمي أولا بمنبر أصدقاء الايقاد ثم منبر شركاء الايقاد وهذا نستطيع أن نقول وسع البرلمان الدولي في التعامل مع الشأن السودان ولا شك بدأ واضحا أن هذه الصيغة والمعادلة معادلة بسيطة وكذلك بدأ واضحا أن الايقاد تركز علي حل بين طرفين من أطراف المعادلة الحكومة والحركة الشعبية ولذلك حدثت تطورات أدت الي قيام المبادرة المشتركة. المبادرة المشتركة جاءت بمفهوم واضح:

أولا: عدم أخذ مسألة تقرير المصير في اعتبارها.

ثانيا: حل المشكلات دون ذلك وكذلك مشاركة كل الاطراف السودانية ولكن المشتركة بعد أن بدأت ناجحة وخطت خطى معينة خسرت بسبب ما فيها من نقائض تجاوب كل الفصائل الجنوبية وهذا ضمن اسباب أخري أدي الي شللها ولكنها بعد أن نشأت وقامت بعملها حركت الايقاد بمحرك دولي، فالايقاد بمحركها الدولي دخلت في المعادلة وجاءت الان كنتيجة لذلك منبر مشاكوس الذي قطع شوطا كما نعلم في هذه المسألة.

أسس الإسلام التي بحثة وستبحث في مشاكوس لا بد أن تغطي قضايا معينة: الدين والدولة، الدين والسياسية بصورة توفق ما بين تطلعات أصحاب الاعتقاد الديني لعقائدهم الملزمة وحقوق المواطنة، لا بد أن تحسم قضية تقرير المصير باعتبار أنها صارت في رأي كل القوي السياسية الجنوبية الضمان الأساسية للتحقيق أهدافه سواء في الانفصال أو تحقيق سودان موحد يرونه عادلا. الفترة الانتقالية لتجربة الاتفاق هذا سوف تكون السبيل لتحقيق الإصلاح المطلوب ثم يأتي تقرير المصير إذا كان  الإصلاح مرضيا للأطراف المتظلمة بالوحدة والعكس صحيح. لا شك أن هذه المسألة مهمة جدا وكانت صيغة الإيقاد الأولي ضعيفة لأنها كانت تنطلق من الاتفاق علي سودان موحد في أسس معينة أو تقرير المصير، هذا النظر لتقرير المصير بعد فترة ضروري لأن هذه الفترة يمكن أن تؤدي لتغيرات مهمة ولكن هذه الفترة إذا نظر إليها كأنها قسمة للسلطة ما بين النظام في الخرطوم وما بين الجنوب هذا يجعلها ناقصة ومهزوزة وهشة لان هناك مشاكل وتناقضات جنوبية جنوبية ومشاكل وتناقضات شمالية شمالية هذه التناقضات لا يمكن أن تحسم فقط في إطار قسمة للسلطة بين الإنقاذ والحركة الشعبية وكذلك هناك قضية نظام الحكم، لا شك أبدا انه لا يمكن تأمين اتفاقية السلام إلا علي أساس ديمقراطي بمعني أن الأساس الديمقراطي يجعل الشعب الضامن لا اتفاق، كذلك الأساس الديمقراطي يمكن أن يبعد أي خطر علي اتفاق السلام قد يأتي من تغيير أحد أطراف السلام بخوفه كذلك الديمقراطية هي الوسيلة الأنجح لحسم التناقضات الجنوبية الجنوبية والشمالية الشمالية التي لم تدخل في حل الإشكال الشمالي الجنوبي أو ما بين الحركة والنظام، هذه التناقضات قائمة ومن يحاول تهميشها أو إسقاطها إنما يحرث في البحر ولكن الديمقراطية وسيلة من وسائل التعامل مع هذه التناقضات الشمالية الشمالية والجنوبية الجنوبية وفوق ذلك الديمقراطية الآن صارت وسيلة التأمين الشرعية لأي نظام، فالعالم صار يتطلع ويطلب هذا الإجراء، النيباد: الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا تتحدث عن ثلاثة أهداف السلام والديمقراطية والتنمية، الدول الغنية المانحة دول ألGA تتحدث عن دعم والتعاون مع دول العالم المتخلف علي هذا الأساس.

