ندوة العميد: محاضرة بعنوان: ماذا بعد الحادي عشر من سبتمبر والسابع من أكتوبر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

ندوة العميد:  

محاضرة السيد/ الصادق المهدي

ماذا بعد الحادي عشر من  سبتمبر والسابع من أكتوبر؟

الميدان في منزل العميد

الثلاثاء 9 أكتوبر 2001م

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

مع حفظ الألقاب لكم جميعا السلام عليكم والرحمة أبدأ بالتحية لمنابر الفكر الحر التي صارت منتشرة في بلادنا وندوة العميد هي حلقة من حلقات هذه المنابر التي نرجو أن يتواصل عطاؤها.

السودان الآن من البلدان التي تحتشد بحيوية فكرية وسياسية بصورة تشبه مخاضا لا يعرف ماذا سيلد، ولكنه مخاض فيه حيوية وفيه تطلعات كبيرة نأمل أن يستمر هذا المخاض وهذه الحيوية حتى نحسم بعض القضايا الهامة وأولها قضية التعامل المنهجي مع الوافد من الخارج، ونحقق السلام العادل ونحقق الاستقرار الديمقراطي ونهيئ المناخ للتنمية ونقيم علاقات دولية سوية،  فهذه هي التحديات التي تواجه بلادنا الآن وأرجو أن يصب كل هذا الزخم الفكري والسياسي فيها.

سأتحدث اليوم عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ثم أتحدث عن أحداث 7 أكتوبر بصورة أرجو أن تكون صريحة وواضحة ليس فيها خطل سياسي. ففي كثير من الظروف الحساسة طلب منا أن نتخذ موقفا يراعي السياسة وليس مبدئيا ووطنيا بالقدر الذي يعرض مواقفنا السياسية للخطر. حدث هذا في كثير من المناسبات: مثلا في حرب الخليج الأولى اتخذنا موقفا حدث لنا فيه مؤاخذة كبيرة في ذلك الوقت واعتقد أن الذين آخذونا عادوا وهنأونا على موقفنا برغم ما أخذوه عليه في البداية.

وفي زيارتي الأخيرة لنيجيريا كان الموقف حساسا للغاية حيث طلب منى أن أتحدث في أمرين:  الأول: الدين ودوره في الوحدة الوطنية. الثاني: دروسنا من التجارب المعاصرة في تطبيق الشريعة. وفي المنبر الثاني جاءني أحد الأصدقاء من علماء الدين في نيجيريا وهمس في أذني وقال لي: أرجو آن لا تتحدث بصراحة في هذا الموضوع لأنه مكانه انزلاق، وحيثما قلت شيئا واضحا سوف يسبب انزلاق هنا أو هناك. نصحني أن أحوم حول الحمى ولا أواجه الموضوع وقلت له أنني ما اعتدت أن أفعل ذلك، ولذلك سأدلي بدلوي وليكن ما يكون. هذا الشخص نفسه بعد أن سمع ما قلت جاءني مهنئا وطلب منى أن أسمح لهم بأن يترجموا هذه المقالة ويوزعوها لأنه يعتقد أن فيها حلا للإشكال.

المهم نحن الآن بصدد موقف لا بد من الحديث فيه بصراحة وفي ذلك مخاطر. فنحن إذ نتحدث عن موقف فيه أمريكا طرف من الأطراف، يجب أن ندرك أن أمريكا قد نجحت عبر سنوات خبراتها في الهيمنة الدولية، أن تلون نفسها بالمكروه الأول في العالم. واستطاعت أن تحقق درجة من الكراهية العامة لنفسها بصورة لا تجعل الحديث عنها يمكن أن يكون مبرأ من هذه العاطفة القوية التي نشأت ضدها.  وكذلك هناك “البعبع” الإرهابي الذي بدأ في تنفيذ أعماله منذ فترة..  فالأرض ملغمة بألغام كثيرة بحيث أن الحديث الموضوعي فيها قد يبدو شاذا أو خطيرا. ولكن من يتصدى للعمل العام يعلم يقينا أنه قد عرض نفسه لكل سهام من يمين ويسار الحلقة.

سأقدم أطروحة من سبع نقاط:

النقطة الأولى: طبيعة العلاقات بين الإسلام والغرب

العلاقات بين الإسلام والغرب فيها أبعاد نفسية تاريخية وفيها أعماق لا ترى بالعين المجردة. بعض المفكرين الغربيين يحومون حول هذه العلاقة ليدمغوا الإسلام بأنه دين غير عقلاني وأن المسلمين شعوب غير عقلانية وأن يتخذوا من هذا موقفا يمكن أي يسمى عنصريا من الإسلام والمسلمين. الكاتب المستشرق برنارد لويس من بين هؤلاء وكذلك الكاتب الأمريكي يوسف بودانسكي. هؤلاء أرادوا أن يقولوا إن هذا الدين دين إرهاب ودين شذوذ ودين غريب ولا يتكامل مع القيم الإنسانية الغربية.  وبالطبع هذه افتراءات، فالإسلام والغرب بينهما حساب طويل وهذا الحساب هو سبب هذه الخلفيات، التي إذا خوطبت وعولجت يمكن أن تستأصل ولكنها موجودة.  فالإسلام سيطر على الربع المعمور من الدنيا ألف عام من القرن السابع إلى القرن السابع عشر وشكل تحديا للحضارات الأخرى ولا سيما الحضارة الغربية: يقول مونتجمري وات إنه يعتقد أن الإسلام هو الذي غزى تيارات الاستنارة والصحوة والوعي في أوروبا وأن هذه التيارات لم تشأ أن تعترف بدور الإسلام في نهضة أوروبا لأنها كنت تخشى من خطر ذوبانها في الإسلام وحضارته ولذلك غمطوا الإسلام دوره وحقه. ثم انقلبت الصورة، أوروبا بدأت زحفها نحو السيطرة العالمية ففي عام 1914 م كانت أوروبا مسيطرة على 84% من مساحة العالم، زادت بعد عام 1920م إثر تصفية الإمبراطورية العثمانية.

أوروبا والحضارة الغربية سارت عبر كل الوسائل في التحديث، والآن العولمة تشكل عنصر ابتلاع للحضارات الأخرى وتشكل تحديا كبيرا لتلك الحضارات. بعض الأوربيين صار يعتقد أن طبيعة الإنسانية في التطور التاريخي الإنساني هو في أن تبتلع هذه الحضارة العالم وأن أوروبا فيها الحضارة الإنسانية الكلية المقدر لها أن تبتلع العالم وأنها آخر حلقة من حلقات التطور الإنساني. صحيح أن عددا من المفكرين الغربيين منذ مدة أدركوا خطل هذا التفكير مثلا سبنجر في عام 1919 ومن بعده توينبي في دراسته للتاريخ، ولكن التيار الأغلب هو الناظر للحضارة الغربية على أنها آخر حلقات الإنسانية.

إزاء هذا التصور موقف آخر.. موقف الإسلام إنه آخر رسالات السماء ولذلك هو الذي يشكل مصير الإنسانية ومستقبلها. هذا التنافس والتناطح والتصور المختلف حول مصير العالم: أن حضارة أوروبا هي حضارة الإنسان المستقبلية، وأن دين الإسلام هو دين الإنسان لمستقبله. يشكل موقفين متناقضين متعارضين يغذيان صورا من صور المواجهة بين هاتين الحضارتين.

إن نجاح الحضارة الغريبة الآن في إطار العولمة صار يشكل تحديا للجميع أمام هذه العولمة بشقيها الحميد والخبيث. بعض ما في العولمة في رأيي تطور طبيعي وحتمي للإنسانية: آلية السوق الحر، وثورة الاتصالات.. الخ (العولمة الحميدة).. ولكن هذا يحدث في وضع عالمي فيه ظروف ذاتية: توزيع غير عادل للثروة وتوزيع غير عادل للقوى الاستراتيجية مما يجعل العولمة تعبر عن نفسها في كثير من الأحيان بهيمنة غربية (العولمة الخبيثة). هذه العوامل كلها تغذي المواجهة والاستقطاب سيما وصار واضحا في منطقتنا أن الغرب بسلطانه الاقتصادي والاستراتيجي هو الذي يحرس العالم ويحافظ على وضعه كما هو، والعالم فيه كثير من المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكثير من البؤر الملتهبة التي خلفت بعد تصفية الإمبراطوريات العثمانية والبريطانية والفرنسية وغيرها .. هذه البؤر منذ قيامها صارت تشكل نقاط ملتهبة مثل قضية فلسطين وقضية كشمير وقضية جنوب السودان، وهي قضايا مرتبطة بأخطاء وقعت في السياسات التي تمت والتطورات السياسية التي صحبتها.

لذلك صرنا نشهد أن الغرب بصورة أو بأخرى يواجه تحديات آتية من منطقتنا- مهما كانت الشعارات التي تتخذها- نابعة من حضارة المنطقة، وتغذي أفكار ورؤى الذين يرون أن بين الحضارتين عداوة حتمية ولا سبيل للتخلص منها. فآخر حروب القرن الماضي -حرب الخليج- كان فيها مواجهة نستطيع أن نقول أنها غير متوازنة ولكنها مواجهة لعب فيها هذا الاستقطاب دوره. والآن أول حروب القرن الحادي والعشرين الجديد يمكن أن نسميها أيضا حرب غير متوازنة باعتبار أن الطرف المعادي فيها يستغل ضعف الطرف الأقوى ويلتف حول قوته ويستغل نقاط ضعفه معتمدا على وسائل مبتكرة بحيث أنه يدير حربا مختلفة من الحروب الماضية.

المهم إن في هذا العداء وفي هذه المشاكل أسسا عقلانية يمكن أن تحدد وتعرف وتعالج ولكن إذا لم تعالج ستكون أرضا خصبة يستغلها هذا أو ذاك من الدعاة لدق طبول المواجهة والاستقطاب ولا شك أن أهم وأبرز طريقة تضع حضارتنا والحضارة الغربية في مواجهة من هذا النوع هي إذا استطاع أن يهيمن على السياسة الغربية دعاة الهيمنة وإذا استطاع أن يعبر عن مشاعرنا في الشارع العربي والإسلامي والأفريقي دعاة الانكفاء. بين هؤلاء يمكن أن يحدث استقطاب ظلامي لأن الاتجاهين يغذيان بعضهما بعضا ويسلحان قوى كثيرة  جدا في هذه المواجهة.

إذن النقطة الأولى متعلقة بمشكلة العلاقة بين حضارتنا والحضارة الغربية وأن لهذه المشكلة أبعاد يمكن أن تعالج وهي ليست غامضة وستبقى مشكلة يمكن أن ينطلق منها دعاة المواجهة.

النقطة الثانية: تيارات العالم الإسلامي

إن في بلداننا ثلاثة تيارات رئيسية :

 تيار الأصولية العلمانية: هذا التيار ينظر للدين نظرة سلبية ويرى أن الدين وما إليه يجب أن يطرد من الحياة فليس له دور فيها ويقولون بأن كثيرا من المفكرين قبل ذلك تكلموا عن الدين كمرحلة من مراحل طفولة الإنسان وأن الإنسان عندما ينمو وينضج يتخلص من هذه الطفولة وواجب عليه ذلك.  ويستشهدون لهذا بالتجربة الغربية. نعم التجربة الغربية كان فيها فعلا موقفا سالبا جدا من الدين كما كانت تمثله سلطة الكنيسة حتى أن الثورة الفرنسية كان من أهم قراراتها إلغاء الدين، ولكن الثورة الفرنسية – بعد أن مرت مراحل المثالية والرومانسية الأولى – تراجعت عن هذا الخط، منذ الاتفاق الذي عقده نابليون مع البابا، وبعد ذلك عاد الدين في الغرب أدراجه للحياة. نستطيع أن نقول أن الدين الآن في الغرب يلعب دورا مهما فالبابا أهم سياسي في غرب أوروبا، وكل مغالط لهذه الحقيقة عليه مراجعة نفسه. لقد لعب  البابا – عبر سلطة الكنيسة ودوره الفكري والثقافي- دورا هاما في تصفية الاتحاد السوفيتي، وأول المعارك التي دكت الاتحاد السوفيتي كانت معركة بولندا التي قادتها نقابة التضامن وهي نقابة كاثوليكية، وقامت بضرب الرصاصة الأولى في معركة تصفية الاتحاد السوفيتي. تتالت بعد ذلك المعارك. وفي كل بلدان أوروبا الشرقية كانت الكنيسة مصدر الشرارة الأولى ثم تجيء بعد ذلك القوى الاجتماعية الأخرى.. الدين في أوروبا الغربية ليس ضعيفا.

وفي أمريكا، فإن ريجان وهو يستنهض دعم الفكر الكنسي في أمريكا رفع الإنجيل وقال كل مشاكل الدنيا حلها في هذا الكتاب. والأصوات التي رجحت بكفة بوش الآن  هي أصوات المتدينين في أمريكا.. إن الكلام عن أن الدين لا دور له ويطرد من الحياة كلام طفولي رومانسي ولا معنى له. الدين موجود في الحياة والمهم كيف التعامل مع هذه الظاهرة وليس أن نتمنى لها أن تزول.

تيار أصولية دينية: ضد تيار الأصولية العلمانية، هناك أصولية دينية تريد أن تسقط دور الإنسان كوسيلة معرفية. المعرفة عند هذا التيار محصورة في الكتاب والسنة واستنباطات السلف منهما.  كل اللازم في الحياة في تلك المصادر وما علينا الآن إلا تطبيق ما استنبط وليس لنا أي دور إنساني.. الخطاب الديني في الغالب الآن يشكل هذا التيار خاصة في المساجد. لقد قمت بتدوين ملخصات لكل خطب الجمعة التي استمعت لها في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي والأفريقي وكان واضحا لي أن الخطاب الديني في المساجد هو أشبه بخطاب طالبان ناقصا الحركية، بتعبير آخر هو طالبان منازلهم أو طالبان من مقاعدهم أو طالبان مدجنة، لكنه طالبان بكل معنى الكلمة. واليوم يظهر كيف أن هذا الخطاب عن طريق مجموعات مختلفة من العلماء -ليس فقط فضل الرحمن رئيس علماء باكستان، ففضل الرحمن الآن منتشر على طول وعرض العالم الإسلامي- يتحدث بنفس لغة فضل الرحمن في الحديث عن الكفر ودولة الكفر والحرب الصليبية .. كل الأنماط للغة طالبان.

تيار التأصيل الصحوي أو التحديث المؤصل:هناك خط ثالث هو خط واضح في أن للدين دورا أساسيا في الحياة والوحي كذلك له دور أساسي في الحياة وجزء كبير من حياة الإنسان غيب لا يستطيع أن يجيب على هذا الغيب إلا الوحي وأن هناك قيم ثابتة في الأخلاق لا بد من حمايتها بالدين وأن هناك معاني روحية في الحياة لا بد منها كذلك، وأن هناك قيم اجتماعية كالحرية والعدالة لا سبيل لدعمها في الحياة إلا أن تعمق ليس بالمصلحة والنفعية وإنما بالعقيدة الدينية. هذه مسائل أساسية ولكن هناك دور كبير جدا للإنسان في فهم الدين وتفسيره في كل المجالات فهناك النظرة للإسلام وهي  أن نسلم لله باعتبار أننا نسلم بما جاء في الوحي وسجله واستنبطه المجتهدون، ولكن كل ما في الحياة من إرادة الله: مثلا عقل الإنسان من إرادة الله وإرادة الإنسان الحرة من إرادة الله، الطبيعة وقوانينها من إرادة الله. الإسلام يعني كل هذا وليس فقط أن نطبق نصا خاصا بوحي معين باستنباطات معينة من هذا الوحي. هذه قضية فكرية أساسية وقضية عقدية أساسية. المهم أن هذه القضية الآن مهمة جدا  لما يحدث في داخليا وفي العالم، لأن حول هذه القضية تحدث معارك فكرية قد تتحول إلى حربية.

النقطة الثالثة:الموقف الدولي بعد الحرب الباردة:

صارت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1991م -أي منذ انتهاء الحرب الباردة – القطب الأوحد في العالم،  وفي هذه الفترة استطاعت أن تزيد من كراهية الناس لسياساتها في خارج الولايات المتحدة وداخلها، بمعنى وجود رأي آخر مخالف داخل الولايات المتحدة نفسها، وأهم كتاب في رأيي حول في هذا الصدد كتاب لزبيقنيو برزيزنسكي Zbigniew Brzezinski الذي كان مستشار الأمن للرئيس الأمريكي، تطرق فيه للعالم وقال: نحن في الولايات المتحدة عندنا في الورق كل ما يؤكد حتمية هيمنتنا على الدنيا حيث لدينا الوضع الاقتصادي الأكبر والأهم وعندنا الوضع التكنولوجي الأهم والوضع الاستراتيجي الأهم وإلى آخر هذه الأشياء، ولكن سيحول بيننا وبين الهيمنة على العالم الضعف الداخلي الناتج عن العنف والمخدرات ومثل هذه المشاكل، وإذا لم تحل قضايا الضعف الداخلي لن تستطيع الولايات المتحدة أن تمارس الدور العالمي الذي يؤهله لها وضعها الاقتصادي الاستراتيجي بقيادة العالم.

في فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة استطاعت الولايات المتحدة بسرعة أن تعزل نفسها في أهم القضايا بين دول العالم الذي هو بصدد ترتيب بيته: قضية البيئة، قضية الأسلحة، قضية الألغام هذه قضايا أساسية، كان العالم يسعى لترتيب بيته فيها حتى يحمي مستقبله منها. وبالرغم من أن الولايات المتحدة من المفترض أن تكون “ألفة الفصل” فقد اتخذت موقفا منعزلا في أهم ست اتفاقيات رأى العالم ضرورتها لتنظيم وترتيب بيته.. تصرفت بطريقة لا تليق “بالألفة”.

وفي إطار وجود قضايا ملتهبة في العالم سيما قضية فلسطين بدا أن الولايات المتحدة – كما في الاتفاقات- لم تحرص على ما قررته الشرعية الدولية، وحرصت على حماية إسرائيل. هذا الموقف غذى مشاعر ضد الولايات المتحدة عريضة جدا. فقد كان المنتظر من الولايات المتحدة بوزنها الدولي العالمي والاقتصادي والعسكري أن تكون حكيمة العالم في التصدي لمشاكله الدولية، وقد تطلع لها العالم أن تلعب هذا الدور، ولكن ومنذ عام 1991م فقد بدا فرق كبير بين هذا الدور المنتظر وواقع الحال مما جلب مشاكل كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية في تصور كثير جدا من الناس في العالم، حتى أن محطة السي إن إن CNN التلفزيونية عرضت إثر ضربة نيويورك وواشنطن الأخيرة محادثة مع إحدى السيدات الأمريكيات شاهدت الحادث وقالت: يا إلهي أيكرهوننا لهذا الحد؟ .

النقطة الرابعة: أحداث 11 سبتمبر وما بعدها:

وفي هذا أريد أن أقرأ كلاما لأنني اعتقد أن يكون الكلام فيها منضبطا:

حدث الثلاثاء 11 سبتمبر في الولايات المتحدة حدث جسيم لا خلاف في إدانته والترحم على أرواح الأبرياء التي راحت ضحية له .

وهي مع ما صحبها من مشاهد مأسوية تفتح باب بحث جاد عن العلاقات الدولية في هذا المنحنى الهام من تاريخ البشرية وتطرح تساؤلا مهما عن دور الولايات المتحدة الفريد في عالم اليوم بما توافر لها من موقع استراتيجي واقتصادي هام.

وللمساهمة في السياسة المطلوبة في التعامل مع هذا الموقف والأثر المطلوب علي السياسة الدولية فإننا نري .

  1. حدث الثلاثاء يمثل ترويعا للولايات المتحدة وتحديا للنظام الدولي. والولايات المتحدة بحق الدفاع عن النفس محقة في اقتضاء العدالة ويقف معها القانون الدولي والرأي العام العالمي مدينا العنوان ومعزيا الأمة الأمريكية ومساندة للتحريات الجادة وإنزال العقوبة بالجناة.
  2. كان العالم يفق ضد الترويع ( الإرهاب) فبل أحداث الثلاثاء ولكن أحداث الثلاثاء في نيويورك وواشنطن دللت على درجة عليا من الإقدام والاقتحام والمغامرة بصورة توجب تعاملا أمنيا وسياسيا ودبلوماسيا أكثر إحاطة وجدية ومنهجية.
  3. هنالك عبارات دخلت في لغة السياسة الدولية تفتقر إلى تعريف يضبطها ويحول دون سوء الفهم فيها أهمها مفهوم الإرهاب ومفهوم الجهاد والتداخل المؤسف الذي وقع بينهما.
  • الترويع ( الإرهاب) هو الاستخدام التعسفي للعنف لتحقيق أهداف سياسية. ويشمل الآتي :
  1. استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية ضد سلطة شرعية.
  2. استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية ضد المجتمع المدني.
  3. استخدام السلطة غير الشرعية للعنف ضد معارضيها.
  4. العنف الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد حركات التحرير.
  5. ممارسات العنف التي تخرق قانون الحرب في حالات الاقتتال.

ب. الجهاد هو بذل الوسع بكل الوسائل لإعلاء كلمة الله وهو يعني إلزام النفس بمقاصد الشريعة واستخدام كل الوسائل لنشر مقاصد الشريعة ولا يستخدم العنف إلا في حالة :

  • الدفاع عن النفس.
  • مقاومة الاضطهاد الديني.
  • أن تعلنه جهة مأذونة أي قيادة شرعية.
  1. إن للقانون الدولي موقفا موثقا ضد الإرهاب هذا ينبغي تطويره على نحو ما تم تطوير مبادئ حقوق الإنسان وإيجاب تطوير قوانين محاربة الإرهاب في الدول الأعضاء وتكوين آلية دولية لمتابعة الموضوع تشرف على :
  • توحيد القوانين القطرية.
  • تحقيق تعاون على أعلى المستويات الإقليمية ضد الإرهاب.
  • تنظيم حملة توعية وإعلام واسعة ضد الإرهاب.
  • توحيد الإجراءات القانونية لتسليم الإرهابيين وتبديد تنظيماتهم.
  • توحيد الإجراءات العقابية ضد الإرهاب.
  1. إن الأنشطة الإرهابية تتغذى من وجود مظالم في مجالات كثيرة أهمها:
  • أ. احتواء التفرقة العنصرية في العالم.

ب.إصلاحات سياسية تحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان.

ج. جهد عالمي تنموي للمساعدة على تنمية البلاد والفقيرة وإعفاء ديونها.

  • د. توجيه برامج جادة ضد المظالم الاجتماعية.
  • هـ وأخيرا وليس آخرا تركز جهد عالمي جاد لإطفاء بؤر الالتهاب العالمية وأهمها:
  • قضية فلسطين.
  • قضية كشمير قضية جنوب السودان.
  • قضية أنغولا.

وكافة رواسب تصفية النظام الاستعماري في أنحاء العالم المختلفة.

إن توجيه جهد دولي واسع على صعيد أمني، وسياسي، ودبلوماسي جهد مطلوب بإلحاح ولكن تجفيف مصادر الإرهاب التزام هام.

  1. إن للولايات المتحدة مركزا قياديا في العالم ويواجه الدور الأمريكي نقدا واسعا من جهات كثيرة لا سيما حين تطبق ازدواج المعايير في التعامل مع القضايا العالمية، وعندما تسارع باستخدام القوة دون الحكمة فالأسرة الدولية لا سيما دول الجنوب تتطلع لموقف أخلاقي أمريكي يتناسب مع مركزها الاستراتيجي والاقتصادي وهذا هو المقياس الذي سوف يستخدمه الناس في الحكم على السياسات الأمريكية.
  2. أمام الاضطراب الحالي في السياسة الدولية يقف العالم على مفرق طريق بين نهجين:

الأول : نهج تبسيطي يسعى لتكوين تحالف يضم المنتفعين بأوضاع العالم كما هي ويستهدف قوى التغيير. هذا سوف يؤدي لهيمنة دولية تستقطب ضدها معارضة واسعة وتصحبها حركات احتجاج تفتح مجالات لتجنيد الإرهابيين.

الثاني: نهج جاد يحقق حملة واسعة ضد الإرهاب ويحقق السياسات المذكورة هنا ويقيم نظاما عالميا أعدل وأفضل.

هذه النقاط السبع تشكل أساسا لتعبئة وطنية في كل قطر، وإقليمية على صعيد المنظمات مثل منظمة الوحدة الأفريقية، والجامعات العربية ومؤتمر الدول الإسلامية وغيرها، وتعبئة دولية على صعيد العالم.

النقطة الخامسة : حرب أفغانستان:

تتعلق بما حدث منذ اندلاع الحرب في أفغانستان وهنا أيضا سأقرأ كلام مكتوبا لأن الموضوع محتاج لموقف واضح:

  1. في يوم 11 سبتمبر 2001م تعرضت الولايات المتحدة لهجوم في نيويورك وواشنطن راح ضحيته 6 ألف شخص.ودمرت منشآت وعم البلاد حزن وزعر واسع النطاق.

لم يتضح في البداية من الفاعل؟

ثم نشرت الولايات المتحدة بيانات تتهم فيها تنظيم القاعدة.

هذه البيانات المنشورة لم تكن قاطعة في إلصاق التهمة بالمتهمين ولكنها دلت على ربط تنظيم القاعدة بهجمات مضت على الأمريكيين ومصالحهم في مناطق عديدة.

ثم أدلت قيادة تنظيم القاعدة ببيانات تبنت فيها الهجوم الأخير على الولايات المتحدة وتوعدت بالمزيد ما لم يأمن الشعب الفلسطيني في أرضه وما لم ترحل القوات الأجنبية من أرض محمد (ص).

وفي المداولات التي تمت عن طريق اتصالات دبلوماسية غير مباشرة تبنى نظام طالبان الذي يحكم أفغانستان الدفاع عن قيادة تنظيم القاعدة.

  1. في 7 أكتوبر 2001م بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها إجراءات حربية ضد أفغانستان.

أن القانون الدولي يمنح الدول حق الدفاع عن النفس والإجراءات الأمريكية الأخيرة تنبع من هذا الحق.

هذه الإجراءات الحربية يمكن أن تمكن الولايات المتحدة والحلفاء من القبض على من تسببوا في عدوان الحادي عشر من سبتمبر ومحاكمتهم ومن تصفية تنظيم القاعدة.

إننا نطالب بأن تحصر الإجراءات الحربية في هدفها المحدد وأن تحصر في فترة زمانية معقولة وفي نطاق مكاني محدد وألا تصبح بأية حال مدخلا لتصفية حسابات بين دول التحالف والمخالفين لها على طول العالم وعرضه.

ولضبط التداعيات من الموقف فإننا اقترحنا الدعوة لمؤتمر دولي شامل أجندته:

بحث قضية الإرهاب بحثا شاملا وتحديد منابعه وكيفية تجفيفها والاتفاق على آليات دولية ذات أدوات إقليميه وقطريه للعمل الحازم الشامل ضد الإرهاب.

  1. عالمنا اليوم مليء بمظالم كثيرة من فقر مذل وظلم اجتماعي وقهر سياسي واضطهاد عنصري.

وهنالك بؤر ملتهبة في العالم خلفتها سياسات غير عادلة صحبت تصفية الإمبراطوريات الحديثة العثمانية،والبريطانية،والفرنسية،والروسية وغيرها. بؤر التهاب مشتعلة بالمواجهات والصدام نذكر منها:

قضية فلسطين –قضية كشمير-قضية جنوب السودان وقضايا أخرى كثيرة.

هذه المظالم المذكورة، وبؤر الالتهاب المعنية شكلت وتشكل مصادر تحريض وتجنيد لأعمال تسترخص الحياة ولا يجدي معها الوقوف عند حد الإجراءات الأمنية والدفاعية،بل المطلوب انبعاث تصميم دولي شامل للتصدي بمشروعات محددة لإطفاء البؤر الملتهبة وإحلال اتفاقيات سلام عادل.

  1. في هذا المنحنى التاريخي الهام هنالك خيار أمام الدول الكبرى وهو أن ترفع العصا الغليظة ضد كل من تعتبره مخالفا أو مختلفا وتفرض هيمنة دولية تستخدم في سبيلها كل الوسائل بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل.

سياسة العصا الغليظة هذه سوف تؤدي لنتيجتين:

الأولى: دفع القوى التي تنشد العدالة والتغيير نحو مزيد من العنف واستخدام كل الوسائل بما في ذلك أسلحة الضرار الشامل.

الثانية: اللجوء لأساليب ضبط أمني تنكمش معها مساحات حقوق الإنسان والحريات العامة في كل مكان بما في ذلك الدول الديمقراطية.

هذا الخيار القبيح سوف يخلق استقطابا حادا في العالم ويدفعه نحو عهد ظلامي جديد يدمر الحضارة الإنسانية.

الخيار الثاني وهو الخيار الإنساني المستنير هو أن تتدارك الدول الكبرى الموقف وتتجه نحو سياسات عدالية في كل مجالات الظلم وتتخذ خططا لإطفاء البؤر الملتهبة.

وان تتخذ البلدان والشعوب المتظلمة في المقابل أساليب مدنية مبرأة من الإرهاب في العمل لتحقيق تطلعاتها المشروعة.

هذا النهج سوف يفتح الطريق أمام حوار الحضارات وحوار الأديان ويمهد السبيل لنظام عالمي أعدل وأفضل.

  1. نظام طالبان في أفغانستان يمثل طرحا إسلاميا منكفئا ونافيا للآخر المذهبي والسياسي ورافضا للتعددية السياسية ونافيا لآليات المشاركة والمحاسبة الشعبية وموجب لأحادية شمولية.

هذا الموقف يتناقض مع اجتهادنا ولا نقبل اعتباره ممثلا للنهج الإسلامي الواجب اتباعه.

  1. تنظيم القاعدة وان تبنى قضايا عادلة فإنه اتخذ أسلوبا ترويعيا لا يقبله الإسلام فالجهاد في الإسلام له ضوابطه الشرعية وفقه القتال في الإسلام يلتزم بما أوصى به أبو بكر رضي الله عنه قواده: “لا تخونوا ولا تغلو، ولا تغدروا ولا تمثلوا،ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعير.وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم فيه” .

لا مشروعية لمطالبة المسلمين تأييد أساليب تنظيم القاعدة ولا مشروعية لإطلاق نداء الجهاد بالطرق التي اندفع فيها بعض الناس.

إن هذا الموقف يشوه الإسلام ويعطي أعداءه  ذخيرة قوية ضده ويبرر لأعداء المسلمين تسليط أدوات عنف طوروها ضد المسلمين، انه يخدم قضية أعداء الإسلام حقا:لا يبلغ الأعداء من جاهل       ما يبلغ الجاهل من نفسه

الأمة الإسلامية مطالبة بالتنادي لمؤتمر جامع يحدد موقف الإسلام ويبسط ديباجته الناصعة ويضبط مفاهيم الجهاد بحيث لا يؤدي اختلاط الأمر لتشويه الإسلام واستغلال الجهاد في أغراض سياسية مشبوهة.

أن أمر المسلمين شورى بينهم وكل أمر عار من الشورى لا يمثلهم ولا يلزمهم.

النقطة السادسة:بين المواجهة والحوار:

لقد توقعت في كتاب تحديات التسعينات الذي نشرته في عام 1989م، أن يحدث استقطاب ما بين التفكير المنكفئ في حضارتنا، وبين تفكير الهيمنة في الحضارة الغربية وهذا الاستقطاب يمكن أن يؤدي عبر المساجلة العدائية إلى عهد ظلامي وأن الخيار الآخر هو خيار النظرة المستنيرة التي تنطلق من حضارتنا للتعامل مع الآخر بصورة مختلفة وأن تتخلى الحضارة الغربية عن الهيمنة، وتكلمت عن شروط هذه المسألة بحيث يحل التعاون والحوار محل المواجهة الاستقطابية وأنا أعتقد أن أحداث نيويورك وواشنطن وأفغانستان الآن وضعت العالم أمام هذا الخيار أو هذا الاحتمال وعلينا أن نرى في أي اتجاه نسير، وهذا يتوقف على الفعل ورد الفعل في هذه المساجلات.

النقطة الأخيرة: كل ذلك له علاقة بما يجري داخليا في بلداننا: طالبان في كثير من فكرها تمثل المرحلة الأولى من نظام الإنقاذ في السودان نفس التفكير ونفس المنطق ونفس الاتجاه نحو الآخر، لا حزبية ولا أحزاب ولا رأي آخر.. إلى آخر هذه المعاني. وطالبان أيضا من المنطلق السني تمثل المرحلة الخمينية في الثورة الإيرانية فهي تمثل في هذه الحقيقة مرحلة من مراحل الثورة الإيرانية وتمثل مرحلة من مراحل السياسة الإنقاذية.

النظام السوداني الآن أمام خيارين: خيار الردة للطور الأول حيث هناك طبول تدق حول هذا الموضوع ولذلك تكون الاستجابة واردة .. والآن هناك علماء يكتبون داعين لهذا الموقف ويرون أنه الموقف الصحيح للمسلمين..

إن في إيران والسودان الآن تساؤل: هل سيتجه النظام للمرحلة الأولى المشابهة لموقف طالبان والمنسجم مع تنظيم القاعدة؟ أم سيقول لا نحن غادرنا تلك المرحلة ونحن بصدد مرحلة جديدة كالخاتمية في إيران والانفتاح السياسي في السودان؟.

ما حدث في أفغانستان وضع الآن تحديا أساسيا لقضية التطور في الفكر الديني في هذه المجالات وفي البلدان التي بها الآن الصراع بين التيارات الثلاث المذكورة أعلاه.

إننا في هيئة شئون الأنصار من ناحية دينية وفي حزب الأمة من ناحية سياسية، قد حددنا موقفا واضحا، وهو أن التفكير –القاعدي الطالباني- مرفوض وخاطئ ومنكفئ. إنه تفكير إذا ارتبطنا به سيشوه موقف الإسلام ويضعف قضيته ويسلح أعداءه ضده.  ولكن مؤكد أن هناك آخرون رأيهم مختلف.

إن أولى الحركات الإسلامية التي اتخذت موقفا حازما وصارما من هذه القضايا كانت الحركة المهدية حيث تشكل الأطروحة الأقوى الأولى في هذا الموضوع وكان موقفها في هذا الإطار أقوى من كل هذه المواقف لكن المهدية حدث فيها في تقديري طور ثان بيد الإمام عبد الرحمن قام بمراجعة الوسائل والأساليب والمواقف وفتح الطريق، من منطلق لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال،  لتعامل مختلف. نحن نعتبر أنفسنا مررنا بهذه المرحلة وواجهنا كل تحدياتها وكل المواجهات الدولية ووصلنا إلى المراجعات التي هيأت هذا الفكر لتعامل إيجابي مع الحداثة والتحديث ثم العولمة.

وبالنسبة لنظام الإنقاذ فقد فكر وقدر وعدل وبدأ مشروع تغيير، وتواصل مع هذا التغيير بمشروعات الآن هناك آليات إقليمية ودولية ترعاها. ولكن يمكن جدا لما حدث في أفغانستان ولما حدث من أحداث عالمية أن يجبر النظام بصورة أو بأخرى لاختيار يمكن أن يحدث فيه التفكير العائد للمرحلة الماضية كما هو موجود الآن في إيران.. هذا تحد كبير فالأحداث العالمية الحالية محورية ولها مردود داخلي.

كل القوى الفكرية والسياسية السودانية مطالبة بأن تحدد موقفها من هذه الأحداث المحورية فهي تتعلق بصورة كبيرة بما سوف يحدث.

إن لأحداث 11 سبتمبر وما أعقبها أهميتها. إنها ستضع الغرب أيضا أمام خيار تاريخي ومصيري: هل سيختار العصا الغليظة وبها يعتبر أن الأوان قد آن لتكتل وتحالف لتصفية حساباته مع كل المخالفين والمشاغبين وأصحاب الآراء الأخرى والاجتهادات ولكل إنسان غير مطيع ليجبر على بيت الطاعة بالعصا الغليظة؟ ومعروف رد الفعل لهذا الخيار. وهناك خيار آخر أن الحضارة الغربية والغرب يدرك أن العالم كما هو الآن لا سبيل فيه للراحة ولا السلام ولا الاطمئنان ما لم تعالج قضايا العدل ورفع المظالم الحادة الموجودة في العالم ولذلك يتخذ الغرب همة متجددة لمواجهة هذه القضايا وهذا سيكون سبيلا إلى عهد عالمي مستنير وتكون كل هذه الأحداث بمثابة الضارة النافعة ( رب ضارة نافعة)، أي أنها قامت بالهزة الفكرية الاستراتيجية التي تجعل الناس يفكرون من منطلق الجدية التامة لاستئصال المشاكل التي تغذي هذا النوع من التصدي.

هل حسم الغرب أمره نهائيا؟ في رأيي لا ، والموضوع ما زال بين بين، وتشير الدلائل إلى إن الغرب اتجاهه الأغلب إلى التيار المستنير.

إذن فأحداث 11/ 9 ثم أحداث 7/ 10  أحداث عالمية خطيرة لن تكون جهة من العالم بعيدة من أثرها.

أما السودان وإيران وكل البلدان التي تتمسك رسميا بالخطاب الإسلامي، يمكن لما حدث أن يسرع الخطى نحو التغيير أو أن يسبب ردة واستقطاب. بل كل البلدان الإسلامية، فحتى تلك التي ليس لها طرح إسلامي في السلطة فيها التيار الإسلامي نشط والشارع الإسلامي والثقافة الإسلامية قوية، ستجد نفسها أمام هذا الحدث إما أن تقف موقفا مؤازرا مؤيدا لطالبان والقاعدة وتعتبر أن هذا يمثل موقفها ومستقبلها، أو أن تدرك أن هذا الموقف خاطئ ولا يمثل مصالحنا ومستقبلنا، ولا بد من بلورة الموقف بصورة صحوية تعالجه من هذه الزاوية.

طالبان لم تسمح بتطور مماثل لما حدث في السودان ولا في إيران لأن التحالف الذي تم بينها وبين تنظيم القاعدة جعل تنظيم القاعدة وطالبان أشبه بالشيء الواحد ودمجهما ببعضهما البعض، وهذا جعل الموقف في أفغانستان غير مستعد للتطور الداخلي.

صحيح أن التطور الداخلي الذي حدث في إيران والسودان في رأيي الآن مشوب بخطورة الاندفاع أكثر نحو التغيير أو الردة من خطوات التغيير ولعل الموقف الدولي نفسه سيؤثر ويتأثر، بمعنى أنه إذا ذهبت بلداننا في الاتجاه الإنكفائي سيدعم ذلك خط الهيمنة في الغرب والعكس صحيح إذا ذهبت في الاتجاه المستنير فإن ذلك سيدعم الخط العدالي في العالم.

واضح أن هذه الأحداث المأساوية المؤسفة قد راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء من الأفغان والأمريكان، ولكن يبدو أن إرادة الله أن التاريخ دائما يمضي في صخب الصراخ والعويل والألم نحو الخطوات القادمة.

الخطوة القادمة التي نراها في الإطار القطري والإقليمي والدولي فيها خيارات أساسية. ومن واجبنا كمفكرين وكمثقفين ووطنيين أن نهب بسرعة لتحديد هذه الخيارات ودعم الخيار الصحيح ونهزم الخيار المنكفئ الذي يتجه لأن يضعنا  ليس في موقف قوة – مهما كانت العاطفة – بل سيضعنا في موقف ضعف أساسي. وتصبح حسنة للتاريخ وللأجيال القادمة إذا ما استطعنا أن ننقذ أنفسنا من هذا المصير المظلم.