خطبة الجمعة التي ألقاها الحبيب الإمام الصادق المهدي 3 ربيع الأول 1433هـ الموافق 26 يناير 2012

الإمام الصادق المهدي
سماحة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان وعضو مجلس التنسيق الرئاسي لقوى نداء السودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد للحكماء والرؤساء السابقين المنتخبين ديمقراطياً والمفكر السياسي والإسلامي

 

 

المهدي: موقفنا الآن من هذا العبث باسم الدين هو: الحكومة مسئولة أن تحملهم على سحب فتواهم التكفيرية، والاعتذار عن تلويث مناخ السودان المتسامح. وإن أبوا وأصروا على الحنث العظيم فسوف نلجأ للقضاء لمساءلتهم عن التعدي على اختصاصه، وعن قذف العقائد وهو أكبر من قذف الأعراض. فإن تقاعس القضاء أو عجز فسوف نتصدى لهم حتى ننتصف منهم لأن خطرهم على الإسلام والسودان صار واضحا (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ)

أم المصلين لصلاة الجمعة الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي بمسجد الهجرة بودنوباوي حيث تطرق في الخطبة إلى تشخيص الوضع الذي تمر به الأمة العربية والتي أشار إلى أنها تعاني من مواجع مشتركة هي: الاستبداد- الفساد- والفقر- والظلم الاجتماعي- والتبعية للهيمنة الدولية. وأن حركات الثورة الديمقراطية العربية كسر حاجز الخوف من أجهزة الأمن المرعبة، وبروز رافد شبابي مدجج بالأمل، وإيقاظ شعوب استردت الثقة في قدراتها، والإقدام على بناء نظام جديد ذي معالم مشتركة. وقد أوضح الموقف إزاء فتاوى التكفيرين (أن موقفنا الآن من هذا العبث باسم الدين هو: الحكومة مسئولة أن تحملهم على سحب فتواهم التكفيرية، والاعتذار عن تلويث مناخ السودان المتسامح. وإن أبوا وأصروا على الحنث العظيم فسوف نلجأ للقضاء لمساءلتهم عن التعدي على اختصاصه، وعن قذف العقائد وهو أكبر من قذف الأعراض. فإن تقاعس القضاء أو عجز فسوف نتصدى لهم حتى ننتصف منهم لأن خطرهم على الإسلام والسودان صار واضحا).

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولله الحمد

خطبة الإمام الصادق المهدي

مسجد الهجرة بودنوباوي

الجمعة 3 ربيع الأول 1433هـ الموافق 26 يناير 2012م

 

الخطبة الأولى

 

الحمد لله القائل: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

والصلاة والسلام على الحبيب محمد وآله وصحبه القائل: (لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).

أما بعد-

 

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد –

 

منذ عام 2006م زرت ضمن بعثة دولية ست دول عربية وفي يناير من عام 2008م دعونا لاجتماع حضره ممثلو 19 دولة عربية يمثلون أحزابا حاكمة وأخرى معارضة. ونتيجة لمداولاتنا وحواراتنا التي ضمت كافة الأطراف أصدرنا نداء البحر الميت وفحواه: إن الحالة بين الحكام والمحكومين محتقنة وإذا لم تعالج بحوار جاد يحقق إصلاحاً سياسياً يكفل التراضي على نظام الحكم، وإدارة الاقتصاد، ويصون الحريات والعدالة فإن التوتر والتجاذب سوف يؤدي لانفجار. صحيح أن استقتال الشهيد محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد كان قداحة اشعلت الثورة في تونس ثم في مصر فهبت في المنطقة كلها بعد ذلك رياح التغيير، ولكن قداحة تونس ما كانت لتعم المنطقة لولا تشابه مواجع الشعوب وتتطابق تطلعاتها.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن في الوطن العزيز

كنا منذ البداية نتابع أحداث المنطقة كلها بحرص شديد ودقة، وأصدرنا في ذلك الكتب ونشرنا المقالات. والآن بعد رحلة شملت مصر، والمغرب، وموريتانيا واشتملت على لقاءات كثيرة ضمت حكاماً ومعارضين، وبعد تدارس للموقف نرى أن نُبينْ الآتي:

أولا: تشخيص الحالة: واضح لنا أن شعوب الأمة تعاني من مواجع مشتركة هي: الاستبداد- الفساد- والفقر- والظلم الاجتماعي- والتبعية للهيمنة الدولية. وواضح لنا تماما أن شعوب المنطقة مهما فصلت بينها الحدود الجغرافية تشدها أشواق مشتركة لفجر جديد.