هناك أيضا قضية الثروة لا شك أنه ليس في الجنوب وحده ولكن بين الشمال والجنوب وفي داخل الجنوب وفي داخل الشمال هناك إحساس حقيقي بتظلم اجتماعي واقتصادي هذا التظلم لا علاج له إلا في إطار قسمة عادلة للثروة والفرص التنموية والفرص الخدمية هذا الموضوع ليس فقط في إطار الشمال والجنوب بل في إطار الشمال والشمال والشمال والجنوب والجنوب والجنوب.

هناك قضية الأمن والدفاع هذه أيضا قضية مهمة جدا لأن الجيوش الموجودة حاليا جيوش معادية بعضها البعض ولا بد من الاتفاق علي اساس يبدأ أولا بنوع من إعادة الانتشار في ظل وقف اطلاق النار المراقب. وكذلك لا بد أن تلي ذلك مرحلة بين بين ويمكن ان يكون هناك تنسيق علي مستوي قيادي مع احتفاظ  الوحدات بكيانها مثلما يحدث لقوات النيتو، ثم مرحلة ثالثة هي التي فيها يكون قد حسم مستقبل البلاد الموحد انشاء الله وبناء علي ذلك نظرة لمستقبل القوات المسلحة وهذه تحتاج لدراسة كبيرة تكون قادرة علي التوفيق ما بين الاساس الديمقراطي والقوة المسلحة كحماية للدفاع، ولا بد من صورة جديدة للقوات المسلحة في السودان، صورة ضرورية لمعادلة استقرار الحكم، وهناك اجتهادات كثيرة حول هذه الاشياء.

ثم هناك مسألة الحدود التي صارت محل خلاف باعتبار ان الحركة الشعبية والجيش الشعبي يعتبرون أن هناك قوة كثيرة في الشمال معهم خصوصا منطقة أبيي ومنطقة جنوب النيل الازرق ومنطقة جبال النوبة، هناك صيغة حسمت بها هذه المسألة وهي أن الحدود يجب ان تكون علي أساس حدود 1956م ولكن في اتفاقية أديس أبابا 1972م وفي اتفاقية اسمرا 1995م الصيغة كانت: أن الخلافات الوجودة في تلك المناطق لا بد من معالجتها واقصر طريق لمعالجتها هو استفااء في هذه المناطق وهذا الاستفتاء في تقديرنا وارد وواضح ان تكون نتيجة لان اغلبية هذه الناطق امر تنتمي للشمال، ولكن هذه القضية يجب ان تفصل من الحدود المقننة او القانونية التي هي حدود 1956م هناك مسألة الهوية الوطنية: لا بد من الاعتراف بالتعددية الثقافية في السودان ونحن اقترحنا في ذلك ما اسميناه بالميثاق الثقافي للتعايش بين الثقافات السودانية الختلفة هذه الميثاق الثقافي مكون من عشرة نقاط .

هذه الاشياء في تقديرنا يمكن جدا ان يتقف حولها لان الحوار والضغوط الفكرية والقناعات الفكرية سهلت مهمة الاتفاق ولكن هناك فجوة ثقة كبيرة جدا بين ترسبت في التواريخ والعهود الماضية وهذا ما يزيد من أهمية التوسط الأجنبي، فالتوسط الأجنبي لا بد أن نقرأ موقفه بوضوح: لا شك ان جيراننا توسطهم مفهوم لأن مشاكل السودان تؤثر عليهم سلبا وايجابا، الأسرة الدولية لا شك أن الغرب له دخل في هذا الموضوع لأن الرأي العام في كل الغرب متأثر بموقف كنسي يرى أن هناك اتهاض للمسيحين وهم يريدون أن يرفعوا هذا الاتهاض، والغرب يعرف أقوالا كثير علي الاغاثات، وهذا المال هم يهتمون كيف يصرف وكيف يقف صرفه بإزالة الظروف الاستثنائية التي توجبه وهناك أيضا المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان المعنية بما يحدث في السودان من هذه الزاوية إذاً الغرب متحرك في هذا الموضوع بعوامل صارت تجعل السودان والشأن السودان جزءاً من أجندتهم الداخلية ويمكن جدا توظيف هذا الاهتمام توظيفا سليما ولكن أيضا لهذا الاهتمام أن ينحرف وهذا يتوقف علي القدرات الوطنية السودانية.

موقف الولايات المتحدة مشابه ولكن مختلف لأن في الولايات المتحدة نشأت لوبيات قوية جدا مهتمة بالشأن السوداني أقوي منها في أوربا وفي هذه اللوبيات القوية كانت الدافع سياسة كلنتون التي كانت تدني الضغط علي النظام في السودان بدعم المفارقة بصورة معينة حتى تبلغ هذه نتيجتها مثل ما حدث في كثير من دول شرق أفريقيا ودول القرن الأفريقي في أثيوبيا، وفي اريتريا، وفي يوغندا، وفي الكنغو علي كل حال الولايات المتحدة بعد ان جربت السياسة وأدركت خطأها راجعت موقفها وهي الان تتخذ موقفا في تقديرنا عاقل وعملي وهو مختلف عن سياسات الولايات في مناطق كثيرة حيث يوجد فيها درجة عالية جدا من الخطأ والاستعلاء، ولكن في الأمر السوداني هم مجتهدون أن يتخطوا المعادلات الوطنية الموجودة وألا ان يتخطوا المعادلات الاقليمية الموجودة ومجتهدون في ان يشترك معهم آخرون وهذا يعني: أن حالة التوسط هذه يمكن أن نوظفها لمصلحة السودان ويمكن ان نتعرف الآن لأن هؤلاء الناس وهذه الدول لا تتدخل (كفاعلة خير) وأنما لمصالح استراتيجيتهم المهم أن تكون الجهة المعينة قادرة علي ان  توظف هذا وبصورة تحول دون الانحرافات الممكنة.

في الحقيقة نحن نريد لهذا البعد الدولي ان يوظف في التوسط بصورة معتدلة وأن يساهم في الضمان باعتبار أن فجوة الثقة واسعة بين الاطراف المختلفة وأن يوظف ايضا في إعادة التنمية والتعمير للسودان بعد الاتفاق.

هذا يعني أن هناك قراءة حميدة للدور الدولي وطبعا هناك قراءات أخرى ولكن يمكن لهذه القراءة الحميدة بيقظة وطنية معينة ووحدة وطنية حارصة ان تحول دون الانحرافات. الآن عملية السلام كلها ان تكسب ذلك حسب التطورات التي حدثت وكلنا يتابعها نحن موقفنا واضح من هذه المسألة، نحن قدمنا ورقة استراتيجية قلنا فيها: لا يمكن ان يكون هناك تفاوض لتحقيق سلام وفي نفس الوقت تتصاعد صيحات الحرب فلا بد ان يوفر مناخ معتدل في هذه الظروف وصحيح لا يمكن المطالبة بوقف اطلاق نار قبل الاتفاق ولذلك طرحنا صيغة الهدنة علي أساس هذه الهدنة مؤقتة تستمر ما استمرت المحادثات وتقف  مع توقف المحادثات فان نجحت ومعها إطلاق النار فبها وألا فإستناف القتال بصورته، اما وقد حدث ما حدث ونحن نري: أن ما حدث كان طبيعيا بالنسبة لتأثير هذه التصرفات القتالية علي مناخ ومزاج واستعداد الاطراف المتفاوضة ولكننا اصدرنا بيانا نقول فيه اننا نرى وقف أو تجميد المحادثات يجب ان يعاد النظر فيه لان المسألة الجوهرية مسألة السلام لا بد أن ننقذها من ردود الفعل هذه، هذا مع العلم انه لا أحد يمنح أي طرف من الأطراف ما دام لايوجد التزام لا بهدنة أو وقف اطلاق ان يفعل ما يفعل في تصرفاته العسكرة ولكن لا بد من ان ننقذ عملية السلام والتفاوض من أجل السلام من أي ردود فعل خصوصا وأن الطرف الذي يحمل مسئولية انهيار عملية السلام سوف يعطي الطرف الآخر امتيازات كثيرة من دعم دولي ودعم إقليمي لانه سيرى كأنه غير مسأول علي هذه النكسة، ولذلك نحن نقول أنه مع الأسف الشديد علي ما حدث ومع الترحم علي أرواح الشهداء والدعاء بشفاء الجرحى لا بد من ضبط النفس في هذا الموضوع لان ضبط النفس فيما يتعلق بالقتال فالقتال ما دام مستمرا فليستمر ولكن ضبط النفس في استمرار التفاوض من أجل السلام ويمكن أن يتفق علي أن يوضع بند أول في أي اجتماع لاحق النظر في مسألة هدنة تستمر الي ان ينتهي التفاوض.

الحقيقية أنا اريد أن اختم بأنأقول كل هذه المسائل مقرر عليها والنقاط المطروحة ممكنة والمشكلة والكبيرة هي مشكلة غياب الثقة وهذه لا يوجد لعلاجها سوى أمرين:

الأمر الأول: الدور الوطني: لا بد ان يكون هناك دورا وطنيا قوميا قادرا علي ان يحقق أعلي درجة من الاتفاق حول هذه الأمور والضمان لاستمرارها.

الأمر الثاني: الدور الدولي الذي يمكن ان يساعد ويساهم في هذا الموضوع، ولكن انتم الان تبحثون عن السلام بصورة أوسع من هذه الأمور كلها لأننا بصدد الحديث عن السلام ضمن استراتيجية ربع قرنية وهذا يعني اننا لا بد ان نتحقق عن الموضوع ليس في الاطار الآني والاجندات المطروحة حاليا وهي هامة وهي العتبة الأولي ولكن في إطار الآتي:

أولا: نحن نحتاج الي ثورة سياسية بمعني لا بد ان يكون هناك اقتناع تام شامل كامل بضرورة المشاركة السياسية والفاعلة للرأي والرأي الآخر بحق وعدل ولا بد ان يعكس الدستور هذا الحق ليس فقط في إطار لك رجل أو أمرأة صوت ولكن ايضا في إطار التوازن بمعني ان الديمقراطية والتوازن جزء لا يتجزأ من هذه الثورة السياسية المطلوبة بدون هذه الثورة السياسية المعنية بأن نتفق جميعا لا يستطيع احدنا ان يحتكر السلطة لنفسه واذا فعل ذلك معناه يفعل ذلك بالقوة وهذا معناه الاحتكاك والنزاع والتدخل الأجنبي والاحتكاك والنزاع سيكون من ذيوله وتبعاته التدخل الأجنبي إذا لا بد من ثورة سياسية واضحة، فلا مجال لان نقول اننا نعمل من أجل السلام وجهة منا تستبغي علي السلطة كما تشاء وتفعل في الآخرين كما تشاء فهذا مستحيل لا بد أن تكون هناك نظرة مفتوحة واضحة ثورة سياسية تعني ان من يحكم السودان هو الذي يختاره الشعب السوداني الحر ضمن معادلات فيها توازن حتي لا تتطغي الاغلبية، فالاقليات لها حقوق لا يمكن ان تحسم بمجرد زيادة الاصوات.

الموضوع الثاني: ثورة اقتصادية لا بد ان تكون نظرتنا اننا إذا لم نحدث تنمية عادلة وإذا لم نخاطب قضية التهميش في مناطق كثيرة من السودان سيكون هناك احتقان يؤدي الي انهيار السلام الاجتماعي ثم انهيار الأمن، فلا بد ان تكون نظرة ضمن هذه الاستراتيجية نظرة لثورة اقتصادية تحقق التنمية والعدالة الاجتماعية وتخاطب قضية التهميش كقضية اساسية .

ثم هناك ضرورة لثورة ثقافية: نحن عموما لا شك لا بد ان نعترف باننا نحن اصحاب الثقافة المركزية نتعامل مع غيرنا من ثقافات الوطن باستعلاء وهذا الاستعلاء من موروثات ظروف ماضية لا بد ان ننظر اليه نظرة جديدة اذا كنا نريد اخاء ومودة لا بد ان نبذل لهذا الاخاء وهذه المودة اسبابها، نحن عموما عندما نتحدث عن الاخوة الجنوبيين مثلا ننظر لاديانهم الافريقية وثقافتهم نظرة دونية، سأقول كلام بسيط جدا عن كتاب كتبه الاستاذ بولاجي ايراووطو من العلماء النيجيريين وتحدث في اطار كيف ان الغرب هو صاحب النظرة الدونية لافريقيا والافارقة ويتحدث عن نظرة الغرب لهذه الاديان والثقافات، لا اريد أن ادخل كثيرا في هذا الموضوع ولكن اريد ان التعابير التي تستعملها عنهم بالنسبة لوصف هذه الاديان خاطئة ويقدم دراسات واضحة في ذلك وفي النهاية أتي بمعلومات تؤكد ان خمسة عناصر تدخل في تكوين الاديان الافريقية التقليدية هي:

  • إيمانه باله واحد مهيمن.
  • إيمانه بآلهة دوني.
  • إيمانه بأرواح ضل في الأشياء.
  • إيمانه بالأسلاف.
  • إيمانه بالسحر والتطبيب به

وان لكل ملة من هذه شعائرها. نحن نتعامل مع هذا التراث علي اساس أنه ليست فيها اي قيمة روحية أو خلفية واذا استمرت هذه النظرة فلا بد اننا سنسقط علي اصحابها نظرة دونية لاننا بذلك نصنف هذه الاشياء.

نحن كمسلمين لا مشكلة لنا في رأي في أن نتعامل مع الآخرين بصورة فيها اعتراف لماذا نقول ذلك؟

(ان الذين امنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخروعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)

من هم الصابئون؟

الكثير من المفسرين يقولون: عبدة النجوم والكواكب ..الخ

انا تفسيرى لهذه الاية باني يأتي من تفسير كلمة صبأ نفسها التي كانت تستخدم في الجاهلية للذين اهتدوا للتوحيد وحدهم وليس عن طريق رسالة ولذلك الصابئين يمكن يدخل يها كل الهدايات اهدة بها النس لربهم أوللتوحيد دون رسالة معلومة أو كتاب معلوم, على كل حال نحن كمسلمين باب أ، نتعامل مع الآخرين بصورة فيها روحية وخلفية انهم ليسوا

(ليسوا سواء من اهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر اولئك هم الصالين. وما يعفلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين) هذا الكلام يفتح أبوابا من الآن غير موجودة في ثقافتنا. لماذا؟ لاننا في حاجة الي هذه الثورة الثقافية.

ونحن في حاجة ايضا الي ثورة اجتماعية: نحن لا شك في تعاملنا ـ أنا مره في القاهرة دعاني الاخ باسفيكو لادلو ليك لزواج ابنته في فندق دعاني انا واسرتي فدهشت جدا حيث كنا في معارضة وفي غربة ولم يكن موجودا من الشماليين غير أنا واسرتي ـ كل المدعويين والحاضرين كانوا جنوبيين وهذا يعني أن هناك انقسام اجتماعي أساسي لا بد ان نعرف طريقة لمعالجته وهذا الموضوع فيه كلام كثير لا استطيع الخوض فيه الان ولكنني ادخله فقط ضمن الثورة الاجتماعية المطلوبة.

نحن اذا كنا نريد ان نستصحب هذا المستقبل نحتاج الي ثورة في هذه المجالات واذا حققنا هذه الثورة لم تقف عند حد السودان، لماذا؟ لاننا نحن الواصل لما فصلته الصحراء الكبرى افريقيا شمال الصحراء وافريقيا جنوب الصحراء،  فالذي تحقق من ايجابيات في هذا المجال يمكن ان يصبح افضل وسيلة لتعامل حضاري بين حضارتنا العربية الاسلامية والحضارات الافريقية المكونه منه ـ كما قال علي الزروعتي من تراثها الاسلامي وتراثها المسيحي وتراثها الغربي (انجلو فون وفرانكفون)، وهذا يعني اننا نحن اذا استطعنا ان نحقق السلام في هذا الاطار بهذا البعد يمكن ان تكون له اثار ايجابية في السودان هذا ما ارجو ان يوفقنا الله سبحان وتعالي إليه.

والسلام عليكم ورحمة الله.