ما بين المسجد والكنيسة

ما بين المسجد والكنيسة

9/4/2005م

القرآن هو الكتاب المنزل الوحيد بل والكتاب المقدس الوحيد الذي يعترف بالتعددية الدينية. وضمن ذلك يخص المسيحية بمركز خاص. ففي سورة الروم انهم سيغلبون في بضع سنين. ويؤمئذ يفرح المؤمنون. وقوله: «لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى».. الآية.

والسيرة النبوية تذكر دور ورقة بن نوفل الايجابي في بشرى النبوة، والتاريخ يذكر استثناء نصارى تغلب والجراجمة من الجزية.

ويذكر المعاملة اللطيفة التي لقيها نصارى بيت المقدس والاقباط في مصر. نعم في عهد الاستبداد والركود الفقهي اوجبت بعض الاحكام معاملة دونية للنصارى ولكن الاضطهاد في عهد الاستبداد كان عاما حتى ان اعظم المجتهدين لقي عنت كذلك اعلام الصوفية.

اما من ناحية المسيحية فالعيب الاكبر هو انها لا تعترف بالاسلام دينا، وان كتابها وعلماءها حبروا صحائف سوداء ضد الاسلام ونبي الاسلام. والحقوا بذلك فترات بطش بأهل الاسلام في الاندلس وفي الحروب الصليبية ولدى العدوان الاستعماري.

دعك عن الماضي. لقد كثرت منابر الحوار الديني ولكن مع كثرتها لم تشهد اعترافا مسيحيا صريحا بالقيمة الروحية للرسالة المحمدية.

بابا روما الراحل وكبير اساقفة كانتربري اتخذا مواقف سياسية جريئة ضد حماقات السياسة الغربية، ولكن هذه الجرأة لم تصحبها جرأة مماثلة على الصعيد الديني اللهم إلا في شأن اليهود الذين برأ البابا احفادهم من دم المسيح عليه السلام.

هنالك عدد من اتقياء المسيحية كتبوا باحترام روحي للاسلام، مثل ما قاله الاستاذ آربري الذي ذكر في مقدمة ترجمته للقرآن: اني لأحمد «الروح» التي اوحت بهذا الكتاب المدهش. او ما قاله الاستاذ واط الذي كتب في مقدمة كتابه عن السيرة النبوية: ان افتراض ان محمداً كاذب افتراض غير معقول.

المسيحيون مطالبون بمواجهة هذا الموقف لأنهم اليوم يعايشون كثافة اسلامية في عقر دارهم، وصار الاسلام الديانة الثانية فيها وفي ديارهم ينتشر الاسلام اسرع من غيره كما جاء في افتتاحية صحيفة الهرالد تربيون في نعي البابا: «مع كل نشاط البابا التبشيري الكبير فقد ترك الكنيسة بعده وهي تعاني من تناقص في عدد الرهبان والراهبات وتعاني من انخفاض نسبة اتباعها في العالم كما ان الاسلام تجاوزها في سرعة انتشاره في العالم». (4/4/2005).

ومع كل ما قد يقال عن مشاكل الكنيسة فلا جدال في أنها هزمت الاطروحة العلمانية حتى في اكثر اشكالها اعتدالا في مقولة فصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة. ففي كل دول الغرب مهما كتبت عن علمانيتها فان رجال الدين يقومون بادوار معتبرة لدى المشرعين، ولدى البرلمانات، ولدى الاحزاب السياسية، ولدى توجيه الناخبين.

ودولة الفاتيكان هي الثيوقراطية الوحيدة في العالم. ونفوذها الديني عالمي ونفوذها السياسي اوسع منه لا سيما في عهد البابا يوحنا بولس الثاني الذي تساقط بنفوذه عدد من النظم الاوتقراطية في اميركا الجنوبية، وسقط بنفوذه نظام بولندا فاتحا الباب لتحرير المعسكر الشرقي كله. بحساب النفوذ المعنوي على السياسة كان البابا السياسي الغربي الأهم.

مثلما هو حال البابا شنودة في مصر «السياسي» القبطي الاهم. وكذلك كبير الاساقفة صفير بين الموارنة في لبنان. حياة هؤلاء الزعماء الدينيين تؤكد هذه الحقائق وجنازة البابا شاهد على ذلك في مماته.

روي ان السيد المسيح قال: «اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله». هذه المقولة تخلص بها السيد المسيح ممن ارادوا به كيدا، ولكن في واقع الحال لم تهجر الكنيسة السياسة ابدا وان اختلف دورها من الاكثر بروزا الى الاكثر خفاء.

هنالك تنافس حاد بين المسيحية والاسلام، ايهما يصلح لاعتباره دين الانسانية، فكلاهما عالمي وتبشيري وكلاهما ارتبط بحضارة عالمية. انه تنافس مشروع واذا تجنبا العنف مطلوب: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة. ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات الـى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» الآية.

كثير من الاديان ومنها الاسلام والمسيحية متفقة في كثير من القضايا الغيبية، ولكن هنالك قضايا انسانية وطبيعية موقف الاسلام فيها لا يجارى واستحقاقه قاطع، اهم تلك القضايا:

أ ـ اعترافه بالتعددية الدينية بصورة غير متوافرة لغيره. قال تعالى: «ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون». الآية.

ولكن بعض المسلمين يقولون لا اعتراف بهم، بل تكفير، لأنه تعالى قال: «لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة». الآية.

في القرآن نصوص تبدو متعارضة ، مثل آيات الجبر وآيات الاختيار. والمطلوب في امرها التدبر: «افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها». ان آيات الاختيار هي، المحكمة، بينما آيات الجبر متشابهة لأن الجبر يتعارض مع مقاصد الشريعة. آيات التسامح هي المحكمة والاخرى هي المتشابهة لأن التسامح هو الذي يوافق مقاصد الشريعة وهو ما توجبه الحكمة في الظروف الراهنة.

وفي تدبر القرآن: المسلم مطالب بمراعاة معايير كثيرة كالحكمة والعقل والمصلحة ومقاصد الشرع الكلية.

ب ـ هنالك اختلاف في نظرية المعرفة، الاسلام يقر كل وسائل المعرفة ويرسم معالم مجالاتها بحيث تتكامل وهي: الوحي، والالهام، والتجربة، والعقل.

ج ـ وهنالك اختلافات حول مقاييس الاخلاق. الاسلام يقر ثلاثتها: ان تفعل للآخرين ما تريد لنفسك، اي المماثلة. ان تفعل ما تعارف الناس على اتيانه وان تتجنب ما انكروه، اي المعروف والمنكر. وان تضحي في سبيل الواجب اي الايثار.

هـ ـ والاسلام يعتبر الطبيعة كتابا الهيا مشاهدا وما فيه من نواميس الطبيعة هي سنن الخلق الواجب اكتشافها وتسخيرها «وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق». الآية.

حوار الاديان ضرورة في عصرنا هذا لتحديد النقاط المشتركة وتعزيزها في خدمة الانسانية، وبذلك نخدم الانسانية التي تعاني في عصر التفوق العلمي والتقني من مجاعة روحية وخلقية وعاطفية.