لماذا هذا الاهتمام الدولي بالسودان؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا هذا الاهتمام الدولي بالسودان؟

8 يونيو 2006م

 

عندما كان الانقلابيون في السودان يتوعدون أمريكا وروسيا ويعلنون عن إقامة الآذان في الفاتيكان قلت لأحد قادة النظام: ما هذا الطيش؟ قال لي: إن سياساتنا قد أعلت من شأن السودان وجعلته رقما عالميا!

سياسات الإنقلابين التوسعية الرسالية لفظا غير مدعومة بأية صدقية فعلية، وقد خلقت ضده استقطابا حادا داخليا واستقطابا واسعا خارجيا.

الاستقطاب الخارجي جسّدته جماعات ولوبيات لا سيما في الولايات المتحدة أهمها ستة لوبيات:

* لوبي مسيحي لنجدة المسيحيين في السودان.

* لوبي جمعيات حقوق الإنسان لنجدة ضحايا التجاوزات.

* الكوكس الأفريقي الأمريكي لنصرة أفارقة السودان.

* جماعات مناهضة الرق.

* هيئة رعاية الحريات الدينية في العالم.

* الجماعات الصهيونية.

سياسات النظام الانقلابي في السودان لا سيما إسباغ الطابع الديني على الحرب الأهلية وما صحب ذلك من حماسات مارشالية استقطبت تلك اللوبيات لصالح الحركة الشعبية وجيشها حتى أنني قلت للمرحوم د. جون قرنق: «قادة الإنقاذ» يستحقون أن تقيم لهم تماثيل لأن النتائج العكسية لسياساتهم صبت في مصلحة الحركةّّّ!

هذه السياسات جعلت الحرب الأهلية السودانية مسألة داخلية في الدول المجاورة للسودان وفي أكثر دول الغرب.

في وجه الاستقطاب الحاد المضاد الداخلي، والإقليمي، والدولي، تراجع نظام «الإنقاذ» بانتظام إلى أن أبرم اتفاقية نيفاشا في نياير 2005.

في 2002 برزت أزمة دارفور. وأدار نظام «الإنقاذ» الأزمة بطريقة خلقت مأساة إنسانية غير مسبوقة: ضحايا هذه المأساة من نازحين بمئات الآلاف ولاجئين بعشرات الآلآف صاروا «معروضات» جنائية في ظرف فيه انتشرت في العالم مئات الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان مثل «هيومان رايتس وتش»، و«أمنستي انترناشنال» وغيرهما، فانبروا للمأساة، ووثقوا تفاصيلها في ظرف فيه نقلت ثورة الاتصالات والفضائيات تفاصيل الأحداث إلى الناس في كل مكان بالصوت الواضح والصورة الحزينة.

سياسات نظام «الانقاذ» شردت إلى خارج الوطن أعدادا كبيرة من السودانيين، كثير منهم من دارفور. هؤلاء صاروا خلايا نشطة تكشف المأساة وتستقطب التأييد لضحاياها.

حدث هذا في وقت كانت الأسرة الدولية تشعر بالذنب من موقفها متفرجة على مآسي رواندا في عام 1994م. عقدة الذنب التي رفعت درجة الاهتمام بأحداث أفريقيا وجعلت 80% من بعثات الأمم المتحدة موجهة لأفريقيا.

إبان عهد حكومة الديمقراطية الثالثة، وفي عام 1989، زرت اليابان وعرضت عليها شراكة استراتيجية في استغلال موارد السودان الطبيعية ووافقت واتفقنا على برنامج الشراكة على أن يبدأ بإرسال بعثة يابانية فنية للسودان للاطلاع على تلك الموارد ثم إبرام الشراكة.

لدى استعراض الأمر أمام مجلس الوزراء الذي رحب بالفكرة اقترحت أن نتخذ من اليابان شريكا في التنمية الاقتصادية، ومن الصين شريكا في التكنولوجيا العسكرية في اتجاه آسيوي قاصد.

بعد انقلاب 1989 قال لي المرحوم د. عمر نور الدائم إنه يعتقد أن الصفقة اليابانية هي التي حركت تآمرا خارجيا ضد حكومتنا، ومهما كانت رؤى الانقلابيين السودانيين فإن اليد الخارجية الخفية كانت وراء الانقلاب. وفيما بعد قال لي العميد (م) حسن بيومي إن وراء الانقلاب يدا خفية أمريكية. والله أعلم.

وسواء صحت هذه القراءات أم لا فإن الشركة التي اكتشفت بترول السودان ـ شيفرون ـ شركة أمريكية وقد أوقفت أعمالها لاحقا لأسباب أمنية، إذ أنها وبعد انقلاب يونيو يئست من فرص السلام، كما كانت أسعار البترول متدنية.. دهاء الأخ محمد جار النبي مكنه من استغلال هذه الظروف وشراء امتياز شفرون بثمن زهيد. واستطاعت الحكومة طرق الخيار الآسيوي خاصة الصيني لاستغلال البترول.

الولايات المتحدة تعتبر البترول سلعة أمريكية وتوظف ذلك في بسط هيمنتها الكونية لما للبترول من أهمية في الصناعة والزراعة الحديثة وفي آلة الحرب.

ينظر للصين بالعيون الأمريكية كمنافس دولي وربما عدو إذا صدقنا الكاتب الأمريكي بيل قيرتز في كتابه «الخطر الصيني».

أفريقيا عامة والسودان خاصة صار محور حرب باردة جديدة ثلاثية الأضلاع بين أمريكا الجاهدة في احتلال الدور الدولي الأول، وفرنسا التي تناهض المحور الأنجلوسكسوني، والصين القوة الدولية الناهضة.

كلما كان البترول السوداني جنوبيا وجدت الولايات المتحدة ذات العلاقة الخاصة بالقوى الغالبة في الجنوب سهولة في التخلص من العلاقة الصينية. هذا يفسر بعض المواقف الأمريكية خاصة في حدود منطقة أبيي إذ ركزت اللجنة «المحايدة» تحت الرئاسة الأمريكية على حدود حقول البترول وأفتت بضمها لبحر الغزال أي للجنوب.

ينظر الأمريكيون للبترول الأفريقي عامة على أنه ينوع مصادر البترول الأمريكي تقليلا من الاعتماد على بترول الخليج «الملغوم» بخطر القاعدة وأخواتها. وللشركات الأمريكية استثمار كبير في بترول تشاد، والأمن التشادي مرتبط بدرافور. يقال إن في دارفور موارد طبيعية كثيرة مثل البترول واليورانيوم وكلاهما سلعة استراتيجية تمثل «جائزة» كبيرة في الصراع العالمي.

لا شك أن في الاهتمام الأمريكي بالشأن السوداني بعدا متعلقا بالصراع العالمي على الموارد الطبيعية وبالحرب الباردة ثلاثية الاضلاع.

ولكن ينبغي التمييز بين الاهتمام الأمريكي والأمم المتحدة. إن الذي أدخل الأمم المتحدة بموجب القرار 1590 في الشأن السوداني هو مساحة عدم الثقة بين طرفي اتفاق نيفاشا. لذلك أصر وفد الحركة الشعبية على دور حراسة أممية للاتفاقية.

أما القرارات الخاصة بدارفور فأمرها واضح. وقعت الحكومة السودانية على اتفاق مع الأمين العام للقيام بإجراءات معينة في يوليو 2004 ولم تنفذ ما التزمت به. ووقعت مع حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة اتفاقية انجمينا لوقف إطلاق النار في أبريل 2004، واتفاقية أديس أبابا لوسائل المراقبة في مايو 2004، وتبادلت الأطراف الاتهامات بخرقها ما أدى لرقابة القوات الأفريقية بموجب قرار الاتحاد الأفريقي، معضدا بقرار مجلس الأمن رقم 1556 للتصدي للتجاوزات ومعاقبة المعتدين صدر من مجلس الأمن القرار 1591. لجنة الأمم المتحدة التي كلفت بالتحري عن وجود إبادة جماعية في دارفور وهو اتهام أحدث دوياً عالمياً واسعاً أشارت لوجود جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مما أدى للقرار 1593. كما أن عجز القوات الأفريقية عن القيام بمهامها على الوجه المطلوب وضرورة توسيع صلاحيات القوة إلى حماية المدنيين أديا للقرار 1679.. هذه هي الخطوات التي ساقت بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى السودان.. وقد صحبها رأي عام دولي جعل الشعوب تدفع بمأساة دارفور إلى رأس الأجندة..

أجندة النظام السوداني الآيديولوجية وتجاوزاته الإنسانية في دارفور، والصراع الدولي على موارد البلاد الطبيعية، هي العوامل التي تفسر الاهتمام الدولي الزائد بالشأن السوداني، تحفّظ الحكام السودانيين على دور الأمم المتحدة المزمع لا صلة له بالسيادة فقد تجاوزها بكثير من امتثالاتهم. أسباب التحفظ هي أن زيادة حضور الأمم المتحدة تعزز الملاحقات الجنائية الدولية، وتعزز سيادة القانون الدولي الإنساني في السودان على حساب القبضة الشمولية.. إذا عرف السبب بطل العجب!!.