لقاء مع الإمام الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

د.خالد شوكات

كانت القمة العربية الموازية المنعقدة يومي 4 و 5 فبراير 2012 في القاهرة, بدعوة من التحالف العربي من أجل دارفور, فرصة عزيزة بالنسبة لي للقاء الإمام الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق, رئيس حزب الأمة, حفيد الإمام المهدي الكبير قائد الثورة العظيمة ضد الإنكليز, إلى جانب عدد من وجوه المجتمع المدني العربي وقادة المنظمات الإنسانية العالمية, جاءوا إلى العاصمة المصرية لتنبيه العالم إلى أن طبول الحرب تدق في السودان, وأن اندلاع النزاع المسلح المدمر قريب الوقوع بين الشماليين والجنوبيين من جديد, إن لم يهب المجتمع الدولي للقيام بواجباته والضغط مجددا من أجل العدل والسلام.

وكان من أهم ما سمعت من الإمام الصادق خلال اللقاء, تأكيده على ضرورة أن تمنح الحركات الإسلامية فرصة للانخراط في المشروع الديمقراطي وألا يتم الاعتماد على المعايير الغربية في بناء الديمقراطيات الوليدة في البلدان العربية بعد ثورات الربيع العربي, بالنظر إلى الخصوصيات الثقافية والحضارية وأن يكتفى بالاشتراط على الإسلاميين احترام قواعد الديمقراطية وقيم التنوع والتعددية ليسمح بقبولهم, وألا يتشبث خصمهم بالعلمانية بمعناها الحر في كما طبقت في الغرب, وإلا فإن النتيجة ستكون دفع الأوطان إلى حروب أهلية مدمرة, لن تفيد أحدا من الطرفين.

وينتمي الإمام الصادق المهدي في رأيي إلى تلك المدرسة الإصلاحية الإسلامية, التي سبقت بعقود مدرسة الإخوان المسلمين في الظهور, وتعود في جذورها إلى حركات الإصلاحيين المسلمين الكبار, الذين ظهروا ابتداء من القرن التاسع عشر في أكثر من بلد عربي, من قبيل الإمام محمد أحمد المهدي ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان وسواهم ممن دعوا إلى تجديد الفكر الإسلامي بما يضمن انسجامه مع العصر ويفتح المجال أمام المسلمين لربح رهان التقدم بعد أن قادهم غلق باب الاجتهاد إلى التخلف.

وقد استمرت المدرسة الإصلاحية الإسلامية متميزة في خطها عن مدرسة الإخوان المسلمين التي ظهرت أواخر العشرينات من القرن الماضي في مصر على يد الداعية الشيخ حسن البنا, حيث ظهر قادة ومفكرون في أكثر من بلد عربي, جمعوا بين الاضطلاع بوظائف تجديد الفكر الإسلامي والنضال السياسي الوطني ضد المستعمر, من قبيل الشيخ عبدالعزيز الثعالبي في تونس, والأستاذ علال الفاسي في المغرب والشيخ الابراهيمي في الجزائر, وقد حرص جميعهم تقريبا على جعل الإسلام عاملا موحدا لا مفرقا بين المسلمين, ورفضوا أن يخصوا أنفسهم أو أتباعهم بصفة مميزة دون سواهم من المواطنين.

وقد بادر الإمام الصادق المهدي في السودان, سيرا على خطى جده و خطى هؤلاء المسلمين, على تأسيس حزب الأمة السوداني وفقا لهذه الرؤية, فهو من جهة يعتمد المرجعية الإصلاحية الإسلامية, لكنه من جهة أخرى حزب وطني, يؤمن يخصوصية الوطن السوداني, ويدعو إلى السودان أولا, سودان متشبث بهويته الإسلامية الدينية وتنوعه الثقافي والعرقي والديني في آن, وهو ما جعل حزب الأمة مختلفا في أطروحاته الإسلامية, عن تلك التي ارتكزت عليها الحركة الإسلامية السودانية بقيادة الدكتور حسن الترابي, الذي عاد قبل سنوات إلى مراجعة أفكاره, والعودة إلى مربع أقرب ما يكون إلى مربع حزب الأمة في ما يتعلق بنزعته الوطنية ورؤيته الاجتهادية.

من التجارب المغاربية المشابهة لحزب الأمة السوداني, حزب الاستقلال المغربي الذي أسسه العلامة علال الفاسي, حيث جمع بين خلفية إصلاحية إسلامية وبرنامج عمل وطني, يؤمن بوجود وطن اسمه المغرب, مرتبط بهويته الإسلامية لكنه مقر في الوقت نفسه بتنوعه الحضاري والثقافي والعرقي, وعامل على دفع البلاد إلى مواجهة العصر بانفتاح واستيعاب ورغبة في كسب معركة التقدم.

ولم تكن الحركة الوطنية التونسية قبل قيام دولة الاستقلال, مختلفة في هذه الرؤية الجامعة بين الإسلام والتعددية, حيث كان علماء الزيتونة عماد هذه الحركة, وكان زعماؤها من أمثال الشيخ الثعالبي والزعيم بورقيبة والعلامة ابن عاشور غير مختلفين لعقود طويلة من العمل, حول انسجام الجمع بين المرجعية الإسلامية التجديدية والالتزامات الوطنية العصرية, على نحو جعل المسلمين باستمرار “مسلمين” فقط, لا “مسلمين” و”إسلاميين” مثلما جعلتهم خلال العقود الأخيرة المدرسة الإخوانية.

في نهاية اللقاء, دعوت الإمام المهدي إلى أن يكون صوته أعلى, وأن يصل إلى المسلمين باجتهاداته المستنيرة في كل مكان, حتى لا يترك الإسلام مسؤولية حركة واحدة أو اتجاه واحد, وحتى لا تتكرس أكثر حالة الاستقطاب التي نعيشها, بين “الإسلاميين” و”أعداء الإسلاميين”..فهناك صوت اجتهادي آخر قوي يجب أن نعود إلى الإنصات إليه, والإمام المهدي أحد نماذجه المشرفة.

 

كاتب تونسي

[email protected]

السياسة