ومن أفضل ما حققته حركات الثورة الديمقراطية العربية كسر حاجز الخوف من أجهزة الأمن المرعبة، وبروز رافد شبابي مدجج بالأمل، وإيقاظ شعوب استردت الثقة في قدراتها، والإقدام على بناء نظام جديد ذي معالم مشتركة، أهمها:

· حكم راشد يقوم على المشاركة والمساءلة.

· اقتصاد خال من الفساد يحقق التنمية ويكفل المعيشة ويقضي على العطالة والفقر.

· عدالة اجتماعية في توزيع الموارد المادية.

· الانتصار للكرامة وإقامة العلاقات الخارجية على الندية لا التبعية.

· وبدا واضحا أنه حيثما تحررت الشعوب فإنها عبرت عن تطلعاتها الإسلامية.

ثانيا: روشتة الدواء

1. البلدان التي حققت تحولاً ديمقراطياً كما في تونس ومصر وإلى حد المغرب وانتخبت أحزاباً إسلامية سيواجهون التحديات الآتية:

· كيفية الحكم بالديمقراطية.

· كيفية التصدي للمسألة الاقتصادية.

· التعامل مع المسألة الثقافية بما يوفق بين التأصيل والتحديث.

· التعامل مع حقوق المرأة بما يوفق بين حقوقها الإسلامية وحقوقها الإنسانية.

· ملف العلاقات الخارجية بصورة توازن بين مراكز القوى الدولية وتحقق الندية والتعاون بلا تبعية، وتحقق السلام العادل.

ماذا هم فاعلون في وجه هذه التحديات؟

نحن منتدى الوسطية الإسلامية العالمي بصدد الإجابة على هذا السؤال في مؤتمر سوف يعقد قريبا إن شاء الله في القاهرة للإجابة على سؤالين هما:

· ماذا تعني إقامة دولة حديثة بمرجعية إسلامية؟

· ما هي الدروس المستفادة من التجارب الإسلامية المعاصرة في باكستان، وإيران، وتركيا، والسودان، وماليزيا، وأفغانستان، وغزة؛ للتعلم من أخطائها والاقتداء بإيجابياتها.

كثير من الأصوات التي نالتها الأحزاب الإسلامية هي أصوات أمل فيها، واحتجاج على ما سبقها من ممارسات سيئة، وسوف يقاس أداؤها بما تختلف من الممارسات السيئة وما تحقق من الآمال الواعدة.

ثالثا: البلدان التي لم تقع فيها ثورات بعد شعوبها تشكو من نفس العلل المذكورة، وتشدها نفس الآمال المنشودة وهي: إما دول تحكمها نظم ملكيات وراثية يرجى تلبية لمطالب الشعوب أن تتطور لملكيات دستورية، أو جمهوريات استبدادية جاءت بانقلابات عسكرية. المغرب بدأ خطوات في الاتجاه لملكية دستورية وينبغي تطوره ليصير أنموذجا للدول الملكية الأخرى. الحكام في هذه البلدان يستطيعون المحافظة على الاستقرار وعلى عروشهم إذا قبلوا تحولا ديمقراطيا يحترم مكانتهم ويضع السلطات التنفيذية والتشريعية في أيد منتخبة.

رابعا: النظم الجمهورية التي كونتها الانقلابات العسكرية تتطلع شعوبها لنفس المقاصد الديمقراطية المذكورة فإن قاومت إرادة الشعوب كما حدث في اليمن، وليبيا، وسوريا فإنها تفتح الباب لصراعات دامية ولتدخلات خارجية. وكلاهما لا تؤمن عقباه، وفي النهاية سوف تنتصر إرادة الشعوب على الاحتلال الداخلي مثلما انتصرت على الاحتلال الأجنبي.

خامسا: النهج الصحيح هو التراضي على إصلاح جذري استباقي يحقق وضعا انتقاليا متفقا عليه، وكتابة دستور مجمع عليه، وإجراء انتخابات عامة حرة في ظل حكم قومي يكفل تنافسا حرا نزيها.

سادسا: السودان ينطوي على احتقان أكثر من غيره تؤججه:

· خمس جبهات قتال ملتهبة أو محتملة.

· حركة مطلبية واسعة النطاق.

· حركة سياسية تنشد نظاما جديدا سوف تعمل حركيا لتحقيقه بوسائل الجهاد المدني.

· تحركات واسعة حتى داخل الحزب الحاكم تنشد الإصلاح الجذري تجنبا لنتائج الإخفاقات التي لاحت بوادرها.

سابعا: نحن سوف نعمل على تشبيك قوى التغيير الداخلية كلها من أجل ميثاق النظام الجديد وللعمل المشترك من أجل إقامته، ونعتقد أن النظام الجديد حتماً آت.

النظام الجديد المطلوب جديد من القمة للقاعدة ومن دولة الحزب لدولة الوطن، ومن الاحتراب للسلام ومن الملاحقة الدولية للتفاعل الإيجابي مع النظام العدلي الدولي.

قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال النبي (ص): “الدعاءُ مخ العبادة”، وسيد الدعاء الاستغفار، استغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله القائل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) والصلاة والسلام على المصطفى القائل: “يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ”، أما بعد-

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

في صباي درّجت شيخا إلى منزله فقال لي: ادخل من باب النساء الله يكرم السامعين. وكنت طفلا قد شب بين يدي أم من كرائم الإنسانية تقوى، وإقداما، وحكمة، وظهر لي منذ نعومة أظفاري وجود تناقض أساسي بين حقيقة المرأة والثقافة الشائعة حولها. وفي حياتي في الغرب كنت قد كونت الاتحاد الإسلامي في أكسفرد وكنت أمينا للمجلس العربي وللتضامن الأفريقي، وللنادي الاشتراكي وكنت لذلك أتصدى لقضايانا في المحافل وكان موضوع المرأة مجال الهجوم المستمر على الإسلام، وكنت ألاحظ أن هذا الهجوم قد أثمر فتنة لكثير من المسلمات تصورا أن دين الإسلام يهدر كرامتهن، وأن الفكر العلماني ينصفهن، لذلك تصديت لهذه القضية وخضت فيها معارك ناجحة: في مؤتمر عقده اليونسكو في عام 1980م في باريس، وفي مؤتمرات لاحقة آخرها ما دعا إليه مجلس حقوق الإنسان التابع للإمم المتحدة في جنيفا في 2005م.

الفهم الصحيح لهدى القرآن وسنة النبي محمد (ص) يبين كيف أن الإسلام نصيرٌ للمرأة.

سمى الخوارج خوارجا لأنهم تمسكوا بظاهر النصوص وفات عليهم نهج التدبر وكل الذين يجحدون التدبر متناسلون من الخوارج. قالوا علي نهج هؤلاء الظاهريين: إذا كان المؤمن هو البر التقي. فمن لم يكن كذلك فهو كافر، مخلد في النار، لذلك عثمان (رض) وعلي (رض) ومن والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله!

ما قلته في خطابي للشباب عن المرأة صحيح شرعا وعقلا، وكم أثلجت صدري مرافعة أخواني وأبنائي في هيئة شئون الأنصار فلو اجتمع نفر من أفقه الناس لما زادوا عليه جزاهم الله خيرا.

وأضيف تزكية للمرأة أنها لم تخلق من ضلع آدم الأعوج بل قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) ، وهي لم تخرج آدم من الجنة بل قال تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى). نعم كما جاء في كتاب الله إن نساء كدن ليوسف، وكذلك أخوة يوسف كانوا أكبر كيدا، فالكيد خصلة إنسانية ليست حكرا على النساء. وأضيف تزكية لهن سبعة محامد:

– أول من أسلم امرأة – خديجة (رض).

– وأول شهيدة امرأة – سمية (رض).

– وأمينة سر الهجرة امرأة – اسماء (رض).

– وأمينة سر القرآن امرأة – حفصة (رض).

– وحافظة نسل محمد (رض) امرأة – فاطمة (رض).

– وحافظة نصف السنة امرأة – عائشة (رض).

– والحاكم الوحيد الممدوح في القرآن امرأة: بلقيس ملكة سبأ.

ولكن هنالك حشويون مصرون على توظيف فهمهم القاصر للإسلام لطرد المرأة من رحمة الله على نحو ما تنشده أهواؤهم:

توقوا النساء فإن النساء نقصن حظوظا وعقلا ودينا

وقول القائل:

لكل أبي انثى يرجّو صلاحها ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهر

بعل يراعيها وبيت يظلها وقبر يواريها وخيرهم القبر

وأضيف أن هؤلاء الحشويين يوفرون لأعداء الإسلام ذخيرة لهجومهم على الإسلام، بل في تتبعي لكتب السيرة وبعض الأحاديث أجد أن كل الأمور التي هاجم بها غلاة المستشرقين النبي محمد (ص) مردها لروايات الصديق الجاهل: مقولة زواجه من طفلة، مع أن الله يقول: (ولا تعقدوا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ومقولة الشهوانية، ومقولة نشر الإسلام بالسيف كلها مقولات باطلة ولكن أعداء الإسلام استمدوها من مراجع إسلامية.

إذن قضيتنا هذه هي جزء من صيانة المرأة من فتنة أعداء الإسلام، وهي جزء من سجال حضاري عالمي نترافع فيه عن دين الله.

أما مسألة التكفير التي رمانا بها الظلمة من علماء السلطان فلو كانت المسألة شخصية أي إساءة لشخصي لاحتملتها كما تعودت أن احتمل كثيرا من المعتدين على شخصي:

رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال

وقد استفتحت فوجدت من الله عزاء: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).

ولكن لدى تفكري في الأمر اتضح جليا أن:

· هؤلاء القوم استمرأوا تكفير المسلمين ففي نظرهم: الصوفية، والشيعة، والقائل بالديمقراطية، والمانع للنقاب، والسائر في مظاهرات لنصرة غزة، والقائل بتقرير المصير للجنوب، والمحاور لعلماني، جميعا كفار أي أنهم يكفّرون أغلبية أهل القبلة. وبما أن النبي (ص) قال: “أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ : كَافِرٌ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا” يعني إما هم أو كافة أهل القبلة كفار. وقال الإمام ابن تيمية في الفتاوي: أجمع الصحابة وسائر أئمة المسلمين على أن ليس كل من قال قولا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك وإن كان قوله مخالفا للسنة. فتكفير كل مخطئ خلاف للإجماع.

وقال الإمام الغزالي: ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا. فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بالتوحيد خطأ. والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم.

وجاء في حديث النبي (ص): “وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ” إن هؤلاء إذن خطر على أمة محمد (ص).

· الموضوع لا يقف عند هذا الحد فقد كان لتكفيرهم لمن يتعامل مع الحركة الشعبية أو يحاورها أو يوافقها على تقرير المصير دورا في استعداء الجنوبيين وفي الانفصال لدولة عدائية حتما تناصبنا العداء وحتما تتحالف مع أعدى أعدائنا. إنهم إذن خطر على الأمن القومي السوداني.

· وهم يتبعون عقيدة في الولاء والبراء تقوم على فتوى محرفة من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية مفادها: أن الكفر علة القتال. بينما الفهم الصحيح للإسلام أن العدوان هو علة القتال. وبموجب هذه الفتوى تحرك شبان وقتلوا، وقد سفكت في السودان وفي خارج السودان دماء كثيرة وأهدرت أموال وأعراض. قام بذلك شبان يعتقدون حسب فتوى الخوارج الجدد أنهم إنما يقومون بواجب ديني وهو الطريق إلى الجنة على نحو ما قال الحكيم:

وَالقاتِلُ مَن يَضَعُ الفَتوى بالقَتْلِ

وَليسَ المُستفتي

· هؤلاء يكفرون أهل السودان من ليسوا على مذهبهم وعن طريق عقيدتهم في الولاء والبراء يعلنون الحرب على أهل القبلة قال ابن مسعود: إن الشيطان قد كاد ابن آدم بمكيدتين عظيمتين لا يبالي بأيها ظفر. احدهما الغلو ومجاوزة الحد والإفراط، والثانية الإعراض والترك والتفريط. وقال ابن القيم: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر.

وفي السودان الآن جبهة مسلحة تعلن الحرب لإقامة دولتها المغايرة بالقوة.

هكذا انتظمت الصفوف لتدمير السودان. والمدهش أن نفس المشهد بين الإفراط والتفريط يظهر في مصر لحرقها هي الأخرى بين حشويين استوردوا ألف عصا كهربائية لإقامة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر بالقوة، وفي المقابل تهيأ أقباط لإقامة دولة الأقباط المصرية.

هذه الفئة التكفيرية إذن مخلب قط ينفي سماحة الإسلام ويهيء الظروف لتدمير ما بقى من السودان.

الإنسان مخلوق كرمه ربه ونفخ فيه قبساً روحياً يمارسه بالرياضات الروحية والإلهام: (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) ووهب الله الإنسان عقلا وحثه على التفكر (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). والإنسان مأمور باكتشاف سنن الطبيعة (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) والطبيعة كلها آيات جمالية في البحر، وفي النهر، وفي الزهر، وفي البشر، وفي الأنعام: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ). هؤلاء التكفيريون ينكرون هذه الملكات الإلهية المغروسة في طبيعة الإنسان.

الإنسان عندهم كائن جاف متصحر فالإلهام عندهم باطل. والتفكير كالتكفير. وينكرون حقائق العلوم الطبيعية، قرأت لهم كتاب الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة يكفر صاحبه من يقول بكروية الأرض والفنون آيات الجمال في الكون عندهم باطلة. إنسان التكفيريين مجرد من ملكات الإنسانية دوره الوحيد في الحياة هو تقليد ما جاء به فقهاؤهم وإلا فهو كافر.

ليعلم هؤلاء أننا نمثل -تاريخا وحاضرا- أكثر من ضحى في سبيل الإسلام. وفي سبيل السودان والحكم الراشد فيه يوم كان أسلاف أغلبيتهم مع غردون داخل الخندق “الققرة”، أو مع الذين بايعوا فاروق ملكا للسودان، أو مع الذين شايعوا الطغاة الذين حكموا السودان وأهدروا مصالح أهله. لم يقولوا للطغاة مهما ظلموا أو قتلوا أو أفسدوا نصحا بل قبلوا وظائفهم وتمرغوا في نعمائهم، هم فقهاء بلاط السلاطين.

وأضحك ما يضحك استشهادهم بمقولات الإمام المهدي عليه السلام الذي كفــّره من كانوا على نهجهم. هذا دليل آخر على جهلهم بفقه المهدية، فالمهدية نداء وعمل لتدمير حائط التقليد، وهو نداء وعمل للهداية المستمرة على حد مقولة: “ولا تعرضوا لي بنصوصكم ولا بعلومكم على المتقدمين، فلكل وقت ومقام حال ولكل زمن وأوان رجال”.

موقفنا الآن من هذا العبث باسم الدين هو: الحكومة مسئولة أن تحملهم على سحب فتواهم التكفيرية، والاعتذار عن تلويث مناخ السودان المتسامح. وإن أبوا وأصروا على الحنث العظيم فسوف نلجأ للقضاء لمساءلتهم عن التعدي على اختصاصه، وعن قذف العقائد وهو أكبر من قذف الأعراض. فإن تقاعس القضاء أو عجز فسوف نتصدى لهم حتى ننتصف منهم لأن خطرهم على الإسلام والسودان صار واضحا (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ)

حي على الصلاة والله أكبر على المعتدين